أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث

قراءة في كتاب:

أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث

جاسم محمد صالح

[email protected]

 كثيرة هي الكتب التي تصدر، ولكن الكتاب المهم والنادر هو الذي يفرض نفسه في النهاية، ويصبح طموحاً لكل القراء والمثقفين الذين يبحثون عن المعلومة والحقيقة، و(أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) واحد من هذه الكتب المتعمقة والمتخصصة , وهو كتاب يبحث في تاريخ العراق في العصور المظلمة، ألفه باللغة الإنكليزية المستر( ستيفن هيمسلي لونكريك) وهو مفتش إداري يمثل سلطة الاحتلال الإنكليزي في الحكومة العراقية إبان فترة العشرينيات من القرن الماضي.. حيث استمر المؤلف في خدمة الجيش الإنكليزي حتى وصل إلى منصب (آمر لواء) في الحرب الكونية الثانية.

 إن المؤلف الذي ادعى النزاهة كثيراً ما كان يخرج عن الحيادية لاعتماده على تصور المستشرقين والرحالة كأساس لآرائه وأفكاره.

 لقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب باللغة الإنكليزية عام 1925، ولقد غطى فترة كبيرة من تاريخ العراق لا سيما الفترة المظلمة التي مرت عليه والتي امتدت من (1500- 1900م) وبهذا أصبح هذا الكتاب حلقة جديدة ومهمة أرخت لهذه الفترة التي تعد سجلاً حافلاً بالحوادث المروعة التي وقعت في العراق خلال عدة قرون.

 جاء في مقدمة المترجم :((فقد تقاتل على الاستحواذ على هذا البلد منذ القدم الإيرانيون والرومان والأتراك وتناحر عليه فيما بعد الإيرانيون والأتراك العثمانيون عدة قرون , ثم طمعت فيه في العهد الأخير الأمم الغربية المختلفة, مما لا يخفى أمره على أحد، وعلى الرغم من أن المؤلف يبدو للعيان رجلاً محايداً ونزيهاً فإنه في كثير من الأحيان يخرج عن هذا المسار الذي اختطه لنفسه فيحاول خلط الأوراق تبريراً لأسباب الاحتلال البريطاني للعراق وعلاقات بريطانيا بالعراق والمنطقة العربية , وكذا الحال مع الدولة العثمانية وإيران… فيما يتعلق بالصراع من أجل الاستحواذ على المنطقة ونهب خيراتها وثرواتها )).

 الكتاب مقسم إلى اثني عشر فصلاً، ففي الفصل الأول منه تناول جذور المجتمع العراقي وبنيته وتكوينه السكاني في ماضيه القريب وكذلك بدايات الاحتلال الإيراني والتهديد التركي للعراق , إضافة إلى سيرة السلطان( سليم) وحياته.

 وفي الفصل الثاني تناول فترة القرن السادس عشر و بين آمال العراقيين ومخاوفهم في زمن الحكم التركي للعراق, إضافة إلى أهم الأحداث الداخلية التي عصفت بالعراق للفترة من (1534م) إلى (1620م) وكذلك الظروف والأحداث التي طرأت على قبائل ومدن العراق وقصباته في أطراف العراق, مع بيان وضع الحكومة في تلك الفترة.

 أما فصله الثالث فقد تناول فيه المؤلف قصة حياة بكر صوباشي وفترة الاحتلال الإيراني الثاني للعراق إضافة إلى قصة (حافظ أحمد) والسلطان( مراد) عام 1638 وما جرى في ذلك العام من أحداث.

 أما فصله الرابع فقد تناول فيه فترة القرن السابع عشر, الذي شمل خصائص التاريخ العراقي من (1639م-1704م) ، وخارطة توزيع القبائل العربية التي سكنت العراق في القرن السابع عشر مع تاريخ بغداد وحكامها للفترة ذاتها, مع تناول تاريخ المنطقة الشمالية من العراق رجالاً ودويلات وطبيعة اجتماعية.

 أما فصله الخامس فقد ركز فيه على أمير البصرة وأسرة (أفراسياب) وتاريخ الخليج العربي للفترة من (1622-1700م) وما فيه من أحداث , وكذلك ركز على أهم الأحداث التي كانت وراء سقوط أسرة (أفراسياب) وعاقبة( حسين باشا) وما رافق ذلك الجيل من تقلبات ومحن.

 وفي الفصل السادس ركز المؤلف على العمالقة البارزين من المتصارعين للسيطرة على حكم بغداد( حسن باش ) ا، والحملات العثمانية، وحصار بغداد على يد (نادر قلي) و (المنقذ الأعرج ) ونهاية الصراع بين العثمانيين والفرس للاستحواذ على العراق , إضافة إلى تاريخ مفصل للعراق وللحروب التي جرت فيه للفترة من (1722-1747م).

 في فصله السابع تناول المماليك و(أبو ليلة) و(علي ) و (عمر) وما تعنيه عبارة (باباني وإيراني).

 في فصله الثامن تناول سيرة ( سليمان) الكبير وحصار البصرة واحتلالها وتبوء (الباشا الكبير) , كما أرخ لأهم أحداث القبائل والأتباع للفترة من (1780م-1802م) مع تأريخ نشوء (الوهابيين) إضافة إلى كيفية نهاية( الباشا الكبير).

 في الفصل التاسع تناول سيرة المماليك الأواخر الذين حكموا بغداد وأحداث الوهابيين للفترة من (1802-1810م) وما جرى من أحداث في شهرزور من (1802 إلى 1813م) وسيرة (سعيد باشا ) وآخر المماليك وما تبع ذلك من غزوات من (كرمن شاه).

 في الفصل العاشر من الكتاب ركز المؤلف على نهاية عهد المماليك وحالة العراق فيه وكذلك احتلال بغداد ومجيء (علي رضا).

 في فصله الحادي عشر ألقى الضوء على الفترة التي سبقت (مدحت باشا) وكذلك على علاقات الدولة العثمانية مع الدول الأجنبية وبدايات نشوء ظاهرة الإصلاح وعلى أهم الشخصيات التي ظهرت في تلك الحقبة وكيفية عودة الحكم المباشر الذي فرض على القبائل والعشائر العربية التي كانت تتمتع باستقلال شبه ذاتي والسياسة التي اتبعتها الحكومة مع العشائر للفترة من( 1838-1869) .

 أما في فصله الثاني عشر فقد تناول أواخر القرن التاسع عشر، وكذا (مدحت باشا) والتوسع العثماني والمصري في الجزيرة العربية، وحكومة العراق في نهاية ذلك القرن.

 إضافة إلى احتوائه على قائمة بأهم مراجع الكتاب ونسب بعض الأسر وملوك تركيا وإيران وتوضيح للأسماء والمصطلحات الأعجمية, إضافة إلى فهرست الأعلام الذين وردت أسماؤهم في الكتاب وضم الكتاب في ترجمته العربية بين دفتيه أكثر من 450 صفحة من الحجم المتوسط.

 كانت معرفة عقلية العراقي وسلوكية رجال الدين ودور النزاعات القبلية والطائفية مدخلاً واسعاً للسيطرة على العراق أرضاً وأفراداً ومعتقداً.

 لقد طرح الكتاب عدة حقائق منها : (( فقد كانت البلاد على عظمة ماضيها، وعلى ما فيها من ثروة دفينة ما تزال تنتظر العلم والحكم المستنير لاستثمارها فقد تقادم فيها عهد الخراب الذي سببه الجور المبيد فأصبحت قفراً موحشاً تسود فيها الفوضى من القلعة الصخرية في ماردين حتى شط العرب)) , وشكل هذا الطرح مدخلاً لدراسة تأريخ العراق في هذه الفترة التي امتلأت بالصراعات الشخصية والقبلية وكذلك بالصراع بين مختلف الأطراف للسيطرة على العراق سواء كانت فارسية أو عثمانية أو مصرية أو وهابية، ولا يخفى على بال القارئ اللبيب أن المؤلف مع إجلالنا الكبير له ولجهوده العلمية كان كتابه ضوءاً ساطعاً لمعرفة تأريخ العراق وبنية تكوينه الاجتماعي والديني والقبلي وما رافق ذلك من وشائج ومنفرات وكذلك مرتكزات الفكر الديني لدى الفرد العراقي، كل ذلك كان يصب في خدمة قوات الاحتلال الإنكليزي التي احتلت العراق طمعاً بخيراته وثرواته وبموقعه المهم وكان المؤلف أحد الذين ساهموا في احتلال العراق.

 لقد تنور المؤلف في كتابه هذا بمؤلفات المستشرقين المنشورة وغير المنشورة إضافة إلى أهم وأندر ما مكتوب في اللغة العربية, ومع هذا كله فالكتاب يعد واحداً من أهم الكتب التي عملت عقلية الاحتلال البريطاني على تأليفه ونشره لما لها من أهمية في قراءة واستلهام ومعرفة فكر وتأريخ هذا البلد الذي احتلوه ، لتسهل عليهم عملية الاحتلال وديمومته وكيفية التعامل مع شيوخه وأبنائه ورجال الدين، حاله حال بقية الكتب التي ألفت في هذا المجال والتي خدمت نفس الغرض والاتجاه وهي:

1- (تأريخ شرقي الأردن وقبائله) تأليف اللفتنانت كولونيل( فردريك.ج. بيك) ، تعريب (بهاء الدين طوقان) .

2- (بلاد ما بين النهرين بين ولاءين) تأليف سر( ارنلدتي ويلسون )ترجمة( فؤاد جميل).

3-  (مذكرات برترام توماس في العراق 1918-1920)، ترجمة (عبد الهادي فنجان).

4-  (الفرات الأوسط رحلة وصفية ودراسات تاريخية) – تأليف( الوا موسيل)، ترجمة الدكتور(صدقي حمدي )و (عبد المطلب عبد الرحمن داود).

5-  (مذكرات مالوان) العالم ألآثاري الشهير- ترجمة (سمير عبد الرحيم ألجلبي).

6-  (ثلاثة ملوك في بغداد)- تأليف العقيد (جرالد دي غوري) الملحق العسكري في السفارة البريطانية ببغداد , ترجمة وتعليق (سليم طه).

 وأخيراً الكتاب المهم جداً الذي ألفته مجموعة من الجواسيس البريطانيين تحت إشراف مباشر من المس( بيل) تحت عنوان :

7- (تقرير سري لدائرة الاستخبارات البريطانية عن العشائر والسياسة) الذي بينت فيه الأحوال الاجتماعية والسياسية للعشائر العراقية وعلاقاتها بالإدارة البريطانية.. ونقله إلى اللغة العربية عام 1958 الدكتور(عبد الجليل الطاهر).