التحالف الغادر

التحالف الغادر

د.خالد الأحمد *

تلخيص لعرض كتاب ( التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية ) الذي كتبه السيد ("تريتا بارسي" أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز"، ولد في إيران و نشأ في السويد ، حصل على شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية في رسالة عن العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية. ويرأس "بارسي" المجلس القومي الإيرانى-الأمريكي، و له العديد من الكتابات حول الشرق الأوسط، و هو خبير في السياسة الخارجية الأمريكية.) وعرضه السيد ( علي حسين باكير ) وقد أعجبت جداً به ، لذلك ألخص هذا العرض ، مع تبويب مدرســي كما تعودت .

 أخوكم : أبو ثائر

يقول السيد باكير :

1- يعتقد بارسي أنّ العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني – الأمريكي تقوم على المصالح و التنافس الإقليمي و الجيو-استراتيجي و ليس على الأيديولوجيا و الخطابات و الشعارات التعبوية الحماسية...الخ.

 وتعليقي على ذلك أن إيران دولة تسعى لتكون امبراطورية ، لها مصالح إقليمية ، وربما تحلم بما وراء البحار ، كما هي أمريكا في فلسفتها البراغماتية ، وأختلف مع الكاتب في أهداف إسرائيل ، التي أرى أنها ( عقائدية ) أكثر منها ( براغماتية ) ، والصهيونية العالمية تسوق كلاً من أمريكا وإيران لتنفيذ أهدافها البعيدة .

2- و استنادا إلى الكتاب، فإن إيران و إسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل. و يكشف الكتاب الكثير من التعاملات الإيرانية – الإسرائيلية السريّة التي تجري خلف الكواليس . كما يؤّكد الكتاب أنّ أحداً من الطرفين (إسرائيل و إيران) لم يستخدم أو يطبّق خطاباته النارية، فالخطابات في واد و التصرفات في واد آخر معاكس.

أقول :( لاننـس غمز على اليســار واذهب من اليميــن) .   

3- وفقاً لبارسي، فإنّ إيران الثيوقراطية ليست "خصماً لاعقلانياً" للولايات المتّحدة و إسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام و أفغانستان بقيادة الطالبان. فطهران تعمد إلى تقليد "اللاعقلانيين" من خلال الشعارات و الخطابات الاستهلاكية و ذلك كرافعة سياسية و تموضع ديبلوماسي فقط. فهي تستخدم التصريحات الاستفزازية و لكنها لا تتصرف بناءً عليها بأسلوب متهور و أرعن من شأنه أن يزعزع نظامها.

4- وتتشابه إيران مع إسرائيل في موقف كل منهما من العرب :

أ-كلتا الدولتين تميلان إلى تقديم أنفسهما على أنّهما متفوقتين على جيرانهم العرب ، وينظر العديد من الإيرانيين إلى أنّ جيرانهم العرب أقل منهم شأناً من الناحية الثقافية و التاريخية و في مستوى دوني.  ( تذكروا الشعوبية )، و يعتبرون أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضّرهم و تمدّنهم و لولاه لما كان لهم شأن يذكر.

في المقابل، يرى الإسرائيليون أنّهم متفوقين على العرب بدليل أنّهم انتصروا عليهم في حروب كثيرة .

ب - و يشير الكتاب إلى أنهما يلتقيان أيضا حاليا في نظرية "لا حرب، لا سلام". الإسرائيليون لا يستطيعون إجبار أنفسهم على عقد سلام دائم مع من يظنون أنهم أقل منهم شأناً و لا يريدون أيضاً خوض حروب طالما أنّ الوضع لصالحهم، لذلك فان نظرية "لا حرب، لا سلام" هي السائدة في المنظور الإســرائيلي. في المقابل، فقد توصّل الإيرانيون إلى هذا المفهوم من قبل .

ج - الأهم من هذا كلّه، أنّ الطرفين يعتقدان أنّهما منفصلان عن المنطقة ثقافياً و سياسياً.

اثنياً، الإسرائيليون محاطون ببحر من العرب ، و دينياً محاطين بالمسلمين السنّة. أما بالنسبة لإيران، فالأمر مشابه نسبياً. عرقياً هم محاطون بمجموعة من الأعراق غالبها عربي خاصة إلى الجنوب و الغرب، و طائفياً محاطون ببحر من المسلمين السنّة. وإن إيران اختارت أن تميّز نفسها عن محيطها عبر إتّباع التشيّع بدلاً من المذهب السني السائد و الغالب.

5-  اللقاءات الســرية :

و يكشف الكتاب أنّ اجتماعات سرية كثيرة عقدت بين إيران و إسرائيل في عواصم أوروبية اقترح فيها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة، تابع الطرفان الاجتماعات فيما بعد و كان منها اجتماع "مؤتمر أثينا" في العام 2003 و الذي بدأ أكاديمياً، و تحول فيما إلى منبر للتفاوض بين الطرفين تحت غطاء كونه مؤتمراً أكاديمياً.

6- غــزو العـراق :

وجد المسؤولون الرسميون الإيرانيون أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق العام 2003، عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين و تنتهي مخاوف الطرفين.

و بينما كان الأمريكيون يغزون العراق في نيسان من العام 2003, كانت إيران تعمل على إعداد "اقتراح" جريء و متكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساساً لعقد "صفقة كبيرة" مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الأمريكي-الإيراني.

تمّ إرسال العرض الإيراني أو الوثيقة السريّة إلى واشنطن. لقد عرض الاقتراح الإيراني السرّي مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمّت الموافقة على "الصفقة الكبرى" و هو يتناول عدداً من المواضيع منها:

برنامجها النووي, سياستها تجاه إسرائيل, و محاربة القاعدة.

 كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أمريكية-إيرانية بالتوازي للتفاوض على "خارطة طريق" بخصوص ثلاث مواضيع:

 "أسلحة الدمار الشامل", "الإرهاب و الأمن الإقليمي", "التعاون الاقتصادي".

وفقا لـ"بارسي", فإنّ هذه الورقة هي مجرّد ملخّص لعرض تفاوضي إيراني أكثر تفصيلاً كان قد علم به في العام 2003 عبر وسيط سويسري (تيم غولدمان) نقله إلى وزارة الخارجية الأمريكية بعد تلقّيه من السفارة السويسرية أواخر نيسان / أوائل أيار من العام 2003.

هذا و تضمّنت الوثيقة السريّة الإيرانية لعام 2003 و التي مرّت بمراحل عديدة منذ 11 أيلول 2001 ما يلي:

 1-   عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ (تحقيق الأمن و الاستقرار, إنشاء مؤسسات ديمقراطية, و حكومة غير دينية).

2-    عرض إيران (شفافية كاملة) لتوفير الاطمئنان و التأكيد بأنّها لا تطوّر أسلحة دمار شامل, و الالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل و دون قيود.

3-   عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة و الضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضدّ المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967.

4-       التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني.

5-   قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمّة بيروت عام 2002, أو ما يسمى "طرح الدولتين" و التي تنص على إقامة دولتين و القبول بعلاقات طبيعية و سلام مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967.

 6- المفاجأة الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية!! لقد سبّب ذلك إحراجاً كبيراً لجماعة المحافظين الجدد و الصقور الذين كانوا يناورون على مسألة "تدمير إيران لإسرائيل" و "محوها عن الخريطة".

( للذكرى فإن شـاه إيـران من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل وأقامت معها علاقات دبلوماسية ) .

              

*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية