محمد عُضيمة
الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية
وكتابه : دراسات لأسلوب القرآن الكريم
موسى بن سليمان السويداء / السعودية
ترجمــة :
هو محمد عبد الخالق عُضيمة أستاذ جامعي مصري ولد سنة ( 1328 هـ / 1910 م ) بمصر مركز طنطا وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمعهد طنطا الديني ثم حصل على إجازة في علوم اللغة العربية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ثم التحق بالدراسات العليا وتخرج فيها ثم عمل مدرساً بكلية اللغة العربية بالقاهرة ثم ابُتعث إلى مكة المكرمة في أول بعثة أزهرية إلى المملكة العربية السعودية ثم عمل أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .
له كثير من المؤلفات فقد أثرى الدراسات النحوية بالكثير من الكُتب تأليفاً وتحقيقاً وفهرسة فمنها :
1/ دراسات لأسلوب القرآن الكريم . تأليف ، وقد نال عليه جائزة الملك فيصل وسيأتي الكلام عليه .
2/ المغني في تصريف الأفعال . تأليف .
3/ هادي الطريق إلى ذخائر التطبيق . تأليف .
4/ كتاب المقتضب للمبرد . تحقيق .
5/ كتاب المذكر والمؤنث لأبي بكر الأنباري . تحقيق .
6/ كتاب سيبويه . فهرسة .
نال جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1403 هـ / 1983 م توفي – رحمه الله – عام ( 1403 هـ / 1983 م )(1) .
التعريف بكتاب دراسات لأسلوب القرآن الكريم :
هذا الكتاب للشيخ محمد عُضيمة يعتبر معجماً نحوياً صرفياً جامعاً لأساليب اللغة في القرآن الكريم لم يُسبق إليه أمضى الشيخ خمسة وعشرين عاماً في تأليفه وطبع في أحدى عشر مجلد في دار الحديث بالقاهرة وقدم له الشيخ عبدالله التركي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سابقاً والأستاذ الكبير محمود محمد شاكر .
وقد اعتنى بحروف القرآن عناية فائقة حتى قال في ج1 ص20 ما نصه : (( تكلم ابن هشام عن ( إلا ) الاستثنائية في القرآن وفي كلام العرب فلم يتجاوز حديثه ( 50- 60 ) سطراً على اختلاف طبعات المغني واستغرق حديثي عن ( إلا ) الاستثنائية في القرآن وحده ( 153 ) صفحة تزيد عن ثلاثة ألاف سطر )) .
وقال أيضاً عن أساليب وعجائب القرآن الكريم في مقدمة الجزء الثامن : (( والقرآن الكريم أحكم نسجه وأتقن صُنعه(2)خالق الخلق وبارئ النسم فلا عجب في أن نرى نظمه لا يهتز ولا يضطرب وإن فيه ما يجعل كلام البشر مضطرباً متنافراً واضرب لذلك مثلاً :
مثَّل علماء البلاغة لتنافر الكلمات بقول الشاعر :
وقبرُ حَرْبٍ بمكانٍ قَفرٍ = = = = = وليس قُرْبَ قَبْرِ حربٍ قَبْرُ
التنافر في قوله : ( وليس قرب قبر حرب قبر ) .
والذي جعله ثقيلاً متنافراً ما فيه من التكرير : ثلاث قافات وأربع باءات وأربع راءات لقد وقع في القرآن تكرير أكثر مما وقع في البيت ولم يضطرب نظمه ولم تتنافر كلماته .
تكررت الميم ثماني مرات متواليات متتابعات في جزء من الجملة في قوله تعالى : { يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ }[هود/48] .. { أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } فيها ثمان ميمات متواليات . الأصل : " أمم من من معك " قلب تنوين { أُمَمٍ } ميماً فهذه ثلاثة ميمات ثم قلبت نون " مِنْ " ميماً فهذه خمسة ميمات ثم قلبت نون " مَنْ " ميماً فهذه سبع ميمات والميم الثامنة ميم " معك " .
قلب النون ميماً واجتماع هذه الميمات متفق عليه من جميع القراء , قراء المتواتر والشواذ , لم يقرأ أحد بغير ذلك .
لم يعرض أحد من المفسرين لتعليل اجتماع هذه الميمات وإنما الذي عرض له حواشي " مغني اللبيب " الشمني والأمير .
في الشمني ج2ص68 : " قال ابن المنير : هذا من الغريب أن تتكرر أمثالٌ ولا يفطن لذلك ولا يحس اللسان منه بثقل ولا السمع بنبو " .
في حاشية الأمير ج2ص222 : " وعدم مج السمع لمثل هذا من العجائب المختصة بالقرآن " )) .
ولكي تكتمل الفائدة لمعرفة منهج مؤلف الكتاب في كتابه أنقل المقدمة بقلم الشيخ نفسه بحيث يعرف القارئ مدى الجهد المبذول ومدى الفائدة من هذا الكتاب النادر في تألفه وترصيفه فيقول :
(( فهذا بحث رسمتُ خطوطه ونسجت خيوطه بقراءاتي استهدفت أن أصنع للقرآن الكريم معجماً نحوياً صرفياً يكون مرجعاً لدارس النحو فيستطيع أن يعرف متى أراد :
أوقَع مثلُ هذا الأسلوب في القرآن أم لا ؟
وإذا كان في القرآن فهل ورد كثيراً أو قليلاً ؟
وفي قراءات متواترة أو شاذة ؟
كما أنه يستطيع أن يَحتكم إليه في الموازنة بين الأقوال المختلفة كما كان يفعل الصدر الأول في الاحتكام إلى كلام الفصحاء ومشافهتهم قبل أن يدب اللحن إلى الألسنة .
وجَّه الفقهاء عنايتهم إلى مصدر الشريعة الأول وهو القرآن فأحصوا آيات الأحكام وأشبعوا القول فيها والحديث عنها .
فالدارس للفقه يستطيع بسهولة ويسر أن يهتدي إلى الأحكام التي مصدرها القرآن والأحكام التي مصدرها غيره .
والقرآن الكريم حجة في العربية بقراءاته المتواترة وغير المتواترة كما هو حجة في الشريعة فالقراءة الشاذة التي فقدت شرط التواتر لا تقل شأناً عن أوثق ما نُقل إلينا من ألفاظ اللغة وأساليبها وقد جمع العلماء على أن نقل اللغة يُكتفى فيه برواية الآحاد .
ولو أراد دارس النحو أن يحتكم إلى أسلوب القرآن وقراءاته في كل ما يعرض له من قوانين النحو والصرف ما استطاع إلى ذلك سبيلا ذلك لأن الشعر قد استبدّ بجهد النحاة فركنوا إليه وعولوا عليه بل جاوز كثير منهم حده فنسب اللحن إلى القراء الأئمة ورماهم بأنهم لا يدرون ما العربية !
وكان تعويل النحويين على الشعر ثُغرة نقد منها الطاعنون عليهم لان الشعر رُوي بروايات مختلفة كما أنه موضع ضرورة .
لهذا مست الحاجة إلى إنشاء دراسة شاملة لأسلوب القرآن الكريم في جميع رواياته إذ في هذه القراءات ثروة لغوية ونحوية جديدة بالدرس وفيها دفاع عن النحو تعضد قواعده وتدعم شواهده .
بدأت هذه الدراسة في مكة المكرمة وفي بيت الله الحرام في شهر صفر سنة 1366 هـ / يناير سنة 1947 م وكان من ثمرة موالاة العمل أن كتبت مجلدات ضخمة سعة المجلد ألف صفحة وهذا تعريف بهذه المجلدات :
1/ وجدت المصنفين الذين عرضوا لفهرسة ألفاظ القرآن قد تناهت جهودهم عند حصر ألفاظ الأفعال وبعض الأسماء وإحصاء آياتها وتركوا هذا الإحصاء في الحروف والضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة وبعض الظروف الكثيرة الذكر كإذ وإذا .
بدأت بإحصاء حروف المعاني وجمع آيتها وكذلك فعلت في كل ما أغفلت جمعه هذه الكتب .
أ- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله - .
ب- المرشد إلى آيات القرآن الكريم وكلماته للأستاذ محمد فارس بركات .
ج- فتح الرحمن لطالب آيات القرآن لفيض الله العلمي .
د- مفتاح كنوز القرآن .
نعم وقفت على كتاب أحصى لنا ألفاظ القرآن لم يترك منها لفظاً وهو كتاب " مصباح الإخوان لتحريّات القرآن " لجامعه الحافظ يحيى حلمي بن حسين قسطموني غير أنه لم يذكر الآيات وإنما اكتفى بذكر أرقام للآيات وهذه الأرقام – مع الأسف – يشيع فيها الاضطراب ولاسيما في طوال المفصل وقد اعتذر عن هذا في مقدمة كتابه التي كتبها باللغة التركية اعتذر بأنه لم يكن لديه مصحف مرقم الآيات والمصاحف المفسر لم يظهر الا بعد أن فرغ من كتابه .
شغل هذا الإحصاء مني مجلداً ضخماً .
2/ نظرت في الكتب التي عُنيت بإعراب القرآن وأهمها :
" البحر المحيط " لأبي حيان " الكشاف " للزمخشري " إملاء ما من به الرحمن " للعُكبري " البيان " للأنباري ، حاشية الجَمل وغيرها ؛ لخصت ما فيها من أعاريب ورتبتها ترتيب أبواب النحو والصرف فشغل ذلك العمل مجلدين كبيرين .
3/ قرأت كتب القراءات : السبعية والعشرية والشواذ وهي : شرح الشاطبية لابن القاصح " غيث النفع في القرءات السبع " ، " النشر " في القراءات العشر لابن الجزري " إتحاف فضلاء البشر " للبناء " المحتسب " لابن جني " شواذ القرآن " لابن خالويه ، وأضفت إليها ما ضمه " البحر المحيط " من القراءات وتوجهها .
لخصت ما في هذه الكتب ورتبته ترتيب أبواب النحو والصرف فشغل ثلاثة مجلدات.
4/ رأيت أن الكتب المصنفة في فهرسة ألفاظ القرآن لا يأتي النفع بها إلا إذا رتبت ألفاظ القرآن ترتيب أبواب النحو والصرف فالباحث مثلاً عن مصادر القرآن لا يستطيع أن يقع عليها في هذه الكتب إلا إذا قرأها فإذا أراد البحث عن المشتقات أو الأبنية أو صيغ الزوائد والأفعال كان عليه أن يقرأها مرات ومرات وهكذا دواليك . ولذلك قمت بترتيب ألفاظ المصحف ترتيب أبواب النحو والصرف فجمعت في كل باب ألفاظه القرآنية وبهذا يسهل الوقوف على الآيات عن طريق هذه الألفاظ فجاء هذا العمل في مجلدين كبيرين ))(3) .
1/ منقول باختصار يسير من ، الموسوعة العربية العالمية , ج16 حرف العين .
2/ القرآن غير مصنوع كما ذكر الشيخ - رحمه الله – والصحيح أنه " كلام الله غير مخلوق منه بداء واليه يعود " وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن ومن أجل تقرير هذه المسألة أمتحن الإمام أحمد بن حنبل وسجن وجلد .
3/ دراسات لأسلوب القرآن الكريم , ج1 ص11 , طبعة دار الحديث , القاهرة .