الصراع على السلطة في سوريا

(الطائفية والعشائرية والإقليمية في السياسة)
(1961-1995م)

د.خالد الأحمد *

( الحلقة الأولى )

الكاتب : نيقولاس فان دام ، سفير هولندا في القاهرة ، والبحث رسالة دكتوراة لجامعة أمستردام . نشرت الطبعة الثالثة منه مكتبة مدبولي بالقاهرة .

والكتاب  موجود عندي كملف وورد في  (145) صفحة من القطع الكبير ، كما يوجد عندي نسخة ورقية مصورة للطبعة الثانية منه في (262) ص ، وقد طبع عدة مرات على الورق ،  يتكون من عشرة فصول بعد المقدمة ،  وثلاثة ملاحق هامة جداً عن الجيش والحزب ، وسوف أحاول تلخيص الفصول العشرة في عشر مقالات إن شاء الله تعالى ، وسيكون تعليقي ـ إن وجد ـ باللون الأحمر .

تمهيد : يؤكد فان دام  أن الولاءات الطائفية والعشائرية والإقليمية لعبت دوراً في تاريخ سوريا السياسي والاجتماعي والاقتصادي في القرن العشرين . [ وهذا مؤشر على التخلف السياسي ، عندما تستمر الولاءات الطائفية والعشائرية حتى القرن العشرين ، بينما لانجد شيئاً من هذا القبيل في أوربا وأميركا ] .

والكتاب إجابة عن مدى أهمية المعايير الطائفية والعشائرية والإقليمية في تكوين مراكز القوى داخل القوات المسلحة السورية ، وتنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا ...

وكانت من صعوبات البحث الحصول على الوثائق ، لأن الوثائق سرية في معظمها ، وماتنشره وسائل الإعلام لايمثل الحقيقة ... ومع ذلك فقد حصل الباحث على :

1- بعض وثائق حزب البعث الداخلية .

2- مذكرات بعض السياسيين البعثيين والسوريين .

3- ماينشر في الصحافة ووسائل الإعلام السورية والعربية .

4- مقابلات شخصية ذكر منهم الباحث (13) شخصية في مقدمتهم الفريق محمد أمين الحافظ ، وصلاح الدين البيطار ، ومنيف الرزاز ، وجورج صدقني ...وغيرهم .

الفصل الأول

يقول فاد دام : يتحدث اللغـة العربية في ســـوريا (5ر82 % ) ، وفي ســــوريا ( 7ر 68% ) من المسلمين السنة، ( 4ر57 % ) من السنة العرب ، و( 5ر11 % ) العلـــويــون ، و ( 3 %) دروز ، و( 5ر1%) إســماعيليون ، و (7ر14 % ) مسيحيون .  [ ورد رقمان أحدهما هذا الرقم والثاني ( 7ر4) لكن لدى الجمع يتضح أنه الأكبر ] .

شجعت الاختلافات المذهبية والعرقية نتيجة التسامح النسبي الذي أبداه الإسلام تجاه المسيحيين واليهود ،  وبسبب المساواة الرسمية بين المجموعات العرقية داخل الإسلام .

ثم اتسعت عوامل التصدع بين الأقليات الدينية والسنيين خلال القرن التاسع عشر والعشرين بسبب هذه العوامل :

1- تدخل أوربا في الخلافة العثمانية . بحجة رعاية الأقليات الدينية .

2- في عهد الانتداب الفرنسي ، تم تحريض الولاءات الطائفية عمداً ، كي تمنع ظهور الوحدة الوطنية أو القومية ...

3- حسب سياسة فرق تسد شجع الفرنسيون على تجنيد فصائل خاصة من العلوييـــن والـــدروز والأكراد والشــــركس باسم ( القوات الخاصة للشرق الأدنى ) ، وهدفها حماية النظام ، وقمع الفتن الداخلية . [ وصارت فيما بعد نواة الجيش العربي السوري ( العقائدي ) ] .

4- استمرار نظام المجتمع المغلق ، وصعوبة المواصلات في القرن التاسع عشر وبداية العشرين ....

عوامل نمو العوامل الطائفية والعشائرية والإقليمية خلال فترة الاستقلال :

1- نمو الوعي القومي على حساب الوعي الوطني . [ وأكاد  أقول الوعي الوطني معدوم في سوريا خلال القرن العشرين ، وبدأنا نتحدث عنه اليوم منذ بضع سنوات ، في مطلع القرن الحادي والعشــرين ، وأول من تحدث به المعارضــة الســـورية ] .

2- الاكتفاء الذاتي في المجتمع الزراعي السوري ، شجع على الانغلاق ...

3- اهتمام الشباب السور ي بالسياسة في المرحلة الثانوية ، رسخ الوضع السياسي المحلي ( الطائفي والعشائري ) ...

أما العوامل التي كانت تضعف الشعور الطائفي والعشائري فهي فكرة القومية العربية ، ونمو المجتمع الصناعي ..  [ والمجتمع السوري مجتمع زراعي في الغالب ، كما أن حزب البعث وهو الحزب القومي المسيطر ، سُيطِر عليه من قبل النظام الأسدي ، وبدلاً من تأكيده على الشعور القومي ، أكد الولاء الطائفي والعشائري ] .

يشكل السنيون الأغلبية في كافة المحافظات ، ماعدا اللاذقية والســــويداء ، ففي الـــلاذقية ( 1ر62 % ) علــويون ، والمسيحيون ( 8ر12 %) ، والدروز ( 78 % ) في الســـويداء ، بينما الســنيون ( 2 % ) فقط ...

وفي محافظة حماة ( 64 % ) من السنة ، و (13 % ) إسماعيليون ، و( 12 % ) علويون ، و (11 % ) مسيحيون ..

العــلويـــون :

 (75 % ) في محافظة اللاذقية ، يعملون في الزراعة ، وكانوا أقلية في مدن الساحل ، وكانوا مستغلين من قبل السنيين والمسيحيين [ كما يقول فان دام في الهامش :  (( رغم أن زراعة التبغ كانت مصدراً رئيسياً للدخل، إلا أن مزارعي التبغ من العلويين كانوا مسلوبي القوة ومعزولين. ويعود ذلك جزئياً لانخفاض أرباحهم بسبب العمولات التي كان يتقاضاها الوكلاء. وفي الواقع، كان صغار مزارعي التبغ مضطرين لبيع محصولهم للسماسرة من السنيين القاطنين السواحل مقابل مبالغ ضئيلة. وهناك ظاهرة جديرة بالملاحظة تدل على شدة فقر العلويين، ألا وهي أن أفقر العائلات كانت تضطر للتعاقد على تشغيل بناتها كخادمات في منازل العائلات الثرية، ومعظمها من السنيين المدنيين الذين كانوا ينظرون للفلاحين العلويين بازدراء )) .

  ويتكون العلويون من أربعة اتحادات عشائرية وهي : اتحاد الخياطيين ، واتحاد الحدادين ، واتحاد المتاورة ، واتحاد الكلبية ، ويقسم كل اتحاد إلى عشائر ، وزعيم العشيرة يسمى ( مقدم ) وقد استطاعت أسرة الأسد اكتساب نفوذ كبير على مستوى عشيرتهم ( الكلبية ) بسبب نفوذهم في الجيش [ ينسب فان دام الأسد إلى عشيرة الكلبية ، بينما ينسبه باترك سل إلى عشيرة المتاورة !!!؟؟؟ إذن مختلف فيه ، والحقيقة عندي لاينتمي عرقياً إلى علوية سوريا ، بل جاء جده سليمان ...وافداً إلى القرداحة ، كما يبين باترك سل ، وكما شرحت ذلك في مقالاتي السابقة ] .

ولكل عشيرة رجال دين ، لكن نفوذهم أقل من نفوذ ( المقدم ) ، وأحياناً تكون نفس الأسرة منها ( المقدم ) ومنها ( رجال الدين ) .

ومن العائلات المتنفذة عند العلويين في الماضي : آل كنج ، وآل عباس ، وآل مرشد ، [وآل خيربك ] .

وخلال عقد الستينات من القرن العشرين حصلت هجرة قوية من ريف اللاذقية إلى مدن الساحل السوري ...

الـــدروز : ( 90 % ) في محافظة السويداء ، لم يسيطر عليهم من قبل طوائف أخرى كما هو حال العلويين ، وجاءوا من لبنان وفلسطين وحلب ، ومن الأسر المتنفذة عندهم ( آل حمدان ) التي كانت تعامل الدروز كالعبيد ، ثم ( آل الأطرش ) الذين ثار عليهم الفلاحون الدروز(1890م)، وطلبوا أن يشاركوهم في ملكية الأرض وتم ذلك .

الإسماعيليون :

 (80 % ) في محافظة حماة ، في السلمية ومصياف ، والقدموس ، وقد تحضروا وخاصة في السلمية قبل العلويين [ وقد دخلت المدرسة الابتدائيــة عندهم في قرية الكافـــات بين حماة وسلمية العام الدراسي ( 1952- 1953م ) ، ولم تكن في قرى شرق حماة مدارس عند غيرهم ، إلا ماندر ] .

التناقض بين الريف والمدينة في سوريا :

ينقل فان دام عن الباحث جاك ويلزس قوله : إن العداء بين سكان الريف وسكان المدينة يصل إلى حد يصبح بالإمكان الحديث عن شعبين مختلفين داخل إطار سياسي واحد ، دون أن يختلطا ، والفلاح هو الذي يتكبد نتائج هذا العداء . [ هذا وصف للنصف الأول من القرن العشرين ، وقد زال أكثره اليوم ، وصارت حياة الريف لاتختلف عن حياة المدينة ،  وقد استفاد النظام الأسدي من هذا العداء وسخره لمصلحته  ] .

               

*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية