ثلاث بصمات فارقة من إبداعات شبابية!
فراس حج محمد /فلسطين
حملت اليوم من صديقي الجميل الودود "محمد عطا" ثلاثة كتب لمجموعة من المبدعين الشباب، ثلاثة كتب ضمت العديد من التجارب الإبداعية المتنوعة بين القصيدة تقليدية البناء والشعر الحر وقصيدة النثر، والنص النثري، واللوحة الفنية، ثلاثة كتب حملت مزاجا خاصا وهي تبحث عن مكان لها بين كثير من الأسماء اللامعة أو المسيطرة على الساحة الأدبية والثقافية في فلسطين.
تعيد هذه الكتب الحيوية في دماء الثقافة الفلسطينية التي غدت غالبا مشاريع انفصال في تكريس أصوات معينة وتناسي أصوات أخرى، أصوات تحتاج لتسمع وتقرأ وتنقد ويلتفت إليها، ويجب ألا تمر مر السحاب في فضاءاتنا الغائمة، ولكنها مرت دون أن يحتفى بها الاحتفاء اللازم، كما سيمرّ غيرها ما دام الأفق مسدود، ولم تشرع الأبواب للمبدعين الشباب!
الكتاب الأول الحامل اسم "رغبة اكتمال" والذي جاء ضمن سلسلة كتب "بسطة إبداع"، وهي مبادرة شبابية ثقافية، كان تحت إشراف الدكتور حسين المناصرة وتحرير وتقديم محمود شقير، وطبع في الرقمية في الأردن عام 2012، وقد ضم في قسمه الأول مجموعة من القصائد لتسعة شعراء موزعين على مساحات جغرافية متعددة من هذا الوطن من نابلس والقدس وقلقيلية وبيت لحم والخليل، وهناك مشاركة واحدة من شاعر عراقي فادي الصايغ. وأما القسم الثاني من الكتاب فضم مقالتين، الأولى للكاتب زياد الجيوسي للتعريف بمبادرة بسطة إبداع الشبابية، والثانية للكاتب طلعت شعيبات الذي قدم إضاءات نقدية حول القصائد في هذا الكتاب، وانتهى الكتاب فيما يقارب (12) صفحة التعريف بمجمل عمل بسطة إبداع ومشاريعها. يقع الكتاب ككل في (214) صفحة من القطع المتوسط، وجاء الغلاف من تصميم الفنان والكاتب محمد عطا، وهو أحد المشاركين في الكتاب، ومنسق بسطة إبداع الشبابية.
وأما الكتاب الثاني الموسوم بعبارة "مختلف فيه"، يبدأ بهذا الإهداء: "إلى كل القابعين تحت ظلال الهامش"، وهو الكتاب الثاني أيضا من سلسلة إصدارات "بسطة إبداع"، ويقع في (143) صفحة من القطع المتوسط، وجاء الكتاب بدعم من الصندوق الثقافي الفلسطيني، وصدر عام 2013، وقد قسم إلى قسمين وتوطئة كتبها أحد الشعراء المشاركين وهو عمر زيادة، وقد ضم القسم الأول ثلاث تجارب من قصيدة النثر، في حين أن القسم الثاني ضم مجموعة من القصائد الموزونة على النمطين الخليلي وشعر التفعيلة، وفيه خمس قصائد.
يحمل الكتابان من خلال العناوين (رغبة اكتمال، ومختلف فيه) هموما مشتركة دفينة تتمثل في الرغبة في الظهور والقراءة وأن يكون للكتاب المشاركين نصيب من الحركة الثقافية، كما أن التوليف بينهم بمجموعتين مشتركتين يحمل أبعادا من الهم الذي يدور حول صعوبة النشر أو محدوديته لكل واحد من المشاركين أو بعضهم، فأغلبهم ما زال في بداياته، وإن كان ناضجا فنيا، إلا أن النشر لم يتح له/ لهم في مجموعات مستقلة مدعومة ماديا، وهذه آفة الثقافة عندنا في عالمنا العربي، وليس في فلسطين وحدها، إذ يضطر كثير من الكتاب للطباعة على حسابهم الخاص إلا من كان ذا صول وطول، فإن سيفوز ببعض ما يريد من النشر على حساب هذه المؤسسة أو تلك.
أما الكتاب الثالث فهو "يشبه الذاكرة" للكاتب والفنان الأستاذ محمد عطا، وجاء الكتاب مميزا من ناحية شكلية أولا في طباعته بشكل يشبه كراسة رسم كبيرة، وثانيا فيما يحتويه من لوحات فنية من تصوير الفنانة فدوى روحانا، فهو بذلك يعد كتابا مشتركا ما بين فنان وكاتب، وجاء الكتاب ب (72) صفحة، كما أنه أيضا طبع بدعم من الصندوق الثقافي الفلسطيني، ويخلو من تاريخ للإصدار.
ويحتوي (19) نصا يقارب فيها موضوعات شتى عبر آليات من السرد الحر الذي يقرب أحيانا من القصصية الممتعة المختلفة المزاج واللغة والأسلوب! وتترافق هذه النصوص وتتوافق مع مجموعة من اللوحات الفنية، فضم الكتاب (55) لوحة، بعضها تكرر بمقاسين كبير وصغير، وتتحدث اللوحات بالهموم العامة للناس أو ببعض الهموم الفردية، وغلب عليها الألوان القاتمة، والشيخوحة والغرق في تفاصيل الحياة والبيئة الفلسطينية.
كانت اليوم الرحلة ممتعة على هامش العمل الرسمي، والهدية تستحق الكتابة، غير أنني لم أكتب بالتفصيل عن هذه الكتب مكتفيا بالتعريف بأجوائها العامة، وما تدل عليه في سياقها الثقافي من هموم في الكتابة والإبداع يبحث عنها الشباب والمكرسون، وغيرهم من الباحثين عن فرصة للوجود، جاهدين مجتهدين، ليكون لهم نصيب في سماء الإبداع، فيسطع نجمهم، وينالون بعض ما لهم من حق في وطن يجب أن يعرفهم، كما عرفوه وتماهوا معه.
شكرا صديقي الودود الجميل محمد راضي عطا، معتزا بك فخورا أيها الكاتب المتفق على براعته وطزاجته وإلى الأمام في مبادرة "بسطة إبداع"، وإلى مزيد من التقدم لك ولكل الشباب الباحثين عن فرصة، وها أنا أعيد بعض كلمات سطرتها بخطك على الكتب الثلاثة وأنت تهديها وتزجيها إلي: "في يوم كنا كلمة، واليومَ كتاب"، ولتعلم أنه في الزمن "المختلف فيه" "سيبقى للقصيدة حضور القلب"، في أيام ستبزغ جميلة شفافة "كزهر اللوز".