الإخوان المسلمون في مصر

الإخوان المسلمون في مصر..

شيخوخة تصارع الزمن

بدر محمد بدر

يتميز هذا الكتاب بأنه أول دراسة ميدانية عن الإخوان المسلمين في مصر منذ نحو أربعين عاماً, ومؤلفه باحث في العلوم السياسية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.

-الكتاب: الإخوان المسلمون في مصر.. شيخوخة تصارع الزمن

-المؤلف: خليل العناني

-الصفحات: 312

-الناشر: مكتبة الشروق الدولية, القاهرة

-الطبعة: الأولى/ ديسمبر 2007

ومن خلال هذه الدراسة يحاول المؤلف أن يكشف مدى قدرة جماعة الإخوان المسلمين على الصمود في وجه المتغيرات التي اتسمت بها البيئة السياسية المصرية, خصوصا في الأعوام الثلاثة الأخيرة, وما إذا كان هذا الصعود السياسي الذي تحقق للجماعة (20% من مقاعد البرلمان الحالي) سيمثل عنصر إضافة يمكنها من المضي قدمًا في مشروعها التغييري, أم أنه سيكون بداية انفجار للجسد الإخواني الكبير.

الكتاب يتكون من قسمين: الأول بعنوان "الإخوان المسلمون.. رؤية مغايرة"، ويضم سبعة فصول, والثاني بعنوان "الصعود السياسي للإخوان.. آلياته ودلالاته" ويضم سبعة فصول أيضا.

وقدم للكتاب الدكتور محمد سليم العوّا المفكر المعروف, الذي أشار إلى أن الكتابات عن الإخوان المسلمين لم تتوقف منذ نشأة الجماعة عام 1928م على يد المؤسس الشهيد حسن البنا, وليس من المتوقع أن تتوقف, لأن الإخوان لديهم مجموعة من المقولات ذات الجاذبية الهائلة لأجيال وراءء أجيال.

ويضيف أن الجماعة كلما تعرضت للتضييق عليها نجحت في جذب المزيد من المؤيدين والمتعاطفين, الذين لا يلبثون أن يتحولوا إلى أعضاء عاملين في إطار تنظيمي محكم, مهما كان الرأي في المحتوى الفكري والثقافي والسياسي الذي يقدم لأعضاء هذا التنظيم.

الإصلاح الداخلي أولاً

ويقول العوّا إن رسالة المؤلف من خلال هذا الكتاب هي وصفه لجماعة الإخوان بأنها "جماعة عجوز على مفترق طرق في تاريخها النضالي, فإما القيام طوعًا بثورة إصلاحية داخلية تخلص الجماعة من عيوبها التاريخية, وإما أن تتعرض لنوع من الانفجار الداخلي, ربما يكون بداية الاندثار للطبيعة الكلاسيكية للجماعة, بما قد يمهد الأرض لبروز تيار إسلامي جديد ينعم بالجدة والحيوية".

لكن العوّا لا يشارك المؤلف هذه الرسالة, وهو نفس موقف الدكتور ضياء رشوان في تقديمه الثاني للكتاب, حيث يرى أن المؤلف أطلق حكما متعجلاً, عندما وصف حال الإخوان بأنه "شيخوخة تصارع الزمن" واعتبر ذلك نوعاً من المبالغة, لأنه يحمل بعض الإغفال والتهوين من أهمية أبعاد أخرى في الحركة, ربما يكون لها الدور الأهم في مستقبلها.

لا تزال مجهولة

"جماعة الإخوان المسلمين في مصر -رغم أنها تمثل ركنا أصيلاً في فهم تفاعلات الإسلام السياسي في المنطقة العربية- لا تزال كائنا مجهولاً أمام الكثير من المراقبين والباحثين في مجال الإسلام السياسي"

في البداية يؤكد المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر -رغم أنها تمثل ركنا أصيلاً في فهم تفاعلات الإسلام السياسي في المنطقة العربية- لا تزال كائنا مجهولاً أمام الكثير من المراقبين والباحثين في مجال الإسلام السياسي.

ويقول إنه توصل إلى اقتناع مفاده أنه ليس بمقدور أحد أن يتحدث عن مثل هذه الجماعة بقلب مطمئن وحجة مقنعة, دون أن يمارس قدراً من الدراسة الميدانية الجادة لاختبار مدى صدق مقولاته, ويشير إلى أن دراسته الميدانية التي استغرقت عامين, كشفت مدى التطور الذي طرأ على البنية الهيكلية والتنظيمية والفكرية للجماعة.

وبدلاً من السؤال عن أسباب الصعود السياسي للإخوان في مصر, لا بد من السؤال عن طبيعة الميل المتعاظم للربط بين الديني والسياسي في العقل المصري, وبدلاً من الاستفسار عن التحولات الفكرية والسياسية التي حدثت لجماعة الإخوان المسلمين خلال العقود الثلاثة الماضية, يجب الغوص في أعماق التحولات التي حدثت في منظومة القيم والمعتقدات التي هيمنت على المجتمع المصري طيلة هذه الفترة, وبدلاً من التشوق لمعرفة مستقبل كيان الجماعة السياسي تصبح الرغبة في التعرف على الوعي السياسي الديني لدى المصريين أمرًا ملحًّا.

تطوير الخطاب

ويقرر المؤلف أن جماعة الإخوان نجحت في تطوير خطابها السياسي بأنساقه المختلفة, وكذلك أساليب عملها الميداني لكي تتماشى مع طبيعة التحولات التي حدثت في البيئة المصرية طوال العقود الثلاثة الماضية, وأهم ما أفضت إليه تلك التحولات من نتائج صب في نهاية المطاف في تعضيد مكاسب الجماعة.

لقد عاش المجتمع المصري قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2005), مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أدت إلى تدهور اجتماعي كبير, وأصبحت هناك حاجة إلى التغيير والكل يبحث عمن يقود هذا التغيير.

ومن هنا كانت فرصة جماعة الإخوان التي قدمت عشرات من المرشحين, وهم يحملون -ربما للمرة الأولى- برنامجا اقتصاديا يحوي الخطوط العريضة فيما يخص قضايا التنمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين.

ولنا أن نتخيل مدى تأثير مثل تلك العناوين المتفائلة في مجتمع بلغ فيه التشاؤم والإحباط مبلغه, لذلك كان بديهيا أن تحقق الجماعة أفضل نتائجها في محافظات الشمال والجنوب, التي وصل بها الاحتقان الاجتماعي والعوز الاقتصادي مداه, ناهيك عن الميراث السلبي الطويل تجاه ممارسات غالبية المنتمين للحزب الحاكم في مستوياته القاعدية.

الجانب الميداني

"السر في بقاء جماعة الإخوان على قيد الحياة هو أن بقاء الفرد من بقاء الجماعة, ويكاد المؤلف يصل إلى بلورة حكم قيمي بأنه طالما كانت هناك حياة على كوكب الأرض, ستظل هناك جماعة الإخوان المسلمين!"

في الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن الجانب الميداني في دراسته, مؤكداً أنه التقى بالعشرات من قواعد الجماعة في مستويات تنظيمية مختلفة.. حاورهم وناقشهم وتعرف على الكثير من الأفكار والآراء داخل تنظيم الإخوان, وأدرك أن هناك العديد من القضايا التي يختلف فيها الفرد فكرياً وسياسياً -بدرجة ما- عن الخطاب السياسي للجماعة, خصوصاً في قضايا المرأة والأقباط والتحول من جماعة إلى حزب سياسي.

ويناقش المؤلف مناهج التربية الإخوانية وأساليبها وكيفية تجنيد أفرادها, ويختم هذا الفصل -بعد هذا الجانب الميداني- بأنه على اقتناع تام مفاده صعوبة إن لم تكن استحالة, أن يحدث تحلل لهذه الجماعة أو اندثارها تحت أي مسمى, ويرى أن كلمة السر في بقاء هذه الجماعة على قيد الحياة رغم الضربات العنيفة التي توجه إليها بشكل منظم, هي أن بقاء الفرد من بقاء الجماعة, ويقول "كدت أصل إلى بلورة حكم قيمي بأنه طالما كانت هناك حياة على كوكب الأرض, ستظل هناك جماعة الإخوان المسلمين"!

التحول إلى حزب

ويرى المؤلف أن على الجماعة -قبل أي حديث لها عن إنشاء حزب سياسي- أن تتخلص من طابعها الديني الذي يميز هويتها السياسية, وهو ما يعني إعادة النظر في الميثاق التأسيسي للجماعة, وإعادة تعريف نفسها بعيداً عن الثوب الذي كساها به مؤسسها الشيخ حسن البنا.

وعليها كذلك أن تبدأ عملية نقد جذري لخطابها الديني, بل ويجب عليها إحداث قطيعة معرفية وسلوكية مع إرثها التنظيمي, وأن تعلن أن الهدف الرئيسي لإنشاء مثل هذا الحزب هو الوصول للحكم شأن أي حزب سياسي في العالم, وهذا بالطبع يعني أن الجماعة في حاجة إلى عملية جراحية صعبة للغاية, ولكنها ليست مستحيلة.

مليشيات الأزهر

في تقييمه لما عرف إعلامياً بـ"مليشيات جامعة الأزهر" يقول المؤلف إن هذه الحادثة التي قام فيها بعض طلاب الإخوان بالأزهر في ديسمبر/كانون الأول 2006 باستعراض رياضي وهم يلبسون أقنعة سوداء, هي علامة فارقة في علاقة الجماعة بالنظام السياسي, تعكس عدم تقديرها لحقيقة ما هي مقدمة عليه من توتر وتصعيد مع الدولة.

ولم يكن النظام يحلم بهدية كتلك الحادثة, كي يشرع في شن حملة قوية وعنيفة ضد كوادرها وقياداتها في مختلف المستويات, وظلت هناك دوافع تشكل الخلفية الحقيقية لموقف النظام من الجماعة في مرحلة ما بعد الانتخابات, التي شهدت حضوراً غير مسبوق للجماعة فكرا وحركة وتنظيما وحضورا جماهيريا, وجاءت حادثة الأزهر لتعطي النظام الفرصة كي يجهز على العصب التنظيمي والمالي للجماعة, دون أن يوقفه أحد.

"

حادثة مليشيات الأزهر مجرد غطاء للصدام الذي وقع بين الجماعة والنظام السياسي بعد أن بدا هذا الأخير طيلة عام 2006 كأنه يتحين الفرصة لتصفية الحساب مع الإخوان, ويرغب في وقف حالة التمدد والانتشاء التي عاشتها الجماعة إثر فوزها الكبير في انتخابات 2005

"

الحادثة إذن هي مجرد غطاء للصدام الذي وقع بين الجماعة والنظام السياسي, بعد أن بدا هذا الأخير طيلة عام 2006 كأنه يتحين الفرصة لتصفية الحساب مع الإخوان, ويرغب في وقف حالة التمدد والانتشاء التي عاشتها الجماعة إثر فوزها الكبير في انتخابات 2005.

لكن المؤلف يؤكد أن أزمة النظام المصري مع الإخوان هي ذاتها أزمته مع نفسه, أزمة الشرعية والقدرة على البقاء, تلك الأزمة التي كانت ستعبر عن نفسها حتما مع أي فصيل يلقى قدراً من الشرعية المجتمعية, حتى وإن لم يكن من أتباع حسن البنا.

الإخوان وأميركا

العلاقة بين الإخوان وأميركا يراها المؤلف غامضة ومتشابكة, ورؤية الإخوان لها تحددها ثلاثة أبعاد رئيسية، عقدية وحضارية وسياسية. ومعوقات الحوار بين الطرفين على افتراض وجود نية لإجراء حوار جاد حول صياغة العلاقة بينهما, يمكن تلخيصها في الآتي:

1 -عدم الثقة في الولايات المتحدة.

2 -التخوف من تآكل الرصيد الشعبي.

3 -تناقض الرؤية الأيديولوجية بين الطرفين.

4 -الخوف من بطش النظام السياسي المصري.

وبالرغم من ذلك فإن المؤلف يشير إلى أن الإخوان استفادوا من توتر العلاقة بين الحكومة المصرية والأميركان, خصوصاً في عامي 2004 و2005 , بعدما ضغط الأميركان من أجل الإصلاح السياسي والحريات والديمقراطية في الشرق الأوسط.

لكن سرعان ما انصرف اهتمام الإدارة الأميركية عن هذا الموضوع, وكانت حركة الإخوان من أكثر المستفيدين من أجواء الحراك السياسي, وأظهر قادتها ذكاءً سياسياً واضحاً باستغلال تلك الأجواء للتفاعل مع حركة الشارع المطالب بالإصلاح, وتنظيم العديد من المظاهرات الضخمة الرافعة لراية الإصلاح السياسي.

كيف فعلها الإخوان

وتظل النقطة الجوهرية التي أدهشت المؤلف هي: كيف نجح الإخوان في تحطيم كل التوقعات -بما فيها توقعات قادة الجماعة أنفسهم- والفوز بـ88 نائباً يشكلون 20% من البرلمان المصري؟!

وبيانا لأسباب ذلك يقول إن العامل التنظيمي كان بمثابة العصب الحقيقي للنتائج القوية التي حققها مرشحو الجماعة, وبالتالي كشفت الانتخابات عن الحجم الحقيقي للمنتمين للجماعة, والمتعاطفين معها.

ويستعرض المؤلف كيفية إدارة المعركة الانتخابية داخل الإخوان بداية من الاتصال بالناخبين وانتهاءً بالتصويت والمشاركة وإعلان الفوز, ليؤكد مدى قدرة الجماعة على الحشد والتنظيم والتأثير الجماهيري.

وفي الفصل الأخير يعبر المؤلف عن شعوره بأنه أمام جماعة تعاني من بدايات واضحة لأمراض الشيخوخة, أو بالأحرى أمام جسد كبير مترهل يعاني من غيبوبة فكرية وعقلية, ولا يقوى على إدراك التغيرات التي تحدث من حوله.

وبالتالي تبدو الجماعة كما لو كانت على مفترق طرق في تاريخها النضالي, فإما القيام طوعًا بثورة إصلاحية داخلية تخلص الجماعة من عيوبها التاريخية, خصوصًا ما يتعلق بالجمود الفكري والديني الذي أصابها على مدار العقود الثلاثة الماضية.

وإما أن تتعرض لنوع من الانفجار الداخلي, ربما يكون بداية الاندثار للطبيعة الكلاسيكية للجماعة, بما قد يمهد الأرض لبروز تيار إسلامي جديد ينعم بالجدة والحيوية.

السيطرة على العقول

"

 نظرة المؤلف لجماعة الإخوان تأرجحت بين الإعجاب الشديد بإدارتها وتنظيمها وحيويتها وقدرتها على الحركة الجماهيرية, وبين الحديث عن الشيخوخة والجمود الفكري والانغلاق

"

ويرى المؤلف أن المعضلة الحقيقية التي قد تواجه الجماعة خلال المرحلة المقبلة تتمثل في عدم قدرتها على السيطرة على عقول أبنائها, ليس لاتساع دائرة التأثير الخارجي من خلال ثورة الإعلام والمعلومات فحسب, وإنما أيضا لعدم وجود ممارسات ديمقراطية داخل الجماعة تسمح باستيعاب وامتصاص حماس وأفكار هؤلاء الشباب, الذين قد يشكلون أول الخيط في انفراط عقد الجماعة في المستقبل المنظور.

ويبقى التأكيد على أنه بالرغم من الجهد الكبير المبذول من قبل المؤلف في استجلاء العديد من الحقائق والمواقف عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر, فإن نظرته تأرجحت بين الإعجاب الشديد بإدارتها وتنظيمها وحيويتها وقدرتها على الحركة الجماهيرية, وبين الحديث عن الشيخوخة والجمود الفكري والانغلاق الذي يرشحها للذوبان والاندثار أو الانفجار الداخلي.

المصدر:

الجزيرة