عرض كتيب "الهوية الإسلامية" للمسلمين في الغرب
عرض كتيب "الهوية الإسلامية"
للمسلمين في الغرب
خالد زروان
في فترة صعبة يتعرض فيها المسلمون لأبشع الحروب التي تستهدف الإنسان في ذاته سلاحها معارف الإعلام والتواصل وغايتها مسح بقايا الهوية الإسلامية وتشويش الأفهام التي تنشأ عن أفكار الإسلام والدفع بأبناء المسلمين إلى احضان الثقافة والقيم الغربية، صدر عن حزب التحرير أوروبا كتيب "الهوية الإسلامية". وفي صدوره من أوروبا، أكثر من مغزى، فأبناء المسلمين من الجيل الثاني والثالث في أوروبا والغرب عموماً -أستراليا، كندا، أمريكا،...- من أكثر المتعرضين لسياسات تذويب الهوية الإسلامية عن طريق ما يسمى بسياسة الإندماج وما يحفها من أساليب ماكرة تجد السياسة والإعلام والمؤسسات الرسمية والشبه الرسمية مسخرة لها تسخيراً تاماً. في مقابل ذلك، يفتقر المسلمون في أوروبا بحكم اقليتهم وبحكم الواقع الدولي الجديد عليهم فقهياً من حيث غياب دار الإسلام ودولتهم العالمية دولة الخلافة، إلى رؤية فقهية مبلورة وواضحة في التعامل مع هذا الواقع الجديد، ولا تجد تساؤلاتهم الفكرية والفقهية من اجوبة مقنعة فكرياً ومريحة للنفس. فقد تمكنت الدول الأوروبية -والغربية عموماً- من إستقطاب الشخصيات والمنظمات الإسلامية في الغرب وجعلت منهم دعاة مؤطرون لصيغة غربية للإسلام على منوال ما صرح به ساركوزي "لا نريد أسلمة فرنسا، ولكن نريد إسلام فرنسا"، أي أنه يريد صيغة ما، يرتضونها لما يقبلون من أحكام الإسلام يصطلحون عليها "إسلام فرنسا"، ولكنه لا يريد أن تسلم فرنسا، الإسلام الذي نعرفه بأحكامه وعقائده. وهذا، من وجهة نظر الإسلام هو محض الكفر.
يقول جل وعلا "فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" البقرة 85
ويقول جل ذكره " إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً -150- أُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقاًّ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً -151-" النساء
في هذه الظروف يصدر كتيب "الهوية الإسلامية" المتكون من خمسين صفحة، ليوضح بإختصار ودقة من وجهة نظر الإسلام ركائز الهوية الإسلامية ويبدأ بعرض مختلف التعاريف لمصطلح الهوية ويخلص للقول بأن "الهوية هي وعي الإنسان على حقيقة ذاته التي تميزه بوصفه الفردي أو الجماعي عن الآخر" ثم يتطرق إلى تعريفها من خلال عناصرها المكونة لها "التي أضحى وجدت، وجدت الهوية وإذا انعدمت، انعدمت الهوية. وهذه العناصر هي: التميز، المطابقة، الثبات والإعتزاز".
بعد ذلك يمضي الكتاب في عرض عناصر الهوية عنصراً عنصراً من خلال وجهة نظر الإسلام بطريقة فكرية لافتة, تشد القاريء إلى عمق الفكر واستنارته بالإسلام.
ففي عنصر التميز، بعد طرح فكري تترامى جذوره في اللغة والتاريخ والواقع مستنيراً بالنصوص الشرعية، أفضى الكتيب إلى أن "الإنسان إذا ما إبتعد عن الهوى وفكر تفكيراً نزيهاً، أدرك أن ليس لونه ولا عرقه ولا جنسه ولا وطنه ولا لغته، سبب تميزه، لأن التميز الذي يصح أن يكون مبعث عز وفخر هو ما حققه الإنسان بذاته، وما توصل إليه بنفسه" وبأن "الذي يتوصل إليه الإنسان بنفسه ويجري بفعله هو امتلاكه لكيفية تفكير وميل معينة، فيكون عقله للأشياء والأمور وإدراكه لها وحكمه عليها، جارياً وفق كيفية معينة، تميزه عن غيره، ويكون ميله إلى الأشياء والأمور، وإقباله عليها أو احجامه عنها، جارياً وفق كيفية معينة تفرق بينه وبين غيره. وبعبارة أخرى، فإن التميز نابع من عقلية الإنسان ونفسيته".ومن ذلك أن "الأبيض في بعض بلاد الغرب يعتبر بياضة عنصر تميز، في حين لا يعتبر المسلم الأبيض بياضه عنصر تميز" ويدعو إلى الإرتفاع عن درجة التميز الجبلي أو الخلقي -فتح الخاء- والإرتقاء بسلوكه عن درك الحيوان والإنطلاق بتفكيره حتى يدرك أنه مخلوق كغيره ويتساوى مع غيره في الخلق والاستخلاف والتكليف والحساب، ويستدل على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى" وبأيات في التميز من مثل " وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً " أو "أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ"، ومن هذه النصوص الشرعية يخلص الكتيب إلى أن عنصر التميز الوحيد لدى المسلمين هو الإسلام وحده. ثم ينطلق في توضيح عنصر التميز هذا ألا وهو الإسلام الذي يجعل "المؤمن به متميزاً في عقليته، ونفسيته وسلوكه.
ثم يتطرق الكتيب إلى العنصر الثاني من الهوية الإسلامية ألا وهو عنصر المطابقة ومفهوميه الذين منهما "إيجاد التوافق المستمر والإنسجام الدائم بين العناصر المكونة لشخصية الإنسان وهي العقلية (الكيفية التي يجري عليها عقل الشيء) والنفسية (الكيفية التي يجري عليها إشباع الغرائز والحاجات العضوية)" وذلك بأن لا يرتضي المسلم الذي آم بالعقيدة الإسلامية إلا بها "كأساس لعقليته ونفسيته فيجعل منها وحدها قاعدة تبنى عليها الأفكار وتكون على اساسها المفاهيم وتقاس حسبها الإشباعات فيستحضرها في كل أحواله ويعتمد عليها وحدها في حكمه على الأشياء وميله إليها ويأبى أن يتخلى عنها أو أن يحكم غيرها أو أن يفارقها من أجل متعة دنيوية عابرة أو مصلى آنية." ويستشهد على هذا المفهوم -الذي يعتبره من ضمن عنصر التميز أيضاً- بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، كان عليه كالظلة، فإذا انقلع رجع إليه الإيمان" وبقوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ..." إلى آخر الحديث، ويستخلص أن نفي الإيمان هو نفي لكماله وليس نفي لعينه، وبأن هذا تنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم "من وجوب المطابقة بين العقلية والنفسية في كل الأحوال والأوقات؛ لأن المسلم الذي يقترف حراماً ، كأن يتعامل بالربا أو يزني أو يسرق أو يكذب أو غير ذلك، هو في الواقع لم يكفر بالعقيدة الإسلامية وإنما حكم غيرها في ميله وإستمد مفهوماً لعمله من غيرها فكان كالمفارق للإيمان ساعتها". أما المفهوم الثاني للمطابقة، "فيتمثل في حياة الإنسان المسلم بالإسلام، وذلك بأن يكون عمله من جنس علمه وفعله من جنس قوله وظاهره كباطنه. فلا يحقق ذاته قولاً فقط، انما يحققها فعلاً، ولا يعيش بأفكاره في حبس ذهنه، انما يعيش بها في واقعه، فيظهر عليه الإسلام في حركاته وسكناته، ويتمثل في سلوكه، سواء أكان في دار الإسلام أم في دار كفر" ويستدل على ذلك بقول العزيز الحكيم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ -2- كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ -3-" الصف. ويعبر على هذا المفهوم للمطابقة تعبيراً مؤثراً بقوله "ولما كان الإيمان قولاً باللسان وعملاً بالأركان ولم يكن بالتمني ولا بالتحلي، إنما ما وقر في القلب وصدقه العمل، كان لزاماً على المسلمين أن يجسدوه في الواقع. فعليهم أن يعبدوا الله تعالى بما شرعة لأن إسلامهم عبادة.وعليهم أن يحملوا الدعوة للمسلمين و غير المسلمين لأن إسلامهم رسالة. وعليهم أن يكافحوا سياسياً بقول ألحق وكشف خطط الإستعمار ومحاسبة الحكام وفضح العملاء لأن إسلامهم سياسة. وعليهم أن يعملوا مع العاملين لأقامة الخلافة لأن إسلامهم دولة، وعليهم أن يلتزموا بالصدق والوفاء والأمانة وأن يجتنبوا الكذب والخداع والغدر لأن إسلامهم أخلاق. وبعبارة أخرى، عليهم أن يعيشوا الإسلام كله ويعيشوا به." ويستدل بقوله تعالى:"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ -161- قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ -162- لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ -163-" الأنعام
وفي العنصر الثالث من عناصر الهوية الإسلامية وهو عنصر الثبات، يبرز الكتيب أن عنصري التميز والمطابقة لا تكفيان من أجل الحفاظ على الهوية بل لا بد لهما من المداومة والإستمرار فيهما وهو ما أسماه بعنصر الثبات، ويبين معناه ويسمو به عن الجمود والتحجر إلى الإجتهاد والتجديد والإبداع والإنشاء والإرتقاء وأن المقصود من الثبات هو "الإستقرار على عناصر التميز المكتسبة بفكر، والإستمرار في حملها والمحافظة عليها". ويعتبر الكتيب أن "الثبات على الإسلام أصولاً وفروعاً، عقيدة ونظاماً، مهما تبدل الزمان و إختلف المكان ومهما تعرض لمضايقات أو مساومات" هو من العناصر المكملة لتحقيق الهوية الإسلامية، ويذكر في هذا الصدد بما تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء دعوته، وبالصحابة المهاجرين في الحبشة أمام النجاشي وثباتهم على مبدئهم حين سألهم ملك الحبشة عما يقولون في عيسى إبن مريم -عليه السلام-، فقالوا ما يقول الإسلام و-"ثبتوا على دينهم ولم يبدلوا ولم ينافقوا ولم يفكروا في العواقب وأرضوا الله سبحانه وتعالى بقول الحق فرضي عنهم وأرضاهم". ثم يتطرق الكتيب إلى جوانب الثبات، فالثبات يكون ب"دوام القناعة بعقيدة الإسلام ومعالجاته، ومقاييسه ومفاهيمه وقيمه والإستقرار على ذلك دون تبديل أو تحريف أو شك. فهو من هذه الجهة ثبات فهم وعلم وإدراك وإيمان" ويكون الثبات أيضاً ب"الإستقرار على نمط العيش الإسلامي وديمومة ممارسة الإسلام وتطبيقه في الحياة وذلك بجعل الحلال والحرام مقياس الأعمال في كل الأحوال والأوقات والأمكنة. فهو من هذه الجهة تبعت عمل وممارسة وتطبيق."
وفي عنصر الإعتزاز الذي يصنفه الكتيب العنصر الرابع من عناصر الهوية الإسلامية، يبرز الكتيب أنه يكون ب"مصدر القوة والغلبة والرفعة" أي الله جل وعلا. والإعتزاز بالله هو الإحتماء به وإستمداد الغلبة والنصرة منه وجعله مصدر قوة يتقوى ويحتمي به، ويكون مبعث فخر وشرف إنتساب وإنتماء" ويذكر الكتيب ببيت شعر
"أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم".
بعد عناصر الهوية الرئيسية، يتطرق الكتيب إلى مواضيع لها علاقة مباشرة بتحقيق الهوية، ومنها أهمية الجماعة في تحقيق الهوية الإسلامية بإعتبار تحقيقها ناتج عن وعي الإنسان المسلم على ذاته علاوة على أن الإلتزام بجماعة المسلمين مطلب شرعي. ثم اللغة العربية بإعتبارها لغة القرآن وأهميتها في فهم الإسلام وأحكامه فضلاً على اعجاز القرآن ويتطرق إلى سبل الحفاظ على الهوية.
يعتبر هذا الكتيب مرجعاً فكرياً في مسألة الهوية الإسلامية التي تعصف بها سياسات دولة الغرب، وفيه بلورة فكرية وتأصيل شرعي لعناصر الهوية وطريقة الحفاظ عليها، يفيد كل المسلمين سواء أكانوا في الغرب أو في البلاد الإسلامية.