السندان الأعليان

عبد الله الطنطاوي

المحدث الشيخ زهير الشاويش

عرض: عبد الله الطنطاوي

[email protected]

صدر هذا الكتاب عن المكتب الإسلامي في بيروت، من إعداد قسم التصحيح في المكتب. تحدث فيه الشيخ زهير الشاويش عن (سند قراءات القرآن الكريم) وقال:

كانت منزلة القرآن الكريم عند سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: أعظم منزلة، أوصى بها آله، ومنهم نساؤه أمهات المؤمنين، كما أوصى كل صحابته، وجميع أتباعه بإحسان إلى قيام الساعة.

ونجد في كتاب الله ما يعزز تلك المكانة بمثل قوله تعالى:

(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) "المجادلة".

(وقل ربي زدني علماً) "طه: 114".

وفي الحديث النبوي الشريف، عن سيدنا الشهيد عثمان بن عفان ذي النورين (رضي الله عنه) (35هـ) قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أفضلكم من تعلّم القرآن وعلّمه"(1).

وعن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (55هـ) هذه الرواية:

"خياركم من تعلّم القرآن وعلّمه" وزاد فيها، "قال: وأخذ بيدي فأقعدني مقعدي هذا، أقرئ"(2).

وعن سيدنا أنس بن مالك خادم النبي رضي الله عنه (92هـ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن لله أهلين من الناس" قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: "هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته"(3).

وقد وجدنا من كبار الصحابة، ومن آل بيته ومنهن نساؤه أمهات المؤمنين رضي الله عنهم، والقرّاء الحفّاظ بعد ذلك، المحافظة التامة على كل كلمة تصل إليهم من كتاب الله، والعناية في تلاوتها، سواء أكانت مكتوبة أم محفوظة.

واعتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن الكريم، وكلّف عدداً من كبار صحابته، أوكل إليهم كتابته، ومنهم زيد بن ثابت (45هـ) ومعاوية بن أبي سفيان (60هـ)، وسعيد بن العاص (58هـ) رضي الله عنهم أجمعين.

وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي (43هـ) وهو من كبار ثقات التابعين، وأُبي بن كعب(4)، وعبد الله بن الزبير (73هـ)، تغمدهم الله برحمته.

وصدرت تلك المصاحف باتفاق جميع الصحابة رضي الله عنهم، ووزع منها نسخ للأمصار.

وبعد انتقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وكانت العرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، تم جمع القرآن الكريم من الأوراق، والصحف، والجلود، واللحاء، وغيرها، واستقرت أخيراً في دفتين في بيت أم المؤمنين سيدتنا حفصة بنت عمر بن الخطاب (45هـ) رضي الله عنهما.

كما احتفظ عدد من الصحابة بما كتبوه لأنفسهم من السور والآيات، بعد إطلاع الكاتبين عليها.

وعلى طريقة العرب في تلك الأيام، كان العديد منهم لا يكتبون، ولكن يحفظون سوراً كثرت أو قلّت من القرآن العظيم، كما يحفظون الشعر والنثر، وقرأ كل واحد ما حفظ على المسجلين أيضاً، وبعد أن جُمع كل ما عندهم، قام سيدنا عثمان رضي الله عنه بمشورة سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (36هـ) بترتيب وإكمال ما قام به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وما قام به بعده أبو بكر (13هـ)، وعمر (23هـ) رضي الله عنهما.

وعَمل عثمان هو الذي صدرت عنه كتابة عدد من المصاحف التامة الكاملة، كلّف بها عدداً من كرام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وأرسلت إلى الأمصار، وبعد أن عمد إلى تدقيق العرضة الأخيرة، وإن كان بقي بعض كلمات اختلف رسمها أو لفظها مما ترك، فهو مما لا يعتد به، وأصبح هذا المتروك منها هو الثابت في قراءة شاذة لصحابي، ولها حكمها الخاص المعروف عند أهل العلم في القراءة، والأحكام، واللغة. وهي منسوخة مندثرة، وكانت مباحة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للضرورة، ثم ارتفعت تلك الضرورة.

والآن لا تجوز القراءة إلا بما ثبت في المصاحف العثمانية عند جمهور العلماء، حيث لم يبق مما هو خارج عن المصاحف العثمانية سوى أحرف قليلة جداً.

فمصاحف عثمان رضي الله عنه هي الثابتة الوحيدة المعتمدة في التلاوة عند جميع المسلمين بمختلف بلادهم، وفرقهم ومذاهبهم حتى اليوم، والحمد لله رب العالمين.

ومن القراءات سبعة تامة كاملة، وليست هذه القراءات السبعة هي الحروف السبعة التي أنزل عليها القرآن، كما في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة، ولذلك تجوز القراءة بغير هذه السبعة، بما يوافق المصاحف العثمانية، وهي قراءات:

نافع المدني (169هـ)، وابن كثير المكي (120هـ)، وأبي عمرو بن العلاء البصري (154هـ)، وابن عامر الدمشقي (118هـ)/، وعاصم بن أبي الجود (127هـ)، وحمزة بن حبيب الزيات (156هـ)، والكسائي (189هـ) والكوفيين.

وثلاثة أقل من ذلك في الشهرة وهي قراءات:

أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني (130هـ)، ويعقوب الحضرمي البصري (205هـ)، وخلف بن هشام البغدادي (229هـ) رحم الله الجميع.

وتلا الحفاظ القرآن على تلك الروايات والقراءات، ونظمت بما حفظ لكل قراءة نظاماً خاصاً متبعاً في التلاوة والأحكام.

وألفت الكتب في ذلك، وأشهرها في القديم كتاب "السبعة" لأبي بكر مجاهد أحمد بن موسى (245- 324هـ)، وتتابعت بعد ذلك بكثرة.

ونظمت الأراجيز في بعض القراءات بمفردها، وأراجيز لجميع تلك القراءات، وأصبح لكل قراءة على حدة مفردة منهج خاص بها، يتلقاه الطلاب عن مشايخهم آية آية، وكلمة كلمة، خلف عن سلف، مشافهة مباشرة. وهكذا حتى يومنا هذا، وحفظ كل ذلك حفظاً تاماً كاملاً لا يمكن أن يدخل إليه ما ليس منه، أو يدس فيه أمر غريب عنه.

وقد أحيا شيخ مشايخنا الشيخ أحمد بن محمد الحلواني الكبير (1228 – 1307هـ) –من علماء دمشق- علم القراءات في بلاد الشام، وازداد عددهم بعد ذلك.

ومنهم أخي وجاري وصديقي الشيخ بكري ابن الشيخ عبد المجيد الطرابيشي (1363هـ) الدمشقي الفقيه الحنفي، والشيخ بكري هو المتبقي اليوم من الحفظة، بعد وفاة أساتذته وزملائه رحمهم الله تعالى.

ثم جاء الحديث عن (سند رواية الحديث النبوي عن زهير ابن السيد مصطفى الشاويش –الحسيني-) عن عدد من علماء الحديث، ونال إجازات منهم، من أولئك العلماء الأعلام: الشيخ محمد بدر الدين الحسني، والشيخ يوسف النبهاني، والشيخ ظبيان الكيلاني، والشيخ الرفاعي العراقي، والشيخ صلاح الدين بن رضا الزعيم، والشيخ تقي الدين الهلالي.

ثم جاءت قصيدة للشيخ بدر بن علي بن طامي العتيبي الطائفي، في شيخه ومجيزه الشيخ زهير الشاويش.

واختتم الكتاب بأول سند الشيخ بكري الطرابيشي.

               

(1) صحيح الإمام البخاري، كتاب فضائل القرآن، رقم (5028).

(2) هو في "صحيح سنن ابن ماجة" برقم (176/213) للشيخ الألباني، إشراف وتعليق زهير الشاويش، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي.

(3) هو في "صحيح سنن ابن ماجه" برقم (178/215) و"مسند الإمام الأحمد" 3/127 رقم (12277)، إشراف الدكتور الشيخ سمير المجذوب، وطبع المكتب الإسلامي.

(4) أبي بن كعب: اختلف في سنة موته اختلافاً كثيراً، قيل تسع عشرة، وقيل سنة اثنتين وثلاثين، وقيل غير ذلك، انظر: "تقريب التهذيب"، أغلب الظن أن وفاته كانت سنة 31هـ.