حرب أم سلام 6
حرب أم سلام
عرض ومناقشة: د. محمد مخلوف
تأليف :لوران كوهن ـ تانوجي
ثلاثة محاور خطر متفجّرة يواجهها العالم اليوم
الحلقة السادسة والأخيرة
في ختام هذا الكتاب يصل المؤلف إلى ما يمكن وصفه بالجزء الأكثر أهمية في مجمل تحليله، وهو الجزء المتعلق باستشراف آفاق المستقبل والسيناريوهات المحتملة في وقت لاحق من القرن الحادي والعشرين، ويلفت نظرنا بشكل خاص تأكيده على وجود مسارح لمواجهات محتملة بين القوى المستهلكة للطاقة والقوى المنتجة لها.
حيث تتمثل هذه المسارح في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى والقرن الإفريقي، وأبرز اللاعبين على هذه المسارح الصين والولايات المتحدة وروسيا وإيران. ومن المحقق أن القارئ سيتوقف طويلاً، بالتفاؤل ربما، حيال غياب الشرق الأوسط من هذه القائمة الكابوسية.
ساد الغرب العالم طيلة القرنين المنصرمين. وكانت الحربان الكونيتان اللتان شهدهما القرن العشرون امتدادا للمواجهات بين الأوروبيين. لقد تغير الزمن، إذ لو شبّت حرب عالمية جديدة في القرن الحادي والعشرين فإنه من المرجح أن تنطلق شرارتها من آسيا أو الشرق الأوسط.
لكن، كما كانت الحال في القرن العشرين، ستبقى مسألة المحافظة على القيم الديمقراطية وعلى استقرار العالم مرهونة بانتصار الولايات المتحدة وأوروبا فيها، حسب الرأي المقدّم في هذا الكتاب، إلى جانب التأكيد على أن إمكانية تجنبها مناطة هي أيضا إلى حد كبير بهاتين القوتين.
وفي مطلع هذا القرن الحادي والعشرين يتم تحديد المخاطر التي تشكل على السلام باعتبار أنها أولا ذات طبيعة جيوسياسية وتتمفصل حول ثلاثة محاور كبرى. المحور الأول هو «عودة الصين إلى مصاف قوة عالمية كبرى وما يترتب على هذا التبدل التاريخي من عواقب على القارة الآسيوية وما يتعداها أيضا».
والمحور الثاني يتمثل في الصيغة المقدّمة ب«حالة الجمود السائدة في العالم العربي ـ الإسلامي والمنافسات الداخلية فيه من أجل السيطرة على الشرق الأوسط». أما المحور الثالث فيتم تحديده في «المنافسة بين القوى، القديمة والجديدة، من أجل السيطرة على مصادر الطاقة التي لابد منها من أجل اكتساب القوة أو المحافظة عليها».
ومن بين هذه المحاور الثلاثة «المتفجرة» والمترابطة بفعل التداخل المعقّد بين العولمة والطاقة وتعاظم ظاهرة التطرف، يحدد المؤلف «الانتشار النووي والإرهاب» على أنهما «عود الثقاب» الخطير الذي يمكن أن يضرم النيران الكبيرة.
أخطار محدقة
لا تقوم بالضرورة فرضية نشوب حرب إقليمية أو عالمية مصدرها آسيا على إرادة الصين في فرض هيمنتها. قد يكفي المساس باستقلال تايوان المضمون أميركيا أو انبثاق النزعة العسكرية اليابانية من جديد أو استيقاظ التوترات الصينية ـ اليابانية على خلفية ازدهار إمبراطورية الوسط ـ الصين ـ أو مجرد حدث كبير في شبه الجزيرة الكورية لنشوب مثل تلك الحرب.
ناهيك عن ذكر التنافس التاريخي بين الصين والهند أو إعادة إحياء التنافس الذي ساد أثناء الحرب الباردة بين موسكو والصين. ثم إن أية مواجهة بين القوتين النوويتين الهندية والباكستانية سوف تكون لها آثارها على منطقة الشرق الأوسط كما على منطقة شرق آسيا، مما يعني أيضا «توريط» كل من واشنطن وبكين وموسكو.
وبشكل إجمالي يتعلق هدوء منطقة هي فريسة نزعات قومية متنامية وتشهد حضورا نوويا كبيرا بثلاثة عوامل أساسية يتم تحديدها باعتدال الصين ونوعية علاقاتها مع الولايات المتحدة ودبلوماسية أميركا.
في منطقة الشرق الأوسط، يرى المؤلف أن التهديد الذي يشكله النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أو التوتر بين الإسلام والغرب هو أقل من تهديد النزاعات الداخلية في العالم العربي ـ الإسلامي على السلام. فالملف النووي الإيراني ومستقبل العراق والسعودية واحتياطاتهما النفطية
وأمن إسرائيل أمورٌ يمكن أن تشكل أسبابا ممكنة لاشتعال المنطقة، بل والعالم كله. والأوروبيون، لأسباب تاريخية وجغرافية وتتعلق بالطاقة، سوف يتورطون بسرعة في النزاع إلى جانب الولايات المتحدة.
وتشكل مناطق القوقاز وآسيا الوسطى والقرن الإفريقي مسارح لمواجهات محتملة بين القوى المستهلكة للطاقة والقوى المنتجة لها وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة وروسيا وإيران، وذلك على خلفية نزاعات إثنية ودينية، محلية أو إقليمية. ثم إن العنف والفوضى في أفغانستان والصومال ودارفور وتشاد ينتقلان بشكل خطير إلى قلب القارة الإفريقية.
في كل الأحوال، تتعلق إمكانية تجنب الحرب بمدى الإحساس بالمسؤولية لدى القوى الكبرى وقدرتها الجماعية في التقليل من حدة النزعات القومية واحتواء المنافسات الدينية والإثنية والحدودية وتلطيف حالة التوتر القائمة بين الجمود العقائدي والحداثة والنجاح في مكافحة الإرهاب والحد من انتشار الأسلحة النووية.
ويرى المؤلف في هذا الإطار أن وصول إيران إلى عداد القوى النووية سوف يولّد سباقا جديدا للتسلح في منطقة من العالم متفجرة أصلا. وتدل معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن هناك 40 دولة تمتلك التقنية الضرورة لإنتاج السلاح النووي.
تُضاف إلى هذه المخاطر الإستراتيجية المتعاظمة تحديات ذات أبعاد كونية حقيقية ضمن المقياس الذي تمس فيه، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، الإنسانية كلها. التحدي الأكبر يخص التهديد المسلّط على البيئة من جرّاء سخونة المناخ، وهناك تحديات أخرى تخص التزود بالمياه وسوء التغذية والأوبئة الجديدة. ومثل هذه التحديات المتعلقة بالبيئة أو ذات الطبيعة الإنسانية أصبحت رهانات جيوسياسية متفجّرة.
تمثل ظاهرة سخونة المناخ توجها على المدى الطويل يمكن التخفيف منه ولكن ليس صدّه نهائيا، لاسيما وأن الجهود التي قامت بها الدول المصنعة للحد من إفراز مواد التلوث لن تكون ذات مردود كبير على تزايد استهلاك الطاقة في البلدان الصاعدة، خاصة الصين والهند. ويدل تقرير صادر عن البنك الدولي أن إصدار غاز الفحم سوف يزداد بنسبة 50 بالمئة من الآن حتى أفق عام 2030 .
وقد يتضاعف من الآن حتى أفق عام 2050، بسبب ازدياد الطاقة تحديدا. وتدل آخر تقديرات منظمة الأمم المتحدة على أن ارتفاع معدّل حرارة الأرض سيكون ما بين درجتين و5,4 درجات من الآن حتى أفق عام 2100. وستترتب على هذا آثار ضارّة جدا في مقدّمتها التصحّر والتلوث وشح المياه وتدهور الوضع الصحي والأمن الغذائي، الخ. وبكل الحالات سوف تكون القارة الإفريقية هي أول الضحايا لمثل ذلك الوضع الذي سيتدهور أكثر فأكثر.
هامش التضامن الغربي
يُفترض لزيادة حدة عدم الاستقرار حول المجال الأطلسي أن تدفع في مرحلة أولى إلى تعزيز دفاعي للتضامن الغربي على أساس «وحدة» التحديات والمصالح والقيم وبدافع تعزيز القدرات الاقتصادية والديموغرافية والدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة وأوروبا للإجابة عن التحديات الراهنة والفعل أكثر في المستقبل بمواجهة الصين والهند.
وكانت ضرورة مكافحة الإرهاب والانتشار النووي والجريمة المنظمة العابرة للحدود قد دفعت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تعميق تعاونهما القضائي وفي ميدان الهجرة السرية والعديد من الميادين الأخرى. وتدل إحصائيات الأمم المتحدة على أن حركات الهجرات الدولية تشمل اليوم حوالي 200 مليون شخص، أي ما يشكل رقما قياسيا في تاريخ البشرية.
وهناك 40 بالمئة من المهاجرين ينتهي المطاف بهم في أوروبا والولايات المتحدة قادمين من إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا. ويقدّر عدد المهاجرين السريين في أميركا ما بين 11 و20 مليون مهاجر مقابل 11 مليون مهاجر «نظامي».
وكانت البلدان الأوروبية قد «سوّت» أوضاع حوالي 20 مليون مهاجر أصبحت إقامتهم «نظامية» فيها ولا يزال هناك حوالي 5 ملايين مهاجر سري. بكل الحالات، يرى مؤلف الكتاب أن مساهمة الولايات المتحدة وأوروبا في تنمية البلدان الأصلية للمهاجرين تبدو أمرا لابد منه للتخفيف من ضغط الهجرة.
كما أن مساهمة اليد العاملة المهاجرة لابد منها أيضا، وبالقدر نفسه، من أجل النمو الاقتصادي على جانبي الأطلسي نظرا لواقع الشيخوخة الديموغرافية.
ثلاث ورشات مطروحة
يحدد مؤلف هذا الكتاب ثلاث ورشات مطروحة على «الأجندة» عبر الأطلسية (الأميركية ـ الأوروبية) خلال العقدين المقبلين.
* الورشة الأولى تخص تبنّي منظومة دولية تأخذ باعتبارها معطيات النزعة العولمية وتجذر النزاعات، قبل أن يتم القضاء نهائيا على الإرث الإيجابي للستين سنة الماضية. ذلك أن حلول عالم متعدد الأقطاب ومجزأ وخطير يتطلب أكثر من أي وقت مضى ترميم منظومة دولية شرعية وفعالة تشكل منظمة الأمم المتحدة عمودها الفقري.
لكن الدول الصاعدة التي تشكل الأكثرية داخل المجموعة الدولية تعيب على القوى الكبرى احتكارها لمجلس الأمن وتستخدم الجمعية العمومية للمنظمة كسلطة مقابلة سلبية مما يقلل من مصداقيتها في إطار نظام متعدد الأقطاب تشكل منارته.
ثم إن زيادة عدد الدول التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن يمكن أن يؤدي إلى شلله، لاسيما أن الصين وروسيا تمثلان تيارات إيديولوجية ومصالح معارضة للغرب. بالمقابل ينبغي أن يساهم دخول أعضاء دائمين جدد إليه دون التمتع بحق النقض وإصلاح نظام الأعضاء غير الدائمين إلى تكريس المسؤوليات الدولية الجديدة لدول مثل ألمانيا أو اليابان أو الهند أو البرازيل أو جنوب إفريقيا.
ويتم التأكيد في هذا السياق على أن ضرورة تعزيز فعالية ومصداقية منظمة الأمم المتحدة ينبغي أن تطال أيضا المنظمات المكلّفة بمهام كونية كبرى راهنة مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تهتم بالانتشار النووي ومنظمة الصحة العالمية المهتمة بالصحة العامة ومنظمة «الفاو» التي تعنى بقطاع التغذية والزراعة.
لكن مختلف المنظمات الدولية تخضع بأغلبيتها لمستلزمات للقانون الدولي الكلاسيكي الموضوع في القرن السادس عشر والذي يؤكد على السيادة المطلقة للدول وعلى المساواة بينها داخل «جوقة الأمم». من هنا تخضع المنظمات المعنية لمنطق العمل الحكومي بشكل أساسي والذي ثبت عدم فعاليته في أغلب الأحيان.
* الورشة الثانية التي يرى المؤلف أنه ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا الاهتمام بها خلال العقدين المقبلين يحددها المؤلف بالقول إنها «دون شك دمج العالم العربي-الإسلامي في إطار الحداثة الاقتصادية والسياسية، أي في العولمة والديمقراطية».
ويؤكد أن التشوش في الحجج التي قدّمتها إدارة جورج بوش الأولى لشن الحرب على العراق والفوضى التي نجمت عن ذلك أدت إلى فقدان الأجندة الأميركية الخاصة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط لمصداقيتها.
لكن مع ذلك تركز التحليلات المقدّمة على القول إن اشتراك العالم العربي-الإسلامي في مكتسبات العولمة والحرية السياسية هو مطلب ضروري من أجل استقرار العالم، كما أنه يشكّل أفضل إجابة على المدى الطويل ضد صعود التطرف.
ويتم في هذا السياق تقديم عدة أسباب جوهرية لضرورة بذل الجهود في ذلك الاتجاه ومن أهمها العمل على معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للإرهاب وضرورة تهدئة نزعة المنافسة المتعاظمة بين الغرب وبين العالم الإسلامي الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 2 ,1 مليار نسمة،
أي ما يعادل تقريبا عدد سكان الصين، وتأمين التزود بمواد الطاقة الضرورية للاقتصاد العالمي، وضرورة تخفيف التوترات الداخلية في المنطقة بين إسرائيل والدول العربية، ولكن أيضا بين مختلف أجنحة المسلمين.
وكانت الرؤية الأميركية حول شرق أوسط كبير ديمقراطي قد لاقت الكثير من النقد في المنطقة وكذلك في أوروبا، لاسيما أنها قامت في ظل الفشل الأميركي في العراق وعدم تقديم واشنطن أي حل للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
ولكن أوروبا لم تستطع أن تردم الفجوة الأميركية، إذ تندرج مقاربتها لمسألة تحديث العالم العربي ـ الإسلامي في إطار سياستها للجوار التي دشّنتها في مايو 2004 بمناسبة انضمام عشر دول جديدة من أوروبا الشرقية والوسطى إلى الاتحاد الأوروبي.
رمت تلك السياسة إلى استقرار الدول الواقعة في المحيط الشرقي والجنوبي للاتحاد الأوروبي الموسّع، خاصة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط عبر برامج المساعدة والتعاون المشروطة بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية من قبل البلدان المعنية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد دشّن قبل عشر سنوات، وتحديدا في عام 1995 خطة عمل برشلونة الرامية إلى خلق مجموعة أوروبية ـ متوسطية على قاعدة أشكال من التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي.
وتتم الإشارة هنا إلى أن تلك المقاربة الإدارية لتحديث القسم الأكثر «اقترابا» من الغرب في العالم العربي ـ الإسلامي لم تؤدِ إلى النتائج المرجوّة منها. ويعاب عليها خاصة أنها كانت من طبيعة تكنوقراطية جدا ولم تكن حازمة في تنفيذ المساعدات وفي مطلب الإصلاحات.
هذا إلى جانب غياب الدعم المنظّم للحركات الإصلاحية المحلّية. مع ذلك، ومهما ثار الجدل حول الرؤية الأميركية في بداية تنفيذها فيما يتعلق بالتحرر الاقتصادي والسياسي للعالم العربي ـ الإسلامي، فإنها تبقى أكثر تعبئة من الخطوات الصغيرة البيروقراطية الأوروبية، حسب رأي المؤلف.
ما يتم تأكيده أيضا هو أن العالم العربي ـ الإسلامي قد تراجع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بالقياس إلى ما عرفته بلدان منه مثل تونس وتركيا ولبنان خلال سنوات الخمسينات والستينات. وتجري إعادة هذا التراجع إلى وجود أنظمة استبدادية
وفاسدة وإلى الانفجار السكاني الكبير وعدم القدرة على الاستفادة من العولمة الاقتصادية. ثم إن الحركات المتطرفة استفادت من ذلك الفشل ووظفته لأغراضها السياسية ورفعت شعارات محاربة الفقر والظلم مستثمرة بنفس الوقت مشاعر البغض حيال إسرائيل وأميركا ثم ضد الحداثة الغربية كلها.
ويرى مؤلف الكتاب أن كبح هذا المسار التراجعي يتطلب بالضرورة تجاوز الثنائية المتمثلة في الدفاع عن الوضع القائم كما هو أو في تنامي قوة التطرف. فهناك طريق ثالث وهو مساعدة الأحزاب والحركات المعتدلة والإصلاحية داخل المجتمعات المدنية للبلدان المعنية.
على أن يترافق هذا مع برنامج مساعدة اقتصادية وتجارية وتربوية شبيه بخطة مارشال التي عرفتها أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ويكون مشروطا بالتنفيذ الحازم لإصلاحات سياسية واقتصادية.
لكن المؤلف يرى نجاح مثل هذا البرنامج مشروطا أيضا باستعادة الولايات المتحدة وأوروبا لمصداقيتهما ومكانتهما في المنطقة عبر المساهمة في إحلال السلام والاستقرار في العراق وفي الشرق الأوسط وأفغانستان.
لكن إذا كان البعد الاقتصادي والاجتماعي أساسيا من أجل تفسير صعود التطرف فإن المؤلف يرى من الخطأ التقليل من قيمة عامل الهوية المرتبط بنوع من اليقظة العقائدية. ومثل هذه الظاهرة موجودة في جميع الأديان وفي الولايات المتحدة وحتى في أوروبا العلمانية.
ويؤكد أن خط الفصل هنا، كما في أية منطقة من العالم، يقوم بين المعتدلين والمتطرفين وليس بين الإسلام والديمقراطية. كذلك تتطلب معركة التحديث التصدي للرفع من شأن دور المرأة في المجتمع وفي التركيز على التربية.
* الورشة الثالثة ذات الأولوية على الأجندة الأطلسية للسنوات المقبلة تخص المحافظة على الأملاك العامة الكونية، وإنقاذ إفريقيا (جنوب الصحراء). هذه القارّة التي تعاني من النكبات المتداخلة على مستويات البيئة والصحة والتغذية والتي لم يتزايد دخل الفرد فيها بصورة حقيقية سوى بنسبة 3,0 بالمئة سنويا منذ عام 1964.
أما بالنسبة للأهداف الثمانية التي حددتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية في إفريقيا حتى أفق 2015، والخاصة بتقليص درجة الفقر المدقع إلى النصف وتعميم الدراسة الابتدائية على الجميع وكبح انتشار فيروس الايدز وتشجيع مساواة المرأة بالرجل واستقلالها الذاتي،
فإن جميع المؤشرات تدل على أنه لا يزال أمام أغلبية البلدان الإفريقية طريق طويل عليها أن تقطعه. وينقل المؤلف عن دراسة اقتصادية مختصّة أن بلوغ تلك الأهداف كان يتطلب أن تصل مساعدة البلدان الغنية لبلدان الجنوب مبلغ 121 مليار عام 2006 ليصل هذا المبلغ إلى 185 مليار عام 2015.
كذلك دلّت أعمال المنظمات الدولية المختصة على تداخل الإشكاليات المتعلقة بالنمو الاقتصادي والتنمية والطاقة والبيئة والتحديات الإنسانية العامة. فالنمو الاقتصادي يزيد الطلب على الطاقة واستهلاكها
مما ينتج عنه آثار سيئة على التوازن البيئي والجيوسياسي للعالم. من جهة أخرى يتطلب البحث عن طاقات نظيفة تشجيع الصناعة النووية المدنية، بما في ذلك لدى البلدان الصاعدة، مع ما يحمله هذا من مخاطر الجنوح نحو النوويات العسكرية.
ودلّت أعمال المنظمات الدولية أيضا على عدم ضرورة الاختيار بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة أو الصحة العامة. ذلك أن ثمن تدهور أي منها له كلفته الباهظة. وعلى سبيل المثال تدل التقارير على إمكانية أن ترتفع سخونة المناخ ما بين خمس إلى ست درجات خلال القرن الحادي والعشرين، أي ما قد يعني خسارة 5 بالمئة إلى 10 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي.
وتبلغ تكلفة تلويث البيئة بسبب وجود صناعة غير خاضعة للسيطرة ما يقارب 10 بالمئة من إجمالي الإنتاج الداخلي لبلد مثل الصين اليوم. وللمفارقة لا تزيد تكلفة برنامج جدي للسيطرة على تقليص إصدار غاز الفحم من المصانع عن حوالي 1 بالمئة من إجمالي الإنتاج السنوي العالمي منذ الآن وحتى أفق عام 2050.
بالتالي ليست هناك إمكانية للجمع بين التنمية الاقتصادية ومكافحة ظاهرة سخونة الأرض فحسب، بل إن هذا الجمع هو مطلب اقتصادي واضح. وبكل الحالات يتم التأكيد على أن معالجة المشاكل الكونية الكبرى ليست أمرا مستعصيا، فالأمر يعتمد غالبا على التجديد التكنولوجي والتزود بإمكانيات مالية متواضعة نسبيا على صعيد الاقتصاد العالمي.
ميثاق أطلسي جديد
تحت هذا العنوان يختتم المؤلف حديثه عن أسلحة السلام. وهو يؤكد اعتمادا على النتائج التي توصلت لها دراسات عديدة مختصة أن إيجاد حل للتحديات الكبرى التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين يتعلق أولا بالإرادة السياسية التي غدا امتلاكها أصعب بسبب الطبيعة العالمية للمشاكل وللحلول.
ويتم التأكيد في هذا الإطار على أن الولايات المتحدة وأوروبا لديهما قدرة كبيرة في الدفع نحو الحلول المرجوّة. لكن هذا يتطلب منهما أولا النجاح في الشروع بإصلاحات ضرورية داخل منظومتيهما الاقتصادية والاجتماعية. إن غياب مثل هذه الإصلاحات سيؤدي لدى المجتمعات الغربية عاجلا أو آجلا إلى اتخاذ إجراءات حماية اقتصادية في مواجهة مستلزمات العولمة مما سيخلق حالة تنازعية مع الصين والهند وغيرهما.
على الصعيد الجيوسياسي يتم تحديد القول إنه ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا أن تسعيا معا من أجل استقرار أفغانستان والعراق واحتواء الطموحات الإيرانية كشرط لمصداقيتهما ولأمن العالم. هناك إجماع أميركي ـ أوروبي حول أفغانستان وإيران لكن ليس العراق.
مع ذلك قد تكون هزيمة أميركية في العراق فشلا خطيرا للغرب حيال العالم العربي-الإسلامي وسوف توجد في الشرق الأوسط وضعا أخطر بكثير مما كانت الحال عليه عام 2001 في أفغانستان مع طالبان،
حسب تحليل المؤلف الذي يضيف أنه ينبغي على القطبين الرئيسيين في العالم الغربي إعادة التأسيس لشراكة أطلسية على قاعدة التكامل والاعتراف المتبادل، وعليهما أن يبحثا معا من أجل إيجاد سبل جديدة لمتابعة تشجيع انتشار القيم الديمقراطية في العالم، كما تقول الجملة الأخيرة في الحديث عن «أسلحة السلام».
تمت