أعلى هذا النبي .. تتطاولون!
اذهبوا فأنتم الطلقاء
الكابتن أياد نوري الخليفة
المحور الثاني
اتهام سيّدنا الرسول محمد (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) ..
بنشر الإسلام بالسيف, أو بالإرهابية _كما يحلوا لهم تسميتها بالمصطلحات الدارجة اليوم_.
غزوة بدر الكبرى
أسبابها:
أن النبي محمد (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) سمع بعيرٍ تجارية لقريش قادمة من الشام بإشراف أبي سفيان بن حرب, فندب المسلمين إليها, ليأخذوها لقاء ما تركوا من أموالهم في مكّة _كشيء من التعويض_ بعد أن تركوها وهاجروا إلى المدينة بفعل الأذى الذي لاقوه من قريش. فخفّ بعضهم وتثاقل آخرون إذ لم يكونوا يتصورون قتالاً في ذلك.
وبلغ أبا سفيان عزم المسلمين على خروجهم لأخذ العير, فغير اتجاه العير,وخلصت سالمة إلى مكّة, وأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكّة يستنفرهم للخروج للمحافظة على أموالهم. وما إن وصل قريشاً الخبر حتى تجهزوا بسرعة وخرجوا, حتى أنه لم يتخلف من أشراف قريش أحد, وكانوا قريباً من ألف مقاتل.
وخرج النبي بثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً, وكانت إبلهم سبعين, يتعاقب على الواحدة منها اثنان أو ثلاثة من الصحابة, وهم لا يعلمون من أمر قريش وخروجهم شيئاً. ثم أتى النبي خبر مسير قريش, وهكذا كان أي بدل أن يلقوا العير وجدوا جيش المشركين. ثم التقى الجيشان, ورغم أن جيش المسلمين كان ثلث عدد جيش المشركين, إلاّ أن المسلمين قتلوا سبعين من صناديد قريش, وأسروا سبعين, واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً. ولا غرو على هذا النصر وأن ألفاً من الملائكة قد قاتلت مع صفوف المسلمين.
وكانت غزوة بدر قد وقعت في السنة الثانية للهجرة, وهي أول مواجهة عسكرية فعلية بين الحق والباطل, بين جيش المسلمين وجيش المشركين([1]).
* * *
رغم أنه كان خروج المهاجرين من المسلمين _خصوصاً_ دون الأنصار, هو للتعويض عمّا أصابهم من فقدان أموالهم في مكّة, أو شيء من التعويض كما ذكرنا آنفاً, إلاّ أن الله تعالى أراد للمسلمين ما هو أرفع وأغنم من ذلك وهو الدعوة إلى دين الله والجهاد في سبيله, والتضحية بالروح والمال في سبيل إعلاء كلمة الله.
ومن هنا كان النصر العظيم حليف أبي سفيان في النجاة بتجارته, بمقدار ما كانت الهزيمة المنكرة
حليف قريش في ميدان الجهاد بينهم وبين المسلمين, وإن هذه التربية الإلهية لنفوس المسلمين
لتتجلى بأبرز صورها في قوله تعالى:
{ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) } الأنفال.
وما يوثّق ويؤكد نصرة الله تعالى للمسلمين تجده واضحاً في قوله تعالى:
{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) } الأنفال.
وأين الإرهاب بمعنى الظلم والتعدّي والقتل العشوائي غير المنضبط وغير المستند إلى شرعية.
فرسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) ما دعا قريشاً إلى قتال وحرب وإراقة الدماء في المكان الأول حينما أنزلت عليه الرسالة وبدأ بالدعوة المكلّف بها من ربه, إنما دعاهم ببساطة القول إلى ترك عبادة الأوثان, وعبادة الله الواحد الأحد. ومضى على تحمل أذاهم هو وأصحابه من الذين أسلموا مدة ثلاث عشرة سنة. ثلاث عشرة سنة من المعاناة والمآسي والألم, الأذى المباشر المادي منه والمعنوي, فهناك _على سبيل المثال لا الحصر_ عمار بن ياسر, حيث قتلوا أباه وأمّه على مرأى منه, وهناك مَن وضعت عليه الصخرة العظيمة على صدره العاري وهو مستلقٍ على الرمال في وقت الظهيرة مثل بلال, وهناك مَن وُضعت النار في طريقهم, وهناك مَن كان يُضرب بالحجارة, وهناك كان الحصار الاقتصادي عليهم فلا يبيعونهم ولا يشترون منهم, ثم هناك كان العديد منهم مَن هاجر هرباً بدينه من هذا كله إلى الحبشة, بعضهم مرّة, وبعضهم مرّتين, ثم كانت الهجرة إلى المدينة, التي تركوا فيها بيوتهم وأموالهم.
ثلاث عشرة سنة وقريش يتفنّنون في تعذيب المسلمين.
وما كانت جريمتهم إلاّ أنهم تركوا عبادة الأصنام وآمنوا بما جاءهم محمد من رسالة من ربه لعبادة الله تعالى وحده فقط!!
كل هذا يصدر من قريش فيمرّ عليه ببساطة, أمَا وأنْ قد واجههم النبي حتى قلتم عنه عن عدم دراية في زعمكم أنه كذا وكذا!
وحتى أقرّب المعنى المقصود, فلاحظً في وقتنا هذا مثلاً سياسة أمريكا تجاه المسلمين, ستجد نفس سياسة قريش تجاههم مع فارق وحيد وهو أن عدائية قريش كانت معلنة, أمّا عدائية أمريكا فإنها مغطّاة تحت مسمّيات نشر الديمقراطية, أو محاربة الإرهاب .. وما إلى ذلك, فاختلف الإطار وبقي المضمون.
فمتى ما قُدّر للمسلمين للنيّل لبعض ما ذاقوا من ويلات ما فعلت السياسة الأمريكية بهم بشكل مباشر _أو غير مباشر_ في فلسطين وأفغانستان والعراق مثلاً .. فالمئات من النفوس البريئة تقتل يومياً, يتبعها أمّهات تثكل ونساء تُرمّل وأطفال تُيتّم, والبنية التحتية للبلاد تُدّمر, وثرواته تنهب.. الخ, فهل سينعتون حينها بالإرهابيين!
فبالنسبة للمشاهد المكترث للحالة أو الناقد بحيادية .. فهل المقياس واحد, أم هناك أكثر من
مقياس!!
-- -----------
بنو قينقاع, وأول خيانة يهودية للمسلمين
قال ابن إسحاق:كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) جمعهم بسوق قينقاع ثم قال:" يا معشر اليهود, احذروا من الله عزّ وجلّ مثل ما نزل بقريش من النقمة, وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل, تجدون ذلك في كتابكم وفي عهد الله إليكم". قالوا: يا محمد إنك ترى أنا كقومك ؟! لا يغرنّك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة, وإنا والله لئن حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس.
وروى ابن هشام عن عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عوانه أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها([2]), فباعته بسوق بني قينقاع, وجلست إلى صائغ بها, فجعلوا يريدونها على كشف وجهها, فأبت, فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها, فعقده إلى ظهرها, فلما قامت انكشفت سوأتها, فضحكوا منها, فصاحت, فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله, وكان يهودياً, وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على يهود, فغضب المسلمون, فوقع الشرّ بينهم وبين بني قينقاع. فكان هؤلاء أول يهود نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) وكان ذلك من السنة الثانية للهجرة.
فحاصرهم النبي مدة من الزمن حتى نزلوا على حكمه. فقام إليه عبد الله بن أُبي بن سلول فقال: يا محمد, أحسن في مولاي! ..فلم يلتفت إليه رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم), وكرر ثانية فأعرض عنه النبي, فأدخل يده في جيب درع النبي فقال له:"ويحك أرسلني", قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ:أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود, تحصدهم في غداة واحدة؟
إني والله امرؤ أخشى الدوائر. فقال له رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم):" هم لك ", وأمره أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها, فخرجوا إلى أذرعات الشام, وهلك أكثرهم فيها.
وكان لعبادة بن الصامت من المحالفة مع هؤلاء اليهود مثل الذي لعبد الله بن أُبي, فمشى إلى
رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) قائلاً: إنني أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ
من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
ففيها نزل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) } المائدة.
* * *
فهناك حقد اليهود المبيّت للمسلمين عقب انتصارهم على المشركين في بدر. فسخرهم من هذه المرأة لم يكن يمثّل السخرية من شخصها بقدر ما كان الهدف منه السخرية بتعاليم الدين الجديد
((الإسلام). وما يؤكّد صحة ما نذهب إليه هو ردّهم العنيف للنبي (وإنا والله لئن حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس).
-------------
غزوة أحد
أسبابها:
لهذه الغزوة أسباب سبقتها, منها:
1_ بعد غزوة بدر, بدأ المشركون في (قريش) برصد الأموال لغرض صدّ الدعوة الإسلامية ومنع الناس من الدخول إلى الإسلام, وبالتالي وقف انتشار الإسلام, لا بل التجهيز للقضاء عليهم كلياً.
2_ نتيجة للهزيمة الكبيرة المُرّة التي لحقت بقريش في بدر, من جراء قتل أشرافها وما ألحقه ذلك بهم من خزي وعار, وشعورهم بالمهانة والمذلّة كان له وقع كبير عليهم, خصوصاً وأن قريشاً كانت زعيمة القبائل العربية. فعزمت على ردّ اعتبارها بقوة وبسرعة, مهما كلّف هذا من مال وجهد وضحايا!
3_ هناك أيضاً العامل الاقتصادي, فخروج سرايا المسلمين على ضواحي المدينة الواقعة إلى الشمال من مكة حجّم كثيراً مردودات مكّة المالية. فمكّة كانت معتمدة كلياًً على رحلتي الصيف إلى الشام التي تنقل فيه محاصيل وبضائع وسلع الرحلة الشتوية القادمة من اليمن, وبالعكس.
فعبّت قريش وخرجت بزعامة أبي سفيان _سنة ثلاث للهجرة_ بجيش كبير قوامه ثلاثة آلاف مقاتل بعدّتهم, وقادوا مائتي فرس, وفيهم سبعمائة دارع, وثلاثة ألاف بعير. واصطحبوا النساء, _كي لا يضعفوا أمامهن وهنّ حضور ينظرن إليهم عندما يشتدّ القتال فيتراجعوا أو يفّروا_. وكان العباس بن عبد المطلب _عم النبي_ الذي كان بمكة, هو الذي بعث بخبر خروج قريش إلى المدينة حيث النبي محمد (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم).
فلما وصل النبي الخبر, جهّز جيشه وخرج لملاقاتهم .. وكان هذا في السنة الثالثة للهجرة.
* * *
إذن نحن أمام جيش المشركين وهم مَن خرجوا أولاً إلى المدينة يريدون قتل النبي والمسلمين. وما كان خروج النبي والمسلمين إلاّ دفاعاً عن أنفسهم.
-------------
طمع بني أسد في الدولة الإسلامية
بلغت النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بواسطة عيونه المنبّثة في الجزيرة العربية أخبار الاستعدادات التي قام بها بنو أسد بن خزيمة بقيادة طليحة الأسدي من أجل غزو المدينة, فسارع النبي إلى تشكيل سرية من مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار بقيادة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي, وسار المسلمون إليهم, وهزموهم.
خالد بن سفيان الهذلي
قام خالد بن سفيان الهذلي يجمع المقاتلة من هذيل وغيرها في عرفات, وكان يتهيأ لغزو المسلمين في المدينة.
فلما علم النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بذلك كلّف عبد الله بن أنيس الجهني بقتله, وبعثه إليه وقتله.
غدر قبيلتي عَضلُ والقارّة, وفاجعة الرجيع
يلجأ بنو لحيان _وهم حيّ من هذيل_ إلى المكر والغدر والخديعة, للثأر لخالد بن سفيان الهذلي, حيث مشت إلى عضل والقارّة, وجعلت لهم جُعلاً ليخرجوا إلى رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) ويطلبوا منه أن يخرج معهم مَن يدعوهم للإسلام, ويفقّههم في الدين, فيمكروا لهم, ويأسروهم, ويصيبوا بهم ثمناً في مكّة.
وهكذا بعث النبي سرية تتألف من عشرة من الصحابة وجعل عليهم عاصم بن ثابت الأقلح أميراً.
حتى إذا كانوا بين عُسفان ومكّة, أغار عليهم بنو لحيان وهم قريب من مائتي مقاتل, ثم أعطوهم
الأمان من القتل, فرفض قائد السرية النزول في ذمّة كافر, فقاتلهم حتى قتل, وقتل ثمانية من سريته, وأسروا اثنين ثم باعوهما في مكّة. وكان ذلك سنة أربعة للهجرة.
طمع عامر بن الطفيل في المسلمين
ومن حديث أنس (رضي الله عنه) قال:جاء ناس إلى النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) , فقالوا: أن ابعث معنا رجالاً يعلّمونا القرآن والسنّة, فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار, يقال لهم القرّآء, فيهم خالي حرام, يقرؤون القرآن, ويتدارسون بالليل يتعلّمون, وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد, ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفّة وللفقراء, فبعثهم النبي لهم, فقتلوهم([3]), قبل أن يبلغوا المكان, فقالوا: اللّهم بلّغ عنّا نبينا " أنّا قد لقيناك, فرضينا عنك, ورضيت عنّا ".
قال: وأتى رجل حراماً خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه, فقال: فزت ورب الكعبة, فقال النبي لأصحابه:" إن إخوانكم قد قتلوا, وإنهم قالوا: اللّهم بلّغ عنّا نبينا أنّا قد لقيناك, فرضينا عنك, ورضيت عنّا ".
***
فماذا نلاحظ؟ مَن هو البادئ الحقيقي والفعلي .. لشنّ القتال في هذه الأحداث الأربعة!!
--------------
إجلاء يهود بني النضير
بعدما قدّم المسلمون ضحايا واضحة في أحد من جهة, ثم مقتل أصحاب الرجيع وبئر معونة من جهة أخرى, طمع اليهود في المدينة في العودة إلى أساليب المكر والغدر, فشرعوا في حشد حصونهم بالسلاح والعتاد للانقضاض على المسلمين وقتلهم وقتل الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم).
أسبابها:
إن من أهم الأسباب التي حملت النبي على غزو بني النضير هي:
1_ نقضهم للعهود التي قطعوها مع المسلمين على أن لا يأووا عدواً للمسلمين. لا بل تمادوا إلى ما هو أبعد من ذلك بإرشاد الأعداء إلى مواطن الضعف في المدينة. ووقوف سيد بني النضير سلاّم بن مِشكَم مع أبي سفيان وتضييفه, ودسّ الأخبار إليه, والمسلمون يلاحظون ذلك, فقد كان لهم استخباراتهم الخاصة بهم.
2_ تنفيذاً للعهد الذي كان بين النبي وبين بني النضير حول أداء الديّات, خرج النبي مع نفر من أصحابه إلى ديار بني النضير يستعينهم في ديّة القتيلين العامريين اللذين ذهبا ضحية جهل عمرو بن أميّة الضمّري بجوار رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) واستقبله بنو النضير أحسن استقبال, ولكنهم كانوا يضمرون الشّر له حيث عمدوا إلى صخرة يطرحونها من على حائط لتسقط عليه, فتنبّه النبي إلى ذلك فنهض مسرعاً إلى المدينة ثم تبعه بعد ذلك أصحابه.
إنذارهم بالجلاء:
فبعد نقضهم للعهد, أرسل النبي موفداً إليهم وهو محمد بن سلمة يُنذرهم مدة عشرة أيام إلى مغادرة البلاد, فأدركوا أن ما أخفوا من تواصل مع أعداء المسلمين ونيّتهم لقتل النبي غدراً قد انكشف, فمكثوا أياماً يعدّون العدّة للرحيل.
وهنا دخل عبد الله بن أُبي بن سلول على الخط فأرسل إلى بني النضير أن لا تخرجوا فإن معي من العرب وممن انضوى إلى قومي ألفين, وسنقاتل جنباً إلى جنب إلى أن نقتل المسلمين قبل أن يدخلوا حصونكم.
فعادت لليهود بعض ثقتهم, وتشجّع كبيرهم حُيي بن أخطب فأرسل رسولاً إلى النبي أن افعل ما بدا لك فإننا لن نبرح دارنا.
توجه جيش المسلمين فأجلوهم. وقد تخلّى عنهم أبي بن سلول, فطلبوا من النبي عصمة دمائهم, فوافقهم, وخرجوا على ستمائة بعيرٍ تحمل أمتعتهم, وحملوا معهم كميات كبيرة من الذهب والفضّة, حتى أن سلام بن أبي الحُقيق وحده حمل جلد ثورٍ مملوءً ذهباً وفضّة, وكان يقول: هذا الذي أعددناه لرفع الأرض وخفضها, وإن كنّا تركنا نخلاً ففي خيبر النخل. فقصد بعضهم خيبر وسار آخرون إلى الشام.
لم يكن الهدف من وراء هذه الحرب إيذاء الرعيّة, ولو كان قصدهم ذلك لما تركوهم يرحلوا بأنفسهم وأموالهم وبدل ذلك كانوا باستطاعتهم قتلهم وأخذ أموالهم كلها _وهي كثيرة ومغرية_ ولكنهم ما فعلوا ذلك. ولا أقصد أنهم لم يغنموا أموالاً من بني النضير, ولكن قصدت أنهم تركوا لهم أن يحملوا ما يحملوا.
وكان إجلاءهم فقط, أشبه ما يكون بعقوبة لمن يخلف العهد والوعد, والبادئ أظلم.
***
فماذا كان ينبغي للنبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) والمسلمين أن يفعلوا إزاء مَن
عاهدهم ثم غدر بهم, غير الذي كان!
-------------
غزوة ذات الرقاع
وسببها:
ما ظهر من الغدر لدى كثير من قبائل نجد بالمسلمين, ذلك الغدر الذي تجلّى في مقتل أولئك الدعاة السبعين الذين خرجوا يدعون إلى الله تعالى, فخرج عليهم النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) قاصداً قبائل محارب وبني ثعلب. وعسكر رسول الله في مكان بنجد من ارض غطفان يسمى (نخل), ولكن الله تعالى قذف في قلوب تلك القبائل الرعب, وكانوا جموعاً كبيرة, فتفرقوا بعيداً عن المسلمين, ولم يقع أي قتال.
وقعت في العام الرابع الهجري, ويُرّجح أنها وقعت بعد غزوة بني النضير.
***
فلو لم يخرج النبي إليهم ليضع حداً لهذا الغدر, فمن الطبيعي أنهم كانوا سيستمرون في غيّهم هذا.
ولو لم يكن هناك فعلاً, لما كان هناك رد فعل!
-------------
غزوة بدر الموعد
سببها موعد اتفق عليه الطرفان ..
و تنفيذاً للموعد الذي كان أبو سفيان قد اقترحه في أعقاب معركة أحد, والتزام الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بذلك, فقد خرج النبي من المدينة على رأس جيش من أصحابه قوامه ألف وخمسمائة مقاتل, في السنة الرابعة للهجرة, وعندما وصلوا بدراً أقاموا فيها ثمانية أيام بانتظار أبي سفيان حسب الموعد بين الطرفين,غير أن أحداً من المشركين لم يصل إلى بدر. حيث كان أبو سفيان قد خرج بجيش قوامه ألفا مقاتل, وعندما وصلوا إلى مرّ الظهران نزلوا على مياه مجنّة على بعد أربعين ميلاً من مكة, غيّر فكره ووقف فيهم مخاطباً: يا معشر قريش! إنه لا يصلحكم إلاّ عام خصيب ترعون فيه الشجر, وتشربون فيه اللبن, وإن عامكم هذا عام جدب, وإني راجع فارجعوا.
* * *
كذلك لم يحصل قتال في هذه الغزوة.
وكذلك فما كان هناك من خيار اللاخروج, فنزل النبي عند كلمته ووعده, وما كان له أن لا يفعل فتظن قريش أنها أهابت المسلمين, وأن المسلمين قد ضعفوا ووهنوا بعد ضحاياهم في أحد, وأنهم قد انكسروا!
فأراد النبي تثبيت هيبة المسلمين, وليس أمام قريش وحسب وإنما أمام الجزيرة العربية كلها عندما تصلها الأخبار, وأنهم أهل لحمل الرسالة السماوية والذود عنها دائماً وأبداً.
-------------
غزوة دومة الجندل
سببها:
تجمع بعض القبائل عند دومة الجندل وهي سوق معروفة وتمر من خلالها القوافل على حدود الغساسنة الموالين للدولة الرومية البيزنطية, وتبعد قرابة أربعمائة وخمسين كيلو متر شمال المدينة. فكانوا يريدون الإغارة على القوافل وسلبها والتعرض لمن في القافلة بالأذى والظلم. كما وردت الأنباء بأنهم يفكرون بالقرب من المدينة, فخرج النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) سنة خمسٍ للهجرة وغزاها وفرق تجمعهم.
***
إن السكوت عن هذا التجمّع وما شاكله يؤدي بلا شك إلى تطوره واستفحاله, وقد يؤثر على قوافل المسلمين فضلاً عن قوافل القبائل التي تحتمي بهم وتعرضها للسلب والنهب, وبالتالي إضعافهم اقتصادياً.كذلك إشعار القبائل بأنهم في حمايتهم يؤمنون لهم الطرق ويحمون لهم تجارتهم. وكذلك إزالة الرهبة النفسية الموجودة عند العرب, الذين ما كانوا يحلمون بمواجهة الروم الذين كانوا على مسافة خمس ليال منهم.
وفي هذا نشر لنفوذ المسلمين بأنهم أهل لنشر السلام والخير, وأهل للتصدي والدفاع.
-------------
غزوة بني المصطلق , وتسمى أيضاً بغزوة المريسيع
أسبابها:
1_ تأييد قبيلة بني المصطلق لقريش, واشتراكها معها في معركة أحد ضد المسلمين.
2_ سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة, فكانت حاجزاً منيعاً من نفوذ المسلمين إلى مكة.
3_ أن الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بلغه أن بني المصطلق يجمعون له بقيادة الحارث بن أبي ضرار.
وفي السنة الخامسة للهجرة وبعد التأكد من نيتهم السوداء عن طريق إرسال بريدة بن الحصيب الأسلمي, الذي ذهب إليهم وتأكد من ذلك, خرج النبي إليهم ولقيهم على ماء من مياهم يقال له المريسيع. وكان النصر حليف المسلمين.
****
فلاحظ, لم يكن النبي هو البادئ في التجهيز والخروج, وإنما خرج بعد أن تأكد من عزمهم هم على الخروج.
ففإمّا يتركهم يغزونه في المدينة, وإمّا أن يخرج هو ويغزوهم. ولكن هذا التقدير وهذا القرار بالخروج إليهم ما كان ليكون في تقدير أحد الآن, إنما كان فقط في تقدير قائد المسلمين (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) والمسلمين أنفسهم.
-------------
غزوة الخندق وتسمى أيضاً بغزوة الأحزاب
أسبابها:
وقعت في السنة الخامسة للهجرة, وسببها أن نفراً من زعماء اليهود من بني النضير خرجوا حتى قدموا مكّة, فدعوا قريشاً إلى حرب رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) وقالوا: سنكون معكم حتى نستأصله, وقالوا لهم إن ما أنتم عليه خير من دين محمد, واتفقوا مع قريش على حرب المسلمين وتواعدوا لذلك. ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان فدعوهم إلى مثل ما دعوا قريشاً إليه, ولم يزالوا بهم حتى وافقوهم على ذلك, ثم التقوا ببني فزارة وبني مرّة. وتمّ لهم مع هؤلاء جميعاً تواعد في الزمان والمكان لحرب رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم).
تهيأ المسلمون للحرب, فلما بلغ رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) الخبر وسمع بخروجهم من مكّة, ندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم وشاورهم في الأمر, فأشار عليه الصحابي الجليل سلمان بالخندق فأعجب ذلك المسلمين _والخندق مما لم يكن يعلمه العرب من وسائل الحرب_ فخرجوا من المدينة وعسكر بهم رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) في سفح جبل سلع فجعلوه خلفهم, ثم هبوا جميعاً يحفرون الخندق بينهم وبين العدو. وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف,وعدد ما اجتمع من قريش الأحزاب والقبائل الأخرى عشرة آلاف. وهكذا تم حفر الخندق .. فلما وصل المشركون فوجئوا بالخندق, وقالوا إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها. فعسكروا حول الخندق بضعة عشر يوماً يحاصرون المسلمين. ولم يحدث مواجهة وقتال فعلي, سوى أن بعضهم عبر الخندق فما بين مَن قتل, وما بين مَن فرّ راجعاً.
وكان أن جاء نُعيم بن مسعود وهو من المشركين إلى النبي مسلماً, وعرض عليه تنفيذ أي أمر يريده منه, فقال النبي:" إنما أنت رجل واحد فينا, ولكن خذّل عنّا إن استطعت. فإن الحرب خدعة ".
فخرج نُعيم بن مسعود, فأتى بني قريظة فأقنعهم _وهم يحسبونه لا يزال مشركاً_ أن لا يتورطوا مع قريش في قتال حتى يأخذوا منهم رهائن, كي لا يولوا الأدبار, فيبقون وحدهم في المدينة دون أي نصير لهم على محمد وأصحابه, فقالوا له: إنه للّرأي! ثم خرج حتى أتى قريشاً فأنبأهم أن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا وأنهم قد اتفقوا خفية مع رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) على أن يختطفوا عدداً من أشراف قريش وغطفان فيسلموهم له ليقتلهم, فإن أرسلت إليكم يهود يلتمسون منكم رُهُناً من رجالكم فإياكم أن تسلموهم رجلاً منكم. ثم خرج حتى غطفان فقال لهم مثل الذي قال لقريش..وهكذا تألب بعضهم على بعض, واختفت الثقة مما بينهم, وأصبح كل فريق منهم يتّهم الفريق الآخر بالغدر والخيانة.
أضف على هذا أن الله سبحانه وتعالى بعث ريحاً هوجاءً باردة مخيفة في ليلة مظلمة, اقتلعت
خيامهم وقلّبت قدورهم, فوقف أبو سفيان وقال فيهم: يا معشر قريش, إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام, لقد هلك الكراع والخف, وأخلفتنا بنو قريظة, وبلغنا عنهم الذي نكره, ولقينا من شدّة الريح ما ترون ..فارتحلوا فإني راحل. وأخيراً فرّق شملهم وعادوا إلى مكة. وكفى الله المؤمنين القتال.
***
وهذه الغزوة قامت على أساس من غدر اليهود وكيدهم, فهم الذين أثاروا, وألّبوا, وجمعوا الجموع والأحزاب, ولم يتوقف ذلك على بني النظير الذين كانوا قد أُخرجوا من المدينة, بل اشترك معهم بنو قريظة الذين كانوا لا يزالون مرتبطين بعهود ومواثيق مع المسلمين, دون أن يجدوا منهم أي مكروه من شأنه أن يدعوهم إلى نقض تلك العهود والمواثيق!
ولاحظ أن الله تعالى مع المسلمين في كل آن وحين..وانظر إلى قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25) } الأحزاب.
ولاحظ, حالات الغدر ونقض العهود من قِبَل اليهود([4]), لعلك تستجمع الفكرة الأخيرة أنه
(عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم), ما كان يرغب في ذلك القتال _ولا في كثير من الغزوات_ وأن جميعها كانت بفعل يصدر من المشركين أو اليهود, فكان خروجه في غزواته كلها دفاعياً وليس هجومياً.
وسيأتيك المزيد من الأحداث ما يدلّل على نهجم ذاك النوع من السلوكية.
-------------
غزوة بني قريظة
أسبابها:
كان الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) والمسلمون يخشون من يهود بني قريظة نقض عهدهم مع المسلمين وهم في غزوة الخندق, فيكونون بين نارين, نار الأحزاب ونارهم!
وفعلاً لقد سرت الشائعات بين المسلمين أثناء غزوة الخندق بأن قريظة نقضت عهدها معهم, فقد
أرسلت إلى جيوش الأحزاب عشرين بعيراً كانت محمّلة تمراً وشعيراً وتيناً, لتمدّهم بها, وتقويهم على البقاء([5]). وكان الرسول قد أرسل سلمة بن أسلم في مائتي رجل, وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل, يحرسون المدينة, ويظهرون التكبير ليرهبوا بني قريظة. وهذا ما زاد في حرج المسلمين في حينها, وانظر كيف وصفها الحق تعالى:
{ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) } الأحزاب.
ولذلك انتدب الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) الزبير بن العوّام ليأتيه من أخبارهم, فذهب الزبير فنظر ثم رجع, فقال: يا رسول الله! رأيتهم يصلحون حصونهم, ويدربون طرقهم, وقد جمعوا ماشيتهم.
وبعد أن كثرت القرائن الدالة على نقضهم للعهد([6]), أرسل النبي سعد بن معاذ, وسعد بن عبادة, وعبد الله بن رواحة, وخوّات بن جبير (رضي الله عنهم) وقال لهم:" انطلقوا حتى تنظروا: أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم, أم لا؟ فإن كان حقاً, فالحنوا لي لحناً أعرفه, ولا تفتوا في أعضاد الناس, وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم, فاجهروا به الناس. فخرجوا حتى أتوهم, فوجدوهم قد نقضوا العهد فرجعوا, فسلموا على النبي وقالوا: عَضَل والقارّة([7]), فعرف النبي مرادهم.
وبعد عودة النبي من الخندق, ووضعه السلاح واغتسل, أمر الله تعالى نبيه بقتال بني قريظة ..
(حيث أتاه جبريل فقال: قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه, فاخرج إليهم قال: فإلى أين؟
قال هاهنا, وأشار إلى بني قريظة) فخرج النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) إليهم . وحاصروهم وهم في حصونهم خمسأً وعشرين ليلة _وقيل خمسة عشر يوماً_ حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب, وتمكّن المسلمون منهم.
***
فما جزاء مَن ينقض العهد! وفي هكذا ظرف وهكذا توقيت تحديداً!!
ليس هناك من مزاح قطعاً. إنهم يريدون قتل النبي والمسلمين. وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد فليس هناك الكثير من الخيارات, فإمّا أن تَقتل وإمّا أن تُقتل.
ولو أسلموا بدل عن هذا, أو على الأقل صانوا عهدهم, لما أصابهم ما أصابهم حتماً.
ثم أن بالقضاء على بني قريظة خلت المدينة تماماً من الوجود اليهودي, وأزيح مكرهم وخطرهم بتهديد جبهة المسلمين الداخلية.
-------------
غزوة خيبر
أسبابها:
رغم أن يهود خيبر لم يظهروا العداء للنبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) في البداية, إلاّ أنهم بعد نزول زعماء يهود بني النضير عندهم تغير موقفهم من المسلمين. فلقد أثر فيهم هؤلاء الزعماء مثل سلام بن أُبي الحُقيق, وكنانة بن أبي الحُقيق, وحُيي بن الأخطب. ولقد استطاعوا إلى جرّهم إلى الصراع والتصدّي والانتقام من المسلمين. وكان لهؤلاء الزعماء رغبة قوية في العودة إلى ديارهم في المدينة. وكان لخيبر وعلى رأسها زعماء بني النضير دور كبير في حشد قريش والأعراب ضد المسلمين, وتسخير أموالهم في ذلك, ثم سعيهم في إقناع بني قريظة بالغدر, والتعاون مع الأحزاب, بل إنهم أنفقوا أموالهم واستغلوا علاقاتهم مع يهود بني قريظة من أجل نصرة الأحزاب وطعن المسلمين في ظهورهم, وهكذا أصبحت خيبر مصدر خطر كبير على المسلمين, ودولتهم النامية.
تمكّن المسلمون من فتح حصونهم الواحد تلو الآخر, وأيقنوا أنهم هالكون فطلبوا من النبي أن يعصم دمائهم ويتركوا له الأموال, ووافقهم على ذلك. ثم أنهم سألوا النبي أن تبقى خيبر تحت أيديهم يعملون فيها ويزرعونها لأنهم أعرف بأراضيهم وأكثر تعميراً لها, ولهم شطر ما يخرج منها, فصالحهم النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) على ذلك وقال لهم:" على أنّا إن شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ".
وقعت في السنة السابعة للهجرة.
***
لقد دعاهم الرسول فيما سبق دعوة سلمية للإسلام فرفضوا. وكان لديهم متسعاً من الوقت
ليدركوا وهم ينظرون عن كثب _هم وغيرهم من سائر القبائل, ولكنهم كانوا بحكم القرب الجغرافي أدرى من غيرهم وأسرع استماعاً لأخبارهم_ شأن الإسلام والمسلمين طيلة بضع سنوات, والأدلة والبراهين على نبوّة سيّدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) تزداد يوماً بعد آخر.
فإن اختاروا إيذائه والمسلمين, فماذا كانوا يتوقعون ردّ فعله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) والمسلمين عليهم!
-------------
غزوة مؤتة
قبل الحديث هناك مقدمة تخص هذه الغزوة, نمرّ عليها سريعاً..
((أخذ الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) يبعث السرايا من أصحابه إلى مختلف قبائل الأعراب المنتشرة في الجزيرة العربية لدعوتهم للدخول إلى الإسلام. وبلغ عدد هذه السرايا عشرة, ولقد كانت في السنة السابعة للهجرة. كما أرسل الرسل إلى الملوك في الدول المجاورة, فبعث أول رسول وهو عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فأخذ كتاب النبي فوضعه على عينيه ونزل من سريره, فجلس على الأرض ثم أسلم وشهد شهادة الحق, وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته. ثم بعث دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل ملك الروم, فدفع دحية بكتاب رسول الله
(عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) إلى عظيم بُصرى, فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقرأه وكان فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى, أمّا بعد, فإني أدعوك بدعاية الإسلام, أسلم تسلم, وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين, وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين([8]), ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضناً بعضاً أرباباً من دون الله, فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ".
فقال هرقل بعد أن قرأ الكتاب لجمع من عظمائه وحاشيته: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت لكم ملككم وتتّبعون ما قال عيسى بن مريم, قالت الروم: وما ذاك أيها الملك؟ قال: تتّبعون هذا النبي العربي.
قالوا فحاصوا حيصة حُمُر الوحش, وتناجزوا ورفعوا الصليب. فلما رأى هرقل ذلك منهم يئس من إسلامهم وخاف على نفسه وملكه, فسكّتهم ثم قال: إنما قلت لكم ما قلت لأختبركم لأنظر
كيف صلابتكم في دينكم, فقد رأيت منكم الذي أُحبّ. فسجدوا له.
وبعث رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) عبد الله بن حذامة السهمي إلى كسرى يدعوه للإسلام, وأرسل معه إليه كتاباً, قال فدفعت إليه الكتاب, فقرئ عليه, ثم أخذوه فمزّقه, فلما بلغ ذلك رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) قال:" مزّق الله ملكه, وكتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن أن أبعث من عندك برجلين جلدين إلى هذا الرجل فليأتياني به, فبعث إليه برجلين جلدين, وكتب إليه معهما كتاباً, فقدما المدينة ودفعا كتاب باذان إلى النبي, فتبسم رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) وقال: ارجعا عن يومكما هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أُريد. فجاءاه من الغد فقال لهما:" أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربَه _ أي كسرى_ في هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها, وأن الله تبارك وتعالى سلّط عليه ابنه شيرويه فقتله ". فرجعا إلى باذان بذلك, فأسلم هو والأبناء باليمن.
وبعث رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى من قبل الروم شرحبيل بن عمرو الغساني, فأوثقه رباطاً وقتله([9]).
وبعث رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) برسل وكتب أخرى كثيرة إلى كثير من الأمراء العرب المتفرقين في مختلف المناطق. فأسلم منهم الكثير, وعاند البعض منهم.
وفي هذه الفترة تلاحقت الوفود تفد على رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) من مختلف الجهات تعلن إسلامها وتدخل في دين الله تعالى)).
وسبب هذه الغزوة ما ذكرناه من مقتل الحارث بن عمير الأزدي, ومؤتة قرية تقع على مشارف الشام. ووقعت في السنة الثامنة للهجرة.
فندب رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) الناس للخروج إلى الشام, وفعلاً سرعان ما اجتمع ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين. ولم يخرج رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) في هذه الغزوة, وإنما أمّر عليها زيد بن حارثة, قال وإن قتل فجعفر بن أبي
طالب, فإن قتل فعبد الله بن رواحة, فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلاً فليجعلوه عليهم. وأوصاهم (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) أن يدعوا من هناك إلى الإسلام, فإن أجابوا, وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم.
وخرج المسلمون والتقوا بأعدائهم قبيل الكرك, وقد اجتمع منهم ما لا قِبَل لأحد به من العدد
والسلاح والعتاد([10]), فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل وقاتل المسلمون معه حتى قتل, ثم أخذ
اللواء جعفر بن أبي طالب وقاتل حتى قتل, ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وقاتل حتى قتل أيضاً,
ثم اتفق الناس على إمرة خالد بن الوليد, فأخذ اللواء وقاتل المشركين بشجاعة ثم انسحبوا, وعاد بعدها خالد بن الوليد بالجيش إلى المدينة.
***
فكيف يُقتل الرسول وكل ما يحمله هو رسالة!!
فهي قطعاً ليست من المروءة ولا من الشجاعة, ولا من الأعراف القديمة أو الحديثة.
وأين الإرهاب في هذا!
-------------
فتح مكة
وأيضاً فهناك مقدمة تخّص هذه الغزوة لا بد من المرور عليها ولو سريعاً, وهو (صلح الحديبية) ..
حيث أن الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) كان في آخر سنة ست للهجرة قد أعلن أنه متوجه لمكّة معتمراً. فتبعه جمع كبير من المهاجرين والأنصار بلغ عددهم ألفاً وأربعمائة تقريباً. وعندما وصل قريباً من مكّة, قريباً من مياه الحديبية, خرج أكثر من رسول من المشركين تباعاً يريدون أن يعرفوا غاية النبي([11]) فأعلمهم إنما جاء معتمراً. وأخيراً وللاختصار اتفقوا على
كتاب صلح بين النبي ومشركي قريش. فقد بعثوا سهيل بن عمرو ممثلاً عنهم, فلما جلس إلى رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) قال: هات أكتب بيننا وبينكم كتاباً, فدعا النبي الكاتب وقال له أُكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل: أمّا الرحمن فوالله ما أدري ما هي, ولكن أكتب (باسمك اللّهم) فقال المسلمون: والله لا نكتب إلا (بسم الله الرحمن الرحيم), فقال النبي: أكتب (باسمك اللّهم). ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك, ولكن أكتب (محمد بن عبد الله) فقال رسول الله: والله إني لرسول الله وإن كذّبتموني! ..أكتب: (محمد بن عبد الله), فقال له النبي على أن تخّلوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: والله, لا تتحدث العرب أننا أُخذنا ضغطة, ولكن ذلك من العام القادم وليس مع المسلمين إلا السيوف في قرابها. فكتب. فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلاّ رددّته إلينا, ومن جاء منكم لم
نردّه عليكم, فقال المسلمون: كيف يرّد إلى المشركين وقد جاءنا مسلماً ؟! والتفتوا إلى رسول الله
(عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) يسألونه: أنكتب هذا يا رسول الله ؟! قال:" نعم, إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله, ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ".
وكانت مدة الصلح عشر سنوات لا إسلال فيها ولا إغلال (أي لا سرقة فيها ولا خيانة) وأنه من أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه, فتواثبت (خزاعة) فقالوا نحن في عقد محمد وعهده, وتواثبت (بنو بكر) فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم.
ولما فُرغ من الصلح والكتابة, أُشهد على الكتاب رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين.
وقد علم عروة أنه (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) قد قال في أصحابه قبل أن يفد إليه أحد من قريش:" والذي نفسي بيده, لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلاّ أعطيتهم
إياها ".
وعندما رجع عروة إلى أصحابه قال: أي قوم, والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي, والله إن رأيت ملِكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً! .. وأنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
وبالعودة إلى سبب فتح مكة, فإنه كان أناسٌ من بني بكر, قد كلموا أشراف قريش في أن يعينوهم على خزاعة ( خزاعة التي دخلت في عهد المسلمين ) بالرجال والسلاح فأجابوهم إلى ذلك. وخرج حشد من قريش متنكرين, فيهم صفوان بن أمية, وحويطب بن عبد العزى, ومكرز بن ابن حفص, فالتقوا مع بني بكر في مكان اسمه الوتير, وبيتوا خزاعة ليلاً وهم مطمئنون آمنون. فقتلوا منهم عشرين رجلاً. وعندئذ خرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً من خزاعة, فقدموا على رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) يخبرونه بما أصابهم, فقام وهو يجرّ رداءه قائلاً:" لا نصّرت إن لم أنصر بني كعب, مما أنصر به نفسي ", وقال: " إن هذا السحاب ليستهل بنصر بني كعب ".
فخرج النبي وأرسل إلى من حوله من العرب: أسلم وغفّار ومزينة وجهينة وغبرهم, حتى التقوا جميعاً بين المدينة ومكة في مكان اسمه الظهران, وبلغ عدد المسلمين عشرة آلاف, ولما عسكروا هناك وعلمت قريش بخروجهم أرسلت أبا سفيان وحكيم بن مزاحم وبديل بن ورقاء ليلتمسوا الخبر عن رسول الله ( عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم ), فأقبلوا يسيرون, حتى دنوا إلى مر الظهران فإذا هم بنيران عظيمة, فبينما هم يتساءلون فيما بينهم عن هذه النيران, إذ رآهم أناس من حرس الرسول فأتوا بهم رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم), فأسلم أبو سفيان.
ويروي العباس (رضي الله عنه) تفصيل إيمان أبي سفيان: فلما أصبح, غدوت به إلى رسول الله
(عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) فلما رآه قال:" ويحك يا أبا سفيان, ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله" ؟ قال: بأبي أنت وأمّي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! ..والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد. وقال :" ويحك يا أبا سفيان, ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله"؟ قال: بأبي أنت وأمّي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك, أمّا هذه والله, فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً. فقال العباس: ويحك! .. أسلم واشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك. قال فشهد شهادة الحق فأسلم.
قال العباس: فقلت يا رسول الله, إن أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له شيئاً قال:" نعم, من دخل دار أبي سفيان فهو آمن, ومن أغلق بابه فهو آمن, ومن دخل المسجد فهو آمن ".
ودخل الرسول مكة دخول الفاتحين آمناً, ولم يحصل قتال.
ومما يطيب لي أن أقتطفه أنه عندما بلغ رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) أن سعد بن عبادة _وكان زعيم قبيلة الخزرج_ عندما رأى أبا سفيان قال له: اليوم يوم الملحمة, اليوم تستحل الكعبة. فلم يرضَ النبي بقول سعد هذا, وقال:" اليوم يوم الرحمة, اليوم يُعظّم الله الكعبة ". وأمر قادة جيوشه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم.
ودخلها متجهاً إلى البيت, وحوله ثلاثمائة وستون صنماً, فجعل يطعنها الواحدة تلو الأخرى بعود في يده, وهو يقول:" جاء الحق وزهق الباطل. جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ". ثم دخل البيت فكبّر في نواحي البيت وخرج ولم يصلّ فيه. ثم أمر بلالاً فصعد فوق ظهر الكعبة فأذن للصلاة. وأقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أفواجاً.
وأمسك (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بعضادتي الكعبة وقد اجتمع الناس من حوله ما يعلمون ماذا يفعل بهم, فخطب فيهم قائلاً:
" لا إله إلا الله وحده لا شريك له, صدق وعده ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده, ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين, إلا سدانة البيت وسقاية الحاج .. يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء. الناس من آدم, وآدم من تراب, وتلا قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) } الحجرات,
ثم قال: يا معشر قريش, ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً, أخ كريم وابن أخ كريم, فقال:
" اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
وكان فتح مكة سنة ثمان للهجرة.
***
إحدى وعشرون سنة وقريش العدو الأول للنبي وللمسلمين, لا داع لذكر تفاصيلها, فما تقدّم أغنى القارئ ما لقيه النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) وأصحابه من أنواع وألوان الأذى والمعاناة والحروب..الخ
كلها تنسى وتمحى في ساعة,
" اذهبوا فأنتم الطلقاء " ..
فإلى كل الذين أساءوا عن:
عدم دراية وجهل محض,
وكذلك إلى الذين أساءوا عن دراية وعلم, ولكن بنوايا مسّبقة, سقيمة ومغرضة ..
"" اذهبوا فأنتم الطلقاء .. ""
فقط أسألكم أن تتوبوا إلى الله تعالى وهو خير لكم, وإنه تعالى يقبل التوبة عن عباده, ومَن منّا لا يخطئ!!
على أن لا تعودوا إلى هذا التهكّم غير المبني على أدلة أو براهين مستقبلاً.
-------------
غزوة حنين
وقد كانت في سنة ثمان للهجرة.
وسببها أن الله تعالى, حينما فتح على رسوله مكّة, ودانت له قريش بعد بغيها وعدوانها, مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض, وقد توغر صدورهم للنصر الذي آتاه الله ورسوله والمؤمنون, فحشدوا حشوداً كبيرة, وجمع أمرهم مالك بن عوف سيد هوازن, وأمرهم فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم, حتى نزلوا بأوطاس (مكان بين مكة والطائف), وإنما أمرهم بذلك حتى يجد كل منهم ما يحبسه عن الفرار, وهو الدفاع عن الأهل والمال والولد! .. وأجمعوا المسير إلى رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم), فخرج إليهم الرسول في اثنتي عشر ألفا من المسلمين, عشرة آلاف من أهل المدينة, وألفين من أهل مكّة. وعلم مالك بن عوف بمقدم النبي, فعبّأ أصحابه في وادي حنين وانتثروا يكمنون في أنحائه, وأوعز إليهم أن يحملوا على محمد (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) وأصحابه, حملة واحدة.
وكانت معركة اشتد القتال فيها, وفي بادئ الأمر ولىّ المسلمون مدبرين, وفي ساعة ما قال النبي: " الآن حمي الوطيس, ثم أخذ حصيّات من الأرض فرمى بهنّ وجوه الكفار, ثم قال: انهزموا ورب محمد ". وقذف الله في قلوب المشركين الرعب, ثم انهزموا, ولحق بهم النبي حتى دخلوا حصنهم, فحاصرهم بضعة عشر يوماً, حصل فيها تناوش بالنبال, ثم بدا له أن يرتحل.
ولما قفل رسول الله عائداً, قال لأصحابه:" قولوا آيبون, تائبون عابدون لربنا حامدون " وقال له بعض الصحابة: يا رسول الله أدع الله على ثقيف فقال:" اللّهم أهد ثقيفاً وأت بهم ". وبعد فترة قصيرة جاء وفد ثقيف إلى رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بالمدينة لإعلان إسلامهم.
***
ومن بعض وصاياه (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) في القتال بشكل عام:
" لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخا كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة .. فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم ".
فهكذا كان نهجه في كل الغزوات, وهذا ما أتمر به الصحابة ومشوا عليه.
وهل هذا نهج الإرهابيين!
ورغم هذا فقد تقرأ مثلاً: وفي هذه الغزوة _تحديداً_ مرّ رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد, والناس مجتمعون عليها, فقال ما هذا؟ قالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد, فقال لبعض من معه:
" أدركْ خالداً فقل له رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً ".
وإنه حقيقة لمن المؤسف أن نقرأ مثل هذا في التاريخ عن خالد بن الوليد _ومَن هم على شاكلة خالد_ الذي كانت الرجال الشديدة تهابهم وتحسب لهم الحساب, دون ذكر الكثير من التفاصيل والتوضيح والأسباب عن سبب قتله لهذه امرأة! لماذا؟
هل نجرّده من بشريته ونرفعه إلى منزلة الملائكة؟ قلنا: لا,
ولكن .. لأن رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) هو بنفسه مَن سمّى خالد ب
(سيف الله).
وما جاءت هذه التسمية إلا بعد ما قاتل خالد في سبيل إعلاء كلمة الله لتكون هي العليا بضراوة وشجاعة وحنكة متميزة, وله تاريخ مشهود حافل بالمآثر في أكثر من غزوة, فهل يُعقل أنه قتلها هكذا!
فلا ريب أن هناك حلقة أو حلقات مفقودة.
-------------
غزوة تبوك
وسببها:
أنه بلغ المسلمين من الأنباط الذين كانوا يتنقلون بين الشام والمدينة للتجارة, أن الروم قد جمعت جموعاً وأجلبت إلى جانبها لُخم وجُذام وغيرهم من نصارى العرب الذين كانوا تحت إمرة الروم, ووصلت طلائعهم إلى أرض البلقاء.فندب النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) إلى الخروج, وكان قوام جيش الروم أربعين ألف مقاتل. وكان ذلك في سنة تسع للهجرة, وكان الفصل صيفاً, وقد بلغ الحرّ أقصاه, والناس في عسرة من العيش, وكانت ثمار المدينة _في الوقت نفسه_ قد أينعت وطابت, فمن أجل ذلك أعلن الرسول (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) عن الجهة التي سيتجهون إليها, وذلك على خلاف عاداته في الغزوات الأخرى.
وهكذا فقد كانت الرحلة في هذه الغزوة ثقيلة على النفس, فيها أقسى مظاهر الابتلاء والامتحان , فأخذ نفاق المنافقين يعلن عن نفسه هنا وهناك, على حين أخذ الإيمان الصادق يعلن عن نفسه في صدور أصحابه.
أخذ أقوام من المنافقين يقولون لبعضهم لا تنفروا في الحر .. وجاء آخر يقول لرسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم): آذن لي ولا تفتني, فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجباً بالنساء مني, وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فأعرض عنه النبي وأذن له فيما أراد, وعسكر عبد الله بن أبي بن سلول في ضاحية بالمدينة مع فئات من أصحابه وحلفائه, فلما سار النبي تخلّف بكل من معه. ومما نزل في ذلك قوله تعالى:
{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) } التوبة,
وقوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) } التوبة.
أمّا المؤمنون فأقبلوا إلى رسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) من كل صوب, وكان قد حض أهل الغنى على النفقة وتقديم ما يتوفر لديهم من الدواب للركوب فجاء الكثيرون منهم بكل ما أمكنهم من المال والعدّة, وجاء عثمان بن عفان (رضي الله عنه) بثلاثمائة بعير وبألف دينار نثرها في حضنه فقال النبي:" لا يضرّ عثمان ما فعل بعدها ".
وجاء أبو بكر الصديق بكل ماله وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله ..الخ
وخرج النبي فيما يقارب ثلاثين ألفاً من المسلمين, وتخلّف عنه نفر من المسلمين عن غير شك ولا
ارتياب, منهم كعب بن مالك, ومرارة بن الربيع, وهلال بن أمية, وأبو خيثمة. لكن أبا خيثمة لحق بالنبي ووصله عندما نزل تبوك.
وعانى المسلمون في هذه الرحلة جهوداً شاقة وأتعاباً جسيمة. وأصاب الناس مجاعة, فقالوا: يا رسول الله: لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وأدهنا, فقال لهم النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم): " افعلوا ", فجاء عمر فقال: يا رسول الله إنهم إن فعلوا قلّ الظهر, ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم بالبركة لعل الله أن يجعل فيه ذلك, فدعا (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) بنطعٍ فبسطه, ثم دعاهم بفضل أزوادهم, فجعل الرجل يجيء بكف الذرة, والآخر بكف التمر, والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير, ثم دعا عليه بالبركة, ثم قال لهم:" خذوا في أوعيتكم ", فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا من المعسكر وعاء إلاّ ملئوه وأكلوا حتى شبعوا, وفضلت منه فضلة, فقال النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم):" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فتحجب عنه الجنة ".
ولما انتهوا إلى تبوك لم يجدوا هناك كيداً ولا قتالاً, فقد اختفى وتفرّق أولئك الذين كانوا قد تجمعوا للقتال. ثم أتاه يوحنا حاكم أيلة فصالح النبي على الجزية, وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه أيضاً الجزية, وكتب النبي بذلك كتاباً.
وأخذت هذه الغزوة ما يقارب الشهرين.
***
((لقد أخذ الإسلام يستقر في الجزيرة العربية, واستولى سلطانه على القلوب وهذا ما كانت نصارى الروم تراقبه من بعيد في خوف وقلق. فالرومان لم يعانقوا النصرانية إيماناً منهم بها, وإنما كانوا قد اتخذوها ذريعة لاحتلال شعوب تلك المنطقة, لأجل ذلك تلاعبوا كما أرادوا, وغيروا منها وبدلوا, فخلطوا هديها بوثنيتهم وأضافوا إلى ما فيها من الحق الكثير من باطلهم.
والإسلام _وهو الدين الذي تكررت الدعوة إليه على لسان جميع الرسل والأنبياء_ إنما جاء ليخرج به الناس عن كل سلطان غير سلطان الله تعالى فلا يكون لأحد عليهم من سيادة ولا سلطان ولا حكم إلا سلطان الله وحكمه.
وهم _علموا من النصرانية كل حقائقها_ أدرى الناس بخطورة هذه الرسالة الأخيرة وما تحمل في طيّها من تهديد لحكم الطغاة وسلطان المتسلطين وبغي الباغين)).
يتبع ...
([1])
لقد كُتب عن غزوة بدر الشيء الكثير, ولذلك لا أدري كيف اختصرتها في أسطر معدودة
.. لما فيها من التشريع والعديد من الدروس والعبر. ويحتفل المسلمون ابتهاجاً
بذكراها سنوياً.
(([2] وهو ما يجلب للسوق للبيع.
(([3] وكان هذا من تدبير عامر بن الطفيل. وتم ذلك عند بئر معونة, وتسمى بفاجعة بئر معونة.
([4])
أرجو أن لا يفهم أني متحامل على اليهود وخرجت كثيراً عن الحيادية, فلست أنا مَن
قرّر ذلك وإنما كتب التاريخ هي التي تذكر سلوكيتهم تلك. فضلاً عن قول الله
تعالى:
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا
إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً
وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) }المائدة.
([5]) كانت ضمن غنائم المسلمين بعد تفرّق الأحزاب لاحقاً.
([6]) ومنها أنها كانت تمدّ المنافقين _ الذين التحقوا بالإسلام شكلاً ظاهرياً وفي حقيقتهم يضمرون الكفر والعداء للمسلمين _ بأسباب التحريض والقوّة.
([7]) قبيلتين من هذيل سبق الغدر منهما بأصحاب النبي, تكلمنا عنهم سابقاً في فاجعة الرجيع.
(([8] الأريسيين: جمع أريسي وهو منسوب إلى أريس, وهو الفلاح, والمقصود بالكلمة الأتباع وعامة الشعب.
(([9] وقيل لم يقتل لرسول الله (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) رسول غيره.
(2) تذكر كتب السيرة المعتمدة بان عددهم قارب مائتي ألف مقاتل.
([11]) كان أحد المشركين الذين بعثتهم قريش هو عروة بن مسعود الذين وفد إلى النبي (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) فجعل يرمق أصحاب النبي بعينيه, قال: فوالله ما تنخّم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده, وإذا أمرهم ابتدروا أمره, وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه, وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده, وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له.