ثمن الحماقة
الاحتلال.. والثمن الذي تدفعه إسرائيل
قراءة: م. شاهر أحمد نصر
د. شلومو سبيرسكي
ترجمة: غسان محمد
حذر السيناتور ويليام فولبرايت في الستينيات من السياسة الأمريكية الكارثية في فيتنام الناجمة عن حماقة القوة؛ وينطبق ذلك على إسرائيل اليوم. تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً جراء استمرار احتلالها للأراضي العربية والفلسطينية. هذا ما يرصده شلومو سبيرسكي في كتابه "ثمن الحماقة". مبيناً أن استعداد الفلسطينيين للعودة مجدداً إلى ميدان المعركة، كتعبير عن إرادتهم في أن تكون لهم حياتهم الوطنية المستقلة، تحول منذ عام 1987، إلى تهديد متواصل للصهيونية السياسية والاقتصادية في إسرائيل.
يتحدث الكاتب في الفصل الأول من الكتاب عن حقبة الاحتلال الرخيصة من عام 1967 إلى عام 1987، حيث كانت الكلفة الأمنية للاحتلال منخفضة نسبياً.. وقد أعربت لجنة من كبار الاقتصاديين الإسرائيليين، كانت تعمل ضمن إطار واسع من الأكاديميين، عن اعتقادها بأنّ المساهمة التي يمكن أن يوفرها الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية، لصالح الاقتصاد الإسرائيلي، ستكون منخفضة جداً، وربما أقرب إلى الصفر. لكن توصيات اللجنة لم تعتمد من قبل الحكومة.. لم يكن احتلال الأراضي الفلسطينية لأغراض اقتصادية، وإنما لأهداف وغايات سياسية وأيديولوجية.ص13-15 ومن أجل الحفاظ على أفضلية المنتجين الإسرائيليين، بذلت إسرائيل كل ما تستطيع من أجل منع حصول أي تطوير اقتصادي في الأراضي الفلسطينية. وضعت إسرائيل يدها على كل مصادر المياه، وأبقت الفجوات الكبيرة القائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في كل ما يتصل باستهلاك المياه... كانت مخصصات الفرد الفلسطيني السنوية من المياه من 3-4 متر مكعب مقابل 70 أو 105 للفرد الإسرائيلي..ص21 ودخل عشرات آلاف العمال الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلية.
يتحدث الكاتب عن ثمن الاستثمار في المستوطنات، مبيناً أنّه من غير المعروف حتى الآن، كم هي كلفة المشروع الاستيطاني، لأن الموازنات المخصصة للاستيطان تأتي من عدة وزارات، إضافة للتبرعات الخاصة. فضلاً عن أن وزارة الحرب التي تعتبر إحدى الوزارات الرئيسية التي تتولى تمويل المشاريع الاستطيانية لا تكشف عن حجم موازنتها، وتبذل الحكومة جهوداً ومحاولات كبيرة لإخفاء حقيقة حجم الإنفاق على المستوطنات، على خلفية أنّ هذا المشروع قوبل منذ بدايته بانتقادات حادة من قبل المجتمع الدولي. قدرت صحيفة هآرتس في عام 2003 إجمالي الإنفاق الحكومي في المستوطنات في الفترة ما بين عامي 1967-1983 بحوالي 45 مليار دولار. وبلغ حجم الموازنات التي خصصتها الحكومة لإقامة المشاريع الصناعية في المستوطنات نسبة 22% من إجمالي الميزانية الحكومية. هذا فضلاً عن الثمن الاجتماعي الداخلي للمستوطنات...
ويتحدث الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب عن "حقبة الثورة": الثمن السياسي الذي تدفعه إسرائيل بسبب الاحتلال. إذ أدت القضية الفلسطينية إلى ظهور نوع من التعادل المعطل بين المعسكرين. والقضية الفلسطينية تزعزع استقرار الجهاز السياسي في إسرائيل. فقد توجه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع أربع مرات خلال سبع سنوات... وهذا يشير إلى حالة مرضية مزمنة، يشرحها ريبوبورت قائلاً: ".. المجتمع الإسرائيلي يجد صعوبة للتخلص من الاحتلال.. فالمجتمع لا يريد أن يرسل الجنود إلى قطاع غزة ونابلس، بل يريد أن يسيطر عليهما عن بعد. كما أنّ المجتمع لا يريد أن يدير حياة حوالي 3.5 مليون فلسطيني، لكنّه لا يريد في المقابل أن يتيح لهم إدارة شؤون حياتهم بأنفسهم. هذا هو الفيروس الإسرائيلي، وطالما لم نتعاف منه، فإننا سنكون مضطرين المرة تلو الأخرى لتوضيح المكان الذي يتواجد فيه صندوق الاقتراع".ص49
ينتقل الكاتب للحديث، بعدئذ، عن الثمن الأمني والعسكري، مبيناً زيادة حجم القوات ونفقات الأمن، مقدماً وثائق وجداول تثبت صحة دراسته.
ولا ينسى الكاتب الأثر النفسي للاحتلال والخسائر البشرية، والتعويضات المدفوعة لضحايا الانتفاضة من الإسرائيليين، والثمن الاقتصادي، والمجازر الجماعية، وأثر الانتفاضة على السياحة، والبطالة، وتقليص مستوى الخدمات الاجتماعية.. ويختتم الكاتب دراسته بخلاصة تبين ثمن حماقة الاحتلال بكل أبعاده وتجلياته، وكأن لسان حاله يقول: كفى، فلتقف هذه الحماقة.
وعلى الرغم من أن الكاتب لا يعرج على المساعدات الأمريكية السنوية لإسرائيل، يبقى "ثمن الحماقة" كتاب وثائقي هام، وضروري لكل باحث ومتابع لقضية العرب الأولى، قضية فلسطين، ويؤكد بشكل غير مباشر على أنّ هذا الكيان لا يستطيع الاستمرار بالوجود مع بقاء احتلاله للأراضي العربية... ولولا المساعدات والحقنات المادية، والمالية، والعسكرية التي تغذيه الولايات المتحدة الأمريكية بها لسقط منذ زمن، أمام نضال الشعب العربي الفلسطيني.
يقع الكتاب في 126 صفحة من القطع المتوسط، وهو من تأليف شلومو سبيرسكي ـ ترجمة غسان محمد ـ الناشر: دار الرأي ـ دمشق تليفاكس:6129757 ـ جوال 0955485480 [email protected]
توزيع: دار الحصاد ـ دمشق ـ تليفاكس/ 2126326 ـ دار السوسن ـ دمشق: تليفاكس 6619911