من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة
من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة
المستشار عبد الله العقيل
تقديم الطبعة الثالثة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وقائد الغر المحجلين، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
فالحمد لله على نعمة الإسلام، وما أعظمها من نعمة، والحمد لله على نعمة السير في طريق دعوة الإخوان المسلمين، وما أجلّها من نعمة وفضل. نسأل الله أن يعيننا على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة.. آمين.
لقد نجح الإمام الشهيد حسن البنا بما وهبه الله من عمق إيمان وصدق يقين ونفاذ بصيرة في أمرين:
الأول: هو الفهم الصحيح والدقيق لهذا الدين وتجلية معالمه بشمولها وكمالها وتوضيح أركانه، وبيان رسالته الخالدة وأهدافه العليا.. نجح في أن يبين أن الإسلام منهج حياة متكامل، يصلح لكل زمان ومكان، بعيداً عن الإفراط والتفريط، فكشف سمو هذا الدين العظيم، وأبان عن رقيه وعظمته، وأعاده إلى ما كان عليه الأمر عند المسلمين الأوائل.
والثاني: أنه لم يكتف بالتنظير والكتابة، بل اتجه إلى تربية الرجال الذين يحملون هذا الفهم العميق والإيمان الدقيق والحماس المتدفق، والجهد المتواصل.. الرجال الذين يحبون هذا الدين، أمانة في أعناقهم، وعمقاً في وجدانهم، وسلوكاً في حياتهم، واعتزازاً في عقولهم وضمائرهم مهما واجهوا من عنت أو لاقوا من صعاب أو تحملوا من أذى، لا يرجون إلا وجه الله والدار الآخرة، ولا يطلبون إلا رضاء الله وعزة دينهم وأمتهم.. أحبوا دينهم فاجتهدوا لنصرته، وأحبوا أمتهم فبذلوا أرواحهم وأوقاتهم وجهدهم وعرقهم لرفعتها وعزتها، وسقط منهم شهداء، وسُجن منهم من سُجن، وشُرد منهم من شُرّد، لكن ذلك كله لم يُثنهم عن التزام الحق والدفاع عنه وصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: (من المؤمنين رجالٌ صَدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) الأحزاب: 23
وأخونا الكريم المستشار عبد الله العقيل (أبو مصطفى) عايش غرس الإمام البنا، وارتوى من منهجهم وسلوكهم، ونهل من هذا المعين النابض الحي المتدفق، فكتب بقلمه السيّال، وبكلماته البديعة، هذه السير الذاتية العظيمة لهؤلاء الرجال الكبار.. صفحات حب وأخوة، وجهاد ودعوة، وابتلاء وصبر، وصمود وتضحية.. والتزم في كتابته أن يكون التقى بمن يكتب عنه، وأن يتعرف عليه معرفة دقيقة، فهو يكتب كتابة العارف الواعي، فكانت هذه الثلة الطيبة التي امتدت لأكثر من عشرين قطراً عربياً وإسلامياً وغير إسلامي.. لكنه لم يلتق بالإمام الشهيد رحمه الله، فلم يكتب عنه، لكن اعتزازه بالرجل المجاهد وبهذه الدعوة الجليلة يظهر في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب، بل في كل سطر من سطوره..
وأسأل الله أن يتقبل منه هذا الجهد، وأن يجعله ذخراً له يوم القيامة، وأن ينفع به شباب الأمة وشاباتها، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين..
محمد مهدي عاكف
المرشد العام للإخوان المسلمين
تقديم الطبعة الثانية
لم تتوقف قافلة الدعاة إلى الله عن العمل بالإسلام وللإسلام يوماً.. منذ أن قام الإمام القدوة وخاتم الرسل والأنبياء داعياً إليه، ومبشراً به، وجامعاً الناس حوله، في صحراء كان سكانها في جهالة: يعبدون الأصنام.. فتحولوا بعد أن رسخ الإسلام في قلوبهم وعقولهم إلى مؤمنين سبقوا غيرهم إلى الإيمان بالدعوة كما جاءت تخاطب وتتفاعل مع الفطرة.. وتخاطب وتتفاعل مع العقول والقلوب.. فتملأ القلوب بطمأنينة العقيدة.. تسكن وتحتل أعماقها.. وتملأ العقول بمفاهيم ومعالم الخير، والعدل، والحرية، والمساواة.. وتنطبع على الجوارح عملاً يؤكد الفهم، ويؤكد على العلاقة الوثيقة بين الفهم والعمل.. وقبل ذلك كله فهو دليل الإيمان الصادق الراسخ، يحرك ويوجه، ويبعث على العمل، والإنجاز والتضحية والبذل.
والله سبحانه الذي أنزل الإسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ليدعو إليه ويبشر به ويربي الناس على العمل به وله.. جامعاً المؤمنين في دوحته وواحته يتعالون فوق ما يخدش ويشين متحلين بكل ما يجمل ويزين.. يعيشون جنة القيم والمثل، وقد أقاموها على أرض الواقع.. تتأكد فيها معالم وروابط الأخوة.. والحب في الله، والمساواة، والتعاطف، والود، والتراحم.. الله سبحانه الذي أنعم على عباده بهذا الإسلام، كان في مقدوره وهو الخالق القادر أن يبعث لهذا الدين ملائكة تحرسه وتذود عنه.. ولكن لحكمة عنده.. هو الحكيم الخبير.. نهضت قافلة الدعاة منذ أن نزل الإسلام إلى اليوم.. تحمل الرسالة وتؤدي الأمانة.. جابوا الشرق والغرب.. ووصلوا وطافوا أمصار الشمال والجنوب متجردين من متاع وزخرف الدنيا.. ومصالح ومطامع ومطامح النفس البشرية، في استقامة للوجهة.. وخلوص للنية، وطمع فيما عند الله وحده.. وهو القائل جل شأنه: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) النحل 96.
وها نحن نرى جيل الدعوة المعاصر يسير على خطى سلفه الراشد، كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، شاهدين في كل أرجاء العالم أن الله متم نوره ولو كره المشركون حتى قال فيهم من قال عليه رحمة الله "إنهم الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال، قادمين، فوجدتهم في واقع الحياة قائمين.. مجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، مؤمنين في قرارة أنفسهم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.. إنهم الفتية الذين كانوا في الخيال أمنية، فإذا بهم حقيقة وواقع بل حقيقة أعظم من الخيال، وواقع أكبر من الآمال.. انبثقوا من ضمير الغيب، انبثاق الحياة من ضمير العدم، والنور من خلال الظلام.. جاهدوا في سبيل الله، وباسم الله، وعلى بركة الله.. وتركوا بصماتهم علامات للأجيال ولمن سار من بعدهم في إطار قافلة الدعاة.. ما بدلوا وما غيّروا، وملأوا الدنيا علماً ونوراً وواجهوا الظلم والطغيان.. جهاداً، ودعاة حق وعدل.. وصدق الله إذ يقول: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت: 69.
وكتاب "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة" لأخينا المستشار عبد الله العقيل حفظه الله عرض لما وللقراء الكرام نماذج من قافلة الدعاة في عصرنا الراهن، عشنا ونعيش معها من خلاله إيماناً، وفهماً، وعملاً.. داعين الله أن يتقبل منهم.. ويجعله في ميزانهم يوم لا ظل إلا ظله، وهو إن شاء الله في الميزان.. حسنات مضاعفة وجميل أجر وجزيل ثواب.
مصطفى مشهور
المرشد العام للإخوان المسلمين
تقديم
الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد..
شرفٌ لي أن أكتب مقدمة لهذا الكتاب الرائع، الذي ألّفه الداعي والمربي، الأستاذ المستشار عبد الله العقيل، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة (سابقاً) والذي تناول فيه السير الذاتية العطرة، وجانباً من أعمال وصفات وأقوال ثلة من خيرة أبناء الأمة الإسلامية في بلاد العرب وفي غيرها، أولئك الذين تركوا بصمات واضحة، وأعمالاً جليلة، ومواقف بطولية في ميادين الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، والتضحية بالنفس والنفيس لحراسة الدين وحماية الوطن، وبذل الوقت والجهد والمال لتحصيل العلم النافع، في وقت تكالبت فيه الدول الاستعمارية على بلاد المسلمين، تنهب خيراتها وتستنزف ثرواتها، وتعتقل وتقتل أحرارها.. فكان هؤلاء الرجال وأمثالهم طليعة الأمة في جهادها ونهضتها.
والمستشار عبد الله العقيل معروف للمشتغلين بالعمل الإسلامي والدعوة إلى الله، حيث وُلد في الثلاثينيات، ودرس بالعراق، ثم رحل إلى مصر في أواخر الأربعينيات، والتحق بكلية الشريعة جامعة الأزهر الشريف، وتخرّج فيها عام 1954م، ثم عاد إلى السعودية، ثم العراق حيث عمل مدرساً بمدرسة النجاة الأهلية في الزبير، ثم توجه إلى الكويت وتولى العديد من الوظائف كان آخرها مستشار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، ثم غادر الكويت في عام 1986م ليرجع إلى السعودية، حيث تولى منصب الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، والأمين العام للمجلس الأعلى للمساجد.. ثم استقال ليتفرغ للكتابة.
وقد أتاحت له دراسته في مصر في أوائل الخمسينيات، أن يروي ظمأه في التعرف على العلماء العاملين، والدعاة المجتهدين، والزعماء المخلصين، وقادة حركات التحرر من الاستعمار الذين اتخذوا من مصر ملاذاً وانطلاقاً لتحرير شعوبهم.. فكان المستشار العقيل يحرص على مجالسهم، ويتتبع مواقفهم وآراءهم، ويستفيد من علمهم وورعهم، ويتربى على هذا الزاد الإيماني، والوعي السياسي، والعمق الفكري والدعوي، فلا غرابة إذن أن تحفظ ذاكرته، رغم مضي عشرات السنين –كل هذه النماذج العظيمة، من الرجال الأبرار، فيكتب عنهم بحب صادق، تشعر به في كل سطر من سطور الكتاب، بل في كل كلمة من كلماته، في أسلوب رشيق، وعبارات سلسلة، ومعان عميقة، وعرض جذاب.
لقد اقترب الأستاذ العقيل من هذه الشخصيات التي كتب عنها، ولمس آثارها عن كثب، وشاركها في محاضرات أو ندوات أو لقاءات ودروس، أو معسكرات إيمانية، فكانت كتابته كتابة الخبير بمعرفة الرجال.
وفي هذا الكتاب يعرض لسيرة أكثر من سبعين علماً من أعلام الأمة، امتدت رقعتهم المكانية في عشرين دولة عربية وإسلامية وأجنبية، طوال القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي) وأحسب أن لديه المزيد من هذا النبع المتدفق الفياض، الذي نحن في شوق إليه..
إنني –شخصياً- كنتُ أجهل عدداً غير قليل من هؤلاء الأعلام، رغم اشتغالي بالصحافة، فماذا عن جمهور المسلمين، الذين لا يجدون في وسائل الإعلام المختلفة، تلكم التي تحاصرنا صباح مساء، وتقتحم علينا بيوتنا وخلواتنا، إلا الحديث الدائم والمكرور عن أهل الفن، ولاعبي الكرة، ورجال السياسة، وكأنهم المُثل العليا التي يجب أن يتربى عليها شباب الأمة، ولا مكان لمصلح أو داعية أو مجاهد ضحى بروحه في سبيل دينه وأمته!
ومن هنا تأتي أهمية هذا الجهد المبارك، الذي بذله المستشار عبد الله العقيل في التعريف بهؤلاء الرجال، ونشره في سلسلة حلقات في مجلة (المجتمع) الكويتية الغرّاء، لكي يتعرف شباب الأمة على تاريخها الصحيح، فتعود لهم الثقة من جديد في عطائها الشامخ من أمثال هؤلاء الرجال، الذين ضحوا وبذلوا، غير منتظرين إلا رضاء الله سبحانه، وثواب الآخرة.
وحتى لا أطيل.. أترك القارئ العزيز مع هذه الباقة الخالدة، التي أعرف أنه سيسعد بها كما سعدتُ أنا.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
بدر محمد بدر
القاهرة – مارس 2000م
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد..
فهذه هي المجموعة الأولى من الحلقات التي نشرتها مجلة "المجتمع" الكويتية الغراء على فترات من الزمن.
تناولتُ فيها الحديث عن كوكبة من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة والدعوة الإسلامية المباركة التي اضطلع بمسؤوليتها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكانوا نماذج صادقة لهذا الإسلام العظيم وهم يمثلون أقطاراً شتى من أنحاء العالم الإسلامي كما يمثلون جميع شرائح المجتمع المختلفة.
وهذا الذي أقوم به هو بعض الوفاء بحق هؤلاء الإخوة الكرام، وواجب من واجبات الدعوة، وتعريف بذلك الجيل الطاهر والنموذج الفريد في العصر الحاضر من رجالات الإسلام، الذين مثّلوا الرجولة بأعلى مراتبها، وقدموا الإسلام للعالم بأقوالهم وأفعالهم وسلوكهم، كأحسن ما يعرض الإسلام المستقى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكانوا امتداداً للرعيل الأول الذين سبقوا على طريق الإيمان والإمامة لأنهم كانوا إسلاماً حيّاً يسير على قدمين في دنيا الناس الصاخبة المائجة بمختلف الأفكار والمذاهب البعيدة كل البعد عن منهج الإسلام الصحيح، والسائرة في ركاب الشرق والغرب، والمقلدة تقليد الببغاوات للاستعمار وأعوانه وأذنابه.
هذه النماذج من العلماء والدعاة والمجاهدين، الذين صبروا على لأواء الحياة، وجاهدوا لنصرة دين الإسلام، وصمدوا أمام قوى الباطل والطغيان واستهانوا بكل زخارف الحياة ومغرياتها، واستعلوا بإيمانهم على كل ما يشدّ الإنسان إلى الأرض، وحلّقوا بآمالهم وطموحاتهم إلى السماء مؤثرين ما عند الله على ما عند الناس.
هؤلاء هم صنّاع الحياة العزيزة بهذا الدين العظيم، وهم ما بين علامة تحرير، ومربٍّ فاضل، وداعية مجدّد، ومجاهد شهيد، وتاجر صدوق، وصحفي بارع، ومفكر مبدع، وشاعر صاحب رسالة، وأديب قاص هادف، واقتصادي عالم وكلهم سابق بالخيرات بإذن الله.
جيل من الأعلام كانوا تطبيقاً عملياً لمعالي هذا الدين وعزائمه.. من الذين دفعوا الثمن غالياً، لقاء صبرهم وصمودهم على المنهج الحق.. من الذين حملوا هموم الأمة وسعوا لتحقيق آمالها.. من الذين ضربوا أروع الأمثلة للأجيال الحاضرة واللاحقة فكانوا أئمة هدى، وقدوات تحتذى في ميادين التربية والدعوة والجهاد، وتغيير واقع الأمة والنهوض بها، إلى أن بلغت الصحوة الإسلامية ذروتها، ودخل الإسلام كل بيت من بيوت الأشقياء والمحرومين.
ولقد نهضتُ للقيام بهذا الفرض الكفائي، عن أجيال الدعوة المعاصرة أداء لبعض حقوق أولئك الأعلام على أبناء دعوتهم، وتخليداً لسيرتهم العطرة، وتسجيلاً لجانب من شمائلهم الكريمة، التي سطروها بجهادهم ودمائهم، وشموخهم على سفاسف الحياة، واستعصائهم على تهديد الطغاة والبغاة، وترفّعهم على كل المغريات.
وذلك من أجل أن يدرك أبناؤنا وأحفادنا، أنهم امتداد لهذا الجيل المبارك، من أصحاب الفضل والسابقة والحجة على من بعدهم.
لقد أفضى هؤلاء الدعاة الكبار إلى ربهم، وعهدوا بالراية إلينا، ونحن بدورنا نسلمها للشباب الإسلامي الناهض، الذي نعتز به ونفتخر، ونؤمّل فيه الخير الكثير في الاضطلاع بمسؤولية الدعوة وحمل رايتها وإعلاء كلمة الله في أرض الله لتحرير عباد الله.
منهجي في الكتابة:
ولقد التزمتُ منهجاً في الكتابة هو: أنني لا أكتب إلا عن معاصر التقيتُه، وهذا منهج الإمام البخاري –رحمه الله- وأن يكون متوفى، فلا أكتب عن الأحياء، فالحي لا تؤمن فتنته، وأن يكون من دعاة الإسلام العاملين، ورجال الحركة الإسلامية المجاهدين، لأن العلم وحده بدون العمل به ودعوة الناس إليه لا يجدي كثيراً، فلسنا في حاجة إلى معاجم متحركة، بل نحن في حاجة إلى رجال يعيشون الإسلام ويعملون له، ويستشهدون في سبيله.
وطريقتي في الكتابة أنني لم ألتزم في التسلسل أي نمط، ولا يعني التقديم والتأخير أي شيء، كما أن بعض الحلقات لم تزد على أربع صفحات والبعض الآخر زاد على العشر لطول المعايشة أو خصوبة الذاكرة، أو توافر المعلومة.
ولنا في هذه النماذج المعاصرة من أساتذتنا وإخواننا خير قدوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته، والتابعين والسلف الصالح.
لقد سارع بعض إخواني في أرض الكنانة بطباعة هذه الحلقات، قبل أن أراجعها وأُعمل النظر فيها، وبخاصة أنها من الذاكرة وكنتُ في كل حلقة أنشرها أطالب القراء موافاتي بملاحظاتهم عليها لتدارك ذلك قبل طباعتها في كتاب، ولكن قدّر الله وما شاء فعل، وهذا اجتهاد يُشكرون عليه.
وها أنذا أقدمها في شكل أجزاء متتابعة، وفيها إضافات مهمة وتعديلات كثيرة، وأرجو من الإخوة القراء ألا يحرموني من إضافاتهم وتعديلاتهم للاستفادة منها.
ولقد رجعت إلى بعض الكتب والمجلات والصحف التي فيها شيء عن الأشخاص الذين كتبتُ عنهم واستفدت منها، وإن كان جلّ اعتمادي على ذاكرتي ومعايشتي لهؤلاء الرجال الأفذاذ.
ويعلم الله أنني مدين لكل من كتبت عنهم من زملاء أو أساتذة بالفضل، وأنني أدعو الله لهم كما أدعو لنفسي ووالديّ، وأسأل المولى الكريم، أن يغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنت، وما هو أعلم به مني، وأن يجمعني بهم في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، هو ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
الفقير إلى الله
عبد الله عقيل سليمان العقيل
الرياض 1421هـ - 2000م
ص.ب: 93650
الرمز البريدي: 11683
E-mail:abdulla-alakeel@yahoo.com
مرشدو الإخوان المسلمين
الكاتب والكتاب في عيون الشيخ القرضاوي
كنت وأنا طالب في المرحلة الجامعية على صلة وثيقة بعدد من طلاب البعوث الذين جاءوا من أوطانهم يدرسون في الأزهر الشريف. وأبرزهم الطالب النجيب الذي جاء من مدينة (الزبير) في العراق، وكان شعلة متقدة من النشاط والحركة والتقرب من العلماء والدعاة من مصر، أو القادمين عليها. وهو الأخ النابه عبد الله العقيل، الطالب في كلية الشريعة، والذي سكن مع الأخ أحمد العسال فترة من الزمن، وكان له نشاطه المتميز في قسم الطلاب، وقسم الاتصال بالعالم الإسلامي، وكان وثيق الصلة بي والأخ الدمرداش رحمه الله، وقد صحبني الأخ عبد الله في إحدى الرحلات الدعوية إلى مدن الصعيد، فكان نعم الصاحب والرفيق، وقد قالوا قديماً: الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار، وقالوا: إنما سمي السفر سفراً، لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، وقال سيدنا عمر لمن شهد لرجل بالصلاح: أصاحبته في السفر، الذي يكشف من أخلاق المرء مالا يكشف في الحضر؟.
وقد استمرت الصلة بيني وبين الأخ عبد الله، حتى تخرج وعاد ليعمل في مناصب القضاء في الكويت ثم نُقل ليعمل مديراً للشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف بالكويت، فجعل من هذه الإدارة مؤسسة عالمية حية للعلاقات الإسلامية، وكون صلات لا تحصى بالجهات الناشطة والعاملة للدعوة الإسلامية في العالم، وأمدها بالكتب والمساعدات، التي آتت أكلها في حينها بإذن ربها، ثم نقل أميناً مساعداً لرابطة العالم الإسلامي، واستقر بالرياض بعد أن أُحيل إلى التقاعد.
وقد أصدر حديثاً كتاباً قيماً عن أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ترجم فيه لعدد من أعلام العلم والدعوة والجهاد وأحسب أنه -شكر الله سعيه- وفاهم حقهم، وعرف بفضلهم الأجيال الصاعدة، وأسقط فرض كفاية عن علماء الأمة، فكثيراً ما ذهب رجال كان لهم دورهم المشكور في الدعوة والجهاد والتربية والتثقيف، ولم يكتب عنهم أحد، فطمست آثارهم، وجهلت أخبارهم، على حين تمتلئ الساحة بالنكرات والإمّعات الذين أصبح يُشار إليهم بالبنان، وهم لا في العير ولا في النفير.
نقلاً عن (ابن القرية والكتاب) للدكتور يوسف القرضاوي إن الإسلام الذي ننشده هو: إسلام القرآن والسنة، إسلام التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، والرفق لا العنف، والتعارف لا التناكر، والتسامح لا التعصب، والجوهر لا الشكل، والعمل لا الجدل، والعطاء لا الادعاء، والاجتهاد لا التقليد، والتجديد لا الجمود، والانضباط لا التسيب، والوسطية لا الغلو ولا التقصير.
إسلام يقوم على عقيدة روحها التوحيد، وعبادة روحها الإخلاص، وأخلاق روحها الخير، وشريعة روحها العدل، ورابطة روحها الإخاء، وثمرة ذلك كله: حضارة روحها التوازن والتكامل. د. يوسف القرضاوي.