عقول هادئة.. وقلوب دافئة(2)
عقول هادئة.. وقلوب دافئة
من أبجديات الحب والسعادة الزوجية
د. بشير شكيب الجابري
|
تقديم:
أ. جاسم المطوع |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
كثيراً ما أتأمل قول الله تعالى: )وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( سورة الروم الآيات 20 – 21.
فأجدني أغوص في معاني هذه الآية الكريمة، وأعيد تلاوتها مرات ومرات، وفي كل مرة أنظر إلى معنى لم أنتبه له في المرة السابقة.. الزواج آية من آيات الله... الزواج سكن نفسي وجسدي... الزواج مودة ومحبة... الزواج ترابط بين الأمم والقبائل والبشر.
وبين هذه المعاني أفكار وتأملات، تحتار الكلمات في وصفها، ويضطرب القلم عند خطها، ثم أنظر مقارناً لواقعنا المعاصر اليوم، فأجد أن مؤسسة الزواج ضعيفة، مترهلة، متقلبة، تسدد السهام إليها من كل جانب، وتصوب العصي إليها من كل حدب، فتدركني الحيرة والاستغراب!!
لماذا؟ هل الزواج أصبح مودة قديمة؟ هل الزواج هو سجن؟ هل الزواج هو سبب الكثير من مشاكل المجتمع؟ فأين آية الله في الزواج؟!
لكنني من واقع خبرتي، ومن معرفتي بشرع الله وحكمته العظيمة، أدرك أن المشكلة ليست هي مؤسسة الزواج، إنما هي صادرة ممن يكونون تلك المؤسسة.
فالزواج كنظام هو من أعظم وأجل نعم الله على بني الإنسان، لكن المشكلة عند من يقدم على الزواج وهو لا يعرف متطلباته، وهو لا يعرف الحقوق التي له والتي عليه، وهو لا يعرف التعامل مع الأزمات الزوجية العابرة، وهو لا يعرف الفروق الجوهرية بين الأنثى والذكر، وهو جاهل بأحكام وتوصيات الإسلام في الحياة الأسرية، وهو لا يعرف عن تعامل رسوله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته شيئاً، فكيف تتصور من هكذا إنسان أن يبرز لنا صورة مشرقة عن مؤسسة الزواج؟!
إننا نحن اليوم أحوج ما نكون إلى عقول هادئة في التعامل مع القضايا الأسرية، والشؤون العائلية، وفي حل المشاكل الزوجية، والتي تقودنا أحياناً إلى خراب الأسرة والمجتمع ما دمنا نفقد العقول الهادئة!
وكذلك نحن أحوج ما نكون اليوم إلى (قلوب دافئة) في الإحساس بالآخر، والتفاهم مع الشريك، وفي نشر المحبة داخل الأسرة، بدلاً من هذا الجفاء والتقاطع والجفاف الذي ينتشر بين أسرنا العربية والمسلمة بسبب ندرة القلوب الدافئة.
ومن محاسن الدين الإسلامي أن الحياة الزوجية ليست مجرد متعة دنيوية، ولا سعادة حاضرة آنية، بل هي طريق لكسب الحسنات، وحصد الخيرات، والوصول للجنات، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنّة شئت" رواه أحمد في مسنده حديث رقم 1664.
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر"!
قال العرباض: فأتيت زوجتي، فسقيتُها الماء، وحدثتها بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مجمع الزوائد 3/119 وعزاه لأحمد والطبراني
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في عتق رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك... أعظمها أجراً الدينار الذي أنفقته على أهلك".
رواه مسلم في صحيحه 2/692.
فما أعظم تعاليم ديننا والتي تجعل للأمور البسيطة والتي قد لا نعيرها اهتماماً ثواباً عظيماً وأجراً كبيراً، لتحثنا على طلب السعادة في حياتنا الزوجية.
إنني وأنا أقرأ كتاب أخي وصديقي الدكتور بشير أجد فيه الكثير مما يستحق الإشادة والذكر، ففي كتابه هذا يجمع بين الفكاهة الطريفة وبين المعلومة الجادة، وبين القصة الواقعية والمعلومة الاجتماعية، وبين الفائدة اللطيفة والحكمة البليغة، وبين اللفتة الجميلة والاستشهاد البليغ.
فكتابه كأنه نور على نور، وأسلوبه يدخل على النفس السرور، فنحن في فرح وحبور.
ومما لفت نظري تطرق الكاتب إلى قضايا مهمة في حياتنا الأسرية اليومية، فمثلاً نجده قد تناول قضية الحب الزوجي في إشارة إلى ندرة السكن النفسي الذي من أجله وجد الزواج، كما أن البعض من الرجال تعف نفسه عن ذكر الحب والبوح به وإظهاره لزوجته، كأنه إن فعل ذلك قد ارتكب جرماً أو قارف خطيئة!!
وذكر الكاتب مراراً قضية الشورى الأسرية في محاولة لطيفة منه لحثنا –وبالأخص معاشر الرجال- على تدعيم مبدأ الشورى و الحوار داخل أسرنا، وتعويد أنفسنا وأبنائنا على سماع الرأي الآخر وكأننا ننسى وصية الله عز وجل لقدوتنا سيدنا محمد: )وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر( سورة آل عمران آية 159.
وستجد أخي القارئ وأختي القارئة الشيء الكثير من المعاني والمواضيع والأبحاث الشيقة أتحفنا بها الدكتور بشير، وهو مشكور على هذا الجهد، وأتمنى أن يكتب الله له القبول في هذا الكتاب، وأن يزيده علماً ومعرفةً وتقوى، حتى نستمتع بإصدارات أخرى، تسد النقص العميق في مكتبتنا الإسلامية فيما يتعلق بالإصدارات الخاصة بالشؤون الأسرية، فاللهم سدده ووفقه لما تحب وترضى، والحمد لله أولاً وآخراً.