ملحمة البوسنة والهرسك
ملحمة البوسنة والهرسك
|
شعر: د.عدنان علي رضا النحوي
|
توالت مآسي أمتنا على صورة مذهلة مفجعة . عندما نظمت " ملحمة الغرباء " ظننت أنَّها الهول كلَّ الهول . واليوم أراها كأنها كانت بداية لهول أكبر وأشد !
ماذا تُخبّئ الأيام المقبلة ! فهو إمَّا بلاء أشد أو رحمة وفرج ، فإذا جهلنا حقيقة المستقبل ، وظلّ غيباً لا يعلمه إلا الله ، وبقينا نحن لا نرى منه إلا ظنّاً أو تقديراً ، فإننا في الوقت نفسه نعلم أشياء علم اليقين تُعين على فهم المستقبل من ناحية ، وعلى الإعداد والترقّب من ناحية أخرى . وما كاد هذا العلم اليقيني ثمرة تجارب وحسابات ، ولكنَّ التجارب والحسابات تؤكّده وتشير إليه ، إنه علم علّمنا إياه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، وفي سنّة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلّم.
إنَّ منطلق هذه " الجريمة الكبرى " في" البوسنة والهرسك " هو الأهواء والمصالح المتضاربة التي لا تخضع لميزان من عقل أو قيم أو دين . حتى أولئك الذين يرفعون شعارات الدين المحرّف لم يكن لهذا الدين خلال تاريخ طويل أي دور في حسم مشكلات الإنسان أو حلّها ، أو رفع الإنسان إلى المستوى الكريم من إنسانيته . ولم تستطع الحضارة الكاذبة التي يدّعيها ، ولا جامعاتها ولا علومها ولا مصانعها ولا سائر مظاهر الرقيّ المادي أن تلجم روح الوحشية والإجرام المريع في نفسه . فهبط هذا الإنسان ابن هذه الحضارة وابن هذا الدين المحرّف إلى أحطّ درجات الإجرام في تاريخ وحشيّ . انظر إلى ما فعلت محاكم التفتيش بالمسلمين في إسبانيا ، وما فعل الإنجليز بالمسلمين في الهند وفلسطين وسائر البلاد التي اعتدوا عليها ونهبوا خيراتها ، وما فعلت فرنسا بالمسلمين في الجزائر وغيرها مما اعتدت عليه من ديار الإسلام . وانظر إلى هول الجريمة التي اقترفها الصليبيون في المسجد الأقصى ، وانظر كيف أبادت أمريكا الهنود الحمر ، وكيف سرقت الأعداد الهائلة من المسلمين في أفريقيا تسوقهم ليعملوا عبيداً في مزارعهم في أمريكا ، وكيف ألقت أمريكا القنابل الذرية على ناجازاكي وهيروشيما ، وما يفعل الهندوس بالمسلين في الهند وكشيمر وبورما ، وما يجري في فلبين . سلسلة طويلة من الوحشية والإجرام ، تاريخ طويل هبط بهذا الإنسان إلى " أسفل سافلين" تحت شعارات الحضارة وزخارفها ، وشعارات الدين المحرّف الذي لا يتبعونه ! هذا الإنسان المتوحش هو نفسه الذي يرتكب اليوم الجريمة الكبرى في البوسنة والهرسك والعالم لاه يتطلّع !
لذلك أصبح العالم كلّه ، أصبحت الشعوب كلها ، أصبح الإنسان في كلّ مكان بحاجة إلى الإسلام ، فهو وحده الذي يستطيع أن يلجم الوحوش إذا صدقت جنود الإسلام ودعاته في الميدان الحقّ !
في هذه الملحمة " ملحمة البوسنة والهرسك " ، ننهج نفس النهج الذي سلكانه في معظم الملاحم السابقة ، حيث نجعل عرضاً نثرياً بين يدي الشعر ، لنحقق هدفاً رئيساً نسعى إليه ، وهو أن نبلّغ كلمتنا وما نؤمن به لأكبر قطاع من الناس تستطيع بلوغه . فمنهم من يحب الشعر ويأنس به ، ومنهم من يؤثر النثر ويقبل عليه . وفي جميع الحالات يظلّ الشعر سلاحاً من أسلحة هذه الأمة التي تهافتت عليها شعوب الأرض كلها كتهافت الأكلة على القصعة ، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
ونؤمن بأن الأدب له مهمّة يؤدّيها وواجب يقوم به ، وبخاصّة في أمة الإسلام التي أخرجها الله للناس خير أمة تحمل رسالة الله وتبلغها وتجاهد في سبيل الله من أجل ذلك . إنها أمة لها رسالة عظيمة في الحياة ، والأدب وسيلة من وسائل الوفاء بالرسالة وأداء الأمانة ، وباب من أبواب البلاغ والبيان ، وساحة في ميدان الجهاد ، والملحمة إذا لم تساهم في أداء هذه الرسالة والأمانة والواجب تفقد مسوّغ قيامها ، وتفقد بعد ذلك خصائصها الحقيقية التي تساعدها على الوفاء بالأمانة . من هنا ، كان لا بدّ " للملحمة الإسلامية " في الأدب الإسلامي أن تفارق خصائص ما يسمى " بالملحمة اليونانية الوثنية " .
ولا تهدف في هذه الملحمة أن نقدّم سجلاً تاريخياً للأحداث ، بقدر ما نهدف إلى أن نعرض منها ما يرسم القضية ويحللها ويعطي بعدها الإيماني وتصورها العادل الأمين حين نردّها إلى منهاج الله ، وما يعيننا على الخروج بنتائج وعبر .
يعرض هذا الكتاب في صفحاته الـ (200) الموضوعات التالية :
في الباب الأول :والذي بعنوان : البوسنة والهرسك بين نور الإسلام وظلام أوروبا ، نعرض فيه : أرض وتاريخ ، نور الإسلام يدخل أوروبا من الشرق ، تراجع الدولة العثمانية في أوروبا وبدء جريمة المشركين ، الجريمة الكبرى ، بين لهيب الأهواء وعجز الأخوان والأقرباء ، وقفة مع التاريخ ، دروس وعبر .
وفي الباب الثاني الذي هو الجانب الشعري من الملحمة ، نعرض فيه : دموع تضيئ الليل وتنير الدرب ، وفي الفصل الثاني الجريمة الكبرى .