عمارة المسجد الأقصى المبارك

محمد سيد بركة

[email protected]

الكتاب : عمارة المسجد الأقصى المبارك

المؤلف: الدكتور خالد عزب

الطبعة :الأولى -  2009م

عدد الصفحات : 120 صفحة من القطع المتوسط

الناشر: المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة – مصر

بمناسبة الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، أصدر المجلس الأعلى للثقافة في مصر كتاب تحت عنوان عمارة المسجد الأقصى المبارك  الذي جمعه وأعدّه الدكتور خالد عزب، بعد عثوره على التقرير الخاص بترميم المسجد الأقصى في الألبوم التذكاري الفوتوغرافي الذي أهديَ للملك فاروق بمناسبة الانتهاء من ترميم المسجد، وذلك ضمن مقتنيات مكتبة الملك فاروق.

يذكر خالد  عزب أنه في السنوات الأخيرة ركِّز إعلامياً على ترميم قبة الصخرة، لذا كان ضرورياً التنبيه إلى أهمية التركيز على ترميم الحرم القدسي لإزالة اللبس الذي يقع فيه كثيرون باعتبار قبة الصخرة هي المقدسة فحسب لدى المسلمين، فيما الحرم بأكلمه مقدّس.

يضم الكتاب صوراً تُنشر للمرة الأولى، ومادة خاصة عن الحرم القدسي الشريف وألحق بها ما نشرته مجلة المنتدى الشهرية الفلسطينية في عددها الصادر في سبتمبر  1942 عن عمارة المسجد.

يقع الكتاب في ثلاثة فصول، جاء الفصل الأول منها عن الحرم القدسي الشريف، ليبرز معالم الحرم القدسيمبينا أنه يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس أعلى جبل ألموريا وتشغل مساحته حوالي 260 مترًا مربعًا، ويضم الحرم القدسي عددًا من المنشآت المعمارية الإسلامية... منها قبة الصخرة والمسجد الأقصى، بالإضافة إلى عدد من الأسبلة والقباب التي بنيت على فترات تاريخية مختلفة، بالإضافة إلى عدد من المآذن والعناصر المعمارية الأخرى من منابر ومحاريب، يحيط بالحرم سور فُتحت به أبواب عدة يصل عددها إلى خمسة عشر بابًا.

ثم يتناول خالد عزب بالشرح منشآت الحرم القدسي الشريف، و يسهب في وصف المسجد الأقصى فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين... يقع في الجهة الجنوبية من الحرم القدسي الشريف.

أمر ببناء المسجد في موقعه القديم الخليفة عمر بن الخطاب، بعد فتح بيت المقدس بفترة بسيطة... ولم يسهب المؤرخون في وصف عمارته.

ويتعرض الكتاب بعد ذلك بالوصف لمهد عيسى، واسطبلات سليمان، وقبة سليمان، وقبة يوسف أغا، والكأس، وسبيل شعلان، وقبة الخضر، وقبة موسى، وقبة المدرسة النحوية، وقبة يوسف، ومنبر برهان الدين، وقبة الأرواح، وقبة المعراج، وقبة النبي... وقبة السلسلة.

ويصف المؤلف قبة الصخرة والتي تقع في قلب الحرم القدسي الشريف... بأنها تعد أقدم معلم من معالم الحضارة الإسلامية... حيث يحدها الجدار الشرقي للحرم، وهي تشكل أعلى بقعة في الحرم الشريف، أنشأها الخليفة عبدالملك بن مروان خلال عامي (691-692م) فوق صخرة المعراج المشرفة.

ويثير المؤلف نقطة مهمة ألا وهي أن التوجهات السياسية والإعلامية والعَقيدية تبرز في الآيات القرآنية المختارة بدقة، وفي تركيز وضع صور تيجان الملوك في الرواق حول القبة وبمواجهتها؛ فالنص القرآني يحتوي على جميع الآيات التي تتكلم عن المسيح في موقعه الإسلامي المختار كنبي مرسل، والتيجان تبدو أشبه ما تكون بالتيجان الحقيقية للملوك المغلوبين، التي كان أباطرة الرومان والبيزنطيين يضعونها في معابدهم وكنائسهم كعلامات نصر ورمز إيمان بأفضلية معتقدهم، وبالتالي يمكن هنا أن ننظر إلى هذين العنصرين الزخرفيين على أنهما بالنسبة لبناة قبة الصخرة وسيلتا دعاية لدينهم ولدولتهم المنتصرَين، خصوصًا إذا تذكرنا أن قبة الصخرة قد بنيت في القدس التي كان أغلب سكانها من المسيحيين الذين ظلوا يدينون بالولاء لإمبراطور القسطنطينية البيزنطي، في وقت كانت الدولة الأموية فيه في خضم صراع مرير مع البيزنطيين في شمال بلاد الشام.

ويبين خالد عزب أن القبة مبنى معماري ذو رمزية سياسية ينبئ في القدس عن رغبة الدولة الأموية في بث حضارة جديدة تعبر عن أتباع الدولة المقيمين في المدينة، ويوجه رسالة إلى الآخرين عن مدى قوة الدولة ومضمون رسالتها، وظلت قبة الصخرة بلونها الذهبي، رمزًا لمدينة القدس، يعلوها الهلال الذي يوازي اتجاه القبلة، وعندما استولى الصليبيون على القدس نزعوا الهلال من فوق قبة الصخرة، وأقاموا مكانه صليبًا من الذهب، وعندما استرجع صلاح الدين القدس مرة أخرى سنة 583هـ / 1187 م تسلَّق بعض المسلمين القبة واقتلعوا الصليب، وأعادوا الهلال إلى مكانه؛ هكذا شكَّل الموقع الذي شيدت عليه قبة الصخرة جانبًا من الرمزية السياسية.

وإذا كان للقباب في بعض استخداماتها رمزية سياسية مباشرة أو غير مباشرة، فقد استخدمت أيضًا للتعبير عن مقر الحكم أو العرش بصورة صريحة، فقد كان يعلو قصر الإمارة في دمشق قبة خضراء أعطت القصر اسمه، كما قام الحجاج بتقليد سادته بإقامة قبة خضراء لدار الإمارة في واسط، وكان يعلو قاعة العرش أو الحكم بقصر الذهب في بغداد قبة كبيرة خضراء على رأسها تمثال فارس بيده رمح يعبر عن قوة الدولة وبطشها في مواجهة أعدائها، وفي سامراء تميزت الدار الخاصة بالخليفة المعتصم بجناح قاعة العرش المؤلف من قاعة مربعة مركزية مسقوفة بقبة، واستخدمت القبة الخضراء كذلك لتسقيف دار العدل في قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، التي شيدها الناصر محمد بن قلاوون لتكون مقرًّا لنظر المظالم ولاستقبال السفراء وكذلك للعرش المملوكي، ومقرًّا للاحتفالات الرسمية، هكذا كان للقبة مدلول رمزي منذ فترة مبكرة في تاريخ العمارة الإسلامية.

أما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان عمارة المسجد الأقصى المبارك، وهو  قراءة في  مجلة المنتدى الفلسطينية الشهرية والتي خصصت أحد أعدادها النادرة للتجديدات التي تمت بالمسجد الأقصى، فيستهل بمقدمة لسعادة أمين بك عبد الهادي عضو المجلس الإسلامي الأعلى، التي يذكر فيها اهتمام المجلس الإسلامي الأعلى بهذا الحادث الجلل. بعد ذلك يقدم الكتاب التقرير الذي أعده علي طاهر الدجاني وهو نفسه التقرير النهائي الذي رُفع للمجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين بعد انتهاء المشروع مع بعض التعديلات والاختصارات وإعادة الصياغة التي تتناسب ونشره صحفياً، وأضاف الدجاني له مجهوداً إضافياً بالتعريف بالمشاركين في المشروع، وتزويدنا بصور لهم على نحو ما يظهر في التقرير من صورة لمحمود أحمد باشا رئيس لجنة حفظ الآثار العربية مرتدياً الغطرة الفلسطينية، أو المعلم محمود الحبال أحد أشهر نحاتي الحجر في مصر، والذي عمل أحفاده في ترميم آثار القاهرة وعلموا أجيالاً، وفي حوار صحفي معه، قال إن المراحل المختلفة في ترميم المسجد الأقصى، وهي ثلاث مراحل، واضحة في تقرير الدجاني، وهي تكشف عن الحاجة الماسة من حين لآخر لصيانة وترميم هذا الأثر التاريخي.

هذا التقرير الهام مقسم لأربعة أجزاء الأول منه يتناول التطورات التاريخية التي طرأت على المسجد من بنائه حتى سنة 1922، بينما خصص الجزء  الثاني للعمارة التي جرت بين سنتي 1922 و1927 والجزء الثالث للعمارة التي بدأت سنة 1938 ، و الرابع والأخير للعمارة التي عقدت النية على إنشائها عندما تسمح الظروف، على حد قول الدجاني.

ويتضمن هذا الفصل مجموعة من الصور النادرة للمسجد الأقصى قبل البدء في إصلاحه بدايات القرن العشرين الميلادي .

ويذيل الكتاب في الجزء الثالث والأخير منه بمذكرة للأستاذ محمد عبد الفتاح مدير إدارة حفظ الآثار عن مشروع إصلاح المسجد الأقصى مؤرخة بعام 1944 م، تبين الجهود المصرية في ترميم المسجد.