أكثروا ذكر هاذم اللذات
أكثروا ذكر هاذم اللذات
أب يرثي ابنه
|
د.عدنان علي رضا النحوي |
ما هذه الحياة الدنيا ؟ إنها لهو ولعب ، وإنها حلوة خضرة ، وإنها دار فتنة وابتلاء وتمحيص . ولقد سقط في فتنتها الكثيرون . وغرتهم الحياة الدنيا ، ونسوا الدار الآخرة هي خير للذين آمنوا ، وإنها هي الحياة الحقيقية ، نسوا ذلك حتى امتلأت الأرض فتنة وفجوراً ، وظلماً وعدواناً ، بين دماء تتفجّر وأشلاء تتطاير ، وحروب ومجازر ، ومكر وكيد ، وظلم الإنسان نفسه ، حين تخلّى عن الأمانة التي حملها والتي سيحاسبه الله عليها . ولقد وصف الكتاب والسنة الحياة الدنيا وبين هوانها عند الله وعند المتقين ، وبيّن سبيل النجاة
فمن أراد النجاة من فتنة الدنيا ومن عذاب الآخرة ، فليس من سبيل الإ التمسك بالكتاب والسنة تلاوة وتدبراً وحفظاً ، وممارسة في واقع الحياة . فلا يدري الإنسان متى يوافيه الأجل . إنه أجل مسمّى عند الله . فالموت أقرب للإنسان من شراك نعله ، وكم من أب اختطف الردى ولده ، فلذة كبده ، وهو في ميعة الصّبا وترك الموت حسرة في القلب لا يُخفّف من لوعتها إلا نداوة الإيمان وظلال التوحيد ، حين يفيء المؤمن إلى منهاج الله ، وحين يرى أن ابنه فارق الدنيا على تقوى وخير .
بين الحين والآخر ، كنتُ أرجع إلى قصيدة التي قلتها في رثاء ابني " إياد " وأعيش في ذكرى مؤلمة مع أبيات القصيدة ، واسترجع في ذهني عبرة الموت ، وما تحمل من آيات بيّنات تدلّ على الخالق الذي لا إله إلا هو ، يحي ويميت ، له الملك وله المر كلّه ، هو الله ربّ العالمين ، له الأسماء الحسنى كلها .
واليوم بعد أن أنهيت القراءة ، وجدتُ نفسي أُمسك بالقلم وأكتب عفو الخاطر ، فيضاً يتدفّق ، لا أرجع إلا للقرآن لأتثبّت من الآيات الكريمة وأرقامها ، وكتب السنة لأتثبّت من الأحاديث الشريفة ولتخريجها .
وما كدتُ أن أنتهي منها حتى وجدت فيها عزاء كبيراً لنفسي ، وتثبيتاً لمعاني الإيماني ، وتذكيراً بأنَّ الموت حقٌّ ، وأن علينا أن نُعدّ أنفسنا لأجل لا ريب فيه ، وتذكيراً بهوان الدنيا عند الله ، وعند المؤمنين الذين يرجون الله والدار الآخرة ، وتذكيراً بمعاني الصبر ، صبر المؤمن الماضي على درب حقٍّ وصراط مستقيم ، عاملاً لله وفي سبيل الله .
ووجدت فيذلك كله تذكيراً للمؤمنين بأن يعودوا إلى منهاج الله ـ قرآناً وسنّةً ولغة عربية ـ وأن ينهضوا إلى حقيقة مسؤولياتهم التي كلفهم الله بها مع الإيمان والتوحيد والشعائر وتدبّر منهاج الله ، أن ينهضوا إلى التكاليف الربّانية التي سيحاسبهم الله عليها ورسوله إلى الإيمان والتوحيد ، ثم إلى تحقيق الأهداف الربانية الثابتة في الواقع البشري ، في واقع الإنسان على الأرض في هذه الحياة الدنيا.
يأتي هذه الكتاب في (164 صفحة ) ، ونعرض فيه :
وقفة ذكرى وعزاء ، ذكرى شبابك وبرّك ، الحياة الدنيا وهوانها والدار الآخرة وخلودها ، نهجان مختلفان لا يستوي أصحابهما ، الموت حقٌّ والدار الآخرة هي الحياة ، الرثاء بين اللوعة والعزاء ، الصبر من عزم الأمور وعزيمة من عزائم المؤمن ، " أيحسب الإنسان أن يترك سُدى " ، " أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً ، وأنكم إلينا لا تُرجعون " ، وأخيراً القصيدة : أب يرثي ابنه ، بُنيّ إياد ـ يرحمك الله ـ .