الروائية السودانية ـ البريطانية ليلى أبو العلا

الروائية السودانية ـ البريطانية ليلى أبو العلا

الأقليات في بريطانيا أكثر ثقافة

  نص حوار مع الروائية السودانية « ليلى ابو العلا » أجرته معها محررة صحيفة الغارديان اللندنية أنيتا سيث بالتزامن مع صدور روايتهاالثالثة «المئذنة» عن دار بلومزبري في لندن في هذا اللقاء توضح ليلى أبوالعلا الروائية الحائزة على جائزة«كين» للإبداع القصصي الأفريقي عام 2000 الأسباب التي تجعل هويتها الدينية أهم بالمقارنة بهويتها القومية.

ليلى أبو العلا تمتلك العالم بين أناملها. تقبض بإحكام على حقيبة يد مزينة برسم لخارطة أفريقيا، حيث ولدت، في الخرطوم سنة 1964 وكانت ابنة لأول عالمة ديمغرافيا في السودان . غير أن الحقيبة لا تبوح بأماكن أخرى كثيرة من العالم تشكل خارطة حياتها وإبداعها وتلقى الضوء على حالة التنقل التي عاشتها، بين القاهرة وجاكرتا، و دبي، ولندن ثم أبردين.

حوارها الهادئ الموسوم بالسلاسة والحيوية، مثل كتابتها، يشبه القفز الرشيق بين هذه البلاد والثقافات، يعج بما يمكن أن يضحك على المفارقات التي تمتلئ بها حياتها، مطعم بالحكايات. إلا أن عقيدتها الإسلامية كانت باستمرار الواحة الظليلة التي تحط فيها هذه القصص رحالها .

قصص ليلى أبوالعلا تتحدر من شعور قوي بقسوة الحياة في المنفى والاغتراب الجغرافي والثقافي وقد حازت أعمالها بدءاً بقصتها الفائزة بجائزة كين الأفريقية في دورتها الأولى «المتحف»، إلى روايتها الأولى «المترجمة»، التي ظهرت على قائمة الترشيحات لجائزة أورانج للرواية على إعجاب الروائيين الأفريقيين بن أوكري وجي.أم .كويتزي.

روايتها الثانية، «المئذنة» تلقي الضوء على حالة الانتكاس التي تسيطر على حياة بطلتها «نجوى»، المرأة السودانية التي يجبرها انقلاب مفاجئ على مغادرة بلادها والعيش في المنفى، في بريطانيا .

تتوزع أحداث الرواية على مرحلتين زمنيتين مختلفتين الأولى في الماضي في خرطوم ثمانينيات القرن المنصرم حيث كانت تعيش بطلتها نجوى تحت الأضواء والثانية في الحاضر حيث تعيش بصمت «تتحرك في الظل».

والواقع أن ليلى أبو العلا تقدم في هذه الرواية وجهة نظر حول المسلمة التي تعيش في لندن تبدو مختلفة تماماً عن تلك التي قدمتها في السابق مونيكا علي في روايتها «بروكلين». حيث عوضاً عن التوق إلى احتضان الثقافة الغربية، تفتش نساء روايتها عن العزاء في هوياتهن الدينية الآخذة في النمو.

لكن ما الذي تعنيه الهوية الدينية بالنسبة لها ؟

تجيب «الواقع أن كلاً من جدتي وأمي كانتا قد لعبتا دوراً مهما في تقوية هذا الشعور في داخلي ولذا فقد كنت أنظر إليه كشيء في غاية الخصوصية، شئ شخصي.

إضافة إلى أنهما كانتا في الوقت ذاته امرأتين تقدميتين .

درست جدتي الطب في الأربعينيات، وهو من الأشياء نادرة الحدوث في مصر في تلك المرحلة، أما أمي فقد كانت أستاذة جامعية، وبالتالي فإن وجهة نظري المتعلقة بالدين لم تتعلق بعدم خروج المرأة إلى العمل أو بارتدائها زياً بعينه؛ الواقع أن لها علاقة أكبر بالإيمان».

غير أن التعبير عن هذا الإيمان لم يكن قد حدث قبل وصولها إلى بريطانيا، لنيل شهادة الدكتوراه، هنا تولد لديها الإحساس بالقدرة على القيام بذلك.

تقول «على الرغم من نشأتي في بيئة متشربة بالمبادئ الغربية إضافة إلى دراستي في إحدى المدارس الأمريكية الخاصة، إلا أنني كنت خجولة، وهادئة وكنت أفكر في ارتداء الحجاب لكن لم تكن لدي الشجاعة الكافية لمواجهة الأصدقاء». في لندن، لم تكن معروفة لدى الآخرين فساعدها ذلك على المضي في الفكرة:

لم أكن أعرف أحداً. كان ذلك في سنة 1989 ولم تكن كلمة «مسلم» مستخدمة حتى في ذلك الوقت؛ كان الناس مثلنا إما من السود أو الآسيويين. وهكذا فقد كنت أشعر بفائض من الحرية بالنسبة لما يتعلق بارتداء الحجاب.

وبالتالي فقد أتيح للمرأة المسلمة أن تنعم بالمزيد من الحرية في بريطانيا، ما كان يسمح لها بالتعبير عن شعورها الديني. أوه، بكل تأكيد . تضيف ضاحكة «غير أنه كان يتحتم عليك أن تحدد في ذلك الوقت ما الذي ينبغي لك القيام به وأنت تتمتع بهذا القدر من الحرية». كان بمقدورك أن تفعل كل ما تريد، وعليه فقد فضلت أن أكون متدينة».

ولكن لماذا؟ « لقد كنت أميل إلى ذلك في الواقع إلا أن الظروف لم تكن مساعدة على تنمية هذا الميل. في بريطانيا، أصبح بإمكاني دخول المسجد، كما أن الصدمة التي كنت أعاني منها جراء الشعور بأن هناك حياة قد انتهت وأن حياة أخرى قد بدأت كانت تسيطر علي. كان ذلك ما جعلني أدرك ما تعنيه ولادة الإنسان مرة ثانية.

الرواية مليئة بالشعور المفاجئ بالصدمة الذي تعاني منه بطلتها نجوى جراء انفصالها عن الأماكن والأشخاص الذين تألفهم. هنالك شعور بالاغتراب، يجعلها تدرك بأنه ما من أحد معها سوى الله.

هذا ما يعلمنا إياه الدين، أن الحياة زائلة. بالنسبة لليلى، فإن ما تمنحك إياه الهوية الدينية هو المزيد من الشعور بالطمأنينة و الاستقرار. إن باستطاعتي أن أحمل «الدين» في قلبي أينما ذهبت، بينما يمكن تجريدي بسهولة من أي شيء آخر ».

والحقيقة أن الشعور بان هناك حياة قد وصلت إلى نهايتها وأن حياة أخرى بدأت تحل محلها كان هو الذي حملها على أن تشرع بالكتابة. تقول «كنت بحاجة إلى التعبير عن نفسي .

 كان عمري آنذاك 24 سنة وكنت عاجزة عن الحركة أو التقدم في ذلك المكان الغريب، كان بصحبتي صبيان صاخبان، وكان زوجي يعمل في مكان بعيد عن اليابسة، في صناعة تجهيزات النفط.حياة لم أكن مهيأة لمواجهتها في واقع الأمر.

تتحدث عن«بعثرة الثقة» حال وصولها إلى بريطانيا. «كانت حرب الخليج مشتعلة وكانت الصحف توجه الكثير من الانتقاد إلى الإسلام. كان ذلك يؤلمني. إلا انني تعودت على احتمال هذه الأشياء الآن».

لكن هل تشعر ليلى أبو العلا بأن الوضوح المتزايد للإسلام في الغرب قد انعكس بالفائدة على كتابتها ؟ «على الرغم من أن ذلك لم يغير شيئاً مما أكتبه، إلا أنه كلما توسع الكتاب في التصدي لقضايا الأقليات، أصبح من السهل على الآخرين اللحاق بهم لأن الناس أصبحوا أكثر ثقافة في هذا المجال.

ولو أن هذه الرواية كانت قد نشرت في سنة 1987، لما كان من السهل على الناس أن يدركوا الأشياء التي تدور حولها ». تعتقد ليلى بأن الصورة التي يرسمها الإعلام للإسلام آخذة في التعقيد أكثر فأكثر كما أنها مستمرة في الاختلاف على نحو أكبر. «وبدلاً من الإمعان في تغريبه، فهي تسعى إلى «تعريف القارئ به بشكل أكبر».

لقد دأبت ليلى ابو العلا المولودة لأم مصرية وأب سوداني، على التأقلم مع فكرة التباين الثقافي الذي لا يكاد يدرك . « لقد كنت باستمرار على وعي شديد بمسألة الاختلاف بين الناس. وعندما وصلت إلى بريطانيا، كنت متأثرة بالحياة من حولي. كان السودانيون يعيشون بعيداً عن غيرهم .

أما الآن، وبعد وصول الفضائيات، فإن الأمر يبدو أكثر سوءاً بعدما أصبحوا لا يشاهدون إلا محطاتهم الفضائية. الواقع أن هذا سيعيقهم، وحتى عندما يرجعون إلى بلادهم فإنهم سيتعرضون للصدمة لأن الأوضاع في بلادهم ستكون قد تغيرت ».

رواية ليلى أبو العلا ترشح بمشاعر الحنين التي تسيطر على بطلتها نجوى «إنني، أحوم حول نفسي، أعجز عن التقدم، أنكفئ، ماض مشطوب، تمتمة».

توضح ذلك «إلى حد ما، فإن ما تحتوي عليه الرواية يجسد مخاوفي هذا ما أسعى إلى القضاء عليه . لا أريد أن أبقى متوقفة . لا أريد أن أبقى حبيسة التوق إلى الماضي. أدرك أن هذه المشاعر لا تجدي، خاصة وأن لدي أطفالاً. وقد نشأ هؤلاء هنا وأصبحوا بريطانيين وهكذا ينبغي لي أن أكون أنا بريطانية أيضاً وإلا تخلفت عنهم».

وظيفة جديدةلقد سقطت في هذا العالم. تزحلقت حتى وصلت إلى مكان ضيق تحت سقف منخفض لا يسمح بحرية الحركة. لكنني تعودت عليه في الأغلب. وعلى الرغم من الشعور بأنني بخير في الكثير من الأحيان. حيث انني أرضى بما هو محكوم علي دون إطالة تفكير أو التفات إلى الماضي. إلا أن أي تغيير يحملني على التذكر. والواقع أن الروتين مزعج كما أن البداية الجديدة تجعلني أدرك فجأة ما حل بي، ها أنا ذي أقف في الشارع ملتحفة أوراق الخريف. الأشجار في المنتزه على جانبي الطريق مكسوة باللونين الفضي والنحاسي.أنظر إلى الأعلى فتطالعني مئذنة مسجد ريجنتس بارك بوضوح تتعالى شامخة فوق هامات الأشجار.

تتلاحق أنفاسي متصاعدة كالدخان. اتريث قليلاً قبل أن تمتد يدي لتقرع جرس إحدى الشقق ؛ الرقم مدون في مفكرتي. لقد قالت لي أن الرقم ثمانية. أسعل واشعر بالقلق خشية أن أفعل ذلك أمام مستخدمتي الجديدة، لكي أزرع في قلبها الخوف من أن أنقل الجراثيم إلى طفلها. إلا أنها قد لا تكون من ذلك الصنف القلق. الحقيقة أنني لم أتعرف عليها إلى الآن.

آمل ألا تكون قد نسيتني. أتمنى ألا تكون قد غيرت رأيها وأودعت ابنتها الصغيرة داراً للحضانة أو تكون قد عثرت على أحد غيري. كما أتمنى ألا تكون أمها، التي لا تزال قائمة بدور الحاضنة إلى الآن، قد مددت إقامتها في بريطانيا لكي يكون وجودي غير ضروري. شارع سان جونزود يعج بالحركة.

رجال يرتدون بدلات ونساء شابات يرتدين آخر صيحات الموضة ويقدن سيارات جديدة تأخذهن إلى حيث يعملن في وظائف مناسبة.

عندما يلتقط أحدهم سماعة الهاتف الموجود في المدخل، أتحدث إليه، بصوت تملؤه اللهفة بالأمل، سلام عليكم، أنا معكم، نجوى... إنها تتوقع وصولي، الحمدلله.

مقتطف من رواية «المئذنة»