قصة يجب أن تُقرأ
قصة يجب أن تُقرأ
(ليلة سقوط بغداد)
أمير أوغلو / الدانمارك
لا أذكر منذ سنوات، أنني أمسكت بكتاب فلم أتركه حتى أنهيت قراءته، خاصة إذا كانت صفحاته تعُدّ الأربعمائة من القطع الكبير، ولكن هذا الكتاب يشدك إليه بطريقة سحرية فلا تجد مفرا من أن تواصل القراءة وأنت تنتابك مشاعر مختلفة: تحزن مرة وتضحك مرة وتبكي مرة وتتألم مرات ولكنك لا تستطيع تركه. هل هو أسلوب الكاتب المميز؟ أم هي بغداد التي تريد أن تعرف عنها أكثر وأكثر؟ أم هي الحرب الظالمة والاحتلال المقيت الذي تتمنى أن يكون مجرد قصة؟ هل هي الحقائق التي تتكشف لك من خلال الكتاب؟ هل هي الحياة الشخصية العائلية أم الأصدقاء؟ هل هم الأموات أم الأحياء يشدونك فلا تستطيع التوقف حتى لو انتهى الفصل الطويل أو حتى لو شعرت بقرب طلوع الفجر وأنت مازلت مستيقظا تتذكر فجأة أنك لم تنم ولكنك تريد أن تساهم في المعركة وأن تبقى ساهرا من أجل بغداد من أجل العراق بل من أجل بلدك ومن أجل أولادك ومن أجل أمتك.
كل هذا تعيشه في هذه القصة وقد يكون من الظلم أن أصفها بأنها قصة فهي قصة وتاريخ وأدب وسيرة ذاتية. كاتبها (د. أحمد خيري العمري) تألق من خلالها كما تألق من خلال كتابه الأول "البوصلة القرآنية" ولكنه هنا يقسو عليك أكثر وبأسلوب مختلف، هو دكتور ولكنك ستكتشف أنه لا يحمل دكتوراه في الأدب العربي بل هو طبيب أسنان ولكنه ترك حفر الأسنان في هذا الكتاب ليتخصص بالحفر داخل العقول فتراه يتسلل إلى أعماق قلبك فيحتله ويحفر فيه الألم، وإلى آعمق خلية في دماغك يريد أن يمحو ما فيها ويثبت أفكاره عن الإحتلال وعن الحرب وعن الأسباب وعن المسببات. هو طبيب أسنان ولكنك ستكتشف من خلال قراءتك أنه متخصص في شيء آخر، إنه متخصص في العلاج بالصدمات، فهو يصدمك بمشهد ثم يقدم لك السبب والحل والعلاج. أسلوبه فريد ومتميز لا يدع لك مجالا للتفكير فيما يقول فإذا به ينقلك إلى المشهد الآخر لمزيد من التشويق ومزيد من الصدمات ومزيد من العلاج.
ربما استمد الكتاب قوته من القصة نفسها، قصة السقوط التي هي أصلا محفورة في قلب كل مواطن عربي. ربما استمد الكتاب قوته من أن الكاتب من بغداد يعرف عنها ما لا يعرفه من كتب عن السقوط من غير أهل بغداد. ربما استمد الكتاب قوته من أن الكاتب لم يغادر العراق قبل الحرب ولا أثناء الحرب ولا بعد الحرب فمنحه البقاء قوة. ربما استمد الكتاب قوته من الفكر المتميز القابع خلفه أو من التحليل الدقيق للأسباب أسباب السقوط وأسباب ما قبل السقوط وأسباب ما بعد السقوط. وربما كان كل هذا مجتمعا هو سر جمال الكتاب وسر قوة الكتاب.
يرحل بك الكتاب بعيدا في الزمان فتستغرب، ولكنك تكتشف أن جذور السقوط كامنة هناك فيزول استغرابك. يرحل بك الكتاب بعيدا في المكان فتتعجب، ولكن عجبك سرعان ما يتبدد عندما يريك الكاتب الرابط بين الأمكنة. يحكي لك الكتاب عن أشخاص مختلفين متفرقين من كل المذاهب والمشارب فإذا بهم بعد قليل مجتمعون مترابطون توحدهم القصة فتصهرهم في حبكتها ليصبحوا ألوانا متعددة في لوحة رائعة الجمال. لكن أجمل ما في الكتاب أنه واقعي لم يختلق شيئا ولم يصف إلا ما جرى حقيقة، حتى الأشخاص كما يقول الكاتب في المقدمة حقيقيون ليس فيهم شخصية خيالية واحدة.
مشكلة الكتاب الوحيدة أنه يحمل جرعات من الألم قد لا تتحملها ولكن ميزته أنه يقدم لك جرعات من العلاج في نفس الوقت. ستعيش حالات إحباط ولكنك سترى بعدها مباشرة بصيصا من الضوء يشدك لمتابعة القراءة حتى تصل إلى منبع النور. هذا على ما أعتقد هدف المؤلف يستثيرك ويغضبك ويؤلمك تماما كطبيب الأسنان ولكنك بعد العلاج تشعر بالراحة ويزول الألم ليحل محله الأمل، ويزول الغضب ليحل محله التعقل والتفكر ورؤية الطريق الواضحة أمامك، تزول الإستثارة ولكنك تشعر أنك تعرف تماما ما هي الخطوة التالية التي يجب عليك القيام بها. وقد نجح المؤلف في الوصول إلى هدفه هذا نجاحا كبيرا.
لن أطيل عليكم حتى لا أفسد عليكم متعة قراءة الكتاب ولكنني في النهاية أرجو وآمل وأتمنى أن:
أتمنى أن يقرأ هذا الكتاب كل مواطن عربي أحزنه سقوط بغداد ويخشى أن تسقط عاصمة بلده كما سقطت بغداد
وأتمنى أن يقرأ هذا الكتاب حكام العرب كلهم حتى لا تسقط عواصمهم كما سقطت بغداد
وأتمنى أن يقرأ هذا الكتاب بشكل خاص السيد بشار الأسد والسيد حسني مبارك لآنهما المرشحان الرئيسيان كبطلين للقصة التالية (إن لم يكن لديهما الوقت فليقرءا الصفحة رقم 300 فقط على الأقل ليعرفا كيف سيتم السقوط المقبل)
وأتمنى أن يقرأ هذا الكتاب أهل دمشق وأهل القاهرة فالتشابه بين العواصم الثلاث وما يخطَط للعواصم الثلاث أكثر من لافت للنظر
وأتمنى أن يقرأ هذا الكتاب كل من ساهم في إحضار الأمريكان إلى العراق ليعرف لماذا يكرهه كل العراقيين وكل البغداديين وكل العرب و كل إنسان شريف
وأتمنى أن يقرأ هذا الكتاب علماء الأمة الرسميون وغير الرسميين ليعرفوا أن وقوفهم إلى جانب الحاكم الظالم أو سكوتهم عن الحاكم الظالم بحجة درء الفتنة هو الفتنة بعينها وهي فتنة لا تبقي ولا تذر قد تلقي بهم إلى حيث لا يتمنون
وأتمنى أن يقرأ هذا الكتاب كل مواطن عربي يعتقد أنه ليس مسؤولا عما يحصل في بلده الآن وأنه عليه فقط أن ينتظر حتى يقوم الآخرون بالتغيير بدلا عنه وأنه لا حاجة لمشاركته في عملية التغيير ليعرف مدى الجريمة التي يرتكبها بحق وطنه وأمته ونفسه وأولاده وأسرته
ختاما.................أتمنى أن يكبر أولادنا وأن يقرأوا هذا الكتاب قبل أن تسقط بقية عواصمنا.
ملاحظة لمن أحب: الكتاب من نشر مؤسسة الرسالة ناشرون