عبيد الله والهر على ذمّة التحقيق

قراءة في المجموعة القصصيّة:

عبيد الله والهر على ذمّة التحقيق

وقصص أخرى

تأليف: محمد علي شاهين

عرض: ندى شاهين

اثنتا عشرة قصّة قصيرة في مجموعة أنيقة تتقدمها القصّة المعنونة باسم المجموعة (عبيد الله والهر على ذمّة التحقيق) يضيفها الكاتب محمد علي شاهين إلى رصيده الأدبي بعد روايتيه المنشورتين (جريمة في شارع الملكة نازلي) و(اغتيال الحلم الجميل)  .  

القاسم المشترك بين هذه القصص هو الوصول إلى أغوار الإنسان المقهور الباحث عن الحقيقة والحريّة والمثل العليا، وفضح القوى الغبيّة التي تمارس القمع والقهر باسم الوطن، ورسم صورة المرتزق الذي يمارس التعذيب والقتل نيابة عن أنظمة الاحتلال والتسلّط، ونهاية الرجل الغامض المريب في مجتمع البسطاء، والكشف عن جانب من الممارسات التي تلجئ الإنسان المسالم الضعيف إلى العنف، وبيان عقم أسلوب ممارسة إرهاب الصغار على مقاعد الدرس بغضّ النظر عن النتائج التي يجنيها المعلّم .  

قد يستغرب القارئ تلك العلاقة الحميمة بين سجين أمضى زهرة شبابه على ذمّة التحقيق، وبين حيوان أعجم رافق الفتى عبيد الله في رحلة العذاب من القمع إلى الحريّة .

لكنّه عندما يكتشف مدى الظلم والقهر لرجل أمضى شطراً كبيراً من حياته مضطهداً سجيناً دون محاكمة، لا يستغرب أن يرق قلب الحيوان الأعجم لحاله ويقف معه في محنته، وقد تناساه أقرب الناس إليه خشية القمع الذي أصاب المدينة . 

أما منهج الكاتب في التأليف ومذهبه الأدبي فيما تناوله من سرد قصصي في هذه المجموعة فقد بيّنه في قوله:  شدّة اعتزازي بحضارة أمّتي وفنونها القلميّة، وخروجي من دوّامة المذاهب الأدبيّة التقليديّة، وانعتاقي من النظريّات الأدبيّة المستوردة، وإرسالي النفس على سجيّتها أعادني إلى المنابع الأصيلة بكل ما فيها من بساطة وجمال، ودفعني لولوج هذا الميدان، فكتبت على فترات متباعدة عدداً كبيراً من القصص القصيرة إلى جانب ما أكتبه من أبحاث ودراسات، اخترت منها هذه المجموعة المؤثّرة والممتعة بآن واحد، فجاءت  متميّزة بأسلوبها الهادئ الأنيق، وعباراتها الجزلة، وصورها الدقيقة المشرقة، وطريقة عرضها .

وأضاف الكاتب قائلاً: سيكتشف القارئ  اللبيب وهو يقلّب هذه الأوراق أن هذه المجموعة القصصيّة خلاصة تجارب ذاتيّة، وذكريات خاصّة، ومخزون شعبي ووجداني ينبثق عن تصوّر واضح وشامل، وسيدرك أهميّة استخدام الفنون الأدبيّة وفي مقدمتها القصّة القصيرة كأداة جذّابة للتعبير عن المضامين الفكريّة والأخلاقيّة والوطنيّة، بطريقة راقية بعيدة عن الإثارة الرخيصة والشحن العاطفي . 

سيشعر قارئ المجموعة بتعاطف خفي مع قضيّة كل بطل من أبطال قصصه، وبشوق كبير لمعرفة تفاصيل كل حدث من أحداثها، وهي رغم بساطة أسلوبها نموذج أدبي يحتذى، لأنّ الكاتب أدرك أنّ تحقيق الغاية المرجوّة لكل عمل أدبي لا تتمّ إلاّ ّ عندما  تعود للكتاب جاذبيّته وألقه كمصدر هام من مصادر المعرفة، ويساهم في الارتقاء بالذوق العام، وتعود إلى الذات الحرّة أصالتها وإنسانيّتها .