تقويم نظرية الحداثة
تقويم نظرية الحداثة
وموقف الأدب الإسلامي منها
|
تأليف: د.عدنان رضا النحوي |
إذا كنَّا نأخذ على " الحداثة " من خلال تقويمنا لها مآخذ شتى عرضنا بعض نماذجها في هذا الكتاب . وإذا كانت " الحداثة " في صورتها الأخيرة انطلقت من فتنة الحضارة الغربية وفسادها . مزوّدة بخبرة آلاف السنين الماضية وتجارب المجرمين السابقين في الأرض . فإننا في الوقت نفسه نعترف بأن من أهم أسباب امتدادها في الأرض ، وفي عدد من ديار المسلمين أو فيها كلها . هو هوان المسلمين أنفسهم وانحرافهم عن نهج الإيمان والتوحيد وعدم ارتفاعهم إلى مستوى رسالة الإسلام ليقدّموا لأنفسهم ، ولأمتهم وللعالم كله ، الصورة المشرقة والحلول العلمية التطبيقية لمشكلات الإنسان اليوم .
إنها مسؤولية الأمة المسلمة أن تقدم للعالم اليوم الصورة التطبيقية لنمو حياة الإنسان في الأرض ، وللمعاني الصادقة للحريّة والعدالة على أساس من منهاج الله والواقع البشري ومشكلاته . ومن مسؤوليات الأمة المسلمة أن تقدّم للعالم النظرية والتطبيق لأدب الإسلام المتميّز . الأدب الذي ينبع من منهاج الله ـ قرآناً وسنة ولغة عربية ـ والذي يُلبّي حاجات واقع الإنسان . إنه الأدب الذي يحمل رسالة الإيمان والتوحيد إلى الناس جميعاً ، والذي يخوض بذلك ميادين الحياة كلها على طهارة وقوة وخير ، والذي تمتدّ ميادينه الواسعة من الحياة الدنيا إلى الآخرة . ويطوف أجواء الكون خاشعاً لله عابداً له ، في جلال الخشوع ، وجمال الكلمة والتعبير والصورة والمعنى والحركة والحياة . إنه أدب الإسلام .
أعرض في هذه الدراسة أولاً قضية الحداثة بين المصطلح والدلالة ، لكثرة ما دخل ذلك من غموض وتناقض واضطراب . وأعرض بعد ذلك نظرة حول جذور الحداثة في تاريخ الإنسان للاختلاف الواسع بين الباحثين حول بدايتها . وأعرض من خلال ذلك وجهة نظر في هذه القضية بعد ردّها إلى منهاج الله ، لنرى منذ البداية كيف ينظر الإسلام إلى قضية النمو والتطور والسعي إلى الجديد، وكيف تتحدد معالم النهج للأدب الإسلامي في هذا الصدد . وفي الوقت نفسه يسوق لنا البحث بين هذه القضايا معالم رئيسة في الفكر الحداثي ونهجه وأدبه .
ثمّ أتناول أهم القضايا الأخرى للدراسة والمقارنة وتحديد الموقف . وأول هذه القضايا التي تفرض نفسها هي النظرة للكون والحياة والإنسان . وينتج من هذه القضية مباشرة قضية أخرى مرتبطة بها ، أخذت مساحة واسعة في الفكر الإنساني ومذاهبه ، ألا وهي مصادر المعرفة للإنسان، وهاتان القضيتان الرئيستان في الفكر والأدب تطرحان قضية ثالثة هي الموقف من الماضي والتراث والأسطورة .
ولقد كانت " اللغة " من أخطر القضايا التي تناولتها الحداثة في مذاهبها المختلفة ، فكان لا بدّ من عرض موقف الحداثة وموقف الإسلام والأدب الإسلامي من هذه القضية الواسعة المتشعبة . وكان لا بدّ أيضاً أن نشير إلى أهم المذاهب والحركات الحداثية . ولنقدم نماذج سريعة من النقد البنيوي ، ولمحة سريعة عن الشعر ونظرية " الشاعرية " في الحداثة ، ثم نسوق كذلك نماذج سريعة من نصوص الأدب الحداثي ، ونعرض مقابلها نصوصاً سريعة من الأدب الإسلامي ندرك أن هذه النصوص قد لا تكون كافية لاستعراض مساحة الأدب هنا وهناك. فهذه مهمة متعذرة في هذا البحث الموجز . ولكنها لمحات وإشارات يناسب القضايا المطروحة .
ومن القضايا المعروضة في هذا البحث ، الجمال الفني وولادة النص الأدبي وانطلاقته ولقد عرضنا في سياق البحث كله بعض النظرات حول هذه القضية على ضوء ما تناولته المذاهب الفكرية والأدبية . أما في الباب الأخير فإننا نجمع موجز النظرة الجمالية في تاريخ الإنسان بإشارات سريعة لتكون تمهيداً لما نقدمه من رأي حول عناصر الجمال الفني ، والحوافز المولدة للنبضة الفنية التي تولد النص الفني وتطلقه وتدفعه ، على ضوء ما نفهمه من طبيعة الإنسان والحياة كما يعرضها منهاج الله قرآناً وسنة ، وعلى ضوء الدراسات الأدبية ، على ضوء المعاناة والتجربة الفنية الخاصة ، لأقدم بعد ذلك تعريفاً خاصاً بالأدب الإسلامي ، ولأشير إلى أهمية ما يلقاه الأدب الإسلامي من تحديات في واقعنا اليوم .