علي أحمد باكثير حياته وشعره الوطني والإسلامي
علي أحمد باكثير
حياته وشعره الوطني والإسلامي
علي أحمد باكثير
|
تأليف: د.أحمد عبد الله السومحي |
**الحق ـ أبداً ـ لا يضام طويلاً، والشمس ـ مهما تكاثفت السحب حولها ـ فإنها لن تخفي شروقها عن الدنيا يوماً، وهكذا حال أفذاذ الرجال، الذين طمست أعمالهم، وحوربوا في أرزاقهم وأنفسهم، وجهر لهم بقول الجحود والنكران في حياتهم، مما حال بينهم وبين نيل حقهم من التقدير في دنياهم، فلاذوا بصبر عظيم، تشرف به أعمالهم من بعدهم؛ لتزرع في حياة الناس حدائق وزهوراً، وتنشر بينهم هدايا ونوراً.
**وعليه فإن كتاب " علي أحمد باكثير حياته وشعره الوطني والإسلامي " الصادر عن النادي الأدبي والثقافي بجدة ـ للأستاذ الدكتور أحمد عبد الله السومحي يأتي بمثابة ثمرة جديدة من ثمار الوفاء لهذا الأديب الجليل ويأتي ليعيد التذكير برائد من رواد الأدب الإسلامي، عاش مهضوم الحق في زمانه، غريباً في عصره، فلم يتح للروح الإسلامية، التي ترقرقت في أعماله، أن تنعكس ـ بوضوح ـ في دنيا جاهلية.
واليوم ونحن نستشرف وعياً إسلامياً جديداً، نستطيع ـ في ضوئه ـ أن نرفع راية للأدب الإسلامي، عاش باكثير (1905م ـ 1969م) طوال حياته مصراً على رفعها ، على الرغم من محاولات قطع يده، وكسر قلمه، وعلى الرغم من أن معظم أدباء جيله تنكروا لهذه الراية، وخذلوه وتركوه وحده، غير أنه عض عليها بالنواجذ ، ووقف في وجه العاصفة، ولم يركبها، حتى سقط شهيداً، وهو يرددها مجلجلة: واإسلاماه.
وصدور كتاب الدكتور السومحي ـ اليوم ـ عن حياة باكثير وشعره الإسلامي ـ يعد دعوة مجددة، للالتفات نحو تراث "باكثير"الإسلامي الغزير،إعادة طبعه،وطبع ما لم ينشر منه، ثم تناوله بالدراسات والأبحاث؛ لإجلاء تصوره الإسلامي العميق، ووضعه في مكانه اللائق، واحداً من أنضج أدباء العرب المسلمين، في القرن العشرين، ولريادته الفذة في تلوين الأدب العربي المعاصر بلون إسلامي، وبخاصة في أخطر الفنون جميعاً، وهو " الفن المسرحي " الذي يعد فيه " باكثير" الرائد الإسلامي بلا منازع.
وكتاب الأستاذ السومحي يغطي رقعة هامة وكبيرة من حياة "باكثير" وتراثه الشعري، وذلك لأن حياة "باكثير" مازالت مجهولة في معظم مراحلها: وهذا لأن الشاعر لم يكن يميل للكتابة والحديث عن نفسه.
أما شعره ـ على غزارته ـ فإنه لم ينشر في دواوين في حياة الشاعر وإن كان قد عزم ـ في آخر أيامه ـ على نشره ـ لكن المنية حالت دون ذلك.
إذن فالجوهرتان اللتان يقدمهما لنا الدكتور السومحي، في هذا الكتاب، لم يقدمهما أحد قبله.
ففي الباب الأول نلتقي بالعناوين التالية: حياة الشاعر، نسبه وأسرته، الشاعر تائهاً، حياة الشاعر في
مصر، ثقافته ومؤلفاته، وتكون هذه العناوين رحلة ممتعة في حياة "باكثير" الطويلة الحافلة بالصراع والصبر والجهاد، منذ كان صبياً صغيراً، ثم شاباً يافعاً، في " حضرموت " إلى أن غدا فكراً ناضجاً في القاهرة ـ مروراً بترحله الشهير في العديد من بلدان العالم الإسلامي: عدن، شمال اليمن، الحبشة، الصومال، الحجاز، جاوة، وسنغافورة.
ثم يكشف المؤلف أسراراً جديدة عن معاناة "باكثير" الشخصية، بعد وفاة زوجه الأولى، في "حضرموت " والأثر الذي تركه في نفسه، وكيف انعكس هذا كله على حياة الشاعر، وأدبه، في مصر.
·ثم يعالج الباب الثاني القضايا التالية: حضرموت في شعر باكثير، مصر في شعر باكثير، أحداث العروبة وقضايا في شعر باكثير.
وفي هذا الباب تعرض، لرأي "باكثير" أو تصوره الإسلامي لقضية مثارة ـ اليوم ـ على الساحة الإسلامية؛ وهي قضية القومية العربية والإسلام، أو العروبة والإسلام، وموقفه الصريح يقول:
إن العداء للعروبة باسم الإسلام جهل بروح الإسلام،وخدمة للشعوبية، والعداء للإسلام باسم العروبة والقومية يعتبر ردة جاهلية؛ فقد أعز الله العرب بالإسلام."
وموضع الفخر بالعروبة والإسلام ـ عنده ـ من حيث إن العروبة دم ونسب، والإسلام عقيدة سمحة، ومنهاج حياة، يتمثل بقوله:
هل نستعيد قوى بها فتحت آباؤنا الشم الدنى فتحاً ونثور متخذين عدتنا (دمنا الصريح) و(ديننا السمحا)؟
(ذخران) لو في غيرنا اجتمعا بلغ السماء وصافح النطحا!!
** ثم يكون الباب الثالث ـ وهو أهم الأبواب في نظري ـ بعنوان " الإسلام في شعر باكثير" تحت العناوين التالية: قوة العقيدة وصدق الإيمان، الرسول والرسالة، الإسلام والمسلمون.
ففي هذا الفصل ـ يبدع المؤلف في الحديث عن صلابة العقيدة وعمق الإيمان ـ عند "باكثير" برسالة الإسلام، وتوحيد الشاعر بالله ، الذي يتردد في قصائده؛ كقوله:
دعـونـي أذهـب إلى أشـكو إليك إلهي ما منيت به | خالقيدعـونـي أذهـب إلى من الخطوب ولا أشكو إلى أحد | سيدي
وينتهي المؤلف ـ في هذا الباب ـ إلى أن "باكثير" كان عامر القلب بالإيمان، متيقناً بوجود الله،وبرسالة نبيه ـ طوال حياته ـ لم يداخله في ذلك شك، ولم تنتبه مرحلة ريبة، لذلك كان شعره يعكس روح المؤمن الصادق الخاشع، ذي اليقين الوطيد.
وبالتالي يرى المؤلف أن شاعرنا لم يتعرض ـ مطلقاً ـ لمناقشة وجود الله ، ولم يحاول أن يمس العقيدة ولم يعترض على قدر من قضاء الله.
وقد تناول د.السومحي هذا بالدراسة والتحليل من خلال "مطولتي باكثير الإسلاميتي" ذكرى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ "وإما نكون أو لا نكون."
وقد كانت هذه الروحانية الصافية تترقرق في حياة "باكثير" الشخصية، وتنعكس على شعره، الذي يوظف لخدمة عقيدة الشاعر ؛ وهي رسالته الإسلامية في أدب أمته ، التي كانت عبارة عن
صرخات إيمانية تدعو المسلمين للنهوض من نومهم، كقوله:
يـا زعـيـم الإسلام في يـا أمـة الـمصطفى قوموا لدينكم أقسمت باسمك يا أعلى الورى شرفاً لـقـد غـدت أمـة الإسلام وأهله الله أكـبـر بـان الحق وانكشفت لا يـلـتقي الذل والإسلام في خلد الله ي_ـأم_ـر أن ن_ـك_ـون | أندونيسياعـش زعـيـماً ليحيا شعبك وجـاهـدوا لتكونوا أشرف الملل لـو جـاز تقديس غير الله بالقسم منها القلوب فأضحت (قصعة الأمم) غـشـاوة الجهل وانجابت دياجيها أو يمكن الجمع بين الماء والضرم أجــل أهــل الأرض شـأنـا | شعبا
**وعلى هذا نرى أن ما وقع على "باكثير" من ظلم في حياته يعود؛ لأنه رفع رأسه وصوته وقلبه بالإسلام، وقد كان هذا امتحاناً وابتلاءً له من ربه، ويصدق على حاله قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إذا أحب الله عبداً ابتلاه " أو قوله ـ عليه السلام: (أشدكم بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل ".
·
وفي الأخير ـ يبقى أن نشير إلى أن د. السومحي قد فاز بتقديم جهد كبير في كتابه، ليس من المتيسر لغيره من الباحثين ذلك؛ لأن التحقيق في حياة "باكثير" وشعره قاده للالتقاء بالكثير من أصدقاء الشاعر وأسرته، وللبحث في ثنايا المكتبات وبطون الصحف القديمة عن شعره.ثم إنه قد حاز فرصة ذهبية ينفرد بنتاجها هذا الكتاب؛ وهي أنه قد أتيح له دخول مكتبة "باكثير" والاطلاع فيها على شعره المخطوط وتقديم نماذج منه في هذا الكتاب، والالتقاء بزوج الشاعر.
رحم الله " علي أحمد باكثير" وأثاب الله د. أحمد السومحي على غرسه هذه الشمعة المضيئة، في درب الأدب الإسلامي، الذي لا يزال بحاجة، للمزيد من الشموع؛ لتكشف عن مكنون جواهره، وتستظهر ملامح أفذاذ رجاله الأخيار، و" الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور".