فقه الإدارة الإيمانية في الدعوة الإسلامية

د.عدنان رضا النحوي

فقه الإدارة الإيمانية

في الدعوة الإسلامية

تأليف: د.عدنان رضا النحوي

الإدارة الإيمانية ضرورة في ميدان الدعوة الإسلامية في مرحلة العمل والتنفيذ .وهي تقوم على النهج والتخطيط اللذين ينبعان من قواعد الإيمان والتوحيد ومنهاج الله ووعي الواقع من خلالهما . وهي تقوم على الشورى وعلى سلامة الموازنة .

والإدارة الإيمانية في الإسلام لها فقهها ونظريتها . ولها نهجها ووسائلها وأساليبها وأهدافها المتميّزة مما لدى الإدارة في المذاهب العلمانية .

إن فقه الإدارة ونظريتها يمثل نموذجاً لامتداد الفقه في الإسلام بين المنهاج الرباني والواقع . وهو فقه يحمل كلّ مسلم مكلّف مسؤوليته التي سيحاسَب عليها في جميع ميادين الممارسة كلٌّ حسب وسعه ومسؤوليته .

إن الإدارة الإيمانية تحفظ الوقت الثمين للمسلمين . ليُنتجوا أحسن إنتاج في هذه الحياة الدنيا وأصلحه وأقواه وأغناه . ولتجمع الجهود والعزائم حتى لا تتبعثر وتتناثر . ولذلك كانت الإدارة الإيمانية عنصراً من عناصر التنفيذ في النظرية العامة للدعوة الإسلامية . إنها تحتاج إلى الطاقة البشرية المؤمنة ذات الكفاءة ، الطاقة البشرية المدرّبة ، لتضع مبادئ العدل والحق والبرِّ موضع التطبيق الأمين.

وإنا لنلمس دقة الإدارة الإيمانية وامتداد فقهها في حياة المسلم اليومية ، حين نظم الإسلام له وقته خير تنظيم. ونلمس ذلك في الشعائر وفي جميع ميادين الممارسة الإيمانية التي يفتحها الإسلام للمؤمنين في هذه الحياة الدنيا.

ولكن الإدارة الإيمانية تحتاج إلى طاقات مدرّبة . فلا بدّ من أن يبتدئ التدريب على حسن الإدارة في البيت مع عهد الطفولة ، ثم يمتد التدريب في المساجد والمعاهد وسائر مؤسسات الأمة المسلمة .

وتنمو الإدارة الإيمانية مع الممارسة والتطبيق ، كما ينمو سائر الجهد البشري يهديه الإيمان والتوحيد ونموّ العلم بمنهاج الله والواقع ، فتنمو روابط المؤمنين وتتوثّق عُراها وتزداد شدة وقوة .

إننا نعرض في هذا الكتاب والذي يقع في (380) صفحة : النظرية العامة للإدارة في الإسلام ولفقهها ، ونضع بصورة موجزة أهم العوامل والأسس التي تقوم عليها الإدارة الإيمانية وفقهها . ونعرض كذلك بعض التفصيلات الضرورية في ميدان الدعوة الإسلامية وإدارتها وفقهها . وتبقى مسؤولية كلّ ميدان أن ينمو بهذه التفصيلات من خلال الممارسة الإيمانية بكامل خصائصها ، ومن خلال النصيحة والتعاون ، والشورى وسداد الرأي ، ومن خلال التقويم الدوري المنهجي، لا من خلال الفتن والصراع وتنافس الدنيا ، وضجيج الشعارات وضياع الأهداف واختلاط السبل واضطراب الرؤية .

ومن خلال الكتب التي سبق إصدارها عن البناء والتدريب ، أوصينا بما نسميه المنهاج الفردي ، والخطة اليومية ، والخطة الأسبوعية ، والخطة السنوية ، ومنهج لقاء المؤمنين ، لتوفر هذه كلها ، ووسائل أخرى غيرها ، أدوات تُعين على تنظيم الوقت وإدارته وتقديره وتدبيره . كما وضعنا نظرية التدريب في الدعوة الإسلامية ، لتترابط قضايا التدريب كلها من خلال تصور عام شامل ، قابل للنمو والتطور ، مع نمو الواقع وتجدد الإمكانات والأساليب .

إننا نهدف من خلال منهج التربية ونظريته ، ومنهج التدريب ونظريته إلى أن يصبح النهج والتخطيط ، والإدارة والنظام ، جزءً من عقليّة المسلم وفكره ، وسلوكه ونهجه ، وليبتعد عن الارتجال وردود الفعل .

إننا نعرض هنا أهم القواعد والأسس التي تقوم عليها النظرية الإدارية الإيمانية . ومن أهم هذه القواعد قضية الشورى وممارستها في الواقع . ونعرض هنا موضوعات مقتبسة من كتاب " الشورى وممارستها الإيمانية " لتكون جزءً مباشراً من النظرية التي نعرضها لفقه الإدارة الإيمانية .

إننا نقدّم في فصول وأبواب هذا الكتاب ما نعتقد أنه يوضح نظرية الإدارة الإيمانية وفقهها ، وأسسها والعوامل المؤثرة فيها، فنقدم أولاً موجزاً لما فصلناه في كتاب " الفقه امتداده وشموله بين المنهاج الرباني والواقع " .

ثم نقدم بعد ذلك في الباب الثاني : " الإدارة الإيمانية : خصائصها والعوامل المؤثرة فيها " ثم الإدارة الإيمانية والشورى ، ثم تتوالى الأبواب والفصول لتعرض مختلف قضايا الإدارة الإيمانية وفقهها في الدعوة الإسلامية بخاصة .

إن القضايا التي يعالجها هذا البحث يتعلّق معظمها من حيث الأساس بالدعوة الإسلامية ، ولكنها يمكن أن تمتدّ نظريتها إلى سائر ميادين الحياة الإسلامية.