مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي
د. موسى الإبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في كتاب
مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي
للأستاذ: محمد السماك
بين يدي القراءة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
في تلك قراءة في كتاب "مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي" للأستاذ محمد السماك والكتاب يرصد مسيرة الحوار الإسلامي المسيحي ابتداءاً من منطلقاته الأولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم مسارات ذلك الحوار التاريخية وإلى يومنا هذا، وقراءة هذا الكتاب تفتح الآفاق لدى المفكرين والمهتمين بهذا اللون من الحوار الحضاري ليهتدوا بها ويستفيدوا منها وليكملوا الصورة الحقيقية للعلاقات الحضارية في العصر الحديث من خلال رؤية واقعية واعية مستقلة ومتجددة، فالفكرة الصحيحة هي الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح والنهوض الحضاري فإلى تلك القراءة مستعينين بالله تعالى وحده.
أولاً: المنطلقات الأولى للحوار الإسلامي المسيحي
1- وفد نصارى نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – الذي لم يسفر عن إسلامهم- واستمر الحوار معهم 25 يوماً وقد حصل النصارى على عهد من رسول الله للنصارى في 3/1/2هـ- ينظمه طبيعة العلاقة بينهم وبين المسلمين.
2- في العهد العباسي جرى حوار بين الخليفة المهدي والبطريرك تيموثي الأول.
3- في العهد الأيوبي حصل حوار بين الملك الكامل والقديس فرنسيس في دمياط بمصر عام 1219.
4- المجمع الفاتيكاني الثاني 21/11/1964 -28/10/1995 يشكل المحطة الأبرز في تاريخ الحوار الإسلامي المسيحي.
5- في كانون الثاني 1964 وجه البابا رسالة تحية أخوية للمسلمين أثناء زيارته للقدس.
ثانياً: الحوار في القرآن الكريم
في القرآن الكريم أنواع من الحوار أهمها:
1- حوار الله مع الشيطان
2- حوار الله مع الأنبياء
3-حوار الله مع عباده
4- حوار الأنبياء مع الناس
5- حوار الناس مع الناس.
6- إحصائيات
- وردت كلمة قال ومشتقاتها في القرآن الكريم 1713 مرة (549 قال- 355 قالوا)
- وردت كلمة جادل ومشتقاتها 29 مرة
- وردت كلمة فكر ومشتقاتها 18 مرة.
- وردت كلمة فقه ومشتقاتها 18مرة.
- وردت كلمة حاجَ ومشتقاتها 13 مرة.
- وردت كلمة حوار ومشتقاتها 3 مرات
ثالثاً: أهداف الحوار وآليته
1- الحوار يتطلب وجود تباينات في الفكر والاجتهاد... وهو طبيعة التنوع الإنساني وهو من آيات الله.
2- الحوار ضرورة لا بد منا.. وأرضية الحوار اكتشاف الإنسان كما هو وكما يأمل أن يكون.
3- للحوار أهداف مختلفة:
أ- تنفيس أزمة
2- لاستباق وقوع أزمة
3- لحل أزمة أو احتوائها.
4- آلية الحوار ضرورة –على ماذا نتحاور؟ -لماذا نتحاور؟
رابعاً: أسباب فشل الحوار الإسلامي المسيحي:
1- كان الحوار مبادرات غربية تقفز فوق المسيحية العربية استبعاداً للقيم الثقافية الإسلامية التي تشكل ركناً من أركان الشخصية المسيحية العربية.
2- اللاتكافئ الحواري بحيث كان المحاور المسيحي في موضع الهجوم والمسلم المسلم في موضع الدفاع.
3- توظيف الحوار لخدمة الإستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط والتسوية السلمية بين العرب وإسرائيل.. لذلك تطرح موضوعات دور الدين في السلام.
4- توظيف الحوار لأهداف غير معلنة منها محاولة الغرب استيعاب واحتواء وتوجيه المسلمين ومحالة المسلمين إثبات حسن النية تجاه الغرب ..
5- شعور المحاور المسلم بالحرج والخيانة لإخوانه المسلمين في البلاد الفقيرة التي يعمل التبشير كل وسعه لصدهم عن الإسلام..
6- المسيحية العربية غير الغربية؟! العربية ترتبط بالإسلام ارتباطاُ قومياً وعضوياً..
بدليل الكفاح المشترك ضد الحملات الصليبية والاستعمار الغربي والحملات التبشيرية
خامساً: الحوار الإسلامي مع الغرب في القرن العشرين
البداية بعد الحرب الأولى عندما حاولت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا استقطاب المسلمين..
وبعد الحرب الثانية.. انفتح الغرب على العالم الإسلامي لأمرين:
الأول: امتصاص النقمة على الغرب لتخليه وخيانته لوعوده لشريف مكة.
الثاني: ربط الإسلام بالعداء الغربي للشيوعية
* أما الانفتاح الغربي على العالم الإسلامي بعد نهاية الحرب الباردة فله أهداف منها:
1- استيعاب الإسلام في النظام العالمي الجديد.
2- استغلال وتثمير التماس الجديد بين الإسلام والغرب في الدول المستقلة عن روسيا.
3- احتواء الصحوة الإسلامية.. ووصمها بالأصولية والإرهاب
سادساً: منطلقات الحوار من منظور العقيدة الإسلامية:
1- أن يكون هدف الحوار عبادة الله وحده وعدم الإشراك به..قال تعالى: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله.
2- بعد الإيمان الإبراهيمي.. القرآن يعتبر النصارى أقرب مودة للذين آمنوا..
3- وثيقة المدينة قامت إلى أساس نشر الدعوة واحتضان الخلاف..
- وتعني أن الإسلام لا يضيق ذرعاً بتنوع الانتماء العقدي.
وعليه فالحوار هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الوفاق والتفاهم.
(أقول وإذا لم ينجح الحوار أو حصل غدر بنتائجه فما العمل؟ إن حياة النبي وصحبه هي الحوار العملي وآخر الدواءالكي).
سابعاً: الحوار مع الآخر
1- الحوار يجري مع الآخر.. ولا يتحقق ذلك دون أن تتسع الأنالة.
2- الآخر فرد أو جماعة وهو مؤمن أو كتابي أو كافر.
3- الحق واحد ولكن: يقول أبو الوليد الباجي في كتاب إحكام الفصول في أحكام الأصول في الأساس الحق واحد ولكننا لم نكلف إصابته وإنما كلفنا الاجتهاد في طلبه فمن لم يجتهد في طلبه فقد أثم ومن اجتهد فأصابه فقد أجر أجرين: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة للحق ومن اجتهد فأخطأ فقد أجر أجراً واحداً لاجتهاده ولم يأثم لخطئه.
4- يقرر الإسلام الاختلاف كحقيقة إنسانية طبيعية ويتعامل معها على هذا الأساس..
5- الركيزة الأولى للحوار: القبول بالتعدد والاختلاف معاً.
6- يقول جارودي: إن الغربيين يعتقدون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة وأن من واجبهم أن يفرضوها على الآخرين بحجة أن هؤلاء غير متحضرين وجاهلين وهذا ما لم يتوقف عنه الغرب منذ خمسة قرون متواصلة.
7- من مقومات الحضارة الإسلامية احترام الآخر والانفتاح عليه والتكامل معه..
8- إن الحوار ليس إقناع الآخر بأن يكف عن أن يكون نفسه..
ثامناً: العلاقات الإسلامية المسيحية
ملاحظة هنا (كلام فيه غموض وغمز.. ودفاع عن المسيحية أكثر من أهلها)
* تجارب التعايش الإسلامي المسيحي وله تجربتان:
الأولى: في إسبانيا بين مسلمين عرب ومسيحيين غير غرب، وتميزت بما يلي:
أ- سيطرة المسلمين من 712 -1492م.. وغلب عليها التسامح
ب- سيطرة المسيحيين من 1492 -1609م وفيها محاكم التفتيش وأهوالها رفظائها المعروفة.
الثانية: مسلمون غير عرب ومسيحيون عرب – الدولة العثمانية.. وقد أعطت كل جماعة حقوقها
تاسعاً: بعد 900 عام من الصراع
- 1095 بداية الحروب الصليبية بإعلان من البابا (أوربان الثاني) الفرنسي واستمرت حتى 1291م سقط فيها مئات الآلاف.
عام 1917م عندما وصل الجنرال البريطاني اللنبي مدينة القدس أعلن بتبجج الآن انتهت الحروب الصليبية
* عام 1920 عندما دخل الجنرال الفرنسي غورو مدينة دمشق بعد معركة ميسلون رفس قبر صلاح الدين الأيوبي وقال ها قد عدنا يا صلاح الدين.
عاشراً: محاولات لتصحيح التاريخ
* يشهد العالم اليوم محاولات لتصحيح التاريخ منها:
- اليابان اعتذرت علناً للصين.. وأعلنت الاستعداد للتعويض.
- اليابان اعتذرت للفلبين وكوريا.. بسبب استخدام نسائها للترفيه عن الجيش الياباني.
- الولايات المتحدة اعتذرت لمواطنيها.. اليابانيين.
- روسيا اعتذرت لليابان لقتلها الأسرى في الحرب الثانية..
- ألمانيا اعتذرت للعالم عن الجرائم النازية وخاصة اليهود.
- الفاتكان اعتذر قبل ثلاثين عاماً من اليهود بسبب إدانتهم بجريمة صلب المسيح وهو حكم كنسي صدر عام 1581.
- والعالم الإسلامي وحده استثني من هذه التصحيحات.
بل إن ما يجري اليوم يقدم مؤشرات إضافية إلى استمرار عملية الاستعداء وكأن الحرب الصليبية لم نتنه.
- في فرنسا يعقد لقاء موسع يوم 26 ديسمبر من كل عام في الباحة نفسها من دير بلدة كليرمونت جنوب فرنسا يعاد فيها إلقاء خطبة البابا (أوربان الثاني) التي ألقاها قبل أكثر من 900 عام (وكانت بداية الحروب الصليبية)
* لقد توفرت للفاتيكان في العهد الحالي وفي عهد سابق الجرأة الأدبية ليس فقط لتبرئة اليهود وإدانة النازية بل حتى للاعتذار عن التقصير البابوي في إدانة الجرائم النازية التي ارتكبت بحق اليهود.
* ولكن لماذا لم تتوفر بعد جرأة مماثلة لإدانة الحروب الصليبية التي تواصلت بصيغ مختلفة منذ بيان البابا أوربان الثاني في كانون الأول 1095 وحتى اليوم مروراً بوعد بلفور ومخطط سايس بيكو 1916
* في حزيران عام 1994 انتهت مهمة الجنرال جون كلفان القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي وفي احتفال تكريمي له في بروكسل ألقى كلمة تحدث فيها عن الآفاق المستقبلية للحلف وجاء فيها لقد ربحنا الحرب الباردة وها نحن نعود بعد سبعين عاماً من الصراعات الضالة إلى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة إنه صراع المجابهة الكبيرة مع الإسلام ص112
حادي عشر: تاريخ الصراع بين الإسلام والغرب
- الخطوة الأولى في التباعد بين الإسلام والغرب بدأت بموقف كل منهما من الفلسفة اليونانية، رفضها المسلمون وتسلل بعضها في اللاهوت المسيحي أدى ذلك إلى التباعد في الأسس التنظيمية لكل من المجتمعين وإلى التباعد في الأولويات الأخلاقية.
وإلى ألف عام من الصراع بين الإٍسلام والغرب وترك آثاراً في الذاكرة التاريخية يصعب أن تمحى.
* ثمة شعور في العالم الإسلامي بأن العلاقات مع الغرب تمر بمرحلة التأسيس لصراع عقائدي حضاري يستهدف إلغاء الآخر والمستهدف هو الإسلام، ويغذي هذا الشعور ثلاثة ينابيع:
1- الذاكرة التاريخية الغربية الحاقدة على الإسلام.. يقول الكاتب البريطاني أرسكين تشيلدر في كتابه (الغرب والإسلام هتك الذاكرة) إن الغرب لم يحاول أبداً فهم الإسلام في أي وقت من الأوقات وأنه ظل دائماً رافضاً ومعادياً له ولذلك بقيت صورة الإسلام مشوهة بصورة مطلقة في الوجدان الأوربي.
2- رد الفعل العنيف الذي تستدرج له بعض الحركات الإسلامية.
3- الإعلام الغربي المستنفر لشحن المجتمعات الغربية بمشاعر العداء.
ثاني عشر: الإسلام والغرب بعد الحرب الباردة
يقف الإسلام والغرب في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أمام مفترق طرق الحضارة الغربية تتصرف من منطلق الغلبة ومن هنا جاءت نظرية فوكوياما باعتبار انتصار الليبرالية بمثابة نهاية للتاريخ.. وحده الإسلام الذي أراده الله رسالة للعالمين والذي يرفض التدجين أو الذوبان أو الاستيعاب.
يصل التباين بين الإسلام والغرب إلى نقطة اللاإلتقاء عندما يعتبر الغرب أن نجاحه وتفوقه هو ثمرة أخذه بالرأسمالية والعلمنة وأن فشل الإسلام وسقوطه (كما يعبر المستشرق أرنست دينان) هو ثمرة التزامه بالدين.
هل يمكن بعد كل هذا أن يتعايش الإسلام والغرب؟
* نعم يمكن هذا شرط أن لا يعمل أي منهما على إلغاء الآخر بالقهر والإذلال لكن في الوقت الذي نلاحظ فيه أن الغرب يعد الدراسات والمخططات والبرامج استعداداً لأي من الاحتمالين (التفاهم والصراع) فإننا لا نجد في العالم الإسلامي أي جهد إبداعي يتعدى حدود الانتظار أو مجرد ردات الفعل العابرة.
ثالث عشر: البعد الإسرائيلي
الحوار الإسلامي المسيحي (لبنان حالة خاصة)
أولاً: الحوار
* ينطلق الحوار من أمر أساسي وجوهري جداً وهو: البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر.
* ميادين الحوار
1- الحياة: ومعناها الاهتمام بالآخر وتفهم خلفياته والاعتراف بتميزاته وبناء عيش معه.
2- العمل ويعني العمل معاً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
3- النقاش: ويعني حوار الأفكار وحتى العقدية ولا يعني ذلك توحيد الأديان وإنما تفاهمها.. والبحث عن المشترك فيما بينها (تعالوا إلى كلمة سواء)
4- التجارب وحتى الدينية لإدراك بأن الآخر يمكن أن يعبد الله بطريقة أخرى.
ثانياً: الإسلام والمسيحية وللحوار بينهما قاعدتان أساسيتان هما:
القاعدة الأولى: دينية
فالدين واحد والشرائع مختلفة لدى سائر الأنبياء
القاعدة الثانية: سياسية
بمعنى أن يجب فك الارتباط بين الصراع الإسلامي الغربي والعلاقات الإسلامية المسيحية، فالمسيحية عامة والعربية خاصة ليست خندقاً أمامياً للمعسكر الغربي.
ولو أن المسيحية العربية وافقت أن تلعب هذا الدور لما وجد الغرب حاجة لزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.
والمسيحيون العرب ليسوا طابوراً خامساً للاستعمار ولو وافقوا على ذلك لما دفعوا ثمن وقوفهم بجانب العرب أيام الحروب الصليبية
ثم إن المسيحية ليست عقيدة مستوردة من الغرب بل إنها مهد تجليات السماء على هذه الأرض.
هناك من يريد إحداث ثغرة في الجبهة العربية من خلال تخريب العلاقات بين الإسلام والصليبية والمسيحية العربية ويجب أن يكون رد الفعل الإسلامي واعياً حتى لا يقع في هذا الفخ.
ولنا في القدس مصالح مشتركة لتعميق التلاقي في مواجهة مخططات التهويد لجميع المقدسات الإسلامية والمسيحية.
ثالثاً: ليس لبنان مجرد عدد زائد في الدول العربية
ولبنان نموذج حضاري يحتذى في أي مجتمع يتألف من التعدديات الدينية والمذهبية.
ولضبط استقراره يحتاج إلى أساسين:
الأول: الحرية في التعبير والممارسة حتى الشعائر الدينية وغيرها..
الثاني: الديمقراطية
رابعاً: ثقافة التعدد والوحدة الوطنية.
إن المسافة بين الخصوصيات والجوامع المشتركة تجسدها ثقافة التعدد وهي ثقافة يشكل الاعتراف بالآخر واحترامه والانفتاح عليه عمودها الفقري.
ومهمة هذه الثقافة هي: هز الثوابت والمعتقدات والتصدي للمسلمات من اليقينيات الخاصة التي تتنافر مع الثوابت ومع المسلمات الوطنية المشتركة.
* إذا كانت خلفية التعدد الثقافي تجسد إرثاً من تراكمات الاستخفاف بالآخر أو الحذر منه أو عدم الثقة به، فإن ثقافة التعدد تجسد على العكس من ذلك حالة انفتاح واحترام وثقة به.
وبعد هذه أهم أفكار هذه الكتاب القيم الذي آمل أن أكون وقفت في عرضها للقراء الكرام، وإلى قراءة أخرى في كتاب آخر إن شاء الله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.