الحوار القومي الإسلامي
الحوار القومي الإسلامي
الكتاب: القوميّون والإسلاميّون من الصّدام إلى الحوار
الكاتب:
محمد
الحوراني
الناشر: دار الميزان ـ دمشق ـ
2003
عرض: سلام مراد
الحوار هو عملية متعددة الأبعاد،
ويوفر
فرصة معرفة الآخر. والتعمق في معرفة
الذات
وذلك عبر الاحتكاك
بالآخر
الذي
يتم
التحاور
معه، كما يتيح الحوار لنا
إدراك
المشترك بين الأنا والآخر، وبذلك
يخلق
جوا من الانسجام والتفاهم؟
الأسباب التي تتطلب الحوار ملحة، فلا يجوز أن
نتفاهم مع البعيد عنا بعداً
جغرافياً وبشرياً، ونتجاهل بعضنا البعض في نفس
الوقت. في هذه الحالة. لا يكون
هناك
تفاهم ونجاح في الحوار مع الآخر ما دام
هناك
جهل للذات، والمجتمعات
والقدرات.
يحق
لنا أن نتساءل ونستفسر، لماذا
تتجه
أوربا المتعددة القوميات والمذاهب إلى
التواصل والوحدة، وبنفس الوقت يسير
العرب
والمسلمون نحو المزيد من الفرقة
والخصام والعزلة.
إذا
كان السبب هو
الفارق الحضاري كما يقال بالنسبة للمجتمعات، فإننا نحيل
أسئلتنا إلى النخب
الفكرية، التي يجب أن تكون مرآة وصورة واعية للمجتمعات
العربية الإسلامية. هذه
المجتمعات التي تجمعها عوامل مشتركة، ومتعطشة إلى
التواصل الإنساني والحضاري
فيما
بينها، فالمخاطر التي تحيط بالعالم الإسلامي
كثيرة، هذا هو العامل الخارجي
المهم
أما العامل الداخلي فبدأ يتحرك ويثير
الأسئلة ولن يكتفي بالمؤتمرات
والمنتديات، يطلب تواصلاً أقوى وأفضل.
لا
أحد ينفي الآخر:
لماذا يصر البعض
على القول بأن الإسلام يرفض الظاهرة القومية؟
أليست الظاهرة القومية حقيقة
اجتماعية أكبر من حقيقة العائلة والعشيرة؟ فكيف
يرفض الإسلام الظاهرة الأكبر
ويقبل الظاهرة الأصغر؟ أليس انتماء الإسلام إلى
قوم يوازي أهمية انتمائه إلى
أسرة؟ ثم كيف يعترف الإسلام بملكية إنسان لمال
وعقار ويراعي ميله النفسي لهذه
الملكية، ولا يعترف بملكية الإنسان لوطن قومي
ولا يراعي ميله النفسي للانتماء
إلى أهل لسانه ولونه في حدود هذا الانتماء
وأبعاده النفسية والاجتماعية
والثقافية.
وإذا كان مرجع الإشكال القائم بين الدينيين والقوميين وعندنا بالذات
بين
الإسلاميين والعروبيين، أن بعض مفكري
القومية تحدّثوا عنها باعتبارها
"عقيدة"
فقالوا "العقيدة القومية" وهنا موطن الخطأ، فالقومية ليست عقيدة لا
بالمعنى
الديني ولا الفلسفي، وإنما هي حقيقة اجتماعية تعبر عن ظاهرة جماعية
لمجموعة من
البشر تربطهم اللغة والثقافة والأرض والمصلحة والشعور والماضي
المشترك
والمستقبل الواحد. ومن حق كل جماعة قومية، وبعد الإقرار بوجودها، أن
تعتنق من
العقائد والفلسفات والنظم ما تراه حقاً ومتلائماً مع روحها وطبيعتها.
ويرى
المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري أن قوميات عدة غيّرت عقائدها من وثنية
إلى
سماوية، ومن رأسمالية إلى اشتراكية، ومن روحية إلى مادية دون أن تفقد صفتها
القومية، وإن تشبعت بروح العقيدة.
ولما كانت العروبة والإسلام مترابطين
ترابطاً وثيقاً. فإن الحوار بين أتباعها
يجب أن يكون حواراً ناجحاً ينهي كل
الخلافات المصطنعة بين أتباع القومية
العربية والإسلام، علماً بأن معظم
القوميين العرب لا ينظرون إلى الإسلام على
أنه عدو لهم كما يعتقد بعض
الإسلاميين، وكما أن القراءة الصحيحة للإسلام تثبت
أنه تبنّى العروبة ودافع
عنها كما أنه لم يفرق بين هذا وذاك وإنما جمع الأعداء
وأنهى كل خلاف
بينهم.
لكل ما ذكر كان الحوار مهماً وسيبقى ملحاً، خاصة بين القوميين
والإسلاميين، وفي
هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي يحمل عنوان القوميون
والإسلاميون من الصدام
إلى الحوار، للكاتب محمد الحوراني. هو دراسة وحوارات مع
شخصيات فكرية من
التيارين يؤمنون بضرورة الحوار القومي الإسلامي.
يرى
الدكتور علي عقلة عرسان أن هناك تحسناً في العلاقة بين القوميين
والإسلاميين في
السنوات الماضية ولهذا التمس أسباب منها:
-المتغيرات
العربية الناشئة عن متغيرات
دولية بالدرجة الأولى، منها انتهاء
الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي
والمنظومة الاشتراكية. فقد أدى هذا
المتغير الهام إلى القوى التي كانت تقاوم
كلاً من العروبة والإسلام، التيار
القومي والتيار الإسلامي، وتشن عليهما حرباً
من الداخل مستقوية بحليفها الذي
كانت تعتمد القوى القومية عليه اعتماداً
مباشراً، سواء أكان ذلك في جانب التسلح
أو في الجانب السياسي، وقد أدى تراجع
هذا التيار وتجفيف مصادر تمويله، وضعف
النبض والتوظيف الإعلاميين الذين كان
يعتمد عليهما ويسخر لأداء ملتزم
بخططهما... أدى ذلك إلى توقف عن اللهاث في
الطريق المرسومة، جعلت البعض يعيد
التفكير ببعض المواقف والقضايا، وبما كان
يراه ثوابت و "مقدسات" وحتميات وحقائق
علمية منطلقة من "عصمويات كان يعتقد أنه
لا يرقى إليها الشك"، وكذلك ببعض ما
كان يقوم به من أداء مبرمج في ساحات مواجهة
مع القومية والدين والعروبة
والإسلام تحديدا .ولقد كان للتوقف النسبي لهذا
النوع من النخر الفتاك في البنى
الروحية والتربوية والإعلامية تأثيره الواضح في
تغيير المناخ المحيط بالقوميين
والإسلاميين معاً.
ولا يقل عن السبب المشار
إليه آنفا ً تحول الإمبريالية الغربية والصهيونية، ولا
سيما الولايات المتحدة
الأمريكية والكيان الصهيوني، إلى مرحلة مواجهة مكشوفة
على أرضية من العداء
المستمر لكل من القومية العربية وأهدافها والنهضة
الإسلامية وتطلعاتها؛ وتحويل
اتجاه الصواريخ نحو مناطق عربية وإسلامية، مع
التصريح الواضح في بداية
التسعينيات من القرن العشرين، بأن العدو الجديد للغرب
ومشروعه المتمثل
بالصهيونية والكيان الصهيوني، هو التشدد القومي والتشدد
الإسلامي، ولذلك
وانطلاقا من تلك النقطة قال معاون وزير الخارجية الأمريكي في
مطلع التسعينيات:
وداعا ً للامة العربية، وداعا ً للقومية العربية " وبدأ رأس
الأفعى الصهيونية
حاييم هرتزوغ" حملة على الأصولية الإسلامية من مدريد بما يقرب
من التزامن مع
الهجمة على العروبة والدعوة القومية وتطلعات أهلها وأهدافهم.
كما أن من أسباب
الحوار بين الاتجاهين هو نضج تجربة كل من التيارين بشكل أفضل،
والشعور
بالمسؤولية عن الوطن والأمة والعقيدة، والمصير في نهاية المطاف،
واستعداد أطراف
حاكمة وأخرى تسعى إلى الحكم إلى تلمس منافذ سليمة، وربما
ديمقراطية- شوروية
للوصول إلى مبدأ تداول السلطة من دون تدفق الدماء، وتراكم
المعاناة البشرية
بأشكال مختلفة.
ولكن هذا الأمر مازال في بداياته، وهو محكوم إلى حد بعيد بما
تراكم من ماضي
العلاقة بين الطرفين، فكل يخشى وصول الآخر إلى السلطة كما يخشى
بقاءه فيها..
وتلك عقدة لا أظن أن حلها قريب، كما أن تداول السلطة في أقطار
عربية وإسلامية
لا يكون بعيداً عن المباركة الأجنبية أو بعيداً عن تدبيرها..
وتلك جهات كما
نعرف لها حساباتها، ومصالحها، واستراتيجيتها، وعداؤها المستمر
للعروبة والإسلام
معاً! ولكن هل ترى هنالك من يبصر بقلبه ليرى أن الأمة تدفع
الثمن، وأن الحاكم
والمحكوم ضحية على نحو ما، أو أن الحاكم هو أداة عدو الأمتين
وسلاحه الذي يغمده
في الأعماق القومية والإسلامية معاً؟.
من جانب آخر يستنتج
د.رضوان السيد أن الوحدة العربية، مطلب مشترك بين القوميين
والإسلاميين. لكن
الفريقين يذهبان إلى أن الظروف ليست مهيأة لها، بل هناك ضرورة
للتضامن القوي
والفعال على مستوى مجتمعات الأمة العربية، وعلى مستوى الأنظمة،
وما كان لدى
الإسلاميين في الأساس تحفظ على مطلب الوحدة، بل كانوا دائماً من
دعاتها. لكنهم
متحفظون على القومية بمعناها الغربي، الذي يرتبط في أذهانهم
بالأساس العرقي
للشعب، والمرجعية العلمانية للدولة والنظام. وبسبب النزاعات
القومية بين
الأنظمة العربية والإسلامية منذ الخمسينيات، فإن مقولة "الوحدة
العربية" ما
عادت أولوية في طروحاتهم وبرامجهم، بل إن بعض المتشددين من التيار
الإسلاميين
ربط بينها وبين القومية فرفضها، لكنهم ومنذ النصف الثاني من
الثمانينيات عادوا
للتشديد عليها مع التأكيد على المرجعية الإسلامية لها، أو
أقول إن الإسلام هو
ثقافة العروبة ومضمونها التاريخي. وكما سبق أن ذكرت؛ فإن
النزاعات النظرية
توارت منذ مدة لصالح التضامن حول القضايا الكبرى للأمة. وخلال
العقد الأخير من
السنين صدرت عدة بيانات وأعمال بحثية حول المشتركات ووجوه
التلاقي بين
الفريقين.
ويصل د. رضوان السيد إلى نتيجة، بعد انهيار الأيديولوجيات : لا يرى
الإسلاميون
أن للقومية العربية مستقبلا ً، بل المستقبل للوحدة العربية، التي
يذهبون إلى
قيامها على خلفية ثقافية عربية إسلامية. والطرفان القومي والإسلامي
يذهبان إلى
أن دعوى انهيار الأيديولوجيا ليست بريئة. فالمسألة تتجاوز النظريات
إلى قضايا
وتحديات الواقع التي تفرض قيام مجتمع عربي منفتح على الشعوب
الإسلامية والعالم
الإسلامي. في أقل الحدود يجب أن يتضامن العرب للحفاظ على
وجودهم ومصالحهم
المحددة من جانب إسرائيل ومن جانب نظام الهيمنة
الدولي.