أمثال المصريين تحكي أمزجتهم
أمثال المصريين تحكي أمزجتهم
حمدي عابدين
يحلل الدكتور ابراهيم احمد شعلان في كتابه «الشعب المصري في أمثاله العامية» المكونات الجوهرية للشخصية المصرية على امتداد تاريخها حتى يمكن فهم خفاياها وأسرارها وكشف اعماقها، وقد حاول المؤلف عبر دراسته الامثال ووضعها موضع البحث والتدقيق ابراز العناصر الاصلية في الشعب المصري ومعرفة ما ألصق بها من عناصر زائفة.
وتغطي الامثال التي قام بتحليلها الدكتور شعلان قطاعات وفئات عريضة من المصريين وحياتهم وما فيها من تيارات ظاهرة وخفية، وقد حاول المؤلف اثناء تحليله للامثال الشعبية المصرية عدم تحميلها تفسيرات اكثر مما يتصور الرجل الشعبي والجماعة الشعبية، كما حاول فك التناقض الذي يدور في الامثال نتيجة لطبيعة الدور الذي يقوم به كل مثل ووظيفته التي اطلق من أجلها مشيرا إلى ان سبب ذلك يرجع إلى ان المثل عملة يومية تعبر عن موقف في زمن محدد قد يتغير بعد فترة.
قسم الدكتور شعلان كتابه إلى بابين ناقش في الاول الدراسات الادبية التي تناولت المثل العامي، مشيرا إلى ان المثل سلاح قوي يشهره العامة في مواجهة الانحرافات الاجتماعية وهو سياج من القيم يضربه المجتمع من حوله لكي يحمي نفسه وعاداته وتقاليده ليحفظها من الشطط او المروق وهو بذلك يأخذ دورا يظهر فيه اثر التشريع الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الناس.
وذكر الباحث ان الامثال يمكن ان تنهض كدليل صادق للتيارات الاجتماعية كما انها من المصادر المهمة للتاريخ الاجتماعي للامم والمثل في سبيله الى ذلك لا يحتوي في مضمونه الفكري على مبادئ الاخلاق فقط ولكنه ايضا يتضمن الرذائل وهى وسيلته في كشف الشر وتعريته والحث على الخير والدعوى اليه.
وقال ان مثل «خلص تارك من جارك»، و«جينا نساعده في دفن ابوه فات لينا الفاس ومشي»، و«ان دخلت بلد تعبد العجل حش وارمي له» رغم انها تذكر بعض العيوب الاجتماعية وتضعها امام الناس مكشوفة الا انها تتوسل بذلك من اجل محاربتها والتخلص منها، واشار الى ان هناك امثالا اخرى تقابل الامثال السابقة مثل «ابطئ ولا تخطئ» و«اجود من الدهب اللي يجود بالدهب» و«اخلص النية وبات في البرية» وهى امثال تقوم على معان سامية وهى مع غيرها من الامثال التي سبقتها تهدف إلى دفع الانسان للاتجاه نحو الخير وتحذره من طريق الشر، والمثل بهذه الصورة يعتبر اسلوبا شعبيا للنقد والتقويم يعكس امال الناس وافكارهم وتجاربهم.
وذكر الباحث ان المثل يكشف التفكير الشعبي ويوضح نظرته الموضوعية إلى دقائق الظواهر معتمدا في ذلك على المشاهدة العابرة وهو يضع خلاصة التجارب التي حصلها السابقون امام الاجيال اللاحقة لكي تستبصر بها في حياتها.
وفي الباب الثاني من كتابه تحدث الدكتور شعلان عبر دراسة تطبيقية على الامثال الشعبية عن نظرة الجماعة الشعبية لحكامها، مشيرا إلى ان علاقة المصري بالحاكم كانت دائما يشوبها الشك وعدم الثقة المتبادلة حيث لم يجد المصري في حاكمه الا قوة غاشمة، وقد دفعته نظرته هذه إلى العزلة عن الحكام واللجوء إلى اسرته الصغيرة، وقد افرغ الشعب المصري كثيرا من مشاعره واحاسيسه حول الحكام بحيث يستطيع الناظر فيها ان يرى صورة حقيقية لمدى ما يتركه الحاكم من اثار على حياته، وقال ان المصري يكره الحاكم في كل صوره، انه يكره الادارة والقوة التي تسلبه حريته وقوته وكرامته وحياته، وتظهر الامثال علاقة المصري بحكامه في صورة من الخوف والشك، والشعب بسبب ذلك يظل مترددا ان يتحدث عن ظلم الحاكم وجبروته لان عيون الحاكم منتشرة ولا يفطن لها الناس وهذا ما يترجمه المثل الشعبي
«الحيطة لها ودان» و«حاكمك غريمك وان ما طعته يضيمك.
» ومن هنا يمكن معرفة صورة الحاكم عند المصري فهو يراه عدوه الذي لا يأمن جانبه، ويراه مضرا على طول الخط فهناك مثل يقول «فر من السلطان فرارك من الاجرب»، و«اللي يأكل مرقة السلطان تنحرق شفته».ويذكر المؤلف انه رغم ان الامثال دعت المصري إلى البعد عن الحاكم وتلاشي اذاه الا انها حملته المسؤولية فيما يطاله من اذى حيث يقول المثل «يا فرعون ايش فرعنك قال مش لاقي حد يردني»، فالبعد عن الحاكم والخوف من مواجهته بأخطائه والجبن عن المطالبة بالحقوق والحريات من اهم العوامل التي تساعد الحاكم
على العنف والجبروت ضد رعاياه.
ويقول الباحث ان المثل الشعبي لم تقف حدوده عند علاقة المصري بحكامه لكنها تجاوزتها إلى قضاته وقد صور العلاقة بينهما في صورة من الشك وفقدان الثقة وهذا ما يشير اليه مثل «يفتن على الابرة ويبلع الميبر» و«القاضي ان مد يده كترت شهود الزور»، فالقاضي كما تصوره امثال المصريين رجل لا تهمه سوى مصلحته الشخصية يسخر العدالة لتحقيق اغراضه على حساب المصلحة العامة.
وذكر الباحث انه رغم ما اشارت له الامثال من تصور للمصريين حول الحاكم والقاضي
ودعوتها للابتعاد والتواري خشية التعرض للظلم الا ان المصريين ابتكروا امثالا اخرى تدعو لمقاومة الحاكم وظلمه والوقوف ضد ما يتعرض له من مظالم حيث يقول المثل «كل انسان في نفسه سلطان» و«الضرب بالسيف ولا حكم الويل في» و«القعدة على الكوم ولا الحوجة للعدو يوم» وهو هنا يظهر في صورة الساخر من الحكام تارة والمقاوم لهم تارة اخرى.
وقد افرد الدكتور شعلان قسما خاصا من دراسته للامثال التي تتحدث عن الاسرة في المجتمع المصري وكيف يدير شؤونها وكيف يتعامل الرجل مع امرأته والمرأة مع زوجها واقاربها وفي منزلها ومع اهل زوجها، كما قام بتحليل الامثال التي تصور علاقة المصري بجاره ونظرته للعمل والمهن والطوائف. كما تحدث عن نظرة المصري للمال حيث يرى ان قيمة الانسان مستمدة مما يملكه من مال «اللي ما عنده فلس ما يساوي فلس» والنقود عند المصريين صيادة «القرش صياد» والمال له كلاليب من حديد ويرى المصري ايضا انها قادرة على تذليل العقبات وتسيير الامور حيث يقول المثل «افتح جيبك ينقفل عيبك» وهي دواء للمرء يستطيع ان يغير الوضع الاجتماعي له بمحرد امتلاكها.