صقور القوقاز
صقور القوقاز
-سلجوق قُللي
عرض يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
ترجمة د.محمد حرب
رواية تاريخية إسلامية، دارت أحداثها في النصف الأول من القرن التاسع عشر، على أرض داغستان، تصور جهاد الداغستانيين بقيادة الإمام شامل ضد الروس، على مدى خمسة وثلاثين عاما.
تبدأ الرواية بالمواجهة بين الإمام المحاصر مع أتباعه في قلعة (أهولكو)، وبين الجنرال (غراب) الذي شدد الحصار طامعا في استسلام المجاهدين، ليحصل على نياشين القيصر، ويستبسل المدافعون على الرغم من الخسائر ونقص الماء والطعام، ويستولي غراب على القلعة. ومن خلال هذا السرد تظهر شخصية (الحاج قاسم) الذي يقوم بدور المؤرخ، فينقل المؤلف على لسانه خبر الوقائع والمقاتلين وحبهم للشيخ شامل، وخطط الكر والفر!
كما تصور الرواية حالة الصراع النفسي عند الجنود الذين هم من أصل تركي وخيبة (غراب) الذي لم يستطع القضاء على شامل، وخروج الإمام إلى القبائل مصلحاً ومرشداً! ويصف الحاج قاسم موقف عامة الناس من الجهاد، ويسجل في مذكراته أن من يعيش بهذا الفهم لا يهزم. ويجدد المجاهدون الهجمات فيعود غراب إلى روسيا خاسئاً لم يبق معه سوى بضع مئات من المنهزمين. ثم تبرز شخصية جديدة (الحاج مراد) الذي كان صديقاً للإمام ثم تحول إلى خصم، ولكن بعد تدمير الروس لإحدى القرى، انضم إلى الإمام واستولى على امدادات الروس، وقتل العميل (أحمد خان) المتآمر معهم، وشن عدداً من الهجومات مع شامل، وهذا ما أقض مضجع القيصر. ولا يغيب الحاج قاسم كثيراً عن مسرح الرواية فيسجل البطولات في قلعة (أون صوقول)، وهو يقول: التاريخ أصدق القضاة.
ومع النجاحات التي حققها المجاهدون في الهجوم على القلاع الروسية وإحداث اختراقات في جبهاتهم، اضطرب القيصر ومن حوله، وبدؤوا بإرسال الكتب إلى (مراد) ليثنوه عن مساعدة شامل، ووعدوه بجعل منطقته حرة! في الوقت الذي كانت فيه كل الجبهات تموج بأخبار النصر! وهنا يستعمل المؤلف الوثائق المأخوذة مما كتبه الروس، وهم يتحدثون عن الهزائم التي لحقت بجيوشهم، لتأكيد هذه الأخبار وتوثيقها؛ فأعد القيصر خطة للإيقاع بين مراد وشامل، مستغلاً مقتل (عيسى خان) أحد عملائهم وهو من قبيلة مراد، ونجحت الخطة وذهب مراد إليهم فاستقبلوه بحفاوة، وانفرط عقد اتحاد القوقاز لا بقوة الروس بل بحيلتهم، وأحس مراد بعد فترة أنه خُدع فحاول إصلاح خطئه بالعودة إلى شامل، لكن رصاصة روسية عاجلته.
وفي الجولة الأخيرة، ومع انتهاء حرب القرم أرسل ألسكندر الثاني جيوشه إلى القوقاز، مستعيناً ببعض الأمراء المحليين لمحاصرة الإمام في (داركو) مع أوامر بالتدمير الشامل، واشتد الأمر على الناس، ولم يجرؤ أحد على تكليم الإمام بشأن استنقاذ ما يمكن استنقاذه، فتقدمت أمه تكلمه بذلك فغضب وطلب تقديمها للمحاكمة من دون مراعاة له، فوقفت أمام رئيس المحكمة الحاج قاسم الذي حَكم بمائة جلدة، فتقدم شامل، وخلع قميصه ليتلقى عنها الضربات.
ثم أسرع يتسلق الأبراج ويرصد العدو الذي توالت ضرباته، فتضعضع المقاتلون الذين لم يكونوا يزيدون على ثلاثمائة، أغلبهم من المسنين والأطفال والنساء، وأشفق المحيطون بالإمام عليه من أن يبلغوه بإقتراح التسليم الذي عرضته روسيا، وكان رده على الحاج قاسم: إني أفتح يدي لأستشهد، وأنتم تقترحون علي أن أكون أسيراً! فاخبره قاسم أن الموفد الروسي قد حضر ومعه رسالة لأن شمال القوقاز وبلاد الشيشان كلها تحت الإحتلال الروسي، وأنه باستطاعته أن يسلم نفسه مع ضمانات بسلامته شخصياً وسلامة من معه، فرفض الإمام، لكن الحاج قاسم أخرج الفتوى بالتسليم لأن الصراع الآن ميئوس منه، فتناول الفتوى بعينين دامعتين وهو يقول: يشهد الله أني لا أُسَلِّم، وأني أخضع لفتوى العلماء! فاقام عشرات السنوات في (كلوجا) طالباً من الداغستانيين ألا يغادروا وطنهم، لأنه سيأتي يوم الحرية! ثم أذن له الروس بالسفر إلى الحجاز للحج فأقام سنوات، ومات ودفن في المدينة المنورة.
تشبه نهاية المقاومة لدى الإمام شامل في هذه الرواية إلى حد كبير نهاية (فخري باشا) قائد الحامية العثمانية المحاصرة في المدينة المنورة، والذي كان يرفض الخروج منها، على الرغم من الأوامر التي تأتيه من السلطان، وظل محاصراً فيها سبعين يوماً. وحين حانت لحظة الوداع تقدم للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما همّ بالخروج توقف وظل هكذا من الظهر إلى المغرب، حتى وصل حال الضباط معه إلى التوسل وهم يُفهِمونه أنه أدى واجبه، وهو واقف لا يتحرك، فتقدموا بناء على ما اتفقوا عليه، وأحاطوا به يحتضنونه وهم يبكون، وسجل فخري باشا كلماته للتاريخ: لقد كان هذا الاستسلام لكم أول استسلام أخضع له في حياتي!!! (آخر الأتراك في ظل نبينا- تأليف فريدون قاندمير – ترجمة أديب عبد المنان).
كانت رواية صقور القوقاز سجلاً تاريخياً مجيداً وتقريراً عسكرياً رفيعاً وشاملاً عن الخلجات النفسية والانفعالات والتحركات العسكرية، فسيرة الشيخ شامل سيرة شجاعة ووقفات الإيمان الراسخ التي تمثل سمواً وشجاعة لانقرأ مثلها إلا في سيرة الصحابة والصدر الأول، رضوان الله عليهم، وهي لاتخلو من ترنيمات تُضارِع جمال الشعر، كالترنيمات التي يصف فيها المؤلف جمال الشهادة وعظمة الشهيد في سبيل الله. وقد برع المؤلف في رسم لوحات جميلة لبلاد القوقاز الساحرة، كما برع في رسم لوحات رائعة للنفوس الكبيرة العظيمة المؤمنة. وكانت للكاتب فلسفة يريد أن يوصلها إلينا عبر قصته الهادفة العميقة، هي أن الصراع مستمر إلى يوم القيامة!!
إن هذه القصة تحتاج إلى مخرج ومنتج يقدمان عملاً سينمائياً ضخماً(تقديم الرواية بقلم الأستاذ محمد نادر عبد الله بازرباشي). . وإذا كان الإفرنج يصنعون من الحبة قبة، ويهولون في أفلامهم من بعض أحداثهم، فما أحرانا أن نلج هذا المجال .ليكون لنا عمل سينمائي كالعمل الذي أُنتج عن عمر المختار رحمه الله