حوار الثقافات

عبد الله الطنطاوي

مدخل لقراءة الآخر ونقد الذات

عرض: عبد الله الطنطاوي


تأليف:د. ليلى الأحدب

هذا الكتاب من تأليف الدكتورة ليلى الأحدب، والمؤلفة:

* طبيبة أخصائية في النساء والتوليد.

* باحثة ومهتمة بالشأن الإسلامي.

* مديرة النشر والتحرير في مركز الراية للتنمية الفكرية.

* مستشارة اجتماعية في موقع إسلام أون لاين على الإنترنت.

* عملت المؤلفة في أكثر من بلد عربي، مما ساعدها على تفهم واقع المجتمعات العربية وملاحظة الصفات المشتركة التي تنتظم فيها الشعوب العربية بحكم أن معاناتها لا تختلف كثيراً من بلد إلى آخر. كذلك فإن تجاربها الغنية في الحياة فتحت أمامها آفاقاً من المعرفة والخبرة قلما تحرزها امرأة عربية مسلمة.

* تتميز بثقافتها الواسعة فقد اطلعت على نتاج كبار المفكرين العالميين في مجال الإبداع الإنساني، كما أن احتكاكها بثقافات الشعوب الأخرى بلور نظرتها إلى الكون والحياة والإنسان.

* تدرك أن سلم الارتقاء في الشهود الحضاري للأمة مفاده:

لا يمكن أن نخطو خطوة واحدة في بناء الحضارة، إلا عبر تقبل الذات أولاً لتكون مدخلاً لتقبل الآخر، ثم الاستفادة من تجارب الآخر في نقد الذات وتصحيح أخطاء المسيرة.

جاء في التقديم الذي كتبه الأستاذ علاء آل رشي للكتاب:

"يبدو أن هذا العصر يستلزم الحوار أكثر من أي زمن مضى، ذلك أنه على الرغم من التقدم التكنولوجي وسائر الفتوحات المعرفية إلا أنه لا تزال تخيم أجواء كالحة جراء الإقصاء والنفي الملحوظ والعُجب بالرأي.

فنحن لم نستطع حتى اللحظة إشاعة مفاهيم الحوار والقبول بالآخر سواء أكانوا ممن ينتمون إلى منظومة فكرية واحدة ويختلفون في قراءة مرجعياتهم، أو كانوا يتباينون في التوجهات الثقافية، وحتى الدين لم يسلم من تفرق لتغييب أتباعه لغة الحوار والقواسم المشتركة على الرغم من النداء الإلهي والوصية الربانية المقدسة. (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه).

أما سياسيونا ومثقفونا ففي حالة تنابز وتنافر، فبعض الأولين سجونهم لا صدورهم مفتوحة لمن حاورهم، وبعض المثقفين حولوا آراءهم إلى منصة تشهيرية وشتائمية وتحول البلد الكبير إلى حلبة صغيرة للصراع وكثيراً ما تنتهي جولاته بمآسٍ دموية.

كما أن الغرب من أبناء أسرتنا الإنسانية لم يكن أسعد حالاً من المشرق إذ طالما بشّر بانتهاء التاريخ وصدام الحضارات ووصف نفسه بأنه محور الخير والنسر النبيل وكثيراً ما يستبدل بالكلمة اللكمة لحلّ مشاكله الخارجية.

ولئن أسقط متطرفونا برجين لهم فإنه أي الغرب سيسقط كل معالم حضارته إذا لم يفتح نافذته للحوار وتفهّم الشعوب الذين يتنفسون الهواء معه.

والسؤال الكبير: هل يريد الغرب لحضارته أن تكون حضارة الآلات لا القيم؟

إن الجهالات هي التي ستتصادم كما يقول المفكر البروفيسور إدوارد سعيد أما العقول الكبيرة والعواطف الرقيقة فلابد من تلاقيها وحوارها.

هذا العالم الكبير هل تحول إلى حاجز للتواصل الإنساني بتسارعه وقفزاته العلمية؟

ترى هل التقدم التكنولوجي يحرم الإنسان من أنسه بأخيه الإنسان وتلهفه للحوار معه؟

هل هدير المصانع وضجيج الماكينات وصخب السيارات وأزيز الطائرات وجاذبية الكمبيوتر واختراقات الإنترنت وطبول القنوات الفضائية والصرعات حرمت الإنسان نعمة التعايش السلمي مع أخيه الإنسان؟

يجب أن نعترف أنه بغير الحوار ليس ثمة مجال للتعايش السلمي فوق الكرة الأرضية، إن شأن القوة الاعتداء وشأن المنفعة هو التزاحم وشأن العنصرية التجاوز على الآخرين كما يقول الأستاذ سعيد النورسي.

ماذا استفاد العالم من كمّ أفواه الناس على يد الماركسية ومصادرتها لعقائد البشر؟

وماذا جرّت المحاكم الكاثوليكية الإسبانية المسيّسة على يد فرديناند وإيزابيلا ورجال الدين في إسبانية؟

وماذا جنى العالم العربي من حديث بعض أبنائه عن تقسيم العالم إلى فسطاطين؟

إنه في ظل غياب لغة الحوار تطفو التصرفات غير العاقلة وتدفع البشرية ثمناً باهظاً لذلك.

ولكن أي الحوار تدعو إليه؟

إنه ذاك الذي يحترم الاختلاف ويوظفه في سبيل الائتلاف ويدعو إلى التسابق في إعمار الحياة للعيش المشترك.

وبما أن الثقافة نافذة مفتوحة بما تحمله من معاني التقبل والنقد فإن هذا الكتاب ينطلق من وعي فكري وحماسة إبداعية وقدرة على هضم ما عند الآخر من ثقافة وفكر وفلسفة وتوظيفه في سباق معرفي غايته التواصل لا التنافر والقراءة المتأنية للواقع المعاش مع إبصار لجذور الخلل.

وقد سارت المؤلفة في قراءتها لفلاسفة التنوير في أوروبة وفق منهج إنساني محض هادفة من وراء ذلك استمزاج الفكر الأوروبي بعقلية القرآن الراشدة وبروحانية الشرق الخالدة.

واختارت المؤلفة اثنين من كبار فلاسفة النهضة الأوروبية وهما فولتير وفرنسيس بيكون، وتوقفت في مقارنة مقصودة عند محطات فكرية كانت بمثابة مدخل حقيقي لقراءة الآخر ونقد الذات.

ففي قراءة الدكتورة ليلى إحياء لمعانٍ غائبة وتأكيد ضرورة النهوض، إنه حوار فيه ما يستحق الوقوف عنده.

لعل كتاباً كهذا يجعلنا نطمح إلى حوار نزيه مع سائر ألوان الطيف الفكري سواء كان عربياً أم إسلامياً أم غربياً يستحضر المعاني القرآنية الخالدة:

(لا إكراه في الدين)

(ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).

(وجادلهم بالتي هي أحسن).

ورحم الله المصلح والمفكر محمد الغزالي الذي قال:

"إذا كان سنا البرق يبدو من التقاء سحب شتى فإن سنا الحق يبدو من التقاء آراء شتى".

إننا نريد فتح الحوار دون أي وصاية على أحد أو استنبات لفكر أحد..

الحوار البناء والجريء والموضوعي الذي يمهد لغد أفضل..

جاء الكتاب في 304 صفحات من القطع العادي، وهو من إصدارات مركز الراية للتنمية الفكرية.