الوصول إلى الله

عبد الله الطنطاوي

 عرض: عبد الله الطنطاوي      

     علاء الدين آل رشي

    فؤاد زينو

هذا الكتاب –الذي صدر عن مركز الراية للتنمية الفكرية، ودار الشهاب، للطباعة والنشر والتوزيع. هو جزء من المقاصد النووية، أخرجه، وانتقى منتخبات لشرحه، الأستاذان: علاء الدين آل رشي، وفؤاد زينو، وهو –إذن- من تأليف الإمام المحدث الفقيه: النووي هذا الإمام الجليل المربي، ويقع الكتاب في 220 صفحة من القطع العادي.

قال الشارحان في (توثيق الكتاب):

"بذلنا جهداً كبيراً في تقصي النسخ المطبوعة من "المقاصد النووية" والتي تعد هي الأصل الجامع الذي اقتبسنا منه الوصول إلى الله وأصول طريق التصوف.

"والمقاصد" متن عقدي وفقهي وسلوكي وجيز ومحكم، وقد تداولته أيدي الناس وشاع وعرف بنسبته إلى الإمام النووي –رحمه الله- سألنا المحدث الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط عن مصداقية نسبته فبحث لنا جزاه الله خيراً ولم يجد ممن ترجم للنووي –رحمه الله- من أدرج المقاصد ضمن كتبه، ووجدنا الأستاذ علي الشربجي وزميله في تحقيقهما للأذكار يدرجان المقاصد ضمن مؤلفات النووي، وتجمع لدينا نسخ كثيرة منها قواعد العقائد للأستاذ حسن السقاف، وقد ألحق بآخره الجزء نفسه الذي قمنا بشرحه وانتخابه من المقاصد، كما أن ثمة نسخاً مطبوعة من غير تحقيق وأفضل ما وقعت يدنا عليه نسخة الأستاذ بسام الجابي حيث أشار في مقدمته إلى أنه ليس ثمة مخطوط للكتاب، وإنما طبع أولاً في الهند ثم في مصر ومن بعده ذاع وانتشر حديثه في البلاد الإسلامية.

ونحن إذ نقدم هذا البحث فإنما نؤكد على أنه ليس هناك ما ينفي هذا الكتاب عن الإمام النووي ولا ما يثبته، بل ما يؤيد أنه للإمام النووي كثير، منه –حسب رأينا-:

المصداقية في الكلمة التي تعتمد على نصاعة الدليل والقرآن والسنة.

النَفس العلمي المتزن والوجيز والمحكم الذي يدل على قلم الإمام النووي.

لم يصدر إلى الآن من يتبنى الكتاب غيره فلا نافي إلى الآن.

بقي الإشارة إلى ضرورة أنه من تعرف على شيء يؤكد نسبة هذا الكتاب للإمام النووي فليرسله إلينا مشكوراً على عنوان البريد دمشق ص ب 16240.

كما أنه من حصل على شيء ينفي مصداقية النسبة فليرشدنا إليه وهو مأجور، ومن له أي اعتراض أو نقد فذلك أمر نقبله بل ونؤيده وندعو له، فمِنْ تصادم الأفكار تظهر بارقة الحقيقة، والنقد البناء هو استمرار للذات ولكن من غير تقعر أو نمطية.

وجاء في مقدمتهما لهذا الكتاب القيّم:

"هل يفرض هذا العصرُ نفسَه بملابساته وأزماته وتعقيداته ومحاذيره وتقهقره على البشرية؟

ألا يتبدى ثمة ثقب يمكن أن يكون مبشراً بالخلاص من وهج مادية هذه الأيام البائسة؟

هل تشكل الهموم اليومية وحدها المحرك الرئيس لإرادة ووعي إنساننا العربي المسلم؟

نصطدم بهذه الاستفهامات المؤرقة ونحن نعيش زمن الألف الميلادية الثالثة، وبعد مضي الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري.

نصطدم بها فتهزنا، يهزنا العصر بلظاه، وأيامنا بتقلباتها، وهمومنا بتغيراتها المتجددة.

ولكن يبقى المسلم يستمد في غمرة الحياة وفي سياحته على هذه المعمورة، القوة والبأس والهدوء والطمأنينة من تلك الملطفات التي ينشر أريجها كلام الله –سبحانه- ووصايا نبيه صلى الله عليه وسلم.

نستمد قوتنا وسكوننا من اليقين الراسخ الذي لا يتزعزع بأن من عاش لله، ووثق عرى نسبه إليه، علا وازدهرت أيامه على الرغم من زمنه الصعب ومادية أيامه وهمومه المتعاقبة.

ذلك إيماننا واعتقادنا أن الدين ملطف في الأجواء الحالكة، فهو "الحب القديم الذي جئنا به إلى الدنيا والحنين الدائم الذي يملأ شغاف قلوبنا إلى الوطن الأصل الذي جئنا منه، والعطش الروحي إلى النبع الذي صدرنا عنه، والذي يملأ كل جارحة من جوارحنا شوقاً وحنيناً وهو حنين تطمسه غواشي الدنيا وشواغلها وشهواتها.

ولا نفيق على هذا إلا لحظة يحيطنا القبح والظلم والعبث والفوضى والاضطراب في هذا العالم فنشعر أننا غرباء، وأننا لسنا منه، وإنما مجرد زوّار وعابري طريق، ولحظتها نهفو إلى ذلك الوطن الأصل الذي جئنا منه، ونرفع رؤوسنا في شوق وتلقائية إلى السماء وتهمس كل جارحة فينا.. يا الله..

ولحظة نخطئ ونتورط في الظلم وننحدر إلى دركات الخسران فننكس الرؤوس في ندم وندرك أننا مدانون، مسؤولون فذلك هو الدين.

ذلك الرباط الخفي من الحنين لماضٍ مجهول، وذلك الإحساس بالمسؤولية وبأننا مدينون أمام ذات عليا.

وذلك الإحساس العميق في لحظات الوحدة والهجرة، بأننا لسنا وحدنا، وإنما نحن في معية غيبية، وفي أُنس خفي، وأن هناك يداً خفية سوف تنتشلنا، وذاتاً عليا سوف تُلهمنا، وركناً شديداً سوف يحمينا وعظيماً سوف يتداركنا.. فذلك هو الدين في أصله وحقيقته"(1).

وإذا تمسك المسلم بإسلامه أيقن "أن العدل موجود والرحمة موجودة والمغفرة موجودة..

واطمأن قلبه وارتاحت نفسه، وسكن فؤاده، وزال قلقه، فالحق لابد أن يصل لأصحابه.

وعرف أن الدموع لن تذهب سدىً، ولن يمضي الصبر بلا ثمرة، ولن يكون الخير بلا مقابل، ولن يمر الشر بلا رادع، ولن تفلت الجريمة بلا قصاص.

وعلم أن الكرم هو الذي يحكم الوجود وليس البخل، وليس من طبع الكريم أن يسلب ما يعطيه.

فإذا كان الله منحنا الحياة فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت.. فلا يمكن أن يكون الموت سلباً للحياة وإنما هو انتقال بها إلى حياة أخرى بعد الموت ثم حياة أخرى بعد البعث ثم عروج إلى السموات حيث لها نهاية.

ومعنى الدين أنه لا عبث في الوجود، وإنما حكمة في كل شيء، وحكمة من وراء كل شيء، وحكمة في خلق كل شيء: في الألم حكمة، وفي المرض حكمة، وفي العذاب حكمة، وفي المعاناة حكمة، وفي القبح حكمة، وفي الفشل حكمة، وفي العجز حكمة، وفي القدر حكمة"(2).

وأما مفتاح الدّين وبوابته لا إله إلا الله محمد رسول الله "فإنها تطلق الإنسان من عقاله، وتحرره من جميع العبوديات الباطلة، وتبشره بالمغفرة، وتنجيه من الخوف، وتحفظه من الوسواس، وتؤيده بالملأ الأعلى، وتجعله أطول من السماء هامة وأرسخ من الأرض ثباتاً، فمن استودع همَّه وغمه عند الله بات على ثقة ونام ملء جفنيه"(3).

الدين يا سادة بتشريعاته ودساتيره وقيمه الأخلاقية، يقي النفس من التشتت، والأمة من الضياع والغثائية، وهو ملاذ الشعوب العربية كان ولا يزال.

سلوا الغرب بوقائع أيامه وحوادث دهره بكل فتوحاته العلمية، هل حقق السكن لشعوبه بنظريته المادية وبما اكتشفه؟ ربما حقق الراحة الجسدية ما في ذلك شك أما العالم (الجوانّي) فلا.

يقول (فيلاسبازا):

"إن جميع اكتشافات الغرب العجيبة ليست جديرة بكفكفة دمعة واحدة ولا خلق ابتسامة واحدة، وليس أجدر من أمم الشرق المتحفظة بالثقافة العربية الإسلامية والقائمة على إذاعتها، بوضع حد نهائي لتدهور الغرب المشؤوم الذي يجر الإنسانية إلى هوة التوحش والتسلط المادي(4)".

أما القس المعروف (جيري فالول) فإنه يقول في كتابه (اسمعي يا أمريكا):

"لدي إحصاءات مرعبة عن حوادث الطلاق وتدمير الأسرة والإجهاض وجنوح الناشئة والفوضى الجنسية وتعاطي المخدرات وجرائم القتل، إنني أشاهد حطام الإنسان والأرواح المهدورة بأكداس تفوق الإحصاءات، إن أمريكا بحاجة سريعة إلى الإنقاذ الروحي والأخلاقي إن كانت تريد ألا تهلك(5)".

إحياءً لمعاني الدين ونسقه المعرفي نقدم أنموذجاً تراثياً رائعاً يتحدث عن الجانب العاطفي من الإسلام وفق رؤية علمية متزنة للإمام النووي رحمه الله.

وقد اجتزأنا من "المقاصد" وقرأناه وشرحناه بقراءة وشرح متأنين مركزين عل مضامين القرآن والسنة وصفاء الفهم.

إننا نقدمه بشكل لا يُغيّب الذهن عن واقعه ولا يؤطره أو يسخره لخطاب ماضوي كما يحب البعض أن ينعتنا به.

نقدمه بلغة عصرنا يفهمه الجميع دون رمزية أو فصاحة متكلفة، كما أردنا أن نؤسس في ذهنية القارئ خطاباً تصالحياً يدير ائتلافاً بين المدارس الإسلامية على تنوعها.

ونأمل أن يخدم البحث عقل قارئه فيرفض ارتهان إرادته وانهزامية موقفه –في الحياة- بل يقتحم فجاج الحياة بأمل باسم.

إن غاية المبحث تصب في إحياء الضمائر التي تخدم شعوبها وتعمل بصمت وتقدم بإخلاص وتبغي مرضاة الله لا سمعة ولا رياءً.

"الوصول إلى الله" عنوان عريض ينتظم تحته حب الوطن وإرادة الخير لبني الإنسان وقبل ذلك كله اعتقاد وصفاء سريرة..

         

 الهوامش:

(1) محمود. د. مصطفى – الإسلام في خندق ص7.

(2) محمود. د. مصطفى – علم النفس قرآني جديد ص7.

(3) محمود. د. مصطفى – علم النفس قرآني جديد ص9.

(4) الغدير أ. حيدر عبد الكريم – المسلمون والبديل الحضاري ص20.

(5) المصدر السابق.