عش هانئاً

د. عبد الكريم البكار

عش هانئاً

 تأليف: د. عبد الكريم البكار

عرض: عبد الله زنجير

عش هانئاً.. جميعنا شعوباً وقبائل وأشخاصاً، نبحث ونعشق ونرجو السعادة، وفي التاريخ ما زال الإنسان يستشرفها بكل الوسائل الواقعية والطوباوية، فهي الحاضر الغائب وهي الحقيقة التي تشبه الوهم! بعضهم يراها في الجمال والحق والخير، وآخرون يجدونها في الحب والحرية أو الهوايات أو التصوف وسواهم من ينتظرها من الشهرة والثراء أو الوجودية والأنانية إلخ..

والأستاذ د. عبد الكريم يطوف على أطراف هذا الحلم الأزلي، ليقدم لنا حزمة وصايا واعية، فيها ابتكار وجدة وجاذبية وموعظة حسنة، وهي إذ تصدر بهذا النمط المجتهد شكلاً ومضموناً، إنما تصدر عن قلب كبير ونفسية ألمعية، عرفت مر الألم وقهر الأيام ومصاعب الهجرة والاغتراب، ولم تتعب أو تنسحب أو تتوانى، بل واجهت المدلهمات وتصدت لها تحت عنوان السعادة الأول والأوحد: الإيمان، سبيلاً لا بديل عنه من أجل الغد والرغد، يملأ الحياة أزهاراً وأشعاراً وألوان قوس قزح، وليمسي العالم كله بين أناملنا أريحياً مطواعاً، بيد أن الإيمان يحتاج لليقين واليقين يحتاج للصبر، والصبر يحتاج للمعرفة، والمعرفة تحتاج للحق، والحق يحتاج للوحي في تسلسل تصالحي مصالحي، لم يعد يتقبل التراجع والتأجيل، خصوصاً في ظل أوضاعنا التي هوت بالإنسان إلى درك الوضاعة والضياع (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)  (1).

*  *  *

(عش هانئاً) وهو يظهر للنور ويحمل النور، يخاطب في إمكانياتنا الممكن وما نحمله نحن بذواتنا ومجتمعاتنا من مسؤولية ووسطية وواجبات، لنعيش بسلام ونحيا بوئام، ننطلق من جذورنا البريئة التي رد بها الله جل جلاله ظنون الملائكة بنا (إني أعلم مالا تعلمون)(2) ولكي نسيح في جنبات الأرض بكل الوسائل المتطورة، نحمل صورتنا الساطعة وشخصيتنا الأولى، ومبادئنا التي بهرنا ومهرنا بها الدنيا قديماً، وقت كنا خير أمة أخرجت للناس، نهدي لهم دواءنا لا أدواءنا.. (إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في أعين الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش)(3) والمسلمون وإن انتشروا بالسيف أحياناً، فإن الإسلام العظيم لم ينتشر بالسيف ولا السهم وحاشاه، بل انتشر بعدالتنا وإنسانيتنا وأدبنا وتعارفنا وتسامحنا وإحساننا، وكل ما يكاد يكون مفتقداً في حياتنا الراهنة، حين انكسفت شمس قيمنا وأخلاقنا ورشادنا، فتسلط بعضنا على بعض وتسلط علينا الآخرون، وعادت السامرية تطل من جديد برعونتها ومظالمها المضاعفة، ولم نتخلَّ عن مظالمنا البشعة فيما بيننا!

*  *  *

(عش هانئاً) استشراف واقعي لإصلاحنا المؤمل، فنحن لن نتقدم ملمتراً دون أن نسترد مثل الدعوة للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات الحضارية والجماعية، وأن نرتد على آثارنا نقداً وتقويماً وتصحيحاً، وهنا نبتسم إلى حد المرارة ونحن نشهد اعتذار الجامعة العربية للشعب العراقي مما فعله صدام حسين من مجازر وجماجم، حين صمتت وصمت عن بيان الحق وإقامته وأية فائدة من اعتذار بارد سيتكرر لاحقاً مع مناطق أخرى؟

إن هذا البؤس في الحياة السياسية مدخل مهم للتعريج على التخلف الاقتصادي والتقني ولعل تقارير التنمية التي وضعتها الأمم المتحدة عن المنطقة العربية، من أهم البراهين على ذلك، ومؤخراً ذكر العالم المصري فاروق الباز، أنه مقابل كل براءة اختراع في العالم العربي هناك 16000 براءة اختراع في كوريا الجنوبية، وهناك 48000 براءة اختراع في الولايات المتحدة(4) وهو ما يعتبر من ضروب التعاسة التي تلف حاضرنا بمتاهاتها اللامتناهية وبالتالي لا مناص من البحث عن الخيارات المتوفرة والاستشفاء المتاح للخلاص، بديلاً عن الاستسلام والانتحار المادي والمعنوي.

 (عش هانئاً) ترياق مقترح وأفكار مجربة ووجبات ناضجة من أجل النفس والحياة، وهو حديث لا يمل في أتون متاعبنا ومناكيدنا.. فلكي تخترق حجب النزق وخلاياه، وتستعلي على حشود التواكل والإرهاق، وتنعم بعالم الإحساس والاطمئنان والخصب، ابحث عن التغيير وجدد جوّك ومزاجك وارتشف من منابع الحكمة وفصل الخطاب، وتكيف مع حركة الكون والعمران، وانهض بأعبائك وآمالك، وانعم براحة الروح والبال، وحقق سعيك وسموك واسعد مع أريج الإيمان ونداه، وتذوق عذوبة الفعل والفعالية، وأدر محركات إقدامك وأقدامك واستروح بأوراق الورد والأوراد، ولا تتخيل الحرمان والتورع لتحرم ذاتك وغيرك من لذائذ الحلال (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)(5)

إنها سطور سهلة التعبير والتحقيق، تطارد بالنواميس والحقائق، عوامل القلق والهم والحزن والعجز والكسل والذوبان.. يعجز القلم عن شكر كاتبها الكريم، الذي أنار لنا من مشكاته، ما يعيننا على نوائب الحق والحياة.

         

هوامش:

1 – الأنعام 82

2 – البقرة 30

3 – رواه أبو داوود

4 – برنامج بلا حدود – الجزيرة 9 يونيو 2004م

5 – الأعراف 32