كتاب للدكتور حلمي القاعودة حول الرواية التاريخية في الادب الحديث
كتاب للدكتور حلمي القاعودة حول الرواية التاريخية في الادب الحديث: قراءة لقضايا عربية وإسلامية كبري تعيد التذكير بالماضي
القاهرة ـ القدس العربي ـ من محمود قرني
عن سلسلة كتابات نقدية التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، صدر للدكتور حلمي محمد القاعود كتابه الجديد الرواية التاريخية في أدبنا الحديث.. دراسة تطبيقية . ينقسم الكتاب الي استهلال وثلاثة اسفار الاول حول الرواية التعليمية، والثاني رواية النضج، والثالث رواية الاستدعاء.
في البداية يشير المؤلف الي ضرورة التجاور بين الماضي والحاضر ويؤكد
علي ان
الرواية التاريخية هي احدي تجليات هذا التجاور المنتج والخلاق،
ويشير الي بعض
الدراسات التي تناولت الرواية التاريخية بالدراسة مثل
القراءة التي قدمها
محمد حامد شوكت حول
الفن القصصي في الأدب العربي الحديث الذي لم يتوقف
طويلا امام
عدد كاف من النماذج بسبب طبيعة الدراسة حسب القاعود. وكذلك
دراسة قاسم عبده
قاسم واحمد ابراهيم الهواري لأربع روايات تاريخية ودراسة
عبد المحسن طه بدر
في كتابه نجيب
محفوظ ـ الرؤية والاداة . ويري القاعود ان كل قسم من
اقسام كتابه له
دوره ومهمته في سياقه الزمني والتاريخي ويري ان كثيرين
في الحقل النقدي
نظروا باستعلاء الي
المراحل الاولي لتشكيل فن الرواية التاريخية، وهي
نظرة يراها غير
موضوعية لانها تتجاهل الجذر الذي تطورت علي ضوئه هذه
الكتابة.
الرواية التأسيسية التعليمية
في سفره الاول حول الرواية
التعليمية يشير الدكتور حلمي القاعود الي ان هذه
الرواية ظهرت مع بدايات القرن
العشرين، اي في بداية نشأة الرواية كجنس أدبي،
وذلك عبر محاولات تعريب متواترة
جعلت من هذه الرواية منبرا مهما للتثقيف العام
وتوسيع دائرة القراء والتعرف علي
الجذر التاريخي لبعض الاحداث والشخصيات التي
أثرت في تاريخ الأمة. وهنا يري
القاعود ان الرواية في هذه المرحلة لم تكن نوعا
من انواع الترف الفني او المتعة
الجمالية فحسب، بل كانت تهدف بالاساس الي
المشاركة في البناء الثقافي، وينقل
المؤلف عن جورجي زيدان قوله ان الغاية من
وراء قصصه التاريخية هي تعليم التاريخ
من خلال اسلوب شائق وجذاب حتي يتغلب علي
جفاف المادة وجهامة المعلومات التي
يقدمها للقراء. ويرصد المؤلف اتجاهات
الرواية التاريخية التعليمية مقسما اياها
الي رواية المعلومات التاريخية وابرز
من يمثلها جورجي زيدان وطه حسين وابراهيم
الابياري وعبد الحميد جودة السحار،
ورواية تعليم الصياغة والاسلوب مثل نماذج
علي الجارم الذي ينتمي الي مدرسة
البيان في النثر العربي الحديث واخيرا رواية
الترجمة الادبية مثل نموذج احمد
كمال زكي في تراجمه الادبية للاصمعي والجاحظ
وفارس الفرسان اسامة بن منقذ، وكذلك بعض ما كتبه يوسف
العش مثل قصة عبقري
وترجمته لحياة عالم اللغة الخليل بن
احمد. وقد افرد المؤلف بعد هذا الاجمال
تفصيلا لموقفه وقراءته لكل من اعتمد
عليهم في تأكيد فكرته عن الرواية
التاريخية، وبدأ بفصل عن جورجي زيدان تحت
عنوان المعلومات في بحر العواطف،
ويعتبر المؤلف ان زيدان هو الرائد الحقيقي
لهذا الجنس الادبي كما اسلفنا وقد
انتج ثلاثا وعشرين رواية حسب احصاء المؤلف،
ثم يتناول القاعود الشاعر علي
الجارم ودرسه في الصياغة ويعتبره من الادباء
القلائل الذين اهتموا بهذا الجنس
الادبي من منظور اسلامي، ثم يأتي بعد ذلك علي
تراجم احمد كمال زكي لا سيما في
اعماله حول الاصمعي والجاحظ وفارس الفرسان
اسامة بن منقذ، وان كان المؤلف يعتبر
ان ميخائيل نعيمة من اول الذين اهتموا بفن
الترجمة الادبية في الادب العربي
الحديث من خلال كتاب عن بران خليل جبران في
صياغة روائية لحياته.
رواية
النضوج
اما في رواية النضوج فيشير المؤلف الي انه لم
يكن مصادفة ان يكون
الكتاب الذين
انجزوا الرواية التاريخية الناضجة فنيا من جيل الروائيين
البنــــاة
مســـتفيدين في ذلك من مسيرة الرواية العالمية، ولعدم التكرار
للنماذج التي
اختارها المؤلف استبعد من رواية النضوج كل من نجيب محفوظ
ونجــــيب الكيلاني
لذلك فقد قصر نموذجه في هذا السفر علي محمد فريد ابو
حديد ومحمد سعيد
العريان وعلي احمد
باكثير وعبد الحميد جودة السحار ومحمد عبد الحليم
عبد الله وثروت
اباظة ومحمد مصطفي هدارة.في البداية يؤكد المؤلف علي ان
محمد فريد ابو حديد واحد من طليعة كتاب الرواية
التاريخية علي المستوي الفني
والمستوي الكمي ايضا، ويشير المؤلف الي ان ابو
حديد هو احد اقدر الروائيين علي
صياغة التاريخ في قوالب روائية ناضجة ويشير الي
العديد من اعمال ابي حديد حيث
كتب المسرحية والاوبرا الغنائية علي مدي الاعوام
من 1926 حتي عام 1932، حيث كتب
مسرحياته التاريخية ابنة المملوك، مقتل سيدنا عثمان،
ميسون الغجرية، اوبرا
غنائية، خسرو شيرين، ثم رواياته التاريخية التي
تناولت فترة الجاهلية مثل
المهلهل سيد ربيعة، الملك الضليل، زنوبيا ملكة تدمر،
أبو الفوارس عنترة ابن
شداد، الوعاء المرمري، ثم رواياته الاجتماعية ويرصد
المؤلف اهتمام ابو حديد في
رواياته عن فترة ما قبل الاسلام ببعض القضايا الكبري
مثل الحرية والعبودية
والعدل والطغيان والحرب والسلام، ويبدو الانسان هو البطل
في معظم هذه الروايات
ولا يهزمه فيها الا الموت. بعد ذلك يتناول القاعود اعمال
محمد سعيد العريان
الذي حاول دائما ربط التاريخ بالواقع وقد بدا ذلك في
روايته قطر الندي
1945، علي باب
زويلة 1947، شجرة الدر 1947، وبنت قسطنطين 1948 وهي
روايات تصور مراحل
تاريخية مختلفة في التاريخ المصري الاسلامي الطولوني
والمملوكي. ايضا يتناول
القاعود رواية الثائر الاحمر لعلي احمد باكثير الذي
يعتبره واحدا من بناة الادب
العربي الحديث في معظم اوانه وفروعه ويعتبره من
روائيي الصف الاول الذي يضم
نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وعبد الحميد
جودة السحار وامين يوسف
غراب، وروايـــة الثائر الاحمر تتناول ثورة القرامطة
التي ترافقت ـ قيــــاما
وسقوطا ـ مع ثورة الزنج في دولة الخلافة العباسية علي
مدي عقود عديدة فــــي
القرنين الثالث والرابع الهجريين وتحكي قصة حمــــدان
قرمط وابن عمه عبدان
عندما تحولا من شخصــــين من عامة الناس الي ثائرين
يقودان الجموع ضد
الخلافة سعيا الي
العدل الشامل وانتهت ثورتهما بالفشل الذريع .بعد ذلك ينتقل المؤلف الي
روايات عبد الحميد جودة السحار الاغزر انتاجا بين
ابناء جيله، ثم يتناول رواية
المنصورة للدكتور محمد مصطفي هدارة ويرصد المؤلف
دور الرواية في معالجة كفاح
المصريين في المنصورة في الصراع مع الصليبيين
وابراز ملامح التفكير والتصور
لقادة الحرب الصليبية السابعة.
رواية
الاستدعاء
وهذا هو السفر الاخير
من الكتاب الذي يتناول رواية الاستدعاء التاريخي والتي
تعتمد علي استدعاء
التاريخ كأداة من ادوات الاسقاط علي قضايا معاصرة، وحسب
المؤلف فان اغلب هذه
الروايات يرتبط بالغايات الحضارية والسياسية دون التزام
صارم بوقائع التاريخ .
وقد قدم المؤلف ثلاثة نماذج لرواية الاستدعاء التاريخي
ويشير الي ان محمود
تيمور هو اول من قدم رواية الاستدعاء التاريخي لا سيما
في روايته
كليوباترة في خان
الخليلي المنجزة عام 1944، ويري القاعود ان الرواية
نتاج تأمل للاتجاهات
المثاليــــة الرفيعـــة التي انعقد عليها اجماع الساسة
فيما بعد الحرب
العالمية الثانية، كما يناقش المؤلف رواية قصيرة اخري
لتيمور هي معبود من
طين والتي نشرها
عام 1969 ويستدعي فيها الها فرعونيا قديما بوصفه
مثالا للعدل ويحلل
عبـــره النفــــس البشرية، ثم يختار المؤلف نماذج
روائية من ثلاثة
اجيال متتالية
اولها لنجــــيب محفوظ الذي يراه انضج من كتب في القص
العربي الحديث
وثانيهما لنجيب الكيلاني الذي اثري المكتبة العربية بعدد
كبير من الكتب
القصصية والروائية
من خلال منظور واضح وصريح وهو المنظــــور الاسلامي
وثالثهما للكاتب
محمد جبريل. يأخذ المؤلف من نجيب محفوظ رواية رحلة ابن
فطومة بخيالها
المحلق في اطار
تاريخي لمعالجة قضايا شديدة المعاصرة كما يتناول لدي
نجيب الكيلاني رواية
عمر يظــــهر في القدس كما يتناول رواية من اوراق
المتنبي لمحمد
جبريل، وهي رواية
كما يرصدها المــــؤلف تعتمد علي المكان كمفـــردة
اساســـية وكساحة
حقيقية للعمل الروائي حيث اختـــار الكاتب القاهرة
ميدانا للاحداث في
الفترة التي عاشها
المتنبي في مصر.
وفي ختام كتابه يخلص محمد حلمي القاعود الي ان فن
الرواية التاريخية متعدد
المستويات شكلا وموضوعا، وهو في معظمة يدور حول الهموم
العامة ولا يتوقف امام
الازمات الشخصية المحدودة، لان هذا النوع من الروايات
يعتني بمنظومة من القيم
الكبري المرتبطة بالوجود الانساني عبر التاريخ.
بقي القول ان الكتاب يقع في 615 صفحة من القطع المتوسط وصدر عن سلسلة كتابات نقدية بالهيئة العامة لقصور الثقافة التي يترأس تحريرها الناقد مجدي توفيق