أين الحقيقة ؟؟
بقلم :عبير الطنطاوي
عادت إلينا الكاتبة السيدة (ابتسام الكيلاني) مرة أخرى في كتاب جديد لخدمة الإسلام وإعلاء كلمته.. فبعد أن عرفتنا في كتابها السابق (امرأة في ظل الإسلام) على موقع المرأة في ظلال الشريعة الإسلامية جاءت في كتابها الحالي (أين الحقيقة) تعرفنا على موضوع جديد وشيّق يتناول مقارنة الدين الإسلامي الحنيف بالأديان الأخرى كالهندوسية والنصرانية واليهودية.. معرِّفةً بذلك كل ديانة ومبيّنة خصائصها وكتابها المقدس، ومن ثَمَّ انطلقت تقارن بينها وبين إسلامنا الحنيف..
ولا ننكر أن هذا الموضوع شيّق ومهم للفرد المسلم لكي يتعرف على ديانات أخرى ويتعرف على عقائدها وأفكارها وكتبها المقدسة، ويقارنها مع أفكار وعقائد الإسلام والقرآن الكريم فيزيد ذلك من إيمانه ويغني نفسه وترتفع ثقته بما حباه الله إياه من دين صحيح لا شك فيه.. وقد تميّزت الكاتبة بأسلوبها الحافل بالبساطة والوضوح بشكل كبير مما يجعل الكتاب مفهوماً من قبل المجتمع من أنصاف المتعلمين وغيرهم وخاصة زمر النساء اللواتي غادرن الثقافة منذ مدة طويلة، وأوقاتهن لا تسمح لهن بالنزر اليسير من القراءة والاطلاع..
وقد تمكنت الكاتبة من سرد تلك المعلومات القيمة على شكل قصة اتخذت من أبطالها أدوات ووسائل لعرض المعلومات المختلفة، وكان مكان القصة بلداً أجنبياً (باريس) حيث التقى في ذلك البلد مجموعة من الأجانب من جنسيات مختلفة، منها العربي والهندي والهولندي والإنكليزي وسواها.. جمعهم معهد لتعليم اللغة الفرنسية وهذا المعهد يقوم بالتدريس فيه مشرف فرنسي الأصل ولكنه يبحث عن حقيقة دينه، فجعل من محاضرات المعهد ندوات يناقش فيها الطلبة أموراً مختلفة باللغة الفرنسية من دون إدخال أي لغة أخرى حتى تقوى لغة كل فرد من أفراد المجموعة.. ومن ضمن الندوات ندوة عن حاجة الإنسان للدين وعدم قدرته على العيش من دونه وركاكة الدين عند من يرث دينه من أهله وراثة من غير اقتناع، ومن ثم ذلك التطابق العجيب بين الديانة الهندوسية التي تقول بالتثليث فالآلهة عندهم ثلاثة: (براهما أو الموجد) و(فشنو أو الحافظ) و(سيفا أو المهلك) وهذه الآلهة ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة.. وهذه العقيدة تطابق عقيدة الأب والابن وروح القدس عند النصارى وهم ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة، وهذه نظريات لا يقبلها عقل يقول بتوحيد الإله ومن ثم يقسمه إلى ثلاثة أقسام.
وتحدثت عن عمل المرأة خارج المنزل، ورأي الأديان في ذلك، والظلم الذي لحق بالمرأة من جراء جعلها آلة عمل خارج وداخل المنزل، وكان لها نقاشات أخرى في الجنس ونظرة الأديان للجنس، والتوازن الحكيم في هذا الموضوع عند الإسلام، بينما النصرانية تركز على الروح، وتحتقر حاجات الإنسان الفطرية، واليهودية تحتقر المرأة وتعتبرها آلة إنجاب فقط..
وناقش الحضور موضوع الحرية الجنسية عندهم تلك الحرية التي لم تضرّ إلا المرأة التي امتهنت بذلك كرامتها. كما حدثت مناقشات بينت أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي دُوِّن في عهد نبيه عليه السلام ولم يتعرض للتحريف أو التبديل، على الرغم من مرور ألف وأربع مئة سنة على نزوله، بينما التوراة أعيدت كتابتها، لأن النسخ الأصلية مفقودة، ولهذا أعيدت كتابتها مرات عدة، والإنجيل كذلك حيث اختارت الطائفة البروتستانتية والأرثوذكسية ستة وستين سفراً من ثلاثة وسبعين سفراً، واعتبرت الأسفار السبعة الأخرى مشكوكاً في صحتها وقد اعتمدتها الطائفة الكاثوليكية، وهذا يدل على أن تلك الأسفار ليست من كلام الله عز وجل وإنما هي عبارة عن سيرة أنبيائهم وصلحائهم من الحواريين والأتباع المخلصين، كما هي السيرة النبوية التي كتبها ويكتبها المسلمون عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه وتاريخ الإسلام..
وتناولت الندوات مدى توازن الإسلام وشموله جميع مناحي الحياة، وعدم تركيزه على جانب دون آخر، وعالمية هذا الدين الحنيف بينما الأديان الأخرى ذات خصوصية. كل دين لمن جاء لهم حتى إن التوراة عندهم تكره مصر والعراق وورد فيها كلمات تحرض على قتل المصريين والعراقيين لأن فيها قوماً جبارين عارضوا أنبياءهم ولا ننسى نظرة الإسلام الراقية لأنبياء الله ورسله عليهم السلام، بينما نظرت بعض الأديان الأخرى إليهم على أنهم زناة وزناة بالمحارم وقتلة، مثلهم مثل أي مجرم ليس له أدنى احترام في الأرض، فضلاً عن الرب الجاهل الذي تخفى عليه أمور كثيرة والذي يندم ويحقد و.. وغير ذلك من الصفات التي تقلل من هيبة خالق السماوات والأرض تلك الهيبة لم نجدها بشكلها الصحيح إلا في ظل الإسلام والقرآن فضلاً عن الاختيار الراقي لألفاظ القرآن الكريم وخلو الكتب الأخرى من الحشمة في اختيار الألفاظ والتعبير عن المواقف.
وأخيراً تحدثت الكاتبة عن مدى احترام الإسلام والقرآن للعلم وتطابق كثير من آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن العلم مع مكتشفات العلم الحديث الذي يدل على أن القرآن كتاب الله المحفوظ من التحريف.. المعجز في كل حرف وكلمة فيه.. فشكراً للكاتبة وهنيئاً لنا بإبداعات كاتبات مسلمات.. واعيات، عرفن زمانهنَّ، واستقامت طرائقهنّ، وكنّ قدوات صالحات لبنات جنسهنّ.. وإننا ننتظر المزيد من الأديبة الفاضلة الأستاذة ابتسام.