شجرة الحكاية
مجموعة قصصية لعبد الهادي الفحيلي
الاخوة الأعزاء ، يسعدني جدا ان أعلن اليوم عن صدور أول كتاب ورقي ضمن اتفاقية الشراكة بين منتدى انانا الأدبي ودار التنوخي للنشر و التوزيع وهو كتاب : " شجرة الحكاية " المجموعة القصصية للأخ العزيز عبدالهادي الفحيلي
وقد تضمن الكتاب في صفحاته ال80 مجموعة من القصص القصيرة هي على التوالي :
تلك المراة
الدموع
ذات جنون
ربيع احمر
ياك اجرحي
الرمل
حالة شغب
ذكرى من لهب
شان ما
يكفي انه كلام
وكانت فاتحة الكتاب مقدمة للمبدع المهدي لعرج :
" ما الذي يفعله بنا القاص عبد الهادي الفحيلي في هذا الكتاب؟ طرحتُ على نفسي هذا السؤال وأنا أقرأ قصص المجموعة التي ظلت رغبتي في ضرورة أن تخرج في يوم من الأيام فيقرأها الناس تزداد يوماً بعد يوم، المجموعة التي كنتُ أحس أنها قد نضجت بالفعل وحان قطافها .
في هذا الكتاب إذن يقترح علينا عبد الهادي الفحيلي أن نأوي إلى ظل شجرة الكتابة، شجرته هو تحديداً . وهو يأخذنا إلى ذلك باللين والرفق الضروريين، وبالقوة اللازمة أحياناً . وشجرة الفحيلي هنا، كأية شجرة يهفو إليها النظر لها الظلُّ الوارفُ والثمار اليانعة . والكتابة بالفعل مثل الشجرة، لكن شجرة الحكاية لا تشيخ ولا تهرم، ولا تتساقط أوراقها . شجرة الحكاية تتأجج بالعنفوان في كل موسم، وتتوهج بالقطاف . ولأن الكتابةَ شجرةٌ، فإن عبد الهادي الفحيلي يعلن انتماءه إليها ويقترح علينا أن نتفيأ صحبته ظلالها .
يقترح علينا الفحيلي في هذه المجموعة باقة من القصص الجميلة، قصص مكتوبة بولع وحرقة ونضج كبير . معظم قصص المجموعة يهيمن عليها صوت السارد الذي يتمظهر في صيغة ضمير المتكلم المفرد . تخفي هذه الصيغة رغبة الكاتب الجامحة في التعبير عن أقصى ما يمكن التعبير عنه . إذ تصبح القصة القصيرة التي توظف ضمير المتكلم المفرد في حجم الرواية من حيث قدرتها على التعبير عن جزء كبير من مواقف الكاتب ورؤيته للناس والأشياء .
وعبد الهادي الفحيلي في قصص هذه المجموعة بقدر ما يهتم برسم ملامح شخصياته وتأطير الحدث فإنه يهتم أيضاً بخلق جو شاعري يجعلنا نقرأ القصة بإيقاع الشعر ، أو على إيقاعه . أحس أحياناً أن الأسطر لو أعيد توزيعها لالتبست بالشعر حقيقة . لا أثر للحكي الزائد، ولا الوصف الفائض، ولا الحوار المتكلف، ولا الشخصيات التي ليس لها في القصة ما تفعله . جمل قصيرة حارقة، وأفكار تمرق كالسهم . جمل عندما تكون قصيرة تصبح مثل أسطر شعرية في قصيدة نثر . جمل تصف أيضاً الصمتَ المطبق والبياضَ فإذا هو ناطق فصيح كأشد ما تكون الفصاحة .
وفي قصص المجموعة كثير من الحلم، حلم يتأجج بأريج المرأة وذكرياتها . المرأة في هذه القصص هي الحضور والغياب، هي الجسد والروح، هي المتعة والحرمان، هي الوجود والعدم، هي الفراغ والامتلاء، هي الماضي والحاضر، هي اليقظة والحلم، هي القوة والضعف، هي اللذة والألم، هي أحد أهم أغصان الشجرة المباركة ، شجرة الكتابة التي يعلن عبد الهادي الفحيلي عن انتمائه إلى نسبها العالي من غير أن يتلجلج في ذلك أو يرتاب. ويمتزج الحلم في قصص المجموعة بشيء آخر هو القوة، قوة التعبير عن رؤية الكاتب للعالم وأشيائه . قوة تكتسب وهجها من الوضوح العميق .
وفي القصص أيضاً سخرية لاذعة لذيذة، تشد الانتباه، لأن الكاتب -على غير العادة ربما- لا يلجأ إلى السخرية من أجل القسوة على الشخوص الأخرى، بقدر ما يلجأ إليها ليقسو على صوت السارد، الذي يمكن أن يصبح أقرب الأصوات إليه . إنها ليست طريقة لإغراء القارئ وشد انتباهه فقط، بل هو التوتر الضروري لكل كتابة تسعى إلى جعل الذات ضمن دائرة الاهتمام . لا يمكن للكاتب أن يكون صادقاً في جعل ذاته جزءاً من بنية العمل الأدبي، وهو يتحدث عنها بنوع من التسامي والكناية .
ومن أهم ما يلفت الانتباه في هذا السياق الأهمية التي يعطيها عبد الهادي الفحيلي للعين والنظر . العين الفاحصة تكون دائماً هي ما يورط شخوص القصة في شرك الأحداث . العين التي ترنو لتدرك الفرق، الإدراك الذي يطفئ الانفعال، الانفعال الذي يتأجج لأتفه الأسباب، الأسباب التي ما عاد يسأل عنها من أحد . لذلك يكتفي السارد بالنظر، وفي خضم ذلك يكبر أمام عينيه حجم ثنائيات متقابلة بحدة وعنف: المرأة الرجل، الولد البنت، الظاهر الباطن، المدينة القرية، الواقع الحلم، الصمت الكلام ... لذلك أيضاً تغيم النظرة وينمو الرنو فيعظم الإحساس بالتفاهة والهشاشة في زمن سريع التحول، زمن يسحق الشخوص وذكرياتها . كل شيء يتلاشى كأن لم يكن أبداً . وجود الشخوص وجود طارئ هش . وكل شيء مستعار باهت، في فضاء يبتلع الإنسانُ فيه الرملَ والصهدَ وشيئأ من الذباب ، فضاء أحمق يعمل الإنسان فيه مثل بغل . فضاءٌ يتحول فيه الفعل التافه أحياناً إلى بطولة والإيمان الزائف إلى أسطورة . في هذا الواقع المزدحم بالخيبة والألم وعدم اليقين تبكي الأم والحبيبة، ويعصف الأخ بأخيه، ويصبح الطفل البريء عفريتاً، والجارُ جائراً سادراً قرير العين ينامُ وجارهُ يتضور من الحرمان .
ويمضي عبد الهادي الفحيلي إلى قول ما يريد قوله كالسيف، يمضي بلا هوادة ، يضرب بقوة وعنف، وبثقة ونضج كبيرين . شخوص تمارس شغبها اللذيذ بين مضايق الرغبة المشبوبة والمحمومة ، الرغبة الدفينة إلى الجسد النافر، الرغبة التي لم ترتو يوماً ولن ترتوي أبداً . لأن التحول أكبر من حيلة الشخوص وطاقتها . التحول يلعب بالشخوص، يميتها تارة ويحييها . ولأن الحرمان يجب أن يلد نقيضه ، فإن كل شيء يشعشع من جديد : المكان يضيء، وذئب اللذة يعوي، والتي نفرت من زمان تدفعها الرغبة فتتدافع، ثم .. ثم يسري الدفء في نسغ اللقاء، ويزهر التقابل . التقابل الذي يزدهر في حلم الطفولة المستعاد، في تفاصيل التفاهة ومشاغلها الصغيرة، في دعاء المتسولين وابتهالات كل ذي حظ عاثر متسكع زنيم . هكذا تتوتر المفارقة لتنتج قصصاً قصيرة متميزة بعالمها ورؤيتها، متميزة بفضائها وشخوصها، متميزة بلغتها وأسلوبها، وتلك أهم مقومات الكتابة القصصية بشكل عام .