هكذا ربّانا جدي علي الطنطاوي

هكذا ربّانا جدي

علي الطنطـاوي

تأليف : عابدة العظم

عرض : غرناطة الطنطاوي

     كم كنت أتوق لمعرفة حياة مربّي الأجيال علي الطنطاوي بعد أن سمعت   الكثير الكثير عن شخصيته الفذّة من والدي - حفظه الله - فهو تلميذ علي الطنطاوي وصديقه ومن محبيّه والمعجبين به وبأسلوب كتابته وإلقائه في الإذاعة السورية والسعودية على مدى سنوات طوال .

وفي يوم قدّم لي والدي كتاباً يحوي مقتطفات من سيرة هذا المربّي الفاضل ، وكم سعدت بهذا الكتاب الذي يحوي بين دفتيّه مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط ، وكاتبته حفيدة علي الطنطاوي التي تربّت في كنفه ، وتلقّت منه ما يؤهلها لأن تكون مربية فاضلة كجدها ،ألا وهي عابدة المؤيد العظم ، وقدم لها زوجها و ابن خالتها مجاهد ديرانية حفيد الطنطاوي … وقد ذكر نبذة عن بعض عادات جده الطريفة ، وطريقته في الكتابة والأكل والنوم ، وطريقته في تربية بناته وأحفاده .

والكتاب يحمل اسم : هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي ، ويتألف من تسعة فصول قصيرة سلسة الأسلوب ممتعة ، تجعلك تعيش معهم وكأنك واحد منهم ... ناهيك عن الفائدة الكبيرة التي تستوحيها من التجارب التربوية ، التي كان يقوم بها الطنطاوي مع أولاده ، لغرس المفاهيم الإسلامية في نفوسهم ، وحثهم على فضائل الأعمال ، والسمو بأخلاقهم إلى عليين ..

مثلاً إذا طلبت منه ابنته شيئاً ، قال لها : اطلبيه من الله وقولي : يا رب ، أريد هذا الشيء، والله سيسمعك ويجيب طلبك .. وبعد أيام يحضر ما طلبته ابنته قائلاً لها : انظري ، لأنك قلت يا رب ، رزقني الله مالاً واشتريت لك ما طلبت ..  وبهذا غرس الإيمان بالله والالتجاء إليه وقت الحاجة .

في الفصل الأول : تحدثت الكاتبة عن ملامح من شخصية المربي الناجح .. منها تقبل النقد وهذا لا يقلل من منزلة المربي .. فقد كان الطنطاوي يطلب من حفيده أن يقلده في حركاته كي يتفادى غير المناسب منها . وكان يتقبل هذا النقد بروح فتية مرحة مما جعله كبيراً في نظر أحفاده ..

كما نبه أن هيبة المربي لا تكون بالقسوة ، فالصياح يفقد المربي هيبته ، والانفعال يقلل من احترامه ، فالضرب عنده للتأديب لا للانتقام .. فلم يعاقب أحداً أبداً لأنه كسر شيئاً دون قصد .. ولو كان ثميناً ، بينما عاقب أحد الأحفاد لأنه كسر زهرية رخيصة عبث فيها فوقعت أرضاً .. فالزهرية للعرض ولا يجوز اللعب بها ..

في الفصل الثاني في عالم الصغار الجميل قد تعلمت الكاتبة من جدها أن ننزل إلى مستواهم لنفهمهم .. في إحدى المرات لعب مع حفيدته الصغيرة ذات الأعوام الخمسة بالشطرنج لأن الجميع رفض أن يلعب معها لصغر سنها .. وحضّ الطنطاوي على متابعة الأولاد باستمرار خفية عنهم حتى نعلم كل ما يدور حولهم.  وأن نكون صادقين معهم حتى نعلمهم الصدق .. فكان مبتكراً لأساليب عجيبة منها .. الحجاب .. للفتاة في مستهل شبابها يكون قيداً صعباً ، وقد أدرك الطنطاوي هذا .. ولم يسعَ إلى إيهام ابنته أن الحجاب سهل ممتع ، بل بالغ في وصف صعوبة الحجاب في (الظاهر) ، واتخذ كل أسباب الترغيب (في الخفاء) .. فقد اشترى أغلى وأجمل خمار لابنته ، وبالتالي فقد شعرت ابنته بالفخر بحجابها الثمين ، فتسابقت صاحباتها إلى تقليدها .. فصار حجابها كسباً لها بدل أن يكون عبئاً عليها .

في الفصل الرابع تحدثت الكاتبة عن تقويم علاقة الوالدين بالأولاد وأهمها : تدريب الأولاد على تقدير جهود أمهاتهم وآبائهم وإشراكهم في العمل وأن يخدموا أنفسهم بأنفسهم .

أما الفصل الخامس فقد خصصته الكاتبة للحديث عن العدل في المعاملة والعدل في العطاء بين الأولاد كيلا تظهر مشاعر الكراهية بين الإخوة .

كما أن الكاتبة قد تعلمت من جدها أن أسلوب الوعظ المباشر مفيد في بعض الأحيان .. فأوردت قصة طريفة .. تقول الكاتبة: وزع أهلنا علينا نحن الأحفاد علباً ملونة فيها حلوى .. وكذلك وزعت الحلوى على الصغار من أقاربنا عندما جاؤوا لزيارتنا .. وقد تعلمنا من جدنا إكرام الضيف فقام كل حفيد منا بتقديم علبته لأقاربنا الكبار لتذوق ما فيها.. فسر أولادهم بذلك واحتفظوا بعلبهم مغلقة ومدوا أيديهم ليأخذوا من علبنا وقد أزعجنا هذا التصرف ولم ندر ما نفعل أمام طمع الصغار ولا مبالاة الكبار .. فانزعج جدي وطلب من الأولاد إعادة الحلوى إلينا ويكفيهم ما أكلوه منا .. حتى يعلموا أن ما صنعوه طمع زائد لا يرضى الله عنه ولا عباده وعلى آبائهم تنبيه أبنائهم إلى الابتعاد عن الطمع حتى لا يشبوا على الطمع والأثرة ..

أما تكوين الشخصية القوية الناجحة فقد استحوذ على الفصل السادس ، فعلى الصغار أن يعملوا واجبات البيت أسوة بالكبار ومساعدة لهم حتى تصقل شخصيتهم .. وكان الطنطاوي يدفع أحفاده الصغار للإمامة في الصلاة ويصلي خلفهم حتى يشب الصغير وقد اعتاد الإمامة وأتقنها .. وحتى يتعلم الصغار الجرأة في الحق لأنها تدفع الظلم وتحفظ الحق .

وكان الطنطاوي يمارس الرياضة من ملاكمة ومشي وغيرهما ويحث أولاده عليها .. والنوم الجيد عنده من أهم أسباب الصحة الجيدة ، فكان يرغم بناته على النوم ثماني ساعات في اليوم .. فلو نقصت ساعات نوم إحداهنّ أرغمها على إكماله ولو أدى ذلك إلى تأخيرها عن مدرستها أو واجباتها .. فحكمته دائماً: العقل السليم في الجسم السليم .

كما كان يعلم بناته اقتناص الفرص في الوقت المناسب ، وشبّه الفرصة بالذبابة التي إن تأخرنا في القضاء عليها طارت ولم ننجح في قتلها أبداً .

في الفصل السابع تحثنا الكاتبة على الاستفادة من الجلسات العائلية في توجيه الأبناء لمبادئ الأخلاق الإسلامية والاجتماعية ، وقد أوردت قصة طريفة عن جدّها ليعلم أبناءه الإيثار في الطعام . وكذلك الإيثار في كل شيء ليفوزوا برضا رب الناس ، وحب الناس لهم .

واحترام المواعيد أكثر ما عرف عن الطنطاوي في حياته .

وفي الفصل الثامن أكثر ما يؤكد على النعمة ، وحكمة جدّ الكاتبة التي يؤكد عليها دائماً ( وبالشكر تدوم النعم ) وعلى كل إنسان أن يعمل بهذه الحكمة .

القراءة وفن القراءة موهبة وهبها الله للطنطاوي ، الذي بدوره يحاول زرعها في أبنائه ، والفصل الأخير يؤكد على هذه الفكرة ، ويعمقها .

والكتاب يحوي الكثير من التجارب التربوية ، كما أسلفنا سابقاً بأسلوب بسيط بعيد عن التعقيد والتهويل والمحاباة لجدّها.. رغم حبها لجدّها وتوقيرها له .. وأتمنى أن يُقَدَّمَ هذا الكتاب لكل عروسين مقبلين على حياة جديدة ، ليتبعا نهج الطنطاوي في التربية الإسلامية لأبنائهما المقبلين …