يأجوج ومأجوج الخزر .. إسرائيل

يأجوج ومأجوج

الخزر .. إسرائيل

عرض : غرناطة الطنطاوي

اطّلعت على كتاب ( يأجوج ومأجوج ، الخزر .. إسرائيل ) ، وما أكثر ما قرأت في هذا الموضوع ، الذي ورد ذكره في القرآن الكريم مرتين ، في سورة الكهف ، مقترناً مع ذكر ذي القرنين ، وفي سورة الأنبياء ، وورد أيضاً ذكرهما في كتب أهل الكتاب ، عندما جاء نفر مـن

اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسألوه : 

عن أهل الكهف وعن الروح وعن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما خبره ؟

وكانت معظم هذه الكتابات سطحية أو تعتمد على كتب أهل الكتاب بشكل رئيس ، بما فيها من تحريف وتشويه ، فدخلت الإسرائيليات علينا من حيث لا نحتسب ..

 ولكن كتاب الدكتور محمد هلال الذي يقع في 255 صفحة من القطع المتوسط ، جاء منهجياً علمياً متخصصاً ، استفاد من نبوءات أهل الكتاب واجتهادات المفسرين في الآيات القرآنية .

وجزاه الله كل خير على بذله جهداً كبيراً في قراءة كتب أهل الكتاب التي تحوي الغثّ أكثر من السمين ، والخرافات والخزعبلات التي يأباها عقل طفل ، ثم فنّدها وأجرى مقارنات كثيرة بين نبوءاتهم وما أكثرها ، وبين ما ورد في القرآن الكريم ، فأثبت النبوءة إذا ورد معناها في القرآن الكريم ، وشكك في غيرها على ضوء ما ورد على ألسنة عقلاء أهل الكتاب.

جاء الكتاب في ثمانية فصول :

الفصل الأول يتحدث فيه عن كتاب القبيلة الثالثة عشرة التي ينتمي إليها الاشكناز اليوم، أي غالبية يهود العالم ويبلغون أحد عشر مليوناً ، وهذا الكتاب قد كتبه آرثر كويستلر اليهودي ، فأثار ضجة كبرى في جميع الأوساط ، وأسخط اليهود بشكل خاص .. حيث تحدث عن مملكة الخزر ، التي ترجع أصولهم إلى القبائل القاطنة شرق الصين ، والتي قام الصينيون بطردها في القرن الأول الميلادي .

ولعلّ كلمة الخزر تعني الرحّل ، لأنهم كانوا أول أمرهم رعاة رحّلاً ، ثم أصبحوا مزارعين وصيادي أسماك وتجاراً وحرفيين مستقرين في مدن وقرى ، وقد سماهم أحد المؤرخين الجورجيين يأجوج ومأجوج ، وكذلك الراهب الاستفالي : كريستيان دور ثمان الأكيتاني وهو من نصارى الغرب قال :

" هناك شعب اسمه يأجوج ومأجوج يعتنق اليهودية ، وهم من الهون ويدعون الخزر ".

ثم يتحدث الكاتب عن هبوط دولة الخزر على يد جنكيز خان ، حتى أصبحت أرض الخزر يباباً بسبب الهجرة إلى الغرب هرباً من مذابح جنكيز خان ، ثم جاء الطاعون الأسود سنة 1350 م فقضى على ثلث سكان أوربا ، وقام النصارى بذبح اليهود المتبقين باعتبارهم سبب غضب الرب ، وبقيت أوربا الغربية خالية تماماً من اليهود لمدة قرنين .

أما اليهود الجدد في فرنسا وإنجلترا فجاؤوا في القرنين السادس عشر والسابع عشر من إسبانيا مع محاكم التفتيش ، أي أنهم ( سفارد ) وليسوا ( أشكناز ) وهم يشكلون نسبة ضئيلة جداً بالنسبة ليهود العالم فهم نصف مليون فقط .

واسم ( أشكناز ) في كتاب اليهود المقدس هو ابن جومر ابن يافث وهو كذلك أخو توجرمة الذي ينتسب إليه الخزر وابن أخي مأجوج .. وقد أرجع الخزر أنفسُهم أصولَهم إلى يافث والد مأجوج .

وإذا كان جوج هو أمير مأجوج في نبوءة حزقيال ، فإن بني إسرائيل هم الذين يؤججون ( يأجوج ) الخزر ( مأجوج .. أشكناز ) لحرب رسالة الإسلام .. فجاء داود الرائي -لأب خزري- الذي ادعى أنه النبي إيليا وأن ابنه داود هو المسيح ، ودعا إلى استرداد بيت المقدس ، ولكن بعض أتباعه اغتاله ، وبذلك قضى على هذه الحملة الصهيونية المبكرة التي شجعتها الحملات الصليبية المزامنة لها .

ومن ثم يؤكد الكاتب على أن يأجوج ومأجوج بشر عاديون ،لأن النص القرآني لا يزيد على أنهم مفسدون في الأرض ، ولا يوجد ما يدل على أنهم ليسوا بشراً طبيعيين من الناحية الفسيولوجية والنفسية .

أما الفصل الثاني فقد تحدث فيه عن صفات ذي القرنين ، لأن تحديد الشخصية التاريخية له ستفيدنا في معرفة يأجوج ومأجوج ، ثم يقول الكاتب :

" البحث عن ذي القرنين في التراث الكتابي قد يفيدنا في تعرف شخصيته مع الأخذ بعين الاعتبار بأن كتبهم محرفة ، ولابد من منهجية محددة لدراستها ، فقد أسقط الكتابيون ذكر ذي القرنين بعد أن بيّنه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لكيلا يكون دليلاً على نبوّته " .

وقد حمل المفسرون ظنهم بأن يأجوج ومأجوج محشورون خلف السد ، ولا يستطيعون الخروج إلا باندكاكه وهذا التصوّر أثبت الزمان خطأه ، فلا يعقل أن يحتجز الناس اليوم بعد أن تطوّرت وسائل النقل ، وقد استندوا كذلك إلى قوله تعالى : [ وهم من كل حدبٍ ينسلونت] أي أنهم لا يأتون من فج واحد وهو من خلف السد وسيفيدنا هذا التقرير في تفسير قوله تعالى[ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ] حيث لا يعود المضاف المحذوف إلى السد وإنما إلى مقدّر مثل أبواب أي فتحت أبواب يأجوج ومأجوج ، وليس فتحت سد يأجوج ومأجوج .

وهذا يقتضي أن يكون السد لا يزال موجوداً ، وعدم اكتشاف موقع السد لا يعني عدم وجوده فهناك مناطق كثيرة جداً على الأرض ما تزال مجهولة أو غير مكتشفة تفصيلياً .

ثم يأتي الفصل الثالث : يأجوج ومأجوج .. الماضي والحاضر والمستقبل ، فقد قرأ الكاتب كتب أهل الكتاب الذين أكدوا أن يأجوج ومأجوج من قبائل الشمال في منطقة روش (روسيا) وميشك (موسكو) وتوبال (توبالسك اليوم) وهذا حسب نبوءة حزقيال ، ثم قدم الكاتب ثمانية حلول لوصل العلاقة بين يأجوج ومأجوج الماضي والمستقبل ، منها حلٌّ قدمه الباحث محمد أمير يكن معتمداً على كتب أهل الكتاب أن خروج يأجوج ومأجوج هو الغزو اليهودي الحالي لفلسطين والزعامة دائماً لأهالي الشمال أي للأوربيين .

ثم تحدث الكاتب عن منهج دراسة نبوءات أهل الكتاب من خلال الفصل الرابع ، ووضع أربع قواعد لدراسة كتبهم .

والفصل الخامس يتحدث عن نبوءات أهل الكتاب الذين جعلوا ( هاجر ) أمَّ العرب حامية وليست سامية ، لكي يخرج اليهودُ العربَ من ذرية سام الذين جاء منهم الأنبياء .

ثم تحدث عن حزقيال الذي قد يكون هو النبي ذو الكفل المذكور في القرآن ، وقد ألبسه اليهود صفات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لإلغاء البشارة بالرسول النبي الأميّ محمد صلى الله عليه وسلم .

يقول الكاتب :

"حاول الأحبار طمس معالم هذه النبوءة بالزيادة والنقصان والتقديم والتأخير ، ولكننا استطعنا إعادة ترتيب السفر مستعينين بملاحظات الناقدين المحدثين من أهل الكتاب أنفسهم ".

يطرح الإعلام الصهيوني الغربي التساؤل الآتي :

"إذا كان الإسلام قد ألغى القدس كقبلة فلماذا هذا الحرص عليها من قبل المسلمين ؟

فيجيبنا الكاتب عن هذا التساؤل .

وقد خصص الكاتب في الفصل السادس يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم ، ففسر الآيات تفسيراً دقيقاً ذاكراً ومستفيداً من تفاسير الذين سبقوه .

وفي الفصل السابع ذكر الكاتب مرة إفساد إسرائيل واتجاهات التفسير القديمة والحديثة ، ويؤكد أن كلمة هيكل سليمان بابلية وثنية ،وأما سليمان فقد جدد المسجد الذي بناه إبراهيم عليه السلام ، ويفسر العلوّ الكبير على أنه سيكون على مستوى الإنسانية جمعاء ,هذا ما يحصل اليوم ، والقوم الذين سيحاربون بني إسرائيل هم من المسلمين المؤمنين الصالحين .

أما الفصل الأخير فيستعرض كتاب دانيال والأخطاء التاريخية التي وردت في السفر.

وبهذا يكون الكاتب قد قدم دراسة منهجية وافية عن نبوءات أهل الكتاب ، ورؤيا قد تكون جديدة عن يأجوج ومأجوج ، إلى غير ذلك من رؤى وآراء نيّرة عن الساعة وعلاماتها ،وكلها جديرة بالدراسة والتأمل ، في هذا الزمن الصعب .