معاناة معلمة
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
المؤلفة: خولة درويش
قصة تربوية هادفة، جرت أحداثها في بعض الأقطار التي تنكَّر فيها الحاكمون للإسلام وبدؤوا بحربه في الستينيات، وهي مجموعة مواقف تصور معاناة المثقفة المسلمة في سنوات التيه، وتقدم نموذجاً حياً للصراع بين دعاة التغريب، وحملة الفكرة الإسلامية.
كانت الشخصية الرئيسة فيها المعلمة سلمى، وقد قدمتها المؤلفة لنا فتاة ملتزمة بالإسلام فكراً وسلوكاً، تعتز بالإسلام وتدعو إليه: نلحظ الهدف التربوي يسير مع مجريات القصة ومن خلال رسمها لهذه الشخصية في تصوير مسلكها الإسلامي لباساً وحشمةً والتزاماً بالدعاء والأذكار وكياسة في التعامل مع الزميلات والتلميذات، وأداءً للواجب وانتزاعاً لإعجاب الأخريات ولو كنَّ يخالفنها في الرأي والموقف؟!
وتوضح أن أمور الدعوة قد تتعرض للمضايقات بسبب جهل الناس بالإسلام وخسة خصومه وانجراف الكثيرين مع تيار الضياع.
وتبدو لنا سلمى تواجه وتصارع وتعبر وتحتسب، فهذه سمر طالبة مشاكسة يصل بها الأمر إلى أن تطرح سؤالاً: هل الله موجود.. وقد عللت المؤلفة أن وراء هذا الضياع الفكري غفلة البيت وعدم القيام بدوره فتهرب مع أحد المدرسين إلى خارج البلاد، ويتنكر لها فتشعر بالندم وقد فات الأوان. ومن الصراع مع التلميذات المتفرجات إلى صراع مع مدير التعليم الذي يكيد للمتحجبات ويَعُدُّ وجودهن سبباً في التزام الطالبات بالحجاب الشرعي، فيحرض المديرة والإداريات عليهن، إلا أن ثباتهن يدفع بكثيرات إلى التزام الطريق الصحيح، ولعل قضية الحجاب كانت من أشد صور الصراع، وهذا ما عانت منه الطالبة زينب التي تعرضت للتهديد والوعيد.
ولا يغيب الهدف التربوي – كما أشرنا- في جميع فصول القصة فتظهر ثقافة الكاتبة من خلال الردود التي تجريها على لسان شخصياتها، كما في الحوار بين د. طنوس المتصابي والطالبة فائقة عن نظام الإسلام في توزيع الثروة وتعدد الزوجات، في صور تذكرنا بقصة الإيمان للشيخ نديم الجسر تبين أن المثقف المسلم حين يجد هامشاً من حرية التعبير والقول يستطيع دحض الشبهات والمفتريات؟! فقد استطاع المدرس نبيل أن يبطل حجج مدير التعليم الذي تمثل منهج فرعون "ما أريكم إلا ما أرى".
وإذا كان الصراع هو السمة الرئيسة في هذه القصة وقد شدنا إلى أحداثها وشخوصها إلا أن الخاتمة توزعت واختلفت من شخص لآخر، فالمديرة كَمَن لها العامل "عبد الفتاح" وأراد خنقها لما تفعله وتنفذه في حق الطالبات وهي نهاية مفاجئة، حبذا لو مهدت لها بتفاعل الشارع والأهالي بما يجري في المدرسة بشكل أكبر من اعتراض المفتي وبعض أولياء التلميذات في إحدى المرات.. فانتقلت إلى مدينة أخرى ود. طنوس انقلب عليه رفاقه الحزبيون فأودعوه السجن؟! والإدارية سالي بدأت تفضح ممارسات مدير التعليم الذي خدعها طويلاً وتزوج من امرأة أوربية.. واستمر التآمر على المتدينات فنزع الحجاب في شوارع العاصمة وسرحت المتلزمات من ذوات الكفاءات وغيرت المناهج، وتلقت سلمى نبأ تسريحها وهي في إجازة الأمومة، كما سرح زوجها الأستاذ حسن. ويستمر الصراع، ولا يجد أصحاب الصراط السوي إلا الصبر والاحتساب!
استطاعت هذه القصة أن تصور مأساة التعليم في بعض أقطار المسلمين ليخرج منها القارئ بنقمة عارمة على المنحرفين الذين يحاربون الإسلام في شخص دعاته والملتزمين به. وقد استغرق السرد بضمير الغائب أكثر فصول القصة بلغة سهلة، وسيرورة منطقية للأحداث، ورسم موفق للشخصيات، فلم تتأثر بما بُث فيها من أهداف تربوية، وحوارات فكرية.