قراءة في كتاب "من ذاكرة الأسر"
قراءة في كتاب "من ذاكرة الأسر"
جميل السلحوت
[email protected]
صدر
كتاب "من ذاكرة الأسر" للكاتب راسم عبيدات في أواخر العام 2008 ويقع في 186
صفحة من الحجم الكبير .
واضح أن الكاتب استفاد من تجربته الاعتقالية التي زادت على الخمس سنوات ، فتلك
السنوات هي التي أوحت للكاتب بمضمون كتابه الذي سبق وأن قرأناه في حلقات، كل واحدة
منها على شكل مقالة في صحيفة القدس ، وفي عدد من الصحف والمنتديات الاكترونية . ومع
أن الكتابة عن حياة الأسر ليست جديدة على الشعوب التي عانت من الاحتلال أو الأفراد
الذين تعرضوا للاعتقالات لآرائهم السياسية ، فإنها ليست جديدة بالنسبة للشعب
الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الاحتلال . فقد سبق أن صدر للدكتور أسعد عبد الرحمن
في بداية السبعينات كتاب تحت عنوان " يوميات سجين " كما صدر كتاب لجبريل الرجوب تحت
عنوان " الزنزانة رقم.. " وصدر مجموعة روايات لوليد الهودلي ، ومجموعة قصصية "
ساعات ما قبل الفجر " للأديب محمد خليل عليان وكذلك مجموعة روايات لفاضل يونس ...
وغيرها .
غير
أن راسم عبيدات في هذا الكتاب لم يكرر أحداً من سابقيه ، فقد كتب عن حوالي سبعين
أسيراً التقاهم في السجن ، وقضى أشهر أو سنوات معهم في غرفة واحدة، كتب عن قصة
صمودهم وعن حياتهم كبشر حُرموا من حقهم الانساني في حياة كريمة في أحضان عائلاتهم ،
ولكل منهم قصته الخاصة التي تعبر عن تضحية كبيرة وعن معاناة أكبر . وبعضهم قضى في
الأسر أكثر من ثلاثين عاماً دون أن تلين له قناة ، مع أنهم بشر يحلمون بالحرية
وبالزواج وبرعاية الأسرة ، وبالعمل وبالعلم ، لكنهم ارتضوا لأنفسهم طريق النضال
لتحرير وطنهم وشعبهم من نير احتلال بغيض .
واذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذين وقعوا تحت
الاحتلال الغاشم في حرب حزيران 1967 العدوانية قد اعتقل منهم ما يزيد على سبعمائة
وخمسين ألف مواطن، من بينهم أطفال ونساء ، فإن هذا يعني أن حوالي 90% من البالغين
الفلسطينيين قد جرب الاعتقال والسجن والتعذيب ، ولا يزال حتى أيامنا هذه أكثر من
أحد عشر ألف أسير يقبعون في سجون الاحتلال في ظروف غير انسانية ، وبعضهم محكوم
بمئات السنين .
وراسم عبيدات في كتابه هذا لا يكتب سيرة ذاتية للمناضلين الأسرى الذين كتب عنهم
،بمقدار ما كتب عن سيرتهم النضالية ومواقفهم ومتطلباتهم الانسانية ، فهم ليسوا
أبطالاً خارقين للعادة بل هم بشر من لحم ودم يحلمون بالعيش الكريم كبقية البشر .
وقد
تعرض الكاتب عبيدات في كتابه الى التعذيب والتحقيق القاسي الذي يخضع له المعتقلون
في مراكز التحقيق الاحتلالية . كما كتب عن الممارسات اللاانسانية لادارات السجون
الاحتلالية في تعاملها مع الأسرى ، كما لم يغب عن كتابه تماماً مثلما لم يغب عن
ذاكرته أولئك المائة وثلاثة وتسعون شخصاً ارتقوا الى قمة المجد شهداء وهم في الأسر
، نتيجة للتعذيب أو سوء الرعاية الصحية .
وانتقد في كتابه بشدة اهمال قضية الأسرى وعدم بذل كافة الجهود لاطلاق سراحهم. كما
أبدى امتعاضه الشديد لاستثناء أسرى القدس وأسرى داخل الخط الأخضر من عمليات تبادل
الأسرى .