الحرية الدينية
من أولى المقاصد الحضارية للإسلام
صلاح حسن رشيد
كتاب جديد تحت عنوان (الحرية الدينية ومقاصدها في الإسلام) صدر للباحث وصفي عاشور أبو زيد- المتخصص في أصول الشريعة الإسلامية(عام 2009م) عن دار السلام للنشر بالقاهرة، عالج فيه قضية برزت على الساحة العالمية في الآونة الأخيرة، كاشفاً عن قيمتها وأهميتها في الشريعة الإسلامية، وقبل ظهور الأعراف والمواثيق الدولية .. وذكر فيه المؤلف أن موضوع الكتاب من الأهمية بمكان اليوم؛ فالأمة تمر(الآن) بظرف دقيق ومنعطف خطير.. خاصة في عصر تُقيّد فيه الحرية عالمياً.. وتفرض الهيمنة العالمية نوعاً من الحرية المتعارضة مع مبادئنا وأصولنا وهويتنا؛ وذلك لمواجهة هذا الاستلاب الحضاري! ويؤكد المؤلف أن مقاصد الشريعة الإسلامية تبرز عظمة الإسلام وإنسانيته، وسلمه وسماحته ومدى تقديره للإنسان أياً كان لونه أو عرقه أو دينه؛ فالإنسان بعمله وكفاءته ودوره في الحياة.
ومن المقاصد الواضحة للإسلام التي أشار إليها –المؤلف-: تحقيق إنسانية الإنسان والتأكيد على كرامته، فحرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف (إنسان). ولا وجود للإكراه في الدين في ظل التصور الإسلامي. وهناك مبدأ تأكيد معنى الضمير الفردي والمسئولية الفردية في المجتمع، وهي أخص خصائص التحرر الإنساني؛ باحترام إرادته ومشاعره وفكره.
ويتناول المؤلف معنى العدل الإلهي، الذي رسخته النصوص الشرعية؛ فحين تعلم النفس أنها محاسبة على اختيارها للعقيدة التي اقتنعت بها، تنطلق حذرة مما تكسب، ومطمئنة إلى أنها لا تحاسب إلا على ما تكسب.. والمرء يحاسب على ما يختار بحريته، وهذا هو مناط العدل الإلهي. ومن القواعد المقاصدية في الإسلام، وهي كثيرة أن: الضرر يزال، وكلما ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير .. فالحرية الدينية التي كفلها الإسلام لأهل الأرض لم يعرف لها نظير في القارات الخمس .. ولا يوجد دين يؤمن- عقيدةً وسلوكاً- بالدين الآخر ورسوله سوى الإسلام.
ومن النقاط الجديرة بالاهتمام في الكتاب، ما ذكره المؤلف تحت عنوان "مقتضيات القول بالحرية الدينية" حيث قال: إن القول بالحرية الدينية يقتضي ألا نكره غير المسلمين على الدخول في الإسلام، وأن يترك لغير المسلمين حرية تأدية شعائرهم.
وعن ضوابط الحرية الدينية، يرى المؤلف أنه ليست هناك حرية مطلقة في العالم كله، بل لابد من قيود حتى تستقيم الحياة، وتستمر الحرية .. والحرية الدينية ليست بدعاً من أنواع الحريات؛ فينطبق عليها ما ينطبق على باقي الحريات، في ظل الحفاظ على أمن المجتمع، والحرص على سلامة النسيج الوطني فيه.
ويحذر المؤلف من آفة التقليد؛ فإذا كان التقليد في الأمور الفقهية الفرعية مرفوضاً على الأقل لمن يقدر على النظر.. فأولى أن يكون التقليد في أمور العقيدة مرفوضاً وباطلاً لكل الناس، مجتهدين وغير مجتهدين.. فالتقليد يعطل عقل الإنسان، وقد أمر الله بحفظ العقل إيجاداً واستمراراً.
الحرية أساس الشريعة
يقول المؤلف: إن منظومة المقاصد هي: ضروريات، وتحسينات، والضروريات خمسة هي، حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ العقل، وحفظ المال، وأضاف إليها بعض المتأخرين سادساً وهو العرض..ولعل الفقهاء لم يجعلوا الحرية مقصداً مستقلاً بذاته مع الكليات الخمسة أو الستة في الضروريات؛ لأنها داخلة في ضمنها من حيث كونها أساساً لها،ومهاداً لحقوق الإنسان بشكل عام..فحفظ الدين أساسه عدم الإكراه في الإيمان به..ولهذا لم يكن عجيباً أن يقدم الدكتور يوسف القرضاوي حفظ الحريات، ويجعل لها الأولوية على تطبيق الشريعة؛ ذلك أنه بدون الحريات لن يصح تطبيق شعيرة واحدة من شعائر الإسلام.
تحقيق إنسانية الإنسان
ويرى وصفي أبو زيد أنه ليس هناك مخلوق نال من التكريم الإلهي مثلما نال الإنسان، فقد خلقه الله- تعالى- بيده، وسواه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وشرفه وكلفه، وسخر له ما في السماوات والأرض..حتى وصل هذا التكريم وتلك الإنسانية إلى قضية الدين والاعتقاد فيه؛ وقد وضح الله للإنسان طريق الحق، وبين له طرق الباطل، ووهبه العقل، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد ذلك، ومنحة قدرة على التفكير، وأعطاه حرية الاختيار، يختار عقيدته بعد تفكير كامل..فالحرية قيمة مقدسة تتأسس عليها فلسفة خلق الحياة والموت، وخلق الإنسان والكون، ومعنى الثواب والعقاب، والجنة والنار، ومعنى التكليف والطاعة والالتزام والمعصية، بل معنى الإيمان الصادق، ونقيض ذلك.
تطور مفهوم الحرية
وقد تنوعت الحريات؛ فصار لها أنواع كثيرة، فهناك حرية التعليم، وحرية الفكر، وحرية المناقشات، وحرية الاختيار، وحرية التعبير، والحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، والحرية الدينية، وحرية الأقوال، وحرية الأعمال وغيرها..وهكذا تطورت وتنوعت مساحة الحرية، واتسع مفهومها؛ ليتجاوز الفرد إلى الجماعة، محتفظاً ومهتماً بالفرد في الوقت نفسه، لأنه أساس المجتمع.
ويؤكد المؤلف أن الضابط في الحرية هو تحقيق المصلحة العامة بين بني البشر، والحفاظ عليها، ودفع الضرر عنهم، بما يوازن بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع..على أن هذه القيود والضوابط هي في الحقيقة ليست تقييداً للإنسان، بل هي في مصلحة الإنسان.
ويقدم المؤلف خلاصة آراء الفقهاء والعلماء في القديم والحديث عن الحرية الدينية ومقاصدها وأنواعها وطرائقها وشروطها، خاصة في المجتمع الحديث، الذي تعاظمت فيه أهمية الحرية ؛ بجميع أنواعها ، وباتت مطلباً حياتياً رئيساً لا تقوم الحياة إلا به، مع المطالبة العالمية الحالية ؛ باحترام الحريات .