إطلالة نقدية على فن القصة القصيرة جدا
ملامح من السرد المعاصر
بالقدر الذي أفصح فيه عنوان كتاب «ملامح من السرد المعاصر.. قراءات نقدية في القصة القصيرة جداً»، الصادر حديثا عن دار موزاييك للنشر والتوزيع للمؤلف فراس حج محمد، عن محتواه الفكري بشكل مباشر، بالقدر الذي قدّم فيه مفاجآت للقارئ تتعلق بالمنهجية النقدية التي اتّبعها الكاتب، بالإضافة للطيف الواسع والمدهش من التجارب الكتابية التي سلّط الضوء عليها.
يتناول الكتاب نصوصاً لأدباء من دول عربية عدة كفلسطين ومصر وسوريا والعراق وليبيا والسودان وتونس، منهم خليل ناصيف وأحمد منصور وأسامة لويس المصراوي وأمير الطردة وأمينة علي بياتي وجمال فتحي وجمعة الفاخري وغيرهم، ليجمع بينها جميعاً فن القصة القصيرة جداً أو المسماة بقصة الومضة، والتي لا تعد مألوفة كثيراً لعموم القرّاء، وهو ما يمنح الكتاب أهمية رئيسة، بالإضافة لمنهجية النقد التي اتبعها الكاتب، بل لعل فكرة الخروج بمؤلَّف نقدي تعدّ فريدة من نوعها في الوسط الثقافي العربي عموماً؛ نظراً لقلة النقاد بالإضافة للنزعة الثأرية التي تلوّن كتابات معظم الأدباء عن بعضهم البعض.
يستهلّ حج محمد كتابه بفصل «القراءات النقدية»، الذي يقسّمه لأجزاء مختزلة يفتتح كل منها بالقصة القصيرة جداً مع اسم كاتبها، ومن ثم يناقشها بلغة مبسطة ونظرة شمولية لا تغفل جانباً إلا وتناولته من حيث اللغة والكاتب والموضوع وعلامات الترقيم، بل ويتناول الأخطاء النحوية والإملائية التي وقع فيها بعض الكُتّاب، ما يخرج الكتاب من حيز نقد المجاملة وتلميع صورة العمل وكاتبه بطريقة مبالغ بها، بل يقف حج محمد على المسافة نفسها من النصوص جميعها، وإن كان نوّه أن بعض الكُتّاب من أصدقائه.
سعى الكاتب، إلى جانب لفته الانتباه لضرب أدبي مهم، انتقاء مواضيع هامة اجتماعياً ولفت النظر إليها هي الأخرى، كتلك التي تتناولها قصة «مثقفة» لبدوي الدقادوسي و«ظلاميون» لخضر الماغوط وغيرها، ما يجعل من نقده متكاملاً؛ إذ لا بد من التدقيق في الفكرة التي قام عليها النص الأدبي، وما تشكّله من خلفية اجتماعية للعمل، بالإضافة لتوغله في النزعات النفسية لكثير من العواطف التي تتحدث عنها النصوص، كما في قصة «لوحة ألم» لجمال فتحي.
بعد عرض طيف من نصوص القصة القصيرة جداً، ومناقشتها ونقدها، اختار حج محمد جَعْلَ القسم الثاني من كتابه للمقالات التي تتحدث عن الموضوع وتشرحه من قبيل «ما يحتاجه كُتّاب القصة القصيرة جداً» و«العلاقة بين الكاتب والناقد كيف يجب أن تكون؟» و«كل غثاء سيسقط مع الزمن»، وغيرها من مواضيع بقلمه وقلم نقّاد آخرين.
جاء في متن القسم الثالث قراءة مقارنة بين قصتين عن العطر للروائي المصري فؤاد نصر الدين، بالإضافة لقراءات متنوعة لقصة «رغوة في البال» لحج محمد، والتي كتب عنها كل من شريف الجهني ومصطفى عيد وعابد خطّاب وفاطمة نزال.
ضمّ القسم الرابع مقالات أخرى حول القصة القصيرة جداً، جاءت تحت عنوان شمولي «قصة ومضة: أين تكمن المشكلة؟»، والذي اندرج أسفل منه عناوين من قبيل «بين ومضتين: الأدب بين التأثر والتأثير والسرقات الأدبية»، و«ما الذي يجعل كاتباً مشهوراً يغامر بقراءة أعمال لمبتدئين؟» و«المجهولون والمبتدئون ليسوا نكرات».
------------------------------------------------------------------
* نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية، الأربعاء، 15 /7/ 2015
** صحفية فلسطينية من مواليد مدينة القدس، مارست العمل الصحفي في عدة صحف عربية، ولها مؤلفات أدبية.
وسوم: العدد 625