سلسلة قراءاتي لكتاب "في صحبة مالك بن نبي" لعمر كامل مسقاوي 3
مالك بن نبي من خلال الصحبة
قدمت لحد الآن حلقتين من سلسلة قراءاتي لكتاب "في صحبة مالك بن نبي" للأستاذ عمر كامل مسقاوي ، وقراءة 150 صفحة من الجزء الأول من الكتاب تستلزم وقفة، يحلل عبرها القارئ والمتتبع للمفكر مالك بن نبي، الصفحات التي جال عبر أسطرها، فكانت هذه النقاط..
أثر روح الحضارة الغربية.. وجود مالك بن نبي في فرنسا من أجل الدراسة، جعله يتأثر بالجانب الإيجابي للحضارة الغربية، ويقارن بين الحضارتين الغربية والاسلامية، معتمدا على ثقافته الإسلامية التي حملها معه إلى فرنسا ومعايشته للغرب، وتمكنه من العلوم الدقيقة، التي ساعدته في الوصف والتحليل.
مكوثه بفرنسا سنوات الدراسة 1930-1935، أثناء الاستدمار الفرنسي للجزائر، ساعدته في الوقوف على حقيقة الاستدمار الذي يعيش أبناءه في فرنسا في هناء ورخاء، بينما يفرض على الجزائريين الجهل والفقر والجوع والحرمان. وفي نفس الوقت تأكد له أن طرد الاستدمار الفرنسي من الأرض الجزائرية، يتطلب أولا طرد القابلية للاستدمار من داخل النفوس.
مرحلة العشرينات باعتبار بن نبي زار فرنسا سنة 1925، ومرحلة الثلاثينات حين كان طالبا بالجامعة الفرنسية وضمن داخل المجتمع الفرنسي، كانت حاسمة في بلورة أفكاره حول الحضارة الغربية من جهة، ومدى مقارنتها بالحضارة الاسلامية من جهة أخرى. ولفهم فكر بن نبي، وجب الوقوف مطولا على فترة العشرينات والثلاثينات.
وقد تأثر بن نبي بالعمل الجماعي والمنظم الذي لاحظه وهو طالب في الحي اللاتيني المسيحي بفرنسا من خلال وحدة المسيحيين، وفي نفس الوقت إختلاف وتنازع العرب فيما بينهم داخل التراب الفرنسي وضمن المجتمع الغربي والحضارة الغربية.
يعلن بن نبي، أنه رأى في أوربا روح العلم أكثر مما رأى العلم، لذلك كان يركز في كتاباته على الأخلاق والقيم التي يعتمد عليها العلم أي روح العلم، فلا عجب إذا كان يفرق بوضوح وفي أكثر من كتاب بين العلم والثقافة، وقد أفرد كتابا بأكمله حول كيفية التعامل مع الثقافة وسماه "مشكلة الثقافة"، ناهيك عن المقالات والمحاضرة التي خصصها للتعريف بالثقافة من زاوية مغايرة لم يعهدها المجتمع الإسلامي والغربي معا.
أثر الحرب العالمية الثانية.. كان عمر بن نبي 09 سنوات حين اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وكان عمره 34 سنة حين اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة 1935، مايعني أن الحرب الأخيرة تركت أثرا، خاصة فيما يتعلق بانهيار قيم الحضارة الغربية ، التي كانت تتباهى بها أمام العالم، حين دمرت حضارتها وأحرقت مزارعها وقتلت أبناءها، دون رحمة ولا شفقة.
صدق وأمانة وإخلاص مسقاوي.. ماقام به الأستاذ عمر كامل مسقاوي تجاه تراث مالك بن نبي لم تقم به دولة بأكملها..
جمع كتبه، وترجمها، ونشر أفكاره، واتصل بمن تربطهم علاقة ببن نبي، وأعاد الأمانة كاملة صافية لأبناء بن نبي، دون تقصير ولا تشويه.
وكان أمينا صادقا، حين إعترف أنه لم يقرأ كتاب "العفن"، واعتمد عليه في النقل رغم أنه يعترف أنه كتاب غير منشور، ولم يحتكر لنفسه الكتاب، ولم يدعي أنه له وحده دون غيره، بل إعترف أنه قرأ الكتاب عبر رحمة بن نبي، بنت بن نبي. فكان أمينا صادقا في حياة بن نبي وبعد مماته، وهذا هو السبب الذي دفعنا لشراء الكتاب بجزئيه الأول والثاني، بمجرد مارأيناه عبر مكتبة التراث بالحبوس، الدار البيضاء، المغرب.
ترجمة مسقاوي للعفن.. مسقاوي يترجم كلمة Pourritures على أنها مؤامرة، وقراءاتي الشخصية لكتاب العفن، تخالف ماذهب إليه الأستاذ الفاضل، معتمدا في ذلك على روح بن نبي الذي يرفض فكرة المؤامرة، سواء صدرت من الاستدمار أو من القابلية للاستدمار.
بن نبي الكاتب المترجم.. من الحقائق التي يجب ذكرها والتركيز عليها، أن بن نبي كان كاتبا بالفطرة، ومبدعا بالكتابة باللغة الفرنسية، حتى أنه أضاف بعض الكلمات للأكاديمية الفرنسية، كما ذكر ذلك أستاذ جزائري منذ أسبوع عبر الإذاعة الجزائرية. وفي نفس الوقت، بن نبي كان مترجما بارعا، فقد كان يشرف بنفسه على ترجمة كتبه من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، ولم يكن يترك مساعديه المترجمين بمفردهم، وكانت كل الترجمات التي تمت، تحت إشرافه ومراجعته.
ظلم رجال الإصلاح وساسة الجزائر.. واضح جدا أن هناك خلافا عميقا بين فكر مالك بن نبي، وفكر رجال الإصلاح وساسة الجزائر، إنعكس ذلك على محاربة رجال الإصلاح له وكذا ساسة الجزائر، وتشويه صورته، وتصغير أفكاره، وتعمد مخالفته في الصغيرة والكبيرة . ومرد هذا الاختلاف إلى..
طبيعة النشأة العلمية والفكرية لكل فريق. فبن نبي ينظر للمسألة من الناحية الحضارية، بينما الساسة ورجال الإصلاح ينظرون إلى الوضع من الناحية السياسية، فلم يخرجوا عن الدائرة التي رسمها الاستدمار الفرنسي، لذلك إعتمدوا على السهولة والسذاجة في التعامل مع الاستدمار والقضايا المصيرية.
ضف لها أن بن نبي كان يحمل فكرا تحليليا شاملا دون عاطفة تقديس ولا رفض للآخر، بينما رجال الإصلاح والساسة، إعتمدوا على مخاطبة القلوب عوض العقول، ودغدغة العواطف، وحب الظهور على حساب المشاكل الرئيسية التي يعانيها المجتمع الجزائري والعربي، وبيع أوهام الاستقلال والعيش في كنف الاستدمار الفرنسي بأمن وأمان. وقد عانى بن نبي هذا التعهيش إلى غاية وفاته.
نقد بن نبي للعقبي.. من أسوء ماجاء في الكتاب وندّد به بن نبي، أن العقبي كان يضع في مكتبه صورة حاكم الجزائر سنة 1927 السفاح فيوليت في نادي الترقي الذي كان يرأسه العقبي. وربما كان نقد بن نبي للعقبي من عوامل عداء العقبي وبغضه ومحاربته له في كل مناسبة.
أثر زوجة بن نبي.. يتحدث بن نبي باعتزاز شديد بزواجه بخديجة زوجته الفرنسية، ومعجب بثقافتها وتدبيرها المحكم لشؤون البيت بالقليل الذي تملك، ومواساتها له في الصعاب التي تلقاها، وحبها الشديد لأهله ووطنه الجزائر وثقافته الإسلامية ودعمه لها لطموحاته العلمية، ومساعدته في شؤونه الفكرية. وإعجاب بن نبي بالتنظيم المحكم لزوجه خديجة، جعله يهتم كثيرا بالعنصر الجمالي والذوق الجمالي، الذي دفعه وهو يتطرق لسلسلة الحضارة أن يضعها ضمن أسسها، ويدرج عنصر الذوق الجمالي والعنصر الجمالي في كتابه شروط النهضة.
وسوم: العدد 626