رواية "غفرانك قلبي" والتّمسّك بالأرض
عن دار الجندي للنّشر والتوزيع في القدس صدرت رواية "غفرانك قلبي للأديبة المقدسيّة ديمة جمعة السمان، وتقع في 224 صفحة من الحجم المتوسّط.
يقال أنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه، وبعد قراءة الرّواية تبيّن لي أنّ الأمور بخواتيمها، فالعنوان يتعلق بطلب الغفران لقلوب المحبين، فوحيد عجز قلبه أن يتغلب على طموحه في إعادة أحلام آل سالم، ومنى عجز قلبها أن يتوقف عن حبّ هذا الجبان، فوهبت جسدها بعد خيبة أملها لضابط تقدم لخطبتها.
تبدأ الرّواية بالبحث عن حلّ لأنّ الطبيعة أمحلت، ممّا أدّى إلى صراع بين الشّيوخ والشّباب حول الرحيل إلى واحة أخرى في أرض الله الواسعة، ثم بين مشايخ العربان من الشباب أنفسهم الذين يتيهون بالشّيخة، ولا يتورّعون عن القتل في سبيلها، ويعتبرون أن لا صوت إلا للسّلاح كما هو الحال حولنا، والنّاس مع الواقف. هذا ما فعله شيخ العرب عمران الذي وجه ضربة من خنجره مزّق بها صدر القاضي، عندما همّ بمعارضته في خلافه مع أخيه عثمان. والشّيء بالشّيء يُذكر، فقد سمعت في السّعودية قصّة من أحد اليمنيّين يتغنّى بعدل الأمير البدر، عندما كان وليّ العهد قبل ثورة السّلال في اليمن سنة 1962، وذلك أنّ عجوزا تبيع اللبن جاءت إلى ديوانه تشكو أنّ أحد الجنود لم يدفع ثمن كأس اللبن الذي شربه، فخرج متحمّسا وسأل الجنديّ الذي أنكر الحادثة. فما كان من الأمير إلا أن سحب جَنبيته وطعنه طعنة نجلاء! وقال لمن حوله: شايفين اللبن في بطنِه يالرّبْع؟
فمن يستطيع إلا أن يقول: السّمع والطاعة للأمير، يحيا العدل. وعودة إلى الرّواية، فبعد أن أخصبت الأرض واستقرّ الأمر، ومرّت السّنون والأيام، وتوزّع النّاس هنا وهناك، ظهر لنا فرع من آل سالم تمسّك فيه الجدّ فارس، كما يروي حفيده وحيد بشجرة العائلة، وأقام ضيعته أو مزرعته حول الجمّيزة القديمة التي جمعت أجدادهم عند التغريبة.
وهنا يُستكمل الصّراع الموروث بين الأجيال، فالجدّ يتمسك بالأرض وكلّ همّه توسيع المزرعة وزيادة نسله لو استطاع للعمل فيها، بينما يتّجه ابنه الوحيد سعد للتّجارة ضدّ رغبة أبيه الذي بالكاد يسمح له بقطعة أرض صغيرة يقيم عليها متجره. كما أنّ الجدّ لا يؤمن بالطّرق الحديثة التي يتبعها حفيده فارس، خرّيج كليّة الزراعة والذي أصبح ضابطا أيضا من أجل السذلطة المتمثّلة بالعسكر، ولا يعترف بالتّطوير الحضريّ الذي يقضي بانتزاع الأراضي لصالح الدّولة، فلديه شجرة العائلة التي هي كوشان الطّابو، ولكنّه لا يفهم أنّ التّاريخ وحده لا يُملك إلا إذا دعمته القوّة. فشجرة العائلة لم تنفعه عند الحاكم، لولا تجمع النّاس حول رئيس البلديّة وإعلان الثّورة بعد مقتل ذلك الحاكم برصاص سعد ردّا على مقتل أبيه، وتباعا لذلك أصبح فارس عضوا بارزا بين رجال الثّورة بعد إعدام أبيه. أمّا وحيد فقد استغل لكونه الرّاوي جزءًا كبيرا من الرّواية لسرد قصّته العاطفيّة التي أكسبته التّشجيع أحيانا، والاستنكار أخيرا لموقفه المتهالك في نهاية الرّواية.
تتّخذ الرّواية جانب الرّمزيّة، حيث تتأثّر الكاتبة بما حدث في الرّبيع العربيّ، كما تذكر في مقدمتها. وأعترف أنّها عزّزت لديّ قوّة التمسك بالأرض، وتراني دائما أتمثل ما ردت به إحدى "العصفورتين في الحجاز" على الريح الذي دعاهما لركوبه للرّحيل لحياة أفضل باتّجاه عدن، قائلة عن فطنة:
يا ريح أنت ابن السبيل ما عرفت ما السكن
هب جنة الخلد اليمن لا شيء يعدل الوطن
"ورقة مقدّمة لندوة اليوم السّابع"
وسوم: العدد 644