مفهوم وأهمية التنظيم في منهج جماعة الإخوان المسلمين
المبحث الأول
مكانة ودور التنظيم في منهج ومشروع الجماعة
تمثل فكرة التنظيم أحد الأسس الرئيسية التى ركزت الجماعة على بنائها بناء صحيحا منذ تأسيسها عام 1928.
فقد قامت الجماعة منذ بدايتها، على أساس أنها تنظيم يقوم بالتنفيذ العملي لمشروع، وهي في هذا مثلت مرحلة انتقال فكر التجديد الحضاري من مرحلة الفكر والنخبة، إلى مرحلة التوسع الجماهيري والعمل المنظم.
ولهذا أصبح التنظيم هو الأداة الرئيسة لجماعة الإخوان لتحقيق المشروع الحضاري الإسلامي
وأصبح التنظيم يمثل المؤسسة التي تحمل الفكرة وتطبقها عمليًّا، وتحمل مسئولية الوصول إلى الأهداف النهائية، بتحقيق الوحدة السياسية الإسلامية، وتحقيق النهوض الإسلامي، وتحرير كامل أراضي الأمة الإسلامية من أي عدوان خارجي.
ومن هنا كان للتنظيم دور مركزي في تاريخ الجماعة، فهو المؤسسة الجماعية، التي تقوم بعملية حماية المشروع ونشره وتنفيذه على أرض الواقع،
كما أضحى تنظيم الجماعة الخطر الأكبر في نظر خصوم المشروع الإسلامي؛ لأنه يمثل الأداة البشرية الجماهيرية لتحقيق المشروع، وأصبحت حماية التنظيم ضمن أهداف الجماعة، بوصفه أداتها الرئيسة لتحقيق أهدافها، وتحولت العديد من المعارك، لتصبح حول التنظيم نفسه، والذي يحاول خصوم الجماعة الحد من قدراته، والحد من قدرته على البقاء والاستمرار وأصبحت الجماعة تدرك ضمنًا أن بقاء التنظيم ضرورة، وتوسعته ضرورة أيضًا.
كما أنه بمرور الوقت، أصبح التنظيم يُواجه بالعديد من القوى الأخرى التي تختلف معه، لأنه أضحى يمثل مسارًا أساسيًّا في عمل التيار الإسلامي، وأصبح يمثل البديل الأكثر شعبيةً بين الجماهير، وظل التنظيم يمثل الأداة المركزية لحشد الجماهير وتحريكها من أجل المشروع الإسلامي، ليصبح عنوانًا للجماهير المؤيدة للمشروع الإسلامي.
أهمية التنظيم بالنسبة للجماعة :
عندما أسس الإمام الشهيد مع رفقائه من العمال الستة، الجماعة، وضع تصوره منذ البداية معتمدًا على الأمة، على أساس أنها صاحبة الدور الأول في تحقيق الوحدة والنهضة؛ ولهذا أصبحت الطاقة البشرية هي عماد المشروع، وأصبحت قوة الجماعة تنبع من قوة القاعدة الجماهيرية المرتبطة بمشروعها والمرتبطة بها.
وكان من اختيارات الإمام المؤسس المبدئية، أن الفكرة مهما كانت قويةً ومنتشرةً، لا يمكن لها أن تحقق الغايات النهائية لها، إلا إذا توفر لها الجهاز المنظم، الذي يعمل على نشر الفكرة وتحقيقها على أرض الواقع، فالجماهير بطبيعتها ليست منظمة، وحركتها ليست منظمة أيضًا، ولا يمكن تنظيم حركة الجماهير، دون وجود حركة منظمة من تنظيم قوي، قادر على قيادة حركة الناس، حتى تصبح حركة منظمة وفاعلة... كما يقول الدكتور رفيق حبيب
"الجماهير هي القوة الحقيقية للمشروع الإسلامي في نظر الجماعة، ولكن الجماهير دون تنظيم، لا يمكن أن تحقق الغايات المرجوة، فالتنظيم هو الذي يمنح الجماهير القوة والتنظيم والعمل المرتب والمنهجي، كما أن التنظيم هو الذي يسمح بتراكم النتائج والإنجازات.
والجماهير تحتاج للعمل المنظم حتى يتم تعظيم أثر حركتها، ومواجهة العقبات التي تواجهها؛ لذا أصبح التنظيم هو الوسيلة الأولى والمركزية، التي تحقق قوة الجماهير.
ومن هنا أصبح التنظيم هو الأداة القائدة لحركة الجماهير المؤيدة لمشروع جماعة الإخوان المسلمين، والمؤيدة للمشروع الإسلامي عامة، فكل عمل يحتاج إلى قيادة منظمة ومدربة، وقادرة على التحمل والاستمرار وتحقيق التراكم في العمل؛
لذا أسس الإمام حسن البنا التنظيم بوصفه وعاءً لكل الأمة، يفتح أبوابه للجميع، ويحاول أن يضم الكل له، رغم اختلافاتهم الفرعية، على أساس أن تتوافق الأمة على مرجعيتها الأساسية، وتحمل قيمها الحضارية الإسلامية، ويصبح التنظيم تعبيرًا عن قاعدة واسعة من الأمة.
ولم يكن الإمام حسن البنا يتوقع أن تصبح الأمة أو أغلبيتها أعضاءً في التنظيم، ولكنه كان يعمل من أجل توفير إطار جامع وواسع، لقطاع عريض من جماهير الأمة.
التنظيم وفكرة الإصلاح
كما تنبع أهمية التنظيم بالنسبة للجماعة، من ارتباطه بفكرة الإصلاح السلمي المتدرج، والقائم على القوة الشعبية،
وكما سبق القول فقد كانت الطاقة البشرية هي عماد مشروع الجماعة، ولهذا جاءت قولته الملهمة – رحمه الله - المستقاة من المنهج النبوي الحكيم ( إذا وجد الرجل المؤمن وجدت معه أسباب النجاح ).
ومن هنا ارتبط التنظيم بوصفه البناء البشري المنظم، بفكرة الإصلاح نفسها، فما دام الإصلاح يرتبط بوجود قاعدة بشرية مؤيدة للمشروع؛ لذا يصبح وجود القاعدة البشرية المنظمة، والتي تعمل على تكوين القاعدة الجماهيرية الأكبر، أمر ضروري.
ولهذا كانت كل رسائله رحمه الله إلى أبناء الجماعة، تركز على تثبيت معان ترتبط بقدرة التنظيم على الصمود، وقدرة أعضائه على دفع فاتورة الإصلاح، فالإصلاح ليس عمليةً سهلةً؛ لأنه تغيير لواقع قائم، لهذا كان الإمام المؤسس يرى خطورة المرحلة التي تدرك فيها القوى الحاكمة حقيقة مشروع جماعة الإخوان المسلمين، وكان دائمًا يقدر أن في تلك اللحظة سوف تواجه الجماعة بعواصف عاتية، وهو ما حدث،
فالإصلاح عملية سلمية متدرجة، ولكنه في الوقت نفسه عملية تغيير للوضع القائم، بما يؤثر على القوى المستفيدة من الوضع القائم، ويحرمها من المكاسب التي تحققها من حماية الوضع القائم واستمراره، ولكل عملية تغيير ثمن،
وكان الإمام البنا رحمه الله يؤكد على أهمية وجود تنظيم يدفع ثمن الإصلاح، فبدون وجود فئة قادرة على دفع ثمن الإصلاح، لا يمكن تحقيق عملية الإصلاح والتغيير، رغم إدراكه أن الانتصار النهائي للمشروع الحضاري الإسلامي، سيعتمد على قدرة الأمة على تقديم التضحيات، وليس التنظيم فقط.
تحصين التنظيم
يمكن فهم أسباب اهتمام الجماعة بالحفاظ على التنظيم، فهو يمثل الأداة الرئيسة لتحقيق المشروع، وأي ضعف يلحق بالتنظيم يصيب المشروع في مقتل؛ لأنه يهدد بتراجع المشروع على أرض الواقع، حتى وإن لم يتراجع كفكرة يؤمن بها قطاع واسع من الناس.
فالاعتماد على الطاقة البشرية، جعل التنظيم هو النواة التي يرتكز عليها مشروع الجماعة، وهو الركيزة التي تساهم في بقاء المشروع رغم كل التحديات والعقبات؛ ما جعل الجماعة تضع في أولوياتها الحفاظ على التنظيم، وأصبحت حماية التنظيم من ضمن الوسائل الضرورية للحفاظ على المشروع، والحفاظ على القدرة البشرية القادرة على تحقيق غايات المشروع.
من هنا جاء الترابط بين التنظيم والغايات التي أسس من أجلها، وليس صحيحًا أن التنظيم أصبح أهم من الغاية أو أهم من الأمة، لأن التنظيم دون الغاية التي أسس من أجلها، ينفرط عقده، فالغاية هي التي توحد التنظيم، بل إن حماية التنظيم تتم من خلال ربطه بغاياته العليا، وإبعاده عن الاختلاف في القضايا الفرعية، حتى يتم تحصين التنظيم ضد الآفة الشائعة في الجماعات والأحزاب، وهي آفة الخلاف والفرقة، وهو ما يؤدي إلى التشدد أحيانًا، في أمور التنظيم، وفي مواجهة الأفكار التي تثير الخلاف.
وجماعة الإخوان المسلمين، وهي تعمل من أجل غاياتها العليا، ترى أن أهمية النقاش حول الفروع والأساليب ترتبط بالظرف المناسب لها، وتحاول ربط المسار الفكري والمنهجي للجماعة بما تحقق على أرض الواقع، فلا تستغرق نفسها في قضايا قبل أوانها.
وفي المقابل سنجد أن التيارات غير الإسلامية، والنظم الحاكمة والدول الغربية، تحاول حصار الجماعة بالعديد من الأسئلة حول مختلف القضايا؛ ما يجعل الجماعة أحيانًا مضطرة للدخول في التفاصيل التي ترى أنها أصبحت ملحةً.
ولكن يجب الحذار من حصار الجماعة بالأسئلة، الذي يهدف إلى تخليق تيار داخل الجماعة يشق صفها أو يدفعها للمرونة بأكثر مما ينبغي؛
وفي نفس الوقت قد تضطر الجماعة إلى مواجهة العديد من القضايا التي تتطلب اجتهادًا جديدًا ومرونة عملية، وهنا تصبح الجماعة في كثير من الأحيان، محاصرة بين رغبتها في التجديد، وخوفها على التنظيم؛ مما قد يجعلها تركز على وحدة الصف، ووحدة الغايات العليا، التي قامت من أجلها.
وعندما تواجه الجماعة خطرًا ما يجعل من الصعب تحقيق التوازن بين المرونة الداخلية والانضباط الداخلي، فإنها تلجأ إلى الانضباط الداخلي، وتؤجل أي جدل داخلي يمكن أن يسحب من رصيد تماسكها،
وهكذا يظل من أهداف الجماعة الأساسية تحصين التنظيم ضد أي مخاطر يتعرض لها، قد تؤثر على تماسكه، أو تعرضه للانشقاق.
التنظيم والحزبية
حاول الإمام حسن البنا منذ البداية تشكيل تنظيم ليس فيه من صفات الحزبية شيء؛ لأنه كان يرى وقتها ما في الحزبية من سلبيات، تعوق عمل الأحزاب، وتفرط في مصالح الوطن، وتلك كانت وما زالت مهمةً شاقةً،
فالجماعة تحاول الحفاظ على نمطها الخاص، بوصفها وحدة جماعية مترابطة حول غاية، ومتميزة بأعلى درجات إنكار الذات، في حين أن المجال السياسي المحيط بالجماعة يتميز بخصائص أخرى، غلب عليها الصراع والخلاف والتمزق.
من هنا حاولت الجماعة مقاومة أمراض الحزبية، وتأكيد طبيعتها كجماعة دينية متماسكة، لها غايات يضحي الكل من أجلها، وأصبحت قيادات الجماعة تركز على أخلاقيات العضو، في مواجهة كل محاولات الضغط على أعضائها، حتى يتمسك العضو بطابع خاص، يتميز بالعمل الطوعي، والقدرة على التضحية ودفع ضريبة العمل من أجل الأمة.
من هنا نفهم لماذا تحاول الجماعة تمييز نفسها، وتحصين أفرادها ضد تقليد ما هو سائد من منافسة حزبية داخل التيارات والتنظيمات الأخرى، خاصةً أنها ترى أن التنافس على المقاعد والمناصب، يؤدي إلى جعل الجماعة مثل الأحزاب التي يرتبط أعضاؤها بها من أجل المصالح؛ ولهذا تتشدد الجماعة في مسألة تربية العضو، ويصبح العضو المنضبط هو القادر على الحفاظ على أمن التنظيم داخليًّا، وكل هذا يؤدي إلى ظهور الجماعة في صورة الجماعة المنضبطة، ويجعل لها صورة التنظيم الصارم.
ولكن هنا يطرح البعض سؤالا محوريا يجب الإجابة عليه:
هل أصبح التنظيم غايةً؟
يجيب د. رفيق حبيب على هذا السؤال فيقول:
( تلك واحدة من الجدليات المهمة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، فالتنظيم بالنسبة لها لم يصبح غاية في حد ذاته؛ لأنه لو أصبح الغاية، ما قدمت كل هذه التضحيات من أجل الحفاظ عليه، فهو في كل الأحوال وسيلة، ولكنه الوسيلة الأساسية التي لا يمكن للجماعة الاستغناء عنها،
ومن هنا حدث الخلط بين الاهتمام المتزايد بالتنظيم، ودور ومكانة التنظيم في مشروع جماعة الإخوان المسلمين، ولكن الجماعة في المقابل، تحاول الحفاظ على غايتها، وهي تحقيق الوحدة والنهضة الإسلامية، وعلى وسيلتها المركزية، وهي التنظيم.
فالجماعة ترى أن التضحية بالتنظيم، يعني التضحية بالأداة التي تستخدمها لتحقيق المشروع الذي تتبناه، وليس للجماعة من أداة أخرى، كما أنها ترى أن التنظيم هو الأداة المناسبة لعملية الإصلاح السلمي المتدرج، وهو الأداة المناسبة لعمل يعتمد على التأييد الجماهيري، ويصبح التنظيم بالنسبة للجماعة مثل التأييد الجماهيري لمشروعها، فهي لا يمكن أن تستغني عن التأييد الجماهيري؛ لأنه الركيزة التي تبني عليها مشروعها، فمن خلال تأييد الجماهير ينتشر المشروع، وكلما وصلت الجماهير المؤيدة للمشروع إلى الأغلبية، أصبح من الممكن بناء المشروع وفرضه على أرض الواقع.
فأصبح التنظيم هو الجماهير المنظمة المؤيدة للمشروع، وهو الجزء القوي من الجماعة، وهو الذي يدفع ضريبة الإصلاح، ويحمل عبء الاستمرار في التبشير بالمشروع الذي تحمله الجماعة.
وهنا قد تبدو الصورة، وكأنَّ التنظيم قد توحَّد مع الهدف، والصحيح أن الجماعة ترى أن التنظيم هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الهدف، فإذا ضحت به، تكون قد ضحَّت بالهدف نفسه.
والصحيح أيضًا، أن الجماعة ترى أن الإصلاح يحتاج لقوة بشرية، ولا يمكن بناء تلك القوة البشرية دون التنظيم؛ لذا يصبح التنظيم هو مصدر القوة لبناء المشروع، وهو الوسيلة التي تحقق الغاية، ودونه لن تتحقق الغاية) .
المبحث الثاني
التنظيم وعمل الجماعة في مصر
بعد العودة في فترة الثمانينات
نموذجا
يعبر مصطلح التنظيم عن " منظومة الهيكل الداخلي للجماعة من مؤسسات وهياكل ونظم وديناميكيات الحركة ومراتبها ومسارات التواصل والإتصال داخلها وما يتصل بذلك من نظم وقواعد لعملية اتخاذ القرار بداخلها" .
وأغلب هذه العناصر كانت معروفة ومحددة علنا بواسطة اللائحة الداخلية للجماعة في فترة الإمام المؤسس.
إلا أنه بعد أحداث عام 1954 بين الجماعة ونظام الحكم في مصر، وما تعرضت له الجماعة مؤسسات وأعضاء من هجمة أمنية شرسة، أعقبتها هجمة أخرى أكثر شراسة وعنفوانا في 1965 ، أصبحت القضايا المتعلقة بالتنظيم سرية للغاية.
يقول د عمرو الشوبكي فى دراسته "مستقبل جماعة الاخوان المسلمين":
نجح الإخوان المسلمين في الحفاظ على تماسك بنيتهم التنظيمية رغم مرور كل هذه العقود الطويلة من الزمن، أفادهم في ذلك الطريقة التي شيد بها "الإخوان المؤسسون " الجماعة بمستوياتها المتعددة والخبرات المتنوعة التي اكتسبها أعضاؤها.
فتنظيم الإخوان ضم أثناء نشأته الأولى مستويات تنظيمية مركبة سمحت للجماعة باستقطاب نوعيات مختلفة من العناصر أغلبها على أرضية " دعوية" سلمية تدعو المجتمع إلى التمسك بتعاليم الإسلام، وبعضها على أرضية جهادية أعدته من خلال انخراطه في "المستوي الجهادى" لكي يصبح عضوا في التنظيم الخاص.
وقد ترجم الإخوان هذه العقلية في بناء تنظيم متعدد المستويات والهياكل، حكمت حركتهم عادة مجموعة من الثنائيات التي تحمل في بعض الأحيان الرؤية ونقيضها.
صحيح أن مضمون هذه الثنائيات قد تغير جذريا من عصر إلى آخر إلا أن استمرار التنوع كنتاج لهذه الثنائيات المتغيرة ظل عابرا لكل عصور الجماعة.
كما بقي لديهم تلك "الميزة التاريخية" وهي امتلاكهم لبناء تنظيمي متنوع المستويات؛ ولديه قدرة أكبر من غيره على استيعاب أفكار متنوعة تعكسها حركة الأجنحة والخبرات الجيلية المختلفة داخل صفوف الجماعة، والتي أصبح لديها ميل عام نحو التعايش مع التنوع الداخلي، رغم صرامة البناء الهيراركي وطاعة المستويات الأدنى لقرارات المستويات العليا بصورة صارمة تعكس في بعض الأحيان ثقافة "السمع والطاعة".
وقد ظلت الجماعة محافظة على قدرتها في امتلاك بناء تنظيمي متعدد المستويات ومتنوع التكوين، فكما احتفظت في عقدي الأربعينيات والخمسينيات ببناء تنظيمي عام ضم معظم الأعضاء ويقوم على مفاهيم دعوية، بالتوازي مع تنظيم خاص يضم قطاعا محدودا من أعضاء الجماعة ؛
فقد تحولت منذ بداية الثمانينيات إلى جماعة تحكمها على مستوى الفهم والتكوين رؤيتان،
إحداهما دعوية والأخرى سياسية،
وكثيرا ما حدث تداخل بينهما أدى إلى تقديم صورة خاصة لجماعة لها قدم في السياسة وأخرى في الدين، جعلها قادرة على التعايش مع تناقضات عديدة.
وفي الحقيقة، فإن قدرات تنظيم الإخوان تكمن ليس فقط في قدرته على استيعاب كل هذه الخبرات وأحيانا التناقضات الجيلية داخله، إنما أيضا وربما أساسا في قدرته على أن يفهم المرحلة التي يعيشها ويصيغ خطابا قادرا على التأثير فيها. فقد عبروا عن كفاءة تنظيمية واضحة، وقدرة على تقديم خدمات اجتماعية للمواطنين كبديل عن حالة الفوضى الحكومية وغياب الأحزاب المعارضة من الساحة السياسية.
وقد حكمت جماعة الإخوان المسلمين ثقافة سياسية قائمة منذ البداية على استهداف المجتمع وليس السلطة السياسية، واعتبرته طريقها للوصول إلى السلطة، وبالتالي نظرت للأخيرة باعتبارها جزءا من المجتمع وليست عدوة له).
عمرو الشوبكي، مستقبل جماعة الإخوان المسلمين، كراسات استراتيجية ص18، مركز الأهرام للدراسات السياسية
كما يجيب د. عمرو الشوبكي فى مقال آخر عن "لماذا لا ينقسم تنظيم الإخوان المسلمين؟.
فيقول :" منذ عودة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية، ولو بصورة غير شرعية، منذ بداية السبعينيات، والجماعة مستمرة فى العمل العام المحظور رسميا كواحدة من أكبر الجماعات السياسية فى مصر، رغم تعرضها لبعض الانشقاقات التى لم تؤد إلى انقسامها بصورة تهدد قدرتها على الحركة والفعل.
والحقيقة، فإن سيناريو الانشقاق الذى تردد بعد رحيل الهضيبى سبق وتردد عقب رحيل مشهور، وتبدو هناك صعوبة كبيرة ربما تصل إلى حد الاستحالة أن تشهد الجماعة انقساما بين أعضائها بسبب التباينات الجيلية الموجودة داخلها، رغم أن هناك صراعاً حقيقياً بين مختلف أجنحتها، ولكنه لن يؤدى إلى حدوث انقسام عميق بين صفوفها نتيجة عدة اعتبارات.
أول هذه الاعتبارات يمكن القول إنه تنظيمى له علاقة بالخبرة التنظيمية والسياسية التى اكتسبها الإخوان على مدار تاريخهم الممتد منذ أكثر من 76 عاما.
فتنظيم الإخوان ضم أثناء نشأته الأولى مستويات تنظيمية مركبة سمحت للجماعة أن تستقطب نوعيات مختلفة من العناصر أغلبها على أرضية دعوية سلمية تدعو المجتمع إلى التمسك بتعاليم الإسلام وشعائره، وبعضها على أرضية جهادية أعدته من خلال إنخراطه فى المستوى الجهادى لكـــــى يصبح عضوا فى النظام الخاص.
أما الاعتبار الثانى فيتعلق فى جانب رئيسى بالثقافة السياسية التى تحكم حركة الجماعة، والقائمة منذ البداية على استهداف المجتمع وليس السلطة السياسية، والذى اعتبرته هو طريقها للوصول إلى السلطة.
وبالتالى نظرت لها باعتبارها جزءا من المجتمع وليست عدوة له .
هذا الفهم أدى بالإخوان المسلمين أن يمتلكوا منذ البداية طريقة للحوار مع الحكام والمحكومين، وليس بالضرورة ثقافة حوار مع القوى السياسية المختلفة، وبالتالى فقد تجاوزوا الثقافة السياسية اليسارية أو الثورية التى علمت أعضاءها أن الهدف النضالى الأسمى هو مواجهة السلطة وقلب النظام القائم بصرف النظر عن ظروف المجتمع.
أما الإخوان فقد كانت عينهم منذ البداية على دعوة المجتمع وليس الحرب على السلطة حتى لو كان هدفهم النهائى هو تغييرها، ولكن ظلت ثقافتهم السياسية تحث أعضاءها على التفاعل مع المجتمع حكاما ومحكومين، فكان دورهم فى المساجد والزوايا والمستوصفات الصحية، جنبا إلى جنب مع دورهم فى النقابات والبرلمان.
الاعتبار الثالث يتعلق بحرص الجماعة على التمسك بخطاب العموميات الذى من الصعب القول إنه يحدد برنامجا واضحـــــــا للعمل السياسى، فهو يخلط بين المقدس والسياسى، والدينـــى والاجتماعى، والعمل تحت قبة البرلمان وتحت مآذن المساجد، ولازال غير واضح تماما فى عدم الإجابة عن الأسئلة المفصلية التى يمكن أن تثير خلافا داخليا فى صفوف الجماعة، حول مدنية النظام السياسى وقبول الشيوعيين والعلمانيين داخل لعبة تداول السلطة.
وعليه فإن انقسام الجماعة بصورة عميقة أمر لا يمكن تخيله ببساطة فى المرحلة الحالية، إنما يمكن فقط تصوره فى حال إذا تغير الظرف السياسى، وسمح للإخوان ببناء حزب شرعى، عندها سيكون الحسم لا مناص عنه بين العموميات الدعوية والدينية وبين الرؤى السياسية التفصيلية، وهو ما يمكن أن يترجم فى انقسام بين جيل الوسط ذى التكوين السياسى والخلفية الإسلامية، وجيل الكبار ذى التكوين الدينى المحافظ ورؤية إسلامية عقائدية تتسم بالعمومية والشمولية. (
لماذا لا ينقسم تنظيم الإخوان المسلمين؟... مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية
إعادة بناء تنظيم الجماعة بعد حادث المنصة
بالرغم من حالة النشاط والانتشار التى شهدتها الجماعة بعد عودتها في فترة حكم الرئيس السادات قبل حادث المنصة الذي أسفر عن قتل السادات في 6 أكتوبر 1981 ، إلا أن الأحداث الأخيرة فى سنوات حكم الرئيس السادات أثرت بصورة كبيرة على تحجيم أو بمعنى أدق تجميد النشاط الإخوانى وخاصة مع حالة الارتباك الأمنية التى شهدتها البلاد عقب اغتياله.
وقد تطلب هذا من الجماعة إعادة ترتيب التنظيم والصف الداخلى عقب حالة التجميد التى عاشتها فى تلك الفترة، فكان اهم الأولويات هى اعادة بناء التنظيم والتى تزامن مع تولى مبارك للحكم،
يقول د عبد المنعم أبو الفتوح عن تلك الفترة:
قضينا معظم من اعتقلوا من الإخوان وخاصة أبناء جيلي- نحو عام في المعتقل، فلم نخرج إلا في سبتمبر من عام 1982، وكان أول ما شغلنا بعد الخروج من المعتقل هو البدء في إعادة تنظيم جماعة الإخوان من جديد والاهتمام بالبناء الداخلي، وهو ما شرعنا فيه فور الخروج مباشرة، خاصة وأن نظام الرئيس حسني مبارك لم يغلق الباب مباشرة في وجه الإخوان فقد استمر نشاطنا قويا إلى نهاية عقد الثمانينيات تقريبا، وإن كنّا على قناعة وقت خروجنا أن عصر السادات لن يعود بما كان فيه من انفتاح وحرية في العمل والتنظيم السياسي.
ويمكن القول بأن الدكتور أحمد الملط هو أبرز من حملوا عبء هذه المرحلة وتولّوا عملية إعادة البناء، وكان أول ما فعله رحمه الله الاتصال بمجموعتنا التي كانت ناشطة في قيادة الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية، وكان كلامه واضحا في أن الأولوية هي لإعادة البناء الداخلي وهو ما بدأ العمل فيه على قدم وساق تحت مسؤوليته مباشرة بعد أيام قليلة من خروجنا من المعتقلات، وقد كنت على رأس تلك المجموعة المسؤولة عن إعادة البناء وترتيب صفوف الجماعة التي اهتزت كثيرا بعد أحداث سبتمبر 1981.
وقد أطلق على مجموعتنا (مكتب مصر) تمييزا عن التنظيمات القطرية للإخوان خارج مصر، ووضعنا خطة لتقسيم القطر المصري إلى قطاعات، فكان الأخ ممدوح الديري هو مسؤول شرق الدلتا، والأخ إبراهيم الزعفراني مسؤول غرب الدلتا، والأخ أنور شحاته مسؤول وسط الدلتا، والأخ محمد حبيب مسؤول قطاع الصعيد، والأخ السيد عبد الستار المليجي مسؤول القاهرة...
ولحق بنا في هذه المجموعة الإخوان جابر رزق وإبراهيم شرف رحمهما الله.
ثم بدأنا في ترتيب المكاتب الإدارية للجماعة في كل محافظات مصر والتي تنقسم إلى مناطق وشُعب، مع التركيز على تعميق وتقوية التنظيم ووضع القواعد الإدارية التي تضمن فاعليته وكفاءته وانسجام تكويناته وتراتبيته، وهو عمل استغرق الجهد الأكبر من نشاط الجماعة ما يقرب من سنوات متواصلة، فلم يأت عام 1987 حتى تبلور التنظيم وظهر بشكله الضخم واستقر النظام الإداري للجماعة.
وفي هذه الأثناء كان هناك جهد موازٍ في ترتيب الجماعة على المستوى الخارجي، فبعد تولي مكتب مصر مسؤوليته عن القطر المصري تحت إشراف الدكتور أحمد الملط، تفرغ الأستاذ مصطفي مشهور رحمه الله للتنظيم خارج مصر فكان صاحب الجهد الأكبر في تأسيس التنظيم الدولي وهيكلته ووضع لائحته التي صدرت في مايو من عام 1982، وكان أبرز الإخوة الذين ساهموا في بناء التنظيم الدولي وتنشيط عمله الأستاذ مهدي عاكف المرشد الحالي والمهندس خيرت الشاطر والدكتور محمود عزت، وكانوا جميعا قد خرجوا من مصر قبيل اعتقالات سبتمبر1981م، وبعدها واستمروا في الخارج حتى عام 1986.
مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح : "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر"ص117 الى 127
المبحث الثالث:
التنظيم ومرحلة الاستقرار
كما ذكرنا سابقاً قضت الجماعة فترتها الأولى فى بداية الثمانينات فى إعادة إحياء التنظيم وتنظيم الصف الداخلى حتى جاء عام 1989 م، الذي أجريت فيه أول انتخابات لاختيار مسؤولي الجماعة بعدما كانوا يتولون مناصبهم في كل القطاعات تقريبا بالتعيين.
أما حسم قضية علنية الجماعة فقد تم بشكل رسمي ومكتوب عام 1987، حيث اجتمعت كل قيادات الجماعة من مسؤولي المحافظات إلى أعضاء مكتب الإرشاد وتم تداول هذه القضية وظهر ما يشبه الإجماع على الإقرار بعلنية الجماعة ورفض العمل السري، وتم الخروج وقتها بوثيقة رسمية مكتوبة عرفت باسم "جماعة الإخوان جماعة علنية"، أقر بها مكتب الإرشاد وأرسلت إلى كل أقسام الجماعة ومكاتبها الإدارية للالتزام بما جاء فيها.
لقد كان النصف الأول من عقد الثمانينات امتدادا لعهد السادات؛ عهد الانفتاح وحرية العمل والتنظيم السياسي، وهو الأمر الذي كان حاسما في إعادة بناء الجماعة واستقرار منهجها الفكري واستراتيجية عملها في نفوس الأجيال الجديدة التي انضمت إليها وكذلك صورتها لدى الرأي العام،
كما شهدت وضع القواعد الأساسية والرئيسة لتنظيمها وهياكلها وتحديد قواعده الإدارية ومناهج التكوين والتربية ورسم مسار حركته. وهو ما ساعد الجماعة للانطلاق بقوة وملأ فراغ العمل العام في مصر والعالم العربي على الرغم من أن عقبات كثيرة بدأت تظهر في الأفق كان من شأنها أن تعرقل سير الجماعة وحركتها.
ومما يجب التوقف عنده كثيرا عند حديثنا عن استقرار رؤية الجماعة ووضوح منهجها الفكري في في نفوس الأجيال الجديدة التي انضمت إليها، بروز موضوع علماء الجماعة وشيوخها،
فعلى خلاف ما يتصوره البعض لم تعرف الجماعة في هذه الفترة ما يمكن أن نسميه بجناح أو تيار المشايخ والعلماء، وإنما كان لدى الجماعة علماء وشيوخ أجلاء ظلوا طوال فترة إعادة بناء الجماعة جزءا من نسيج حركتها وبنيانها الفكري والتنظيمي، ولم تشهد الجماعة خلافات ذات وزن تؤشر إلى أن هناك انفصالا بين الشيوخ والعلماء وبين الحركيين أو إخوان العمل العام.
اللهم إلا مواقف قليلة بل ونادرة جدا أشهرها ما حدث مع الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد.
فقد كانت الجماعة قد حسمت أمرها بالدخول في تحالف مع حزبي العمل والأحرار فيما عرف بـ "التحالف الإسلامي" في الانتخابات البرلمانية عام 1987، والتي رشح حزب العمل على قائمته بإحدى دوائر محافظة الجيزة امرأة هي السيدة عزيزة سند.
وكان الموقف المبدئي للجماعة هو الترحيب بهذا الترشيح، وعلى أن يضم الإخوان امرأة في قوائمهم لما يعنيه ذلك من مواجهة الاتهامات التي تطلقها التيارات العلمانية وتشيع فيها أن الإخوان أعداء للمرأة وسيقفون ضد مكاسبها، ولكن فضيلة الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد وهو أستاذ للتفسير في جامعة الأزهر ومن قدامى الإخوان وكان عضوا بمكتب الإرشاد وقتها رفض الأمر تماما وبقوة، وساق جميع الآراء الشرعية التي تعارض مشاركة المرأة بالبرلمان، فعرض عليه مكتب إرشاد مصر تكوين لجنة من علماء الشريعة تدرس القضية ثم تخرج بعدة آراء يختار منها المكتب ما يراه مناسبًا للجماعة، إلا أن فضيلته رفض الاقتراح وقال إن الرأي الراجح الذي ستراه اللجنة هو الذي يجب أن يلتزم به مكتب الإرشاد وأنه سيكون ملزما للجماعة، وهو ما قوبل برفض المكتب.
وكانت من اهم مميزات تلك الفترة الطبيعة الشخصية المنفتحه للأستاذ عمر التلمساني "رحمه الله" والتى استطاع بها تطبيق فكرة الانتشار المجتمعى بصورة رائعة سواء من خلال الجامعات أو النقابات والتى يقول عنها الأستاذ جابر رزق "رحمه الله":
لقد اختار الله الأستاذ عمر التلمساني ليقود الجماعة في سنوات ما بعد محنة السجون التي استمرت قرابة ربع قرن من الزمان، فاستطاع بحكمه الشيخ الذي حنكته السنون، وأنضجته السجون، وبميزات شخصه منحه الله إياها. وبأخلاق الإسلام التي صبغت سلوكه وتصرفاته.
تطور البناء التنظيمى والهيكل الداخلى
شهد عهد مبارك تطوير الجماعة بوضعها وادائها التنظيمى بصورة كبيرة، وتم إنشاء قسم التنمية وهو المعنى بالتطوير الهيكلى وتدريب الكوادر واعداد الخطط اعتماداً على رفع الواقع المقدم من أقسام ووجدات المحتلفة.
وعلى مستوى لوائح العمل، اعتمدت الجماعة عدة لوائح إدارية لتحديد اختصاصات المستويات الهيكلية المختلفة، واصدرت أول لائحة لها في هذا العهد في عام 1982، والتى نظمت الهيكل الإدارى لعملها، ثم أعقبتها بلائحة عام 2009 وما أدخلته من تعديلات لمواجهة المستجدات والتطورات التي لحقت بعمل الجماعة.
كما تطورت أقسام العمل داخل الجماعة بما يتوافق مع المتغيرات التى حدثت خلال تلك الفترة ...
فتم إيجاد نحو تسعة أقسام داخل التنظيم تشمل : قسم نشر الدعوة، وقسم البر، وقسم الأشبال، قسم الطلاب ، قسم الجامعة وقسم العمال وقسم الأخوات وقسم الاتصال بالعالم الخارجى وقسم المهنيين، القسم السياسى، قسم التنمية؛
واشتملت بعض الأقسام على لجان متخصصة مثل : اللجنة المالية ولجنة التاريخ ، ولجنة العلماء ،
وتعتبر لجنة العلماء مثلا مسئولة عن ضمان توافق آراء الحركة ومواقفها السياسية مع أحكام الشريعة
فى حين أن لجنة التاريخ معنية بكتابة رواية " رسمية " لتاريخ الجماعة ..
كما جري استحداث أقسام أخري لتنظيم الدور السياسي الجديد الذي مارسه الإخوان في البرلمان
فتم إنشاء لجنة الإعلام ضمن مكونات القسم السياسي الذي أصبح أشبه بمؤسسة فكرية معنية بإجراء وتنسيق الدراسات التي تتناول القضايا والتطورات السياسية المتنوعة
كما تضمن القسم، لجنة برلمانية، تضم في عضويتها نواب الإخوان في البرلمان .
وهكذا استطاعت الجماعة أن تطور مناهجها وخططها وخطابها للاندماج فى المجتمع وتحقيق عدد من النجاحات على مستوى الانتشار المجتمعى والذى ظهر واضحاً فى الانتخابات التشريعية عام 2005 وكذلك الانتخابات التشريعية التى جرت عقب ثورة 25 يناير 2011 م، ومن قبلها انتخابات الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية.
لائحة عام 1982 :
فى بدايات سنوات حكم مبارك قامت الجماعة بوضع لائحة جديدة لتنظيم العمل والهيكل الإدارى لها، استمرارا لما بدأته من خطوات بدأت فى السبيعينات بعد خروج قادة الجماعة من رحلة سيدنا يوسف، وقد تم اعتماد هذه اللائحة من قبل فضيلة المرشد العام الأستاذ عمر التلمساني بتاريخ 9 شوال 1402هـ الموافق 29 يوليو 1982 م.
وقد أقرت هذه اللائحة النظام العام للجماعة في شكل ابواب جاء في الباب الاول منها اسم الجماعة ومقرها على النحو التالي:
في شهر ذي القعدة 1347ه – مارس 1928 تألفت جماعة الإخوان المسلمين ومقرها الرئيسي مدينة القاهرة، ويجوز نقل القيادة في الظروف الاستثنائية بقرار من مجلس الشورى وإذا تعذر ذلك من مكتب الإرشاد.
أما الباب الثاني فقد تناول الأهداف والوسائل كما يلي: :
الإخوان المسلمون هيئة اسلامية جامعة تعمل لاقامة دين الله في الأرض وتحقيق الاغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف، وما يتصل بهذه الاغراض.
وتبلغ دعوة الإسلام إلى الناس كافة والى المسلمين خاصة، وشرحها شرحا دقيقا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويدفع عنها الاباطيل والشبهات.
وجمع القلوب والنفوس على مبادئ الإسلام، وتجديد اثرها الكريم فيها، وتقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية. والعمل على رفع مستوى المعيشة للافراد وتنمية ثروات الامة وحمايتها.
وتحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة، وتشجيع اعمال البروالخير.
وتحرير الوطن الاسلامي بكل اجزائه من كل سلطان غير اسلامي، ومساعدة الاقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين جميعا حتى يصيروا أمة واحدة.
وقيام الدولة الإسلامية التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا، وتحرسها في الداخل وتعمل على نشرها وتبليغها في الخارج.
ومناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل الشريعة الإسلامية التي تصون الحريات وتحفظ الحقوق، والمشاركة في بناء الحضارة الانسانية على اساس جديد من تآزر الايمان والمادة كما كفلت ذلك نظم الإسلام الشاملة.
ويعتمد الاخوان المسلمون في تحقيق هذه الاغراض على الدعوة بطريق النشر والاذاعة المختلفة من الرسائل والنشرات والصحف والمجلات والكتب والمطبوعات وتجهيز الوفود والبعثات في الداخل والخارج.
والتربية: بطبع اعضاء الجماعة على هذه المبادئ وتمكين معنى التدين قولا وعملا في انفسهم افراداً او بيوتا وتربيتهم تربية صالحة عقديا وفق الكتاب والسنة وعقليا بالعلم وروحيا بالعبادة، وخلقيا بالفضيلة، وبدنيا بالرياضة وتثبيت معنى الاخوة الصادقة والتكافل التام والتعاون الحقيقي بينهم حتى يتكون رأي عام اسلامي موحد، وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهما صحيحا ويعمل بأحكامه ويوجه النهضة اليه.
والتوجيه: بوضع المناهج الصالحة في كل شؤون المجتمع من التربية والتعليم والتشريع والقضاء والادارة والجندية والاقتصاد والصحة والحكم التقدم بها إلى الجهات المختصة، والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية والدولية لتخرج من دور التفكير النظري إلى دور التنفيذ العملي والعمل بجد على تنقية وسائل الإعلام مما فيها من شرور وسيئات والاسترشاد بالتوجيه الاسلامي في ذلك كله.
والعمل: بانشاء مؤسسات تربوية واجتماعية اقتصادية وعلمية، وتأسيس المساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ، والنوادي، وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات واعمال البر والاصلاح بين الأفراد والاسر؛
ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة والمخدرات والمسكرات والمقامرة وارشاد الشباب إلى طريق الاستقامة وشغل الوقت بما يفيد وينفع ويستعان على ذلك بانشاء اقسام مستقلة طبقا للوائح خاصة.
وإعداد الامة إعدادا جهاديا لتقف جبهة واحدة في وجه الغزاة المتسلطين عن اعداء الله تمهيدا لاقامة الدولة الإسلامية الراشدة.
ومما جاء في الباب الثالث حول الأعضاء وشروط العضوية :
يقضي المرشح لعضوية الجماعة مدة ستة اشهر على الاقل تحت الاختبار ،فاذا ثبت قيامه بواجبات العضوية مع معرفته بمقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بان يناصرها ويحترم نظامها. ويعمل على تحقيق اغراضها ثم وافقت الجهة المسئولة عنه تم قبوله عضوا في الجماعة فيصبح اخا منتظما لمدة ثلاث سنوات.
واذا ثبت خلال السنوات الثلاث الآنفة الذكر قيام الاخ بواجبات عضويته فللجهة المسؤولة ان تعتبره أخاً عاملا و على كل عضو ان يدفع اشتراكا ماليا شهريا او سنويا وفق النظام المالي لكل قطر، ولا يمنع ذلك من المساهمة في نفقات الدعوة بالتبرع والوصية والوقف وغيرها كما ان للدعوة حقها في زكاة أموال الأعضاء القادرين على ذلك.
و اذا قصر العضو في بعض واجباته، او فرط في حقوق الدعوة اتخذت الإجراءات الجزائية اللازمة في حقه وفق النظام الجزائي الخاص بقطره بما في ذلك الاعفاء من العضوية.
وعلى الأعضاء ان يتكافلوا فيما بينهم، وليتعهد بعضهم بعضا بالسؤال والبر، وليبادر كل إلى مساعدة اخيه ما وجد إلى ذلك سبيلا، كما يأمرهم بذلك الاسلام، وذلك صريح الايمان ولب الاخوة.
كما اعتمدت الجماعة وسائل تنظيمية جديدة مثل الأوراق والنشرات الداخلية لتوعية الصف سواء كانت نشرات تربوية أو سياسية، لمواجهة بعض الحملات الاعلامية والأمنية التى استهدفت الجماعة وكوادرها، ومن هذه النشرات التى كانت ترد على استهداف قيادة الجماعة والتشكيك فيها نشرة أو كتيب " الدين النصيحة" والتى صدرت عام 1995.
ومما جاء فى النشرة " أخى الحبيب:
إن القيادة بشر من بشر، تصيب وتخطئ وإلا فما معنى النصيحة؟
فهلا سددت وقاربت، وحملت الأمانة، وأنكرت ذاتك وقدمت نموذجاً عملياً فى موقعك يدفع الآخرين بالقدوة، ويقيم الحجة على القاعدين، وتكون برهانا على صدق ادعائك، ومسئولياتك التى حملك الله إياها، قد يقع المسلم فى خطأ غير مقصود حين يرسم فى مخيلته صورة لقيادته أى مستوى قيادى صورة مثالية غير واقعية، قبل أن يدخل بيت الدعوة ويشاهد الواقع المعاش.. فإذا دخل وتعرف على حقيقة وطبيعة وواقعية القيادة، اهتزت ثقته لنقص فى بشريتها وخطأ فى تقديره، أو شدة فى معاملة،لأنه لم ير فى الخيال الذى رسمه فى مخيلته واقعاً أمامه.
وتضيف الورقة فى نفس الموضوع
"فى السلوك والفردى للقيادة حين تتعامل كبشر وكفرد من الأفراد ابتلاها الله بالقيادة ،ففعلت المأمور، وتركت المحظور، وصبرت على المقدور، وتناولت المباح، وتسامت عن الصغائر، وتحلت بالأخلاق الكريمة، والمبادئ القومية، واجتهدت ان تقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو المقياس الذى بدونه لاتٌقدر ولا تعتبر، لأن رسالتنا رسالة أخلاق وقيم قبل أن تكون رسالة تنظيم وتشريع وتخطيط وسياسية...".
كما توجه الرسالة بعض الوصايا التنظيمية تحت عنوان" استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان":
"أخى الحبيب: إن أى مستوى من مستويات الإدارة فى شركة من الشركات له خصوصياته وله معلوماته التى لاتتعداه إلى مستوى آخر؛ حفاظاً على نجاح الإدارة وتحقيقاً للأهداف، فلايعلم بمايدور فى مستوى إلا من فيه، ولا ينتقل إلى مستوى آخر إلا لمصلحة، فما بالك بجماعة تريد خلافة إسلامية ضاعت، وهوية إسلامية انمحت، هل تتصور أن كل أمر وكل تكليف على أعلى مستوى لابد أن يعرفه الجميع؟
حقيقته ومرماه، والغرض منه، ولم كان الحكم على هذا الشكل؟ إنه من الطبيعى أن يحجب عنك بعض الأمور التى ليست فى مستواك، لا لعدم الثقة فيك، ولكن كل كلام لاينبنى عليه عمل فالخوض فيه من التكلف الذى نهينا عنه، أو طالما أنك لاتفيد الجماعة فيه كان لابد من حجبه، لكى لايطلع عليه عدوك، فيحبط خطتك حين تنتشر بين الأفراد"استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
وتضيف الورقة، أخى الحبيب:
هل تظن أننا نستطيع أن نواجه أعداءنا بهياكل تنظيمية أو أحزاب سياسية، وأوامر تكليفية، وتخطيط بغير إخلاص فى القلوب وسلامة فى الصدر وحب للأخوة؟.
أخى الحبيب:
إذا استغرقنا فى هياكلنا التنظيمية، وأعمالنا الإدارية وهى ضروية دون إخلاص فى القلوب، تعكر الصفو، داخل الصف، وإذا اختل الصف انتصر العدو، وهذا دليل قلة الإخلاص أو انعدامه، فوحدة القلوب سابقة على وحدة الصفوف، ووحدة المشاعر سابقة على وحدة الشرائع، لتتحقق قوة الرباط الإيمانى بالإخلاص.
الدين النصيحة، أبو عبدالله محمد صالح
كما نجد بعض التوجيهات التربوية فى كتيب آخر تحت عنوان "من زاد السائرين إلى رب العالمين" الجزء الثانى ويتناول قضية الثبات والمعينات عليها فى ظل استمرار المواجهة مع النظام فتحت عنوان مظاهر تحقق صفة الثبات
(أ) مظاهر يجب التحلى بها:
ألا تبالى بالشبهات المثارة ولابمن يثيرها وتمضى بثبات فى طريق دعوتك. أن تتصدى لمثيرى الشبهة بالحجة والبرهان. أن يكون لك جهد فى دفع أصحاب الفتور والأعذار الكثيرة للعمل والتضحية. أن يزيد عطاؤك لدعوتك كلما طال بها عهدك. أن تأخذ نفسك بالعزيمة إذا ماتعرضت لمحنة ولاتفشى سراً لدعوتك. أن توظف المحن توظيفاً جيداً. أن يزيد عطاؤك عند تغيب قادتك. أن تحترم آراء غيرك وأن تكون على استعداد للتنازل عن آرائك. أن تراجع نيتك قبل كل رأى تبديه أو عمل تؤديه وبعدهما كذلك. أن تبادر بالاعتذار لغيرك وخاصة لقيادتك إذا مابدر منك خطأ فى حقهم.
(ب) مظاهر يجب التخلى عنها:
أن تصاب بالإحباط عند إثارة الشبهات وأن تحدث غيرك بالشبهة المثارة. أن تفتر همتك عند مواجهة المشكلات الدعوية والمعوقات. أن تتوارى عن الأعين أو يقل نشاطك عند المحنة. أن تتهم جماعتك باستدعاء البلاء لا دفعه. أن ترى فى رأيك الصواب مطلقاً. أن تيأس من شيوع المنكر وكثرته. أن تطيع أهلك فيما يهوون إن كان على حساب دعوتك. أن تنتظر الثناء على مجهود وإلا قل عزمك. أن تكثر أعذارك عند إقبال الدنيا عليك. أن تضعف همتك عندما تكثر أعباؤك. أن تنشط فى حال القيادة وتفتر فى حال الجندية. أن ترغب فى مجالسة من يثنى على آرائك وأدائك، ولاترغب فى مجالسة من يخالفك.
عبدالرحمن الجندي، من زاد السائرين إلى رب العالمين
شهادة
يقول د. عمرو الشوبكى
"علي عكس الصورة الواسعة والمترهلة أحيانا في أعين البعض التي بدا عليها تنظيم الإخوان المسلمين، إلا أنه في داخل جنبات هذه الصورة بدت هناك خيوط وقنوات محددة ومعدة بدقة لكي يقوم كل عضو بدوره التنظيمي على نحو محدد ودقيق، لا يعبر عنه بدقة المظهر الخارجي الواسع والمترهل في بعض الأحيان.
وحرص الإخوان على تشييد تنظيمهم على أسس مركبة شديدة الدقة، ضمت مستويات متعددة، لكل منها برنامجها الخاص في التثقيف الديني والعقائدي، على نحو أدى إلى تمايز تنظيم الجماعة عن باقي التنظيمات السياسية والجماعات الدينية الأخرى.
وكانت هناك ثلاثة أبعاد أساسية ميزت هذا التنظيم
البعد الأول يتعلق بمستويات التنظيم، حيث حرص الإخوان على أن تتم عملية التجنيد على أكثر من مستوى، وهو ما ذكره حسن البنا بشكل واضح حين أشار في مذكرات الدعوة والداعية إلى ضرورة أن تعنى المكاتب والهيئات الرئيسية لدوائر الإخوان بتربية الأعضاء تربية نفسية صالحة تتفق مع مبادئهم.
وتحقيقا لهذه الغاية يكون الانضمام لعضوية الإخوان على ثلاث درجات، هي:
الانضمام العام، وهو من حق كل مسلم توافق على قبوله إدارة الدائرة ويعلن استعداده للصلاح ويوقع استمارة التعارف، ويسمى "أخا مساعدا". الانضمام الأخوي ، وهو من حق كل مسلم توافق على قبوله إدارة الدائرة.
وتكون واجباته ـ بالإضافة إلى الواجبات العامة السابقة- "حفظ العقيدة"، والتعهد بالطاعة، ويسمى العضو في هذه المرتبة "أخا منتسبا".
الانضمام العملي ، وهو من حق كل مسلم توافق إدارة الدائرة على قبوله.
وتكون واجبات الأخ فيه فضلا عن الواجبات السابقة إعطاء البيانات الكافية التي تطلب منه عن شخصه، ودراسة شرح عقيدة الإخوان، وحضور مجالس القرآن الأسبوعية ومجالس الدائرة، والالتزام بالتحدث باللغة العربية الفصحى بقدر المستطاع، والعمل على تثقيف نفسه في الشئون الاجتماعية العامة وليس السياسية والاجتهاد في حفظ 40 حديثا نبويا.
ويسمي العضو في هذه الدرجة "أخا عاملا".
وهناك درجة رابعة، أصر الشيخ المؤسس ألا يضعها مع الدرجات السابقة وبصورة لا تخلو من دلالة وهي التي أسماها درجة "الانضمام الجهادى"، وهي ليست درجة عامة ولكنها من حق الأخ العامل الذي يثبت لمكتب الإرشاد محافظته على واجباته السابقة.
أما واجبات "الأخ" في هذه المرتبة فضلا عما سبق فتتمثل في تحري السنة النبوية والصلاة في الليل، والعزوف عن مظاهر المتع الفانية، والبعد عما هو غير إسلامي في العبادات والمعاملات، والاشتراك المالي في مكتب الإرشاد وصندوق الدعوة، والوصية بجزء من تركته لجماعة الإخوان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل المصحف ليذكره بواجبه نحو القرآن، وأخيرا الاستعداد لقضاء مدة التربية الخاصة بمكتب الإرشاد.
ويسمي الأخ في هذه المرتبة "مجاهدا".
البعد الثاني يتعلق بالتكوين العقائدي لكادر الإخوان، فمثلما حمل التنظيم مستويات متعددة من التجنيد حمل أيضا مستويات متعددة من التكوين.
فإذا أخذنا برنامج النشاط الشهري والأسبوعي للإخوان، والذي أشار إليه المؤتمر الخامس الذي عقد في عام 1938، فسنجد أنه قد عبر إلى حد كبير عن تلك الرؤية المتنوعة والمركبة للبناء العقائدي لعضو الجماعة.
فقد اقترح مكتب الإرشاد المستوى القيادي للجماعة أن يحدد الإخوان لأنفسهم أياما معينة من كل شهر لتنفيذ البرنامج التالي:
يوم النصيحة، ويقومون فيه بتوجيه النصيحة لجيرانهم بالتي هي أحسن، وينهونهم عن المنكر، ويدعونهم للخير. يوم الآخرة، الذي يزور فيه الإخوان المقابر للعظة وتذكر الآخرة. يوم العيادة، ويزورون فيه مرضى المسلمين. يوم التعارف، لزيادة أواصر الصداقة بين الإخوان.
وقد تواكب مع هذا النشاط السلمي ذي الطابع الاجتماعي والأخلاقي نشاط آخر مواز أكثر حدة، وتمثل في الأعمدة الثلاثة للنشاط الأسبوعي للإخوان، وهي:
نشاط ليلة الدرس، ويُخصص لمذاكرة الدرس الذي يلقيه المرشد كل أسبوع. نشاط ليلة الكتيبة، حيث الاستعداد لتحمل المشقة ومقاومة النفس في سبيل الله. نشاط يوم المعسكر، أي الجندية والتدريب والاستعداد للجهاد المقدس، ذلك هو ما يعنى به "الإخوان المسلمين" لتكوين الجيش الإسلامي.
ولم يكتف منشور مكتب الإرشاد بما سبق، إنما أضاف معلقا على هذا اليوم:
"نرجو أن يكون لهذه الناحية أكبر قسط من اهتمام الإخوان، فيعطون لأنفسهم كل أسبوع عرضا عسكريا يتدربون فيه، أو رحلة يزورون بها البلدان المجاورة فيثابون، ويكونون نموذجا حسنا للناس".
البعد الثالث يمكن اعتباره تجسيدا عمليا للبعدين السابقين أو الثمرة "الواقعية" لهما، وتتمثل في ثنائية الخاص والعام التي حكمت حركة الإخوان المسلمين طوال الفترة الممتدة من عام 1938، أي عقب اشتعال المعارك والثورات على أرض فلسطين وحتى نهاية العهد الناصري تقريبا.
وقد تبلورت تلك الثنائية بشكل واضح في التنظيم "الخفي" و"الموازي" لتنظيم الجماعة الأساسي وهو ما عرف لأعضاء الجماعة باسم "التنظيم الخاص"، وعُرف خارجها باسم "التنظيم السري".
وقد نجحت الجماعة في استيعاب أعضاء التنظيم الخاص، رغم تكوينهم العقائدي الصلب والمخالف لتكوين معظم أعضاء الجماعة، على مدار ما يقرب من ثماني سنوات إذا اعتمدنا رواية محمود عبد الحليم أحد مؤسسي التنظيم الخاص والتي أعلن فيها أن التنظيم قد تقرر إنشاؤه في عام 1940 إلا أن تغير البيئة الاجتماعية والسياسية في الداخل، وتحول البيئة الإقليمية باندلاع حرب فلسطين قد أدى إلى تفجر الخلافات داخل الجماعة بين "الكادر الخاص" و"الكادر العام".
مستقبل جماعة الإخوان المسلمين، د. عمرو الشوبكي، كراسات استراتيجية العدد رقم 163- مايو 2006
الثقة ودورها في قوة عمل التنظيم
من المعروف أن ركن الثقة هو ركن من أركان البيعة التي وضعها الإمام البنا، لتكون في مجموعها أركانا لبيعة جماعة الإخوان المسلمين، ولا يتم انتساب أحد إليها إلا إذا توفرت فيه هذه الأركان توفرا كاملا غير مخلّ ولا ناقص.
وركن الثقة هو من الأركان المركزية التي تمس مسا عميقا آليات وشكل العمل الجماعي المنظم.
ومما يلفت الانتباه في تعريف الإمام البنا للثقة أنه حصرها في ثقة الفرد من الإخوان في قيادته فقال:
( وأريد بالثقة، اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانا عميقا ينتج الحب والتقدير والإحترام والطاعة، ........................،
وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة ،......................،
والثقة بالقيادة هي كل شئ في نجاح الدعوات).
جوانب الثقة
أولا: الثقة في منهج الجماعة.
فلا بد أولا أن تكون الثقة عندنا في منهج هذه الجماعة، من حيث أنه منهج الإسلام بلا زيادة ولا نقصان.
ولم يكن فعل الإمام البنا فيه إلا ما كان من سنن الله في هذا الدين، والتي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ( يبعث الله على رأس كل مئة عام لهذه الأمة من يجدد لها دينها).
فقد كان بحق دور الإمام البنا رضي الله عنه هو التجديد بلا إضافة ولا انتقاص.
ونشهد بالله أننا من خلال معايشتنا لهذه الدعوة الكريمة ما وجدنا فيها حيدا ولا خروجا عن ما شرّع الله ورسوله ولا قيد أنملة. وهذا يتطلب أن نبقى جميعا متيقظين كأبناء لهذه الدعوة العظيمة، حريصين عليها حرصنا على الدم والعرض، وأن لا نظن أبدا أن مسؤولية هذه الدعوة هي لقيادتها فقط، بل نحن شركاء معهم في التوجيه والقرار، كما أنه تجب المراجعة على رأس كل فترة لما آلت إليه أحوال الجماعة من ناحية الغايات والأهداف والمنهج والوسائل.
ثانيا: الثقة في أهمية التنظيم والجماعية.
ولا بد كذلك من الثقة في أهمية هذا التنظيم وهذه الجماعية في خدمة هذا الدين، وفي إرجاع مجد الإسلام بعدما غاب عنه زمانا طويلا والثقة في أن هذه الجماعية قد أصبحت في حكم الضرورة لخدمة هذه الدعوة.
ولكن لا سبيل أبدا إلى الثقة في أن هذا هو التنظيم الوحيد الذي يجب أن يكون، وفي أن غيره من الجماعات والتنظيمات ليست على الجادة والصواب.
ولا سبيل أيضا إلى الثقة في وجوب العمل الجماعي من الباب الشرعي ( كما يقول الكثيرون)، لأن ذلك معناه أن من لم يعمل لخدمة الإسلام في عمل جماعي منظم فهو آثم شرعا، وهذا ما لا يُقبل أبدا، ولكننا نقول بضرورة هذا العمل الجماعي، أو بوجوبه ولكن من باب الوجوب النظري العملي وليس الشرعي.
ثالثا: الثقة في قرارات الجماعة .
فمن لوازم العمل الجماعي المنظم الثقة في قرارات الجماعة، واحترام هذه القرارات
ولكن هذه الثقة منا في قرارات الجماعة تتطلب منها إعمالا لمبدأ الشورى الذي فرضه الله سبحانه وتعالى على نبيه المعصوم ، قال تعالى ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله).
على أن تكون هذه الشورى في أهلها ورجالها، ممن يخبرون المسألة والقضية.
فثقتنا هنا تكون في الشورى، وفي أنها لا سبيل إلى غيرها أبدا، وفي أن يد الله مع الجماعة، وفي أن الشورى تكون لازمة وملزمة.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل
والله أكبر ولله الحمد
وسوم: العدد 659