كتاب سقوط الجولان !؟
حتى لا ننسى خيانات البعث الطائفي ، وآل أسد :
تأليف: خليل مصطفى بريز
كتاب وثائقي من تأليف الضابط السوري خليل مصطفى بريز ضابط استخبارات الجولان قبل الحرب (1967).
أراد أن يثبت فيه للذين أذهلهم (انتصار إسرائيل الساحق) أن ذلك لم يكن انتصاراً في حرب.. فإن الشعب لم يقاتل؟! ولو أخلي بينه وبين العدو لسطر صفحات من البطولات ولما كانت الفاجعة وقعت.
كما أراد أن يثبت أن الذي حدث لم يكن إلا مؤامرة متقنة وجريمة مدبرة، أعدت قبل سنوات طوال، عمل العدو وعملاؤه خلالها على تصفية كل ما يمكن أن يقف في وجههم ويحبط ما يدبرون حتى كان لهم ما أرادوا.. وكانت النكبة!!؟
فقبل النكبة قام حزب البعث الذي تسلط على الدولة بانقلابه 1963 بتسريح أفواج كثيرة من خيرة الضباط وخلال أربع سنوات تم إخراج أكثر من 85% من ضباط وعناصر الجيش وقد وصف الدكتور سامي الجندي أحد البعثيين القدامى في كتابه (كسرة خبز) الوضع بقوله: "كنت أنذرهم أن سبل الثورة باتت خطرة على نفسها وعلى الشعب، وأنها ما باتت ثورة بل انقلاب شرذمة، أدى بها الغرور والأنانية والتمسك بالحكم إلى طغيان بوليسي لا هدف له ولا رجاء منه غير الخراب والتخريب والولوغ بالدم والشرف.
وقد أحس الشعب السوري ونخبه بخطورة الموقف والممارسات فلم يسكت فحدثت انتفاضات وحركات عنيفة:
1- اضطرابات طرطوس 1964
2- أحداث حماة 1964 وهدم مسجد السلطان.
3- أحداث دمشق 1965 وقد تجاوب الشعب مع العلماء والتجار وهوجم المسجد الأموي بالمصفحات.
4- أحداث حماة 1966 وقد قمعها النظام بعنف.
5- الإضراب العام في شهر نيسان 1967 عقب المقال الفاجر في مجلة "جيش الشعب" الرسمية.
ولنا أن نتصور حجم الفاجعة التي وقعت في الخامس من حزيران 1967 من خلال ما كتبه زهدي الفاتح في كتاب (المسلمون والحرب الرابعة) إذ يقول: إن الجبهة السورية – الإسرائيلية "خط ماجينو" السوري المشهور الذي كلف البلاد أكثر من 300 مليون دولار – في ذلك الوقت- لتحصينه وتجهيزه بأحدث المعدات، والذي اشتهر بأنه لا يؤخذ؟! هذا الخط سقط بأيدي القوات الإسرائيلية خلال 48 ساعة فقط !؟
وما قالته مجلة التايم أول أيلول 1967: "إن سورية تسيطر على سلسلة من التلال الصخرية الشديدة الانحدار، تمتد لمسافة أربعين ميلاً، وتشرف على سهول منكشفة للنيران، وعلى جوانب التلال خطوط دفاعية مستقلة بعضها عن بعض، وكل خط منه تحميه ثلاث طبقات من الألغام، والأسلاك الشائكة والاستحكامات المنيعة، وللوصول إلى الطبقة العليا يجب عبور تسعة خطوط (ماجينو صغيرة)؟!! ولكن كل ذلك لم يستعمل، وهناك أمر آخر في غاية الخطورة: فالطرق والمحاور في منطقة الجبهة قليلة جداً، والأرض غاية في الوعورة وانعدام صلاحيتها للحركة السريعة للآليات، وقد سبق لقيادة الجيش أن حفرت التخريبات المختلفة على محاور التقدم المحتملة لقوات العدو، وقد كان من أبرزها: (الملاغم) التي وضعت في نقاط الممرات الإجبارية على الطرق ولو أنها نسفت لسدت الطريق أمام الآليات ووضعت العدو تحت النيران السورية، ويستطيع أي عسكري أن يفجرها ولكنها لم تنسف فلماذا سقط الجولان الحصين؟!!
ولعل سير الحوادث يكشف أن قتالاً صحيحاً لم يكن على أي مستوى، فمنذ الساعات الأولى أخذت القوات السورية وضع الترقب دونما تحريك لساكن على الجبهة، بل اكتفت بالبلاغات. وخلال أيام المعركة لم يظهر الطيران السوري إلا في طلعات متفرقة، وبعد هذا وطيلة أيام الحرب المسرحية اختفى اسم الطيران ولم يظهر إلا بعد انتهاء الحرب ومنذ مساء الخميس 8 حزيران، بدأت الشائعات تسري عن أوامر صدرت بالانسحاب ويا لهول ذاك الذي حدث.
1- فقائد الجيش اللواء أحمد سويداني، انهزم إلى دمشق عن طريق درعا.
2- وقائد الجبهة العقيد أحمد المير امتطى حماراً لأن الطيران الإسرائيلي كان يقضي على كل آلية تتحرك ووزير الدفاع الهالك حافظ أسد يرد على الضباط المتصلين بأنه قد أخذ علماً بالوضع وأنه قد اتخذ الإجراءات اللازمة؟!! ودب الفزع مع الفوضى وصار الطريق السالك الآمن إلى دمشق؟!! وانفرط عقد السيطرة القيادية وهرب الكثيرون واستمر الأمر حتى بلغ ذروته يوم السبت 10 حزيران بعد إذاعة البيان الفاجر الذي أعلن سقوط القنيطرة، ولم يكن جنود العدو قد رأوها بأعينهم بعد، ولا وطئتها أقدامهم.
وكان القادة أول الفارين، وأول من تبعهم وحدات الدبابات التي تركت ساحة القتال وعادت إلى دمشق (لتحمي الثورة).. وصدر البلاغ الفاجر من إذاعة دمشق ويحمل توقيع وزير الدفاع حافظ الأسد ويحمل الرقم 66 وكان هذا البيان هو طلقة الخلاص سددتها يد مجرم إلى رأس كل مقاومة استمرت في وجه العدو فانهارت القوى واستسلمت المقاومات الفردية المعزولة واستشهد الرجال، وأذيع البلاغ العسكري 66 بنصه:
"إن القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى، وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل، إن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن، كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد قد أخذت مراكزها."
وقد أكد المحللون السياسيون والمراقبون العسكريون أن النظام البعثي لم يمارس العمل الحربي إلا بعد 22 ساعة، وضيع فرصة عظيمة وأنه ترك الوثائق والخرائط فاستولى عليها العدو وأن القوات السورية الأساسية لم تقاتل وأن كل ما برز من قتال كان مقاومة بطولية من رجال رفضوا الهزيمة..
والأنكى من ذلك أنه بعد انتهاء المعركة قامت بعض الوحدات الفدائية بالتسلل للوصول إلى المستودعات التي تركها المنهزمون سليمة بيد العدو فهددهم مدير مكتب الأمن القومي إن عادوا إلى ذلك.
بل بلغت الوقاحة بالبعثيين المنهزمين ما جاء على لسان وزير خارجيتهم: "ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق أو حتى حمص وحلب فهذه جميعاً أراضي يمكن تعويضها، وأبنية يمكن إعادتها، أما إذا قضى على حزب البعث، فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية"
وخسرت سورية كرامة شعبها وروحه القتالية.
ومن مخازي هذه الحرب (المؤامرة) أن الأسرى من الجيش السوري لدى الصهاينة عُرضت عليهم أكداس من الوثائق التي تركها أكثر القادة دون إتلاف، لتكون غنيمة رائعة للعدو، يستفيد منها أكثر مما أفادته أجهزة الجاسوسية التابعة له بمئات المرات وكان هؤلاء الأسرى يفاجؤون أثناء التحقيق معهم بقول الصهاينة "هذه هي وثائقكم.. هذه هي خرائطكم.. هذه كانت نوايا قياداتكم المتعاقبة.. ها هي أمامنا موجودة في الوثائق والخرائط.. انظروا.. فنحن لسنا بحاجة إلى معلومات عنكم وعن جيشكم؟! إننا نريد المعلومات عن الفدائيين.. والخبراء الروس فقط؟!!
وبالنسبة للمقاومة الشعبية التي كان من الممكن أن تفعل شيئاً ما فإن القيادة قامت بتجريدها من أسلحتها وتركت في أيدي مجموعات قليلة منها أعداداً من البنادق وكميات محدودة من الذخيرة.. للتضليل، وذر الرماد في العيون.
ومما يؤكد أن العدو تسلم الجولان دون قتال هو روايات أكثر الذين شاهدوا الوحدات المعادية خلال تقدمها في الجولان إذ كانت هذه الوحدات من الدبابات تتقدم في تشكيلات المسير، ودون ما حماية من المشاة، مما يؤكد اطمئنانها إلى خلو الطريق أمامها من مقاومات قد تعطلها؟!
وأما الخسائر التي أصابت البلاد فتفوق حدود التصور في قيمتها وهولها.
1- فأول الخسائر هو كرامة الشعب، وروحه القتالية، وقدرته على الصمود وشرفه الذي ديس ولوث.
2- وثاني الخسائر، هو الأرض الكريمة الغالية الحبيبة بكل ما فيها من كنوز وثروات.
3- وفيما عدا ذلك فقد كانت الخسائر على الشكل التالي:
- في الأرواح، لم يتجاوز عدد القتلى 250 قتيلاً، كما لم يتجاوز عدد الجرحى 300 جريح، بينهم عدد من الضباط وحوالي سبعة أطباء.
- وأما الأسلحة: فحدث ولا حرج، فالمدفعية دمرت بكاملها، والمدافع المضادة للدبابات والطائرات ذهبت كلها بين مدمر أو غنيمة أخذها العدو بعد أن تركتها القوات، والأسلحة الأخرى تركت كلها في الأرض في العراء، جمع العدو قسماً منها، وجمع الفدائيون قسماً آخر، وجمع المهربون قسماً ثالثاً وباعوه، وقسم رابع وضئيل لا يزال مطموراً أو ملقى على الأرض وقد أكلها الصدأ.
والمدفعية الصاروخية أصبحت كتلاً من الحديد الأسود المحروق، وقاذفات اللهب، تركت سالمة للعدو ليستعملها ضد قواتنا وآلياتنا.
والدبابات دمر عدد منها لا يقل بمجموعه عن كتيبتين (40- 5- دبابة) وغنم العدو كتيبة دبابات برمائية تركها الجيش في الرفيد.
وأما الآليات.. فواحسرتا عليها.
الآلاف منها دمر، ابتداء من عربات الجيب حتى الشاحنات الكبرى مرواً بعربات الجند المدرعة.. مضافاً إليها عدد كبير من الشاحنات المدنية التي صادرتها السلطة لصالح الحرب، وأضف إلى ذلك، ما لا يقل عن ثلاث مئة صهريج بنزين لا تقل قيمة الواحد منها عن 70 ألف ليرة سورية.
والطائرات.. دمر منها وأعطب عدد لم أستطع الوقوف عليه بدقة، وخربت مدارج الطائرات في كل من مطاري المزة والضمير، وفي عدد من المطارات (السرية) الأخرى.
وأخيراً المستودعات الهائلة الجبارة، بكل محتوياتها، من وقود، أو ذخيرة، أو مواد طبية، أو أطعمة جافة أو ألبسة وتجهيزات ومفروشات.
ونعود إلى بلاغ وزير الدفاع /66/ الموقع باسم حافظ الأسد
ولنفترض جدلاً أن البلاغ كان صحيحاً.. وأن القوات الإسرائيلية قد دخلت القنيطرة وقت البلاغ تماماً أو قبيله بزمن بسيط.. فلماذا تترك الوحدات الباقية مواقعها، وتفر كالفئران؟؟
إن نظرة واحدة إلى خريطة الجولان.. توضح أن سقوط القنيطرة، لا يشكل خطراً أو تهديداً مباشراً ضد باقي القوات المقيمة في القطاعات الأخرى، وخاصة الأوسط والجنوبي..
إن القنيطرة تبتعد عن مواقع القوات الرئيسية في القطاع الأوسط، عشرين كيلو متراً، وعن مواقع القوات الرئيسية في الجنوبي خمسين كيلو مترا.. فهل يمكن أن يسمى احتلال العدو للقنيطرة، التفافاً أو تطويقاً ضد هذه القوات؟؟.
إن التطويق لا يكون تطويقاً، إلا إذا استطاعت القوات عزل الوحدات المطوقة تماماً. والإحاطة بها من كل جانب، وقطع طرق انسحابها أو تموينها ونجدتها، ومن ثم تبدأ القوات المطوقة زحفها لتدمير القوة المطوقة، أو إجبارها على الاستسلام.
وحتى في هذه الحالة –النادرة في الحروب- كثيراً ما تقوم القوة المطوقة بأعمال تتسم بطابع العنف والضراوة، بهدف فك الحصار، وفتح الطريق إما لانسحابها أو لتأمين وصول النجدات إليها..
وفي حالتنا هذه التي نناقش، يرى الناظر إلى الخريطة أن قوات الجولان لم يتم تطويقها، وأن نجدة الجولان كانت ممكنة –وهذا ما سبق للقيادات أن وضعته في احتمالها –إما عن طريق قطنا- مزرعة بيت جن- مسعدة (من الشمال)، وإما من الطرق المختلفة المؤدية من حوران إلى القطاع الجنوبي ثم الأوسط (من الجنوب)، وإما من الطرق المؤدية من دمشق إلى منطقة القنيطرة مباشرة (من الشرق).
وكذلك يرى الناظر إلى الخريطة، أن مجال المناورة كان واسعاً جداً، فالأرض فسيحة. والطرق متوفرة والليل كفيل بالسماح للقوات السورية بإجراء التحركات اللازمة حتى يتمّ الالتحام مع العدو، لطرده، أو وقف زحفه على الأقل..!
وأخيرا: تمت الصفقة ونجحت إسرائيل باحتلال الجولان، ونجح حزب البعث بالاحتفاظ بالسلطة في سورية فأين الصمود وأين التصدي؟ ثم أين الممانعة يا عميان العيون والقلوب والضمائر؟!
وسوم: العدد 671