بين نبضتين

عبد الحميد الأحدب

قرأت رواية بين نبضتين للأخ الفاضل طريف غنوم الذي قضى خمسة عشر عاماً في سجن تدمر العسكري وقد بلغني أنه الآن في السويد قرأتها مرة وأعجبت بها وكنت قرأت قبلها عدة روايات عن قوم أقاموا في تدمر دهراً ثم خرجوا، وتمتاز كل رواية بتفردها ببعض التفاصيل والآراء.

يذكر الأخ طريف أنه تعرف في حلب على أستاذ حمصي اسمه عبد المعين السيد وكان مدرساً للرياضيات وقد أعجب به إعجاباً شديداً هو وعدد من طلاب الثانوي بحلب ثم جاءت الأخبار بقتل الأستاذ بحمص بلده فتعاهد أحبابه على أن يخرجوا على الحكومة الجائرة وذلك عام 1979م وينتقموا لأستاذهم المحبوب مع أن الأستاذ كان قال لهم:( لقد تورطنا رغماً عنا فاصطدمنا مع الحزب الحاكم (البعث) وأرجو ألا تتورطوا أنتم فأمامكم حياة طويلة نافعة تخدمون بها الإسلام.

لكن الشباب نذروا أنفسهم للثورة على الظالمين فتدربوا على بعض الأسلحة الفردية وبدؤوا عملياتهم ويتكلم المؤلف عن اعتقاله وهو في الصف الحادي عشر وعمره ستة عشر عاماً واعتقال زملائه وهو لا يملك أي سلاح ويصور جو المعتقلات الرهيب وصور الحشر والتعذيب والاستهانة بالروح البشرية فإذا بُلغ الشرطة في السجن عن إنسان يموت ويحتاج إلى دواء وطبيب يجيبونهم غداً صباحاً أخرجوه مع أواني الإفطار إذا مات.

ويصور المؤلف عالم الإهانة الذي عاشوا فيه في السجن: الرؤوس مطرقة إلى الأرض إذا خرجوا من القاعة وإلا نزلت عليهم العصي أو السياط وكذلك في الباصات كل واحد رأسه بين رجليه.

يستقبلون في كل مكان يأتونه بالضرب الشديد ويسمونها حفلة استقبال.. يبولون لهم في المرق أمامهم أو يصفون أحذيتهم في المرق ويمنعونهم من الصلاة فكانوا يصلون أحياناً بالإيماء وهم قاعدون أو مضطجعون.

ويحدثنا عن أيام انتشار مرض السل ومرض الكوليرا ومرض الجرب وانتشار القمل الكثير.. إلخ...

هذه العذابات محاولة لغسل مخ المعتقلين فهل أثروا فيهم؟

الذين تأثروا قليل لا يذكرون.. أما الأكثرون فثبتوا ثباتاً عجيباً.. ومن اللافت قول الشرطة وقد دخلوا الحمام:

- ما أشد نظافة هؤلاء المعتقلين..

أما الذي أثر فيه أقوى التأثير فهو المنام الذي رأته أم طريف حفظه الله وحفظ أباه وأمه في آخر الرواية توقظ زوجها النائم:

قم يا أبا فلان من نومك لقد خرج طريف من السجن

فقال لها:

طولي بالك يا مرة

فقالت: رأيت الآن رؤيا إن القمر دخل من النافذة ووقع في حجري لقد خرج طريف.

وبعد لحظة يرن الهاتف ومعه البشارة.

رحم الله من قال: السجن صانع الرجال والذين ماتوا في السجون بالمرض أو تحت التعذيب هم شهداء إن شاء الله إنها محاولات غير ناجحة لسحق الإسلام وسحق أقوى المسلمين في السجون.. نقول هذا رغم بوادر الضعف عند بعض الأفراد ورغم استنكار أن يرحل كبار الإخوان بأهليهم خارج سورية حيث أكمل أولادهم الدراسة دون الآخرين المعتقلين والصحابة كذلك منهم من ترك الدنيا ومات فقيراً في أول الإسلام كمصعب بن عمير ومنهم من عاش واغتنى وقدرت تركته بستين مليون درهم فضي (الدرهم الفضي يعادل بالقوة الشرائية 25 ديناراً أردنياً)

(سعر الخروف سابقاً حوالي عشرة دراهم واليوم 250 ديناراً). والصحابي المشار إليه هو الزبير بن العوام ولم يكن أغنى الصحابة، يا معتقلون وكان غناه من ارتفاع أسعار الأراضي لكم الله صبرتم على الجوع والعطش (إي والله والعطش) والتعذيب والإهانة والأمراض وخرجتم من المعتقل تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لقد جاعوا حتى أكلوا الغدر من المكانس القديمة (المقشَّات) والصوف من الكنزة.

لما قرأت الرواية للمرة الثانية وجدت أفكاراً كثيرة لم أحفظها من المرة الأولى وأظنني سأقرأها ثالثة ورابعة..

والقصص والروايات تترك أثراً عظيماً في النفوس وفي نفسي أثار من عشرات السنين لرواية الأديب الكبير: علي أحمد باكثير(وا إسلاماه) وبطلها سيف الدين قطز بطل (عين جالوت)، وروايته عن (الثائر الأحمر) (حمدان قرمط) وأمثالها من الروايات العالمية.

تعليق: اسم غنوم تدليل لاسم عبد الغني مثل محيو لمحي الدين، ورزوق لعبد الرزاق، وكدرو لعبد القادر وهكذا.

وسوم: العدد 714