قراءة في لوحة (الرجل الضباب) للتشكيلية جيهان محمد
التجاعيد والضباب في مساحة الألم!
لوحة تثير حفيظة العين، وكأن شيئًا يدغدغ الروح والعقل على ضرورة المغامرة لاستخراج أغوار المشهد المختلف أمامك، لذا يمكن التنصت والإصغاء إلى آهات وحسرات تخرج من تحت الألوان والضباب، وتجاعيد الوجه (الرجل الضباب) في اللوحة!
نظرات العيون مختلفة، والتأمل في اللوحات الطبيعية قد يهدأ النفس ويسهل لنا اكتشاف خباياها باليسر والوضوح، لكن اللوحات التي رسمت باليد بغض النظر عن المدارس الفنية فإن اكتشاف المعاني المترجمة على اللوحة التي أبدعت فيها اليد الفنان من خلال عصارة روحه وفكره وبصمت، وفي لحظات أشبه بالتصوف ليست بذاك السهولة!
بلا شك، يختلف المعنى من ناظر إلى آخر ولو بدرجات، ويبقى المعنى الحقيقي في قلب الفنان/ة….
لذا نستطيع القول بأن اللوحة هي كما الشعر والنثر وبقية الفنون لا بد من التأمل والتدقيق لاستخراج بعض الإبداعيات والجماليات في المشهدية أو عكسهما…
تبرز في هذه اللوحة للتشكيلية جيهان محمد الكثير من النقاط والزوايا، لكن جميع روافدها تصب في بحر الهموم والضياع…
توفقت الفنانة جيهان إلى حد كبير في الربط أي التناسق والتآلف بين الموضوع واللون!
حيث تجاعيد الوجه الظاهرة تدل على سنين التعب والعوز، وعيون مغمضة، مشدودة بقوة لا يريد فتحهما حتى لا يرى كل هذا الخراب من حوله، واللون الترابي المغطى على وجه اللوحة يعبر عن قسوة الكائن الأرضي وما يفعله من الكوارث بحق أخيه منذ خليقة وإن كانت هذه اللوحة هي عن مأساة محددة في العصر الحالي….
يوحى الوجه بما يحمله من الخدوش والتجاعيد والضباب بأنه خرج من تحت الأنقاض، يبحث عن ملجأ آمن وهذا جل رغباته!
اجتياح اللِّحْيَة مساحة كبيرة من الوجه دليل على عدم الراحة والقلق دائم، وكأنه ينتقل من نزوح إلى آخر دون أن يجد مأوى … اللِّحْيَة بلون دخاني أنه احتراق داخلي طاف على السطح، لكن في التأمل أكثر يبدو وكأن اللِّحْيَة كتلة صخرية،
مشهد مريع…! أن ما عاناه كان أقسى من قسوة الصخر!
من ملامح التشتت والضياع في المشهدية، وإظهار المعاناة المجتمعية ومنها ضحايا الحروب أي المدنيين، يلاحظ مدى تأثر ريشة الفنانة جيهان محمد بالمحيط المحترق من حولها وخاصة مجتمعها الكردي والسوري عامة فهي أي التشكيلية جيهان محمد عاشت ورأت ظروف الحرب القاسية من الترهيب والقتل والدمار الذي لحق بالبلاد والأرواح، لذلك تركت الوطن وانضمت إلى قوافل النزوح هي الأخرى…
وسوم: العدد 859