حنان الصايغ: هناك بركانًا بداخلي يتمازج مع ألواني وفرشاتي
تتعمد (الصايغ) أن تكون اللوحة مفرحة حتى لو كان موضوعها كارثي
(الصايغ) ممن يقف في أي مكان ترميه الرياح ويفرض نفسه.
كيف تتبرعم الأزهار من بين شقوق الصخور؟ كيف يخرج العبق من تحت الرماد؟ وكيف تستفيق من وطأة الأقدار وتحاول صنع سلم الآمال في وسط الدخان؟ كيف تلملم بقايا العزم والذاكرة المدمرة، والجرح نازف!!؟ كيف تدحرج كرة اللهب دون أن تحترق أناملك المتبقية حتى تصل بها إلى عيون عذبة وواحات خضراء؟
هي فنانتنا (....) التي تحول النحيب على الأطلال إلى حفلة الابتسامات، تمنح الطاقة وجرعات الأمل لأجل غد أجمل من خلال الفرشاة والحبر، وألوان قوية مبهجة، وزاهية في كل زوايا اللوحة.
لم يكن الدرب مفروشًا بالورد للوصول إلى حلمها الأول، لذلك اقتحمت مجالات عديدة إلى أن أنتهى بها المطاف على سواحل الفن... حيث تلقت دروسها الأولى في مدرسة صوفر النموذجية ثم بثانوية مجدلبعنا الرسمية وبعدها تخرجت بماجستير فنون تشكيلية من كلية الفنون الجميلة والعمارة. ولدت في قرية جبلية تسمى "شارون"، ذات طبيعة رائعة. وترعرعت وسط أسرة متواضعة محافظة. هي الوسطى بين سبعة أبناء.
حنان الصايغ فنانة تشكيلية لبنانية من مواليد 1973 شارون، جبل لبنان
نص الحوار ...
البدايات ...
كيف بدأت حياتك العملية؟
بدأت حياتي العملية كمعلمة لغة ورياضيات وأنا ماز لت أدرس في بداية الجامعة لمساعدة أهلي. ثم تزوجت وسافرت إلى دولة قطر وامتهنت التجميل النسائي وتزيين الشعر، فقد كنت أعشق الجمال والألوان ورسم الوجوه فأبدعت في عملي. أنجبت روني وجوليانا إلا أن الحياة لم تنصفني وانفصلت عن زوجي واهتممت بتربية أبنائي.
اقتحمت مجالات عديدة، من الحقوق إلى اللغات والرياضيات ثم تعرجت إلى عالم التجميل. عن أسباب هذا التعدد، تجيب:
الحقيقة أن ظروف الحياة وقفت حائلًا دون تحقيق رغباتي. فقد كنت أحلم أن أتخصص في هندسة معمارية وبدلًا من ذلك درست الحقوق. ولأني كنت شغوفة باللغات والرياضيات عملت مُدرسة لعدة سنوات لتأمين ضروريات الحياة. وأما بالنسبة للتجميل فعندما سافرت إلى قطر كان هذا المجال مفتوحًا أمامي فخضت غمار تجربة جميلة وجديدة في عالم التجميل، وكنت كما يقول المثل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ولكنني ممن يقف في أي مكان ترميه الرياح ويفرض نفسه.
استقرت سفينة أسفارها في نهاية المطاف على مرافئ الحبر والألوان لتصبح فنانة ومُدرسة:
بعد عودتي من قطر كان لي الحظ بأن أسكن بالقرب من أصدقاء تسجلوا حديثًا بكلية الفنون، وبالصدف رأوا بعض رسوماتي فشجعوني لأجراء امتحانات دخول إلى الجامعة اللبنانية، دخلت كلية الفنون عام 2010 ونلت شهادة الماجستير في الفنون التشكيلية حيث بدأت مسيرتي الفنية وعدت للتدريس ثانية ولكن هذه المرة "مُدرسة فنون " وها أنا ذا على الدرب أسير. ومنذ ذلك الحين أبحرت بعمق في عالم الجمال والفن والألوان. صحيح أنه كانت لي تجاربي بالألوان، من خلال فن المكياج حيث أتاح لي الكثير من نحت الوجوه ورسمها وخلط الألوان وخاصة المكياج الخليجي...إلا أن الحبر والألوان عالم آخر تمامًا ...
الثقة والابتكار ...
استمدت الثقة... وحب الابتكار من والدها فتقول في هذا السياق:
أعشق الطبيعة وأشجارها وهواءها وغروب شمسها. كثيرًا ما راقبت والدي ينحت في الصخر ويشكل منه موزاييك للبناء وأجرانًا وأشكالًا. فانطبع في داخلي حب الابتكار والاعتماد على النفس في مواجهة الحياة بروح متفائلة قوية تتحدى الصعاب، فعلى قدر ما كانت الصخور قاسية على قدر ما تتشابه مع أوجه الحياة ومسؤولياتها ومشكلاتها.
تضيف: أنا إنسانة حالمة وطموحة منذ الصغر فرغم قساوة العيش والحروب التي مرت على لبنان منذ طفولتي، استطعت أن ابني نفسي. وماز لت أطمح إلى أن أحقق ذاتي وأساعد من حولي.
روافد الإبداع ...
أهم الروافد التي أمّدتْها بِفيض التميز والإبداع:
1 ـ حب الطبيعة والتأمل كانا إحدى روافدي للرسم، فلبنان وطن الجمال بطبيعته وجباله وبحره وزرقة سمائه.
2 ـ الدراسة الجامعية هامة جدًا لصقل الموهبة وتعميق الثقافة والأسس الفنية.
3-المطالعة والتعمق في أعمال الفنانين الذين أبدعوا خلال التاريخ وعلى مر المدارس الفنية المختلفة، كل له أثره ليصقل موهبتي وأستطيع فيما بعد أن أوصل إحساسي وتعبيري بأسلوبي الخاص.
الطقوس ...
من طقوسها، تفضل الرسم بالطبيعة، ولكن:
ولكن، يعتمد ذلك أيضًا على الموضوع الذي أرسمه. فإذا كانت لوحة حالمة أفضل الجلوس على كرسي شرفتي المطلة على الجبال والقرى. أما المواضيع الحياتية فهناك مرسمي حيث استمع إلى الموسيقى التي تتماشى مع الموضوع وأكون حرة في رمي أو رش الألوان على اللوحة.
أسلوبها الخاص...
تحرص على نقل أحداث واقعية في لوحاتها التي تعكس جوانب الفرح فقط:
فرشاتي تتحرك لتعبر عما أحس به، أن كان واقعة في المحيط أو غيره. فأنا إنسانة قبل أن أكون فنانة. أتفاعل مع مجتمعي وبيئتي وما يحصل حولي، فأنقل ما يحصل بطريقة مبتكرة لها مغزى وبأسلوب تجريدي، ولكنني أتعمد أن تكون اللوحة مفرحة وفيها أمل حتى لو كان موضوعها كارثي كلوحة "بيروت لن تموت".
الألوان ...
ألوانها المفضلة في الرسم هي:
أستخدم ألوان الأكريليك والألوان الزيتية وغالبًا ما تكون اللوحة mixed media وكذلك أعشق الرسم بالحجر الصيني. أحب الألوان المشرقة والقوية وأعتمد على التباين اللوني الغامق والفاتح.
سألناها عما إذا كان استخدام الألوان يحتاج إلى المهارة، فأجابت باختصار: كل الألوان تلزمها الخبرة والدقة في الاختيار لتغدو لوحة منسجمة متكاملة متوازنة.
ترسم كثيرًا على القماش والسبب: لأنه جاهز وسهل، ويدوم لفترة أطول. أما الورق فيلزمه عناية أكبر في التوضيب والعمل، كذلك الرسم على الخشب جميل جدًا.
اللوحة...عناصرها وأسرارها...
ترى (الصايغ) أن العناصر الأساسية التي يجب أن تتوافر في اللوحة الناجحة هي:
برأيي اللوحة إمّا جميلة ملفتة من النظرة الأولى أو العكس، ليكون العمل الفني ناجحًا يجب أن تتوافر فيه ثلاثة عناصر: تأليف متين، وانسجام بين العناصر والألوان، ونقطة جذب هامة.
أما قراءة العمل الفني جماليًا: فيمكن لأي مشاهد أن يتذوقه ويحسه.
أما التفسير والفهم الفني:
فهذا يعود لثقافة المتلقي ومدى اطلاعه وتذوقه للفن. أحب أن أضع عنواناً للوحاتي إلا أنه كثيرًا ما تنطق اللوحة بالعنوان فلا حاجة عندها للشرح.
.
لوحة (Away from myself)
عن موضوع ومميزات لوحتها (Away from myself) التي أصبحت من مقتنيات الأمم المتحدة، تتحدث قائلًة:
لوحتي" Away from my self" هي إحدى لوحات مشروع التخرج للماجستير، اختيرت للمرتبة الأولى من قبل عدة لجان فنية: نقابة الفنانين التشكيليين وجمعية الفنانين ومعرض "بعقلين" ولجنة الأمم المتحدة لمسابقة التنمية المستدامة لمئة فنان مشارك. تمثل هذه اللوحة موضوعًا حديثًا لم يطرح من قبل في الفن التشكيلي " ضياع الشباب في العالم الافتراضي". تمتاز هذه اللوحة بأسلوب حديث وقوة تعبير وألوان متناقضة منسجمة وتقنية عمل مختلفة.
وماذا تعني لك هذا الإنجاز والاحتفاء والاقتناء؟
يعني لي هذا الإنجاز والاقتناء شيء كثير لأنه جاء في بداية مسيرتي الفنية كجرعة ودفعة قوية إلى الأمام. بالطبع كل فنان يسعى إلى الشهرة وأن تصبح أعماله في المحافل الدولية فكيف وإذا كان على درجات الأولى من السلم! شيء جميل ...
رسم جداريات...
لها تجارب ولمسات فنية في الرسم على الجداريات...
ترى في رسم جداريات الفرح والمتعة رغم تسخير الكثير من الوقت والجهد:
هو رسم مساحات واسعة على الطرقات أو المدارس والأبنية العامة. يأخذ الكثير من الوقت والجهد والمواد والتحضير المسبق. إلا أنه عمل يحمل الفرح والتعاون والتفاعل للمشاركين من فنانين ومن أفراد المجتمع الذين يفرحون لرؤية طرقاتهم جميلة مزينة برسوم مختلفة.
ومن رسائل رسم جداريات:
يمكن أن يكون جمالي ويحمل رسائل معينة، حسب موقع الجدارية وموضوعها. فرسم منظر طبيعي يكون تجميلي، أما الرسوم الثورة فهي بالطبع لها طابع وطني سياسي انتقادي "فلكل مقام دولة ورجال" هكذا يقول المثل.
تؤكد أن هذا الفن غير محصور بمدرسة محددة:
ليس هناك حصر للفن بمدرسة معينة لا بالجدارية ولا بغيرها.
مدرستها الفنية...
تجد نفسها أكثر في مدرسة الواقعية التجريدية والانطباعية لأنها:
لأنني أستطيع أن أشحن كل عواطفي وكل ما يختلج بداخلي وأجسدها بألوان وضربات حرة كبركان يتفجر، غير مقيدة بشروط كلاسيكية أكاديمية.
بصمة خاصة ...
تبحث في سبيل إيجاد بصمة فنية خاصة بها:
اعتبر أني لازلت في بداية الطريق، أبحث عن بصمة تلمع في عالم الفن. إلا أنه هناك ما يميز لوحاتي بأسلوب خاص بي. بالطبع جميعنا نتأثر بالفنانين ونحب أعمالهم إلا أنني لا أحب أن أكون نسخة مصورة عن أحد.
المعارض الإلكترونية ...
تنوه إلى أهمية المعارض الإلكترونية، وتحدد بعض من سلبياتها:
المعارض الإلكترونية تزيد من شهرة الفنان وانتشار الأعمال إذا كانت متقنة. فلا يمكننا إغفال ذلك خاصة نحن في عصر الأنترنت. إلا أنها غير كافية وغير منظمة في عالمنا العربي. وفيها عدة سلبيات أهمها: أنه لا توجد لجان مختصة لاختيار الأعمال الفنية وليس هناك تنسيق في العرض وتجد الكثير من الأعمال دون المستوى تتبوأ المعرض أو الفيديو ...
المعارض والسيمبوزيومات ...
شاركت الفنانة التشكيلية حنان الصايغ في العشرات من السيمبوزيومات والمعارض الفنية الجماعية
وأهم الفوائد التي جنتها من هذه المشاركات:
المشاركة في السيمبوزيومات والمعارض تتيح التعرف على الفنانين الآخرين وتشارك الخبرات والتعرف على أساليب وتقنيات وثقافات مختلفة.
تؤكد على مدى أهمية المعارض الفردية للفنان:
يبقى للمعارض الفردية أهمية خاصة لأنها تحتاج لجهد كبير، من تحضير، وعمل مستمر، ضمن روحية واحدة وموضوع محدد. وبالتالي سيكون صداها أكبر وشهرتها أوسع. لما فيها من نتاج فني هام للفنان وتسلسل في لوحات المعرض واندماجها وتوصيلها فكرة هادفة ورسالة خاصة.
أما بالنسبة لها: بالطبع كنت أنوي إقامة معرض فردي إلا أن ظروف لبنان والعالم ومنذ العام المنصرم صعبة جدًا، من ثورة، ووباء كورونا، والكارثة التي دمرت مؤخرًا بيروت حالت دون إقامة أي معارض حتى جماعية. وشلت مفاصل الحياة ككل. إن شاء لله عندما تزول الغيوم السوداء عن وطننا الحبيب سأقوم بمعارض وكل شيء لناظره قريب.
الفن التشكيلي العربي...
تشيد بالفن التشكيلي العربي عامة والنسوي خاصة على الصعيد الفردي الإبداعي:
الفن التشكيلي في لبنان والعالم العربي في تطور وإبداع. إلا إن كل هذا هو بمجهود فردي. لا رعاية للفن من قبل الدولة. ولا دعم خاص للفنان. كما أنه لا يوجد قانون يحمي الفنان التشكيلي وأعماله الفنية. حيث تجد الكثير من الدخلاء على الفن والسارقين.
بالنسبة للمرأة: أجد أن الفن التشكيلي النسوي متقدم جدًا وهام وهناك الكثير من الفنانات المبدعات التي وصلن إلى العالمية. فكل شيء متاح للرجل والمرأة على حد سواء من تقنيات ومواد وجامعات وإقامة معارض وسفر وشهرة. لا بل أجد أن المرأة متقدمة في كثير من المجالات الفنية ولديها شهرة واسعة النطاق.
...الخاصة ...
قائمة الأشياء والأسماء المفضلة عند الفنانة التشكيلية حنان الصايغ:
العطر: العطر الفرنسي Givenchy perfume Dahlia ـ الأغنية: أغنية It's not good bye ((Laura pausini، والعربية أغنيات كاظم الساهر ـ الكتاب: "النبي " لجبران خليل جبران ـ الأكلة/ الطعام: السمك المشوي ـ الشراب: القهوة التركية ـ اليوم: كل الأيام ـ الرقم: 2/ اثنان ـ البرج: الجوزاء-الدلو ـ اللون: الأحمر ـ الفنان: عادل إمام ـ الفيلم: التايتانيك ـ لاعب كرة القدم: رونالدو ـ المكان: لبنان ـ الأزهار: الشقائق.
الختام...
في النهاية أود القول إن الإبداع ينبع من النفس، وعلى قدر ما نهتم بأنفسنا ونزيدها صفاءً ورُقيًا ومحبةً للعالم، نستطيع أن نترجم ما بداخلنا على لوحات تشع إبداعًا وجمالًا ورسائل إنسانية واجتماعية. تمتّع الناظر وتكون ذخرًا للمستقبل. فرقي المجتمع يبدأ من الفنون لأنها أسهل وسيلة تواصل، وأكثرها وضوحًا للعالم أجمع.
أشكر الأستاذ خالد ديريك على الحوار الشيق ولفتتكم الكريمة للفن التشكيلي والإضاءة على تجارب الفنانين بصحيفتكم الكريمة.
العدد 17 من صحيفة صدى المستقبل ٧ اكتوبر ٢٠٢٠
وسوم: العدد 898