يوسف كات ستيفنز: الديني والسياسي في أحدث ألبوماتهي

أصدر المغني البريطاني يوسف كات ستيفنز، ألبوماً جديداً يحمل عنوان King of a Land، ويحتوي على 12 أغنية، كتب كلماتها ولحنها بنفسه كالمعتاد، وقام بالعزف على الغيتار أثناء تسجيلها أيضاً. ويعد يوسف كات ستيفنز، من ألمع نجوم الموسيقى في حقبة السبعينيات، التي كانت مزدهرة موسيقياً، ومليئة بالعديد من النجوم والفرق الموسيقية، والألوان الفنية المختلفة، والاتجاهات التي كانت حديثة في ذلك الوقت. كما أن له الكثير من الأغنيات الجميلة ذائعة الصيت، والباقية حتى اليوم، مثل «الأب والابن»، «عالم متوحش»، «ليزا الحزينة»، «ظل القمر»، «قطار السلام»، وغيرها من الأغنيات. والمعروف أن كات ستيفنز، أشهر إسلامه سنة 1977، وقام بتغيير اسمه إلى يوسف إسلام، وابتعد عن الموسيقى لفترة من الوقت، واكتفى بالإنشاد الديني على وقع الدفوف، إلى أن تصالح مع الموسيقى، وغيّر اسمه مرة أخرى ليكون، يوسف كات ستيفنز، كما أمسك بالغيتار من جديد، وعاد لإبداع الأغنيات الرائعة بأسلوبه المتميز، حتى الأناشيد الإسلامية، صار يغنيها على أنغام الغيتار، كأنشودة «طلع البدر علينا»، التي استقبل بها الأنصار، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، عند وصوله إلى المدينة المنورة، مهاجراً من مكة.

يؤكد هذا الألبوم الصادر مؤخراً، أن يوسف كات ستيفنز، لا يزال قادراً على تقديم الجديد، بعد كل هذه السنوات، وهو في الخامسة والسبعين من عمره حالياً. كما يمثل هذا الألبوم درجة عالية، من التوافق مع النفس، والانسجام الروحي والفني، بعد الكثير من التغيرات والتقلبات، التي مر بها في حياته. ولا يزال لدى يوسف كات ستيفنز، الكثير من الأفكار، والتأملات والمشاعر، التي يعبر عنها، ويصيغها في ألحان وكلمات مغناة، ولا يزال يمتلك سر ذلك الأسلوب الجذاب، الذي يعتمد في جوهره على البساطة، في تقديم الأفكار الكبيرة والعميقة، بلا ادعاء التعقيد والغموض المتفلسف، فالكلمات والتعبيرات واضحة، والألحان مستساغة ومقبولة لدى غالبية الأذواق. وقديماً اشتهر يوسف كات ستيفنز، بألوان البوب والفولك والروك، والإيقاعات المعتدلة من حيث السرعة أو القوة، والفكرة التي تحملها كل أغنية، والتنوع في ما تتناوله الأغنيات، ما بين مشاعر الحب، وأحوال الإنسان والحياة، والرغبة في التحرر، والنزوع نحو الروحانية.

من يستمع إلى الألبوم الجديد، يشعر بأن له ثيمة معينة، وأن أغنياته متصلة ببعضها بطريقة ما، على الرغم من تنوع الألبوم واختلاف أغانيه، لكن هناك السمة الغالبة التي تعطي هذا الانطباع، وهي البساطة، وذلك الجو من التسامح والحب والسلام، والخيال الطفولي البريء في بعض الأحيان. هذا الجو يغلف معظم أغنيات الألبوم، ويبدو أنه كان هناك حرصاً على تقديمها في هذا الإطار، ومن الناحية البصرية أيضاً، من خلال الفيديو الخاص بالأعمال المصورة، التي اعتمدت على الرسوم المتحركة، ولعل هذا يأتي من الإغراق في البساطة هذه المرة، ومضاعفة وجودها، أما أجمل ما في هذا الألبوم الجديد، هو البعد عن التوجيه والخطابية المباشرة، التي قد تصد البعض عن السماع، خصوصاً في الأغاني التي تتناول، الأفكار والمعاني الدينية الروحانية، وهي كثيرة في هذا الألبوم. أما الأغاني السياسية، فقد تم تقديمها في شكل لاذع، بالقوة المطلوبة التي لا تخلو من طرافة. وقد يتداخل الديني والسياسي والإنساني في أغنية واحدة، وبشكل عام تدور أغنيات الألبوم، حول معاني الإيمان والحلم بعالم مثالي، والبحث عن حياة أفضل، وتعبر عن بعض الحقائق المريرة، كانعدام العدالة على الأرض، والظلم الواقع على أغلب البشر، وسوء السياسة وشرور الساسة. كما يلاحظ أن الطابع الإسلامي، موجود في جميع الأغنيات تقريباً، ولمسات الفنان المسلم واضحة، فكل شيء مربوط بغاية أكبر وأسمى، وكذلك في الأغاني الإنسانية، ذات البعد السياسي، تكون الأفعال مقترنة بالرغبة في رضا المولى عز وجل. حتى في أغنية عن السيد المسيح عليه السلام، والسيدة مريم العذراء، يعتمد يوسف كات ستيفنز، على القصة كما وردت في القرآن الكريم.

لو كنت ملكا

يبدأ الألبوم بأغنية «قطار على تل»، التي تجمع بين أنغام الغيتار، وبعض اللمسات السيمفونية الخفيفة، ويبدو فيها صوت يوسف كات ستيفنز، جميلاً مشرقاً وقوياً، كما في بقية أغنيات الألبوم، رغم حزن الصوت في بعض اللحظات، وميله ناحية الضعف، وهذا الضعف أو الخفوت يكون مقصوداً، من أجل التعبير عن شعور أو عاطفة ما. بعد الأغنية الأولى، تأتي أغنية الألبوم الرئيسية King of a Land، التي تلخص أهم سمات الألبوم ومعانيه، وقد تم إخراج فيديو الأغنية بالرسوم المتحركة، كما أن اللحن هو الأكثر طفولية، واستعان يوسف كات ستيفنز، بكورال من الأطفال، ليقوم بترديد بعض مقاطع الأغنية. وهذه الأغنية مكونة من ستة مقاطع، في كل مقطع يعبر يوسف كات ستيفنز، عن شيء ما يود أن يفعله، وتكون الجملة الأخيرة من كل مقطع، مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، فيقول مثلاً، إنه لو كان ملكاً لحرر كل رجل وامرأة، ليؤدوا واجبهم تجاه الله، وإنه لو عرف كل سمكة في البحر، وكل طائر في السماء، لسمع تسبيحهم باسم المولى عز وجل، وإنه لو أدار مدارس العالم، لجعل الأولاد والبنات، يعرفون الحق جل جلاله، وإنه لو امتلك سلماً يصعد به إلى السماء، لرفع صوته بكلمات الله ليسمعها العالم، وإنه لو امتلك جبلاً من ذهب، لأطعم كل نفس فقيرة، وجعلهم ينعمون بهبات الله، وإنه لو استطاع الوصول إلى كل حلم، لبحث عن الطريق للفوز برحمة الله.

ومن الأغنيات الدينية الأخرى، أغنية Son of Mary أو ابن مريم، التي يغنيها يوسف كات ستيفنز، بأسلوب حكائي بسيط، كأنه يغني للأطفال، ويروي لهم قصة ما قبل النوم. وقد اعتمد في كتابته للأغنية، على القصص القرآني وما ورد في الذكر الحكيم، عن السيد المسيح عليه السلام، والسيدة مريم العذراء، ويوجه كلماته إلى السيدة مريم العذراء، أو ماري كما يناديها في الأغنية، ويطلب منها ألا تحزن أو تخاف، لأن الله يرعاها ويرعى وليدها، ثم يروي القصة المعروفة، بداية من المخاض تحت النخلة، والرجوع إلى قومها، وهي تحمل طفلها نبي الله المسيح عليه السلام، وما واجهته من تشكيك وتقولات الألسنة، ثم حدوث المعجزة، وتكلم الرضيع في المهد وإعلان براءتها. بعد ذلك ينتقل يوسف كات ستيفنز، إلى سرد بقية معجزات سيدنا عيسى عليه السلام، من إحياء الموتى بأمر الله، وشفاء المرضى، ورد البصر إلى الأعمى، ثم يذكر في الأغنية، الذين آمنوا بالمسيح والذين كفروا به، وأرادوا به شرا وتربصوا به بغية قتله، لكن الله رفعه إلى السماء، ويختم يوسف كات ستيفنز أغنيته، بمقطع يتناول ما بشّر به السيد المسيح، عن قدوم نبي من بعده، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

ومن أهم الأغاني السياسية في الألبوم، أغنية بعنوان «كل الليالي، كل الأيام» وهي من الألحان الإيقاعية السريعة إلى حد ما، مقارنة ببقية أغنيات الألبوم، كتب كلماتها يوسف كات ستيفنز، بأسلوب غاضب وناقم، على السياسيين وأكاذيبهم وسوء إدارتهم، إلى درجة أن يطالب الناس، بأن يضعوا هؤلاء السياسيين، ويحبسونهم في حديقة حيوانات لندن. ويقول يوسف كات ستيفنز، إنه في كل الليالي وكل الأيام، يظل ينتظر التغيير، ويمر الصيف والشتاء، وهو يأمل في الأفضل، لكن دائماً لا يوجد سوى السيئ والأسوأ، ولا يتوقف السياسيون عن إطلاق الأكاذيب، وسرقة الأمل من قلوب الناس، وفرض الضرائب على الفقراء، ويقول إنه من الممكن أن تتغير الأمور، إذا قام الناس بتنفيذ فكرة وضع السياسيين في حديقة الحيوانات، وفي فيديو الأغنية، الذي تم إخراجه أيضاً بطريقة الرسوم المتحركة، تمت إضافة فكرة أخرى لم يغنها يوسف كات ستيفنز، تظهر هذه الفكرة في لافتة موضوعة، على قفص من أقفاص حديقة الحيوانات، مدون عليها العبارة التالية: لا تلقوا بالطعام إلى الساسة.

وسوم: العدد 1042