«ملفات بيبي»: مجرم الحرب على محك السينما التسجيلية

يوم أمس الأول شهد مهرجان تورنتو السينمائي الدولي العرض الاستهلالي للشريط التسجيلي «ملفات بيبي» الذي يسرّب مقاطع فيديو تُبثّ للمرة الأولى عن جلسات التحقيق مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والتي وجهت إليه تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

والشريط من إنتاج الأمريكي فيليب ألكسندر غيبني وإخراج الجنوب أفريقية ألكسيس بلوم، وقد بدأ العمل فيه أواخر العام 2023 حين عُرضت على المنتج فقرات الفيديو من جانب شخص إسرائيلي رفض غيبني الإفصاح عن هويته، كما يتضمن الشريط حوارات مع عدد من مساعدي نتنياهو السابقين، وأقوال لرؤساء أجهزة أمنية، ورئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت، والصحافي في القناة 13 الإسرائيلية رافيف دروكر، وآخرين.

والشريط يرسم عن نتنياهو صورة زعيم يواجه سلسلة اتهامات جنائية ذات صلة بالفساد، وكيف أن مسلكه منذ توجيه الاتهام اتخذ وجهة تغيير الأنظمة القضائية بذريعة الإصلاح، ثم إطالة أمد العدوان على قطاع غزة والمماطلة في إتمام صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن على سبيل التملص من مواجهة القضاء. ومقاطع الفيديو تضمنت التحقيق معه ومع زوجته وابنه يائير، حيث تهرب نتنياهو من تقديم إجابات واضحة وتذرع مراراً بالنسيان.

ولعل الدلالة الأولى خلف إنتاج هذا الشريط التسجيلي هي أن حبال الكذب قصيرة مهما طالت، وأن حرص عدد من الديمقراطيات الغربية، في أوروبا والولايات المتحدة خصوصاً، على مساعدة دولة الاحتلال في الإفلات من العقاب والتهرب من المساءلة، أخذ ينحسر أكثر فأكثر بعد أن بلغت جرائم حرب الإبادة مستويات وحشية وهمجية لا سابق لها في التاريخ البشري.

دلالة ثانية هي افتضاح المزيد من الخرافات المقترنة بما يتغنى به أنصار دولة الاحتلال حول المنظومات القضائية وحريات التعبير والرأي، إذ سارع محامي نتنياهو إلى رفع دعوى مستعجلة لحظر عرض الفيلم في مهرجان تورنتو، وكأنّ كندا مستوطنة إسرائيلية. صحيح أن المحكمة الإسرائيلية ردت الدعوى لأسباب منطقية، إلا أنها طالبت صحافي القناة 13 بتقديم مطالعات قانونية رغم أن منتج الشريط نفى أن يكون دروكر خلف التسريب.

دلالة ثالثة تكمن في تسليط أضواء كاشفة جديدة أكثر تفضيحاً لأساليب نتنياهو في مواجهة الصحافة والرأي العام، على غرار ما تُظهر التسريبات من أساليب التسويف والمماحكة المداورة التي اعتمدها أمام المحققين. ولا عجب أن أسبوعية «نيوزويك» الأمريكية اضطرت إلى نشر لائحة من التصويبات والحقائق المضادة التي كان نتنياهو قد ساقها في صياغات كاذبة خلال حوار مع المجلة.

ولأنّ الشريط في طور الإعداد وتنتظره عمليات فنية لاحقة ويحتاج بالتالي إلى تمويل إضافي، فإن الدلالة الرابعة هي الحرب الشعواء التي اندلعت لتوها ضد استكماله، خاصة وأن سياقات حرب الإبادة الإسرائيلية الراهنة وقرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية وتقارير المنظمات الدولية الحقوقية والإغاثية والإنسانية، تزوّد الشريط بمشروعية واسعة من حيث الاستقبال الإعلامي والتأييد الأخلاقي.

وهذه وسواها توفّر مادة إدانة دامغة لرئيس حكومة فاسد ومرتش، لكنه في عداد أشد مجرمي الحرب شراسة وتعطشاً للدماء.

وسوم: العدد 1094