تحرير دور العرض السينمائي من الرقابة.. ابحث عن المستفيد!
تحرير دور العرض السينمائي من الرقابة..
ابحث عن المستفيد!
عبد الرحمن هاشم
انتقد فنانون وخبراء ونقاد سينمائيون عزم وزارة الثقافة المصرية إلغاء الرقابة على الأعمال الفنية والاكتفاء بالتصنيف العمري، فيما رحب آخرون بهذا الاتجاه رغم إقرارهم باستحالة تطبيقه.
وكان مدير جهاز الرقابة على المصنفات الفنية عبد الستار فتحي قال إنه لن يتم حذف أي مقاطع من الأفلام التي تعرض على شاشات السينما، سواء كانت محلية أو أجنبية.
في استطلاع رأي المختصين أكد لي الناقد السينمائي نادر عدلي أن التصنيف العمري للمشاهد هو نظام اتخذته معظم دول العالم لكن يبقى السؤال في كيفية تطبيقه.. موضحاً أن صالات العرض تتحايل على القرار وتدخل صغار السن من أجل زيادة الإيراد.
وقال: مع انتشار صالات العرض وقلة المراقبين التابعين للجهاز نحتاج لشيئين، الأول جهاز يكون لديه القدرة على ضبط المخالف وتغريمه غرامة تفوق ما سوف يجنيه في حال المخالفة فيلتزم بالقانون. والآخر أن يكون لدى أصحاب صالات العرض ضمير يمنعهم من المخالفة.
وعموما أثمن هذا الاتجاه لكن لا أظن أن الرقابة تستطيع السير فيه إلى نهايته لأن جهاز الرقابة بالرقباء الموجودين فيه حالياً لا أعتقد أن لديهم المرونة والوعي لتنفيذ هذا الاتجاه.
نعم وارد أن هذا الاتجاه يستطيع تمرير أفلام فيها عنف أو جنس أو نقد سياسي.. كل هذا وارد في الموضوع وهو محلول عندنا عموماً لأنك لم تلغ نظام الرقابة على السيناريو قبل تصويره.. ما زال شرط الموافقة عليه في يد الرقابة.. وبعد التصوير تتدخل الرقابة وتقول: ليس هذا النص هو الذي وافقت عليه.. أنت لم تلتزم بالنص الذي أخذت الموافقة عليه.. أنا لم أجز هذا النص.. وبالتالي تطلب منك أن تحذف أي شيء لم توافق عليه في السيناريو.
فمفتاح العمل في يدها من الأساس (الرقابة على السيناريو) وهي تحرص على أن تظل ممسكة به.. لذلك أرى الأمر لا يخرج عن كونه مطروحاً للاستهلاك المحلي أو مخاطبة للغرب أكثر منه تغيير حقيقي في نظام الرقابة والدليل أن لوائح الرقابة ما زالت كما هي لم توفق نفسها مع الدستور الجديد.
وأضاف الناقد د. خالد فهمي: نحن نعيش عصر الصورة بامتياز، وقد كان لذلك تأثيره العلمي الذي ترك آثاره على العلم نفسه، وكان مما استقر التأثير الرهيب للصورة المتحركة في العقل والنفس الإنسانية معا، وهو ما يلقي بظلال ثقيلة على قرار إلغاء الرقابة على تصاريح عرض الأفلام السينمائية.
إن هذا القرار يحتاج قبل تفعيله إلى ميثاق شرف أخلاقي يحكم
العاملين في صناعة السينما، يحترم قيم المجتمع المستمدة من الإسلام والمسيحية،
ويحتاج إلى إعادة تأهيل لدور السينما وجهاز التليفزيون إداريا، بحيث يكون لديهم
الصلاحية التي تمكنهم من منع عرض المنتجات التي تصطدم بالنظام الأخلاقي للمجتمع،
ويحتاج إلى نوع من النظام المجتمعي تستقر فيه مفردات استقرار البيوت، ونوم الأطفال
في ساعة مبكرة من الليل.
أعلم أن الحرية مناخ ممتاز يرقى بأدوات الفن، وينهض به،
ولكنه يحتاج إلى تقدم في المسؤولية الأخلاقية، ويحتاج إلى سياق قانوني يمكن المجتمع
من مواجهة مخاطر سوء استعمالها، ويحتاج، وهذا هو الأهم، إلى انتشار الحرية في بنية
المجتمع كله.
إن إلغاء الرقابة على المصنفات الفنية في مجتمع مكبل، مقموع،
مقهور، استمرار للقهر، وفرصة للوشاية بمن سيعارضون ما تنتجه بعض الشركات بدعاوى
كثيرة.
إن المجتمع الذي سقط كثير من أفراده في هوة الاستقطاب،
ورحب بالدماء، ووشى بالمخالفين لدى السلطة الأمنية لن يزيده قرار منع الرقابة إلا
تشوها، وقهرا لمن يعارض القرار، لذا أرجو أن يكون القرار كذبة إبريل!
من ناحيتها علقت د. وفاء مسعود أستاذة التحليل النفسي الاجتماعي على القرار قائلة: تحجيم الحذف والرفض الذي كان يشكو منه صناع الفن السابع الآن ليس ذات قيمة فعلية لأن الزمن تجاوزه من سنين.
إبعاد الأطفال عن الأفلام السينمائية التي تحوي على مشاهد عنف أو جنس ليس له جدوى في ظل الانترنت.
الآن في المدارس الدولية وفي مدارس اللغات يضعون كاميرات مراقبة داخل دورات المياه لانتشار العلاقات الشاذة بداخلها (بنين مع بنين وبنات مع بنات) وكلهم للأسف أطفال.
ابنة أختي طفلة في إحدى هذه المدارس تقول لي إن ثلاثة أرباع البنات في المدرسة تحولن من بنات إلى سيدات وأصبحت هذه هي ثقافة الانترناشونال.
"لو عاوز تحذف بجد احذف مشاهد تعاطي المخدرات والخمور.. الآن لدينا أطفال مدمنين.. أقول أطفال في سن الثامنة..
لي ابن أخت أيضاً في الصف الأول الثانوي قلت أحاوره في قصة عنترة بن شداد.. ماذا استفاد منها؟ أصابني بالصدمة والذهول حين قال: آه أمه اللي كانت ماشية شمال وغلطت مع أبيه!.. ترك الرومانسية والفروسية وكل شيء في القصة ولم يلتفت إلا إلى هذه العلاقة الآثمة!
نحن يا سيدي أمام أطفال مجهضة طفولتهم وتقول لي رأيك في الرقابة على الأفلام السينمائية.. أتظن أن الأطفال يذهبون إلى السينما من أجل الفرجة على المشاهد.. سيضحك عليك الناس.. إنهم يذهبون بصحبة البنات لممارسة الأفعال المنافية للآداب في ظلام صالة العرض".
وأضافت د. وفاء مسعود: في المقابل حتى لا أكون متشائمة هناك أطفال تتجاوز سنها بمراحل في الإبداع والفكر والسياسة لكن للأسف يغردون خارج السرب ولا يلتفت إليهم أحد.
ووصفت الفنانة سميرة عبد العزيزالقرار بأنه "أكبر غلطة تتخذها الرقابة على المصنفات الفنية في تاريخها منذ نشأتها، لأننا تحت ذريعة "حرية الإبداع" و" الواقعية" رأينا أفلاماً هي إلى الزفت أقرب من أي شيء آخر.. شوهت سمعتنا في الخارج ولم نفز بأي فيلم منها في المهرجانات الدولية".
وأكدت أننا لم نجن من هذه الأفلام سوى انتشار المخدرات بين الشباب وكذلك الألفاظ البذيئة لأنها تعكس واقع المستنقعات المجتمعية في العشوائيات حيث لا دولة ولا تعليم ولا صحة ولا ثقافة ولا أمن وبالتالي لا قانون.
وقالت الفنانة سميرة عبد العزيز: هذه الأفلام تربى عليها الأطفال فصاروا شباباً ينتهجون نهج أبطالها ليس تمثيلاً ولكن في واقع الحياة فازدادت جرائم العنف والتحرش والاغتصاب وكان آخر المآسي المشهد السينمائي الذي حرق البطل فيه أبيه.. بعدها بأسبوع قلده شقي من الأشقياء أوردت الصحف ووسائل الإعلام جريمة حرقه لأبيه!
وتأتي الرقابة وتزيد الطين بلة فتحرر هذه الأفلام من أي قيود في ظل شعب نصفه أمي وفي ظل جمور سينمائي أغلبه إن لم يكن كله من الشباب دون العشرين وكان الأولى بها أن تزيد من الرقابة حتى نحرر الشعب أولاً من الجهل والأمية بعدها نتحدث عن حرية الأبداع.
أضف إلى ذلك أن المنتج نفسه لا يفكر إلا في المكسب المادي وهو للأسف على يقين أن هذا المكسب لن يتحصل عليه إلا إذا جعل فيلمه كله "مسخرة" وفي سبيل ترويجه ممكن يفعل المستحيل.
وتبقى الأسر المحافظة والفئة العمرية فوق الثلاثين.. انظر إليها فستجد أنها لا تذهب إلى السينما وتعتمد على التليفزيون.. إذن تحرير أفلام السينما من الرقابة مخطط يستهدف تدمير القوة الشبابية ونحن أشد ما نكون احتياجاً إليها.