الفنان المبدع والذري إبراهيم عوض
مبدع من الزمن الجميل
توثيقي للفن السوداني
الفنان المبدع والذري إبراهيم عوض
سليمان عبد الله حمد
الفنان إبراهيم عوض هو ظاهرة فريدة فى عالم الاغنية السودانية وقد شكل ظهوره فى العام 1953م حدثاً مهماً فى الساحة الفنية إذ تزامن ظهوره مع اتفاقية الحكم الذاتى ، واستطاع أن يعبّر عن هذه المرحلة بذكاء فقدم أغنية (أبسمى يا أيامى ) للشاعر عبد الرحمن الريح والتى عبرت عن الزمان الجديد ، وأصبح بالتالى إبراهيم عوض هو صوت الزمان الجديد ، وواصل مشواره الفنى بنفس الذكاء والحدس الذى بدأ به مسيرته فغنى للفرح ، وغنى للحزن ، وغنى للوطن .. وأستطاع أن يكون فناناً للشيب والشباب على السواء بفضل أغنياته التى تلائم كل الأذواق.
جاء ميلاده فى مدينة أم درمان التى خرج منها الى العالم الفسيح ، والى منصة الأحداث .. ولم ينس الكتاب فى بحثه الأصول والجذور والمكونات التى شكلت مسيرة ذلك الفنان ، ومجموعة شعرائه الذين ذودوه بالمفردات الشعرية الأنيقة أمثال الشاعر عبد الرحمن الريح ، وسيف الدين الدسوقى ، والطاهر ابراهيم.
يرجع الفضل الأول فى دخول الإذاعة السودانية الى الشاعر الكبير عبد الرحمن الريح الذى شجعه ورعاه ، وألف ثلاثة أغنيات دفعة واحدة وكانت من ألحانه . فى العام 1953م خضع لإختبار اللجنة الممتحنة لدخول الإذاعة وغنى ابراهيم عوض أغنياته الثلاث لتجيز اللجنة صوته ضمن فنانين آخرين هما سيد خليفة ، وصلاح محمد عيسى لتبدأ مسيرته الحقيقة .. وحرك بعدها ابراهيم عوض الساحة الفنية بأغنيات من إنتاجه الخاص ، فألتف حوله الشباب ، وأصبح ظاهرة فنية جديدة من خلال غنائه وزيه الذى كان منتهى الأناقة ، وتسريحة شعره ، وسنّ الذهب التى كان يضعها على أسنانه . وأطلقت عليه الصحافة لقب الفنان الذرى لسرعة انتشاره التى لم يستطع أى فنان ان يجاريها فيه . وأدخل نمطاً جديداً على الأغنية السودانية حيث كان النمط السائد حينها الأغنية الكبيرة المصحوبة فى نهايتها بأغنية خفيفة تسمى ( الكسرة ) ولكن رأى البعض ان يتم الفصل بين الأغنية الخفيفة لتصير أغنية قائمة بذاتها ليلقى هذا الاتجاه معارضة شديدة ، ولكنه أصبح واقعاً فى النهاية ، ليجئ دور ابراهيم عوض بأغانيه الخفيفة التى سرت فى كل اتجاه ونموذجاً لها ( أبيت الناس ) و(حبيبى جننى ) و ( لو بعدى برضيه ) لتصبح الأغنية الخفيفة نقطة تحول فى مسيرة ابراهيم عوض الغنائية ليرددها الشعب السودانى بأسره . وظل بعدها ابراهيم عوض حريصاً على التجديد والتجويد فى كل شئ وخاصة فى الألحان ، والآلات الموسيقية الحديثة المتطورة على الأوركسترا السودانية ، ويعتبر من أوائل الفنانين الذين أدخلوا آلة (البنقز فى فرقته الموسيقية على يد الموسيقار خميس جوهر الذى درس الموسيقى فى القاهرة.
كما ادخل ابراهيم عوض آلة الاكورديون عبر الموسيقار عبد اللطيف خضر ، وهوجم ابراهيم عوض واتهمته الصحافة بأنه يريد أن يحول الأغنية السودانية الى أغنية جاز ، لكنه صمد حتى النهاية بل وتواصل تحديثه بإدخال آلتى الجيتار والأورغ . وسافر ابراهيم عوض الى القاهرة فى اول زيارة له ليشارك فى فيلم ( إسماعيل يس طرزان ) وذلك بأغنية ( أظهر وبان عليك الأمان ) ، وفى عام 1958 م الف له الشاعر الغنائى المصرى فتحى قورة أغنية بعنوان ( على موج البحر ) وأرادت إذاعة ركن السودان إنتاج هذه الأغنية لتكون نواة للتكامل الفنى لوادى النيل ، وتصادف وجود ابراهيم عوض بالقاهرة فتحمس للأغنية ورشحوا له الفنانة سعاد مكاوى لتصاحبه بالغناء ، وأسند تلحين الأغنية للموسيقار الملحن محمود الشريف الذى صاغ لها لحناً جميلاً معبراً ن وهكذا كانت هذه أول أغنية تكامل بين السودان ومصر والتى فتحت الباب لعشرات الأغاني المشتركة بعد ذلك.
شارك ابراهيم عوض بأغنياته فى كل الأحداث الوطنية التى مرت على السودان ولعل أغنيته الشهيرة من كلمات الشاعر سيف الدين الدسوقى من أخلد الأغنيات التى تغنت بها الأجيال وهى أغنية ( أحب مكان .. وطنى السودان ) ...
لقد كانت تلك صفحات من صفحات الفن السوداني فيها كثير من الإبداع في زمن قل فيه الإبداع في شتي ضروب الفن السوداني الجميل ( من شعراء وادباء وفنانين وفنانات ورسامين ورسامات ) ... ربما عزانا في نقل هذا التراث لجيل اليوم والغد وذلك من خلال أرشيف الإذاعة والتلفزيون السوداني الجميل وفي برامجه التي فيها كثير من إبداع ذاك الفنان الذي يرسم بلوحاته سمات فنان مبدع أغنيات أمبراطور الأغنية السودانية محمد وردي وذلك بتصوير أغانية من خلال لوحه ... هذا إبداع لا يمكن تصوره ... تصور معي هذه الإبداعات الفنية ... ليت لي ما أري في تنفيذ مثل هذه الأطروحات البرامجية على شاشة تلفزيون الواقع السوداني ... فهل من مجيب ... ولنا لقاء في أيام مقبلات أحبتي ...