إلهام شاهين وقَبِيلَتُها

إلهام شاهين وقَبِيلَتُها...!!

حسام مقلد *

[email protected]

دأبَ بعضُ أهل الفن على السخرية من الإسلاميين بشكل فجٍّ غير مقبول، ومؤخرا تهكَّمت إحدى الفنانات على رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، بل أهانه بعضهم إهانة سافرة بكل وقاحة دون خجل أو حياء!! ولا نفهم سر هذا العداء المبدئي الذي يكنُّه معظم الفنانين للإسلاميين، ولعل سبب ذلك شعور نفسي عميق لدى هؤلاء الفنانين بأن أغلب ما يقدمونه للناس يتناقض مع قيم الإسلام وأخلاقه وفضائله ومثُلِه العليا!!

وقد أدَّى الهجوم الحاد للفنانة إلهام شاهين على الإسلاميين وانتقاصها من قدرهم إلى غضب الشيخ (عبدالله بدر) فانتقدها علانية بأسلوب أكثر حدة، ورفض أن تقحم نفسها في شأن الإسلام؛ لأنها ـ بحسب كلامه ـ لم تقدم للمجتمع سوى العري والرذائل والتحريض على الفسق والفجور!!

والواقع أن غالبية الشعب المصري تتفق مع مضمون كلام الدكتور (عبدالله بدر) وإن اختلفت مع أسلوبه الحاد وكلماته القاسية، ومن حق (إلهام شاهين) أن تغضب لكرامتها، وتدافع عن نفسها، ومن الطبيعي جدا أن يغضب لها ويتضامن معها زملاؤها الفنانون، لكن هذه هي حقيقة نظرة المجتمع المصري لمعظم الفنانين؛ بسبب الإسفاف والابتذال والسُّخف والعري والانحلال الذي يقدمونه، وليسمحوا لي بأن أذكِّرهم بهذين الموقفين:

1.    الأول: قبل عدة سنوات حينما تكلم الفنان (محمود حميدة) في تصريحات إعلامية عن وضع الممثل في وجدان المصريين، فأكد أن الممثل ليس محل تقدير أو احترام، رغم هالة النجومية التي تُصنع حوله، وذكر أن المشخصاتي (أي الممثل) كان إلى عهد قريب مردود الشهادة لا يؤخذ بشهادته في المحاكم.

2.    الثاني: قبل نحو عامين أعرب الفنان (عادل إمام) عن رفضه التام لاحتراف ابنته التمثيل؛ حتى لا تؤدي مشاهد القبلات والأحضان... وغيرها!! ولما احتجوا عليه بأنه يمارس ذلك مع زميلاته الممثلات أجاب: إنهن اخترن هذا المجال برغبتهن، ويوافقن على أداء مشاهد القبلات والأحضان ويقبضن ثمن ذلك، وكل واحدة حرة فيما تقبله لنفسها، لكنه لا يرضى ذلك لابنته، وقد أثارت كلماته تلك آنذاك استياء زميلاته في الوسط الفني، لكنه أصر على كلامه لأنه يعبر عن قناعته واعتقاده، وهو نفس قناعة غالبية المصريين.

هذه إذن هي حقيقة نظرة الشعب المصري للفن والفنانين وقد ساهم في تأكيدها وترسيخها في النفوس أن معظم ما يقدم باسم الفن والإبداع فيه عدوان صارخ على عادات المجتمع وأخلاقه ومبادئه وقيَمه وأعرافه!!

وقد حذرت عدة رسائل دكتوراه من الدور الخطير الذي تلعبه الأعمال الفنية (من أفلام ومسلسلات ومسرحيات وأغاني) في نشر السلوكيات المنحرفة والأخلاق المبتذلة والكلمات السوقية الهابطة بين الناس، وأكدت هذه الدراسات العلمية على خطورة المحتوى القيمي الذي تسوِّقه هذه الأعمال الفنية، وأثرها بالغ السوء في تدمير القيم الدينية، والهبوط بالذوق العام، ونشر الانحلال والفساد الأخلاقي في المجتمع.

وأنا لست مع الشيخ (عبدالله بدر) في الأسلوب القاسي الذي تحدث به والكلمات الجارحة التي استخدمها، وهي مع ذلك قد وصفت كلماته واقع الحال ولم تضف جديدا، لكن ما أفهمه أن الإسلام لا يدعو إلى الغلظة والقسوة، قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: 159) ومؤكَّد أن هذا لم يفُتْ الشيخ (عبدالله بدر) وأُدرِكُ أنه لم يكن في مقام الدعوة، وإلا لاختار أعذب وأرق الألفاظ، بل كان في موقف انفعالي يدافع فيه عن الإسلاميين ضد التهكم الشديد والسخرية اللاذعة والكلام السافل من بعض الفنانين وتطاولهم البذيء على التدين وتعديهم على القيم والأخلاق.

وإن كان البعض يعتذر للشيخ (عبدالله بدر) بالآية الكريمة: "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" (النساء: 148) فهو مُحِقٌّ، إلا أنني كنت أتمنى من الشيخ (عبدالله) أن يظل هادئا وأن يعرض وجهة نظره بأسلوب وقور مستخدما أعف الكلمات وأجمل وأطيب الألفاظ.

ولعل أهل الفن قد تأكدوا بعد لقائهم برئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي أن الإسلاميين ـ لاسيما الإخوان ـ لا يعادون أبدا الفن الراقي الذي يمتع الروح ويسمو بالنفس الإنسانية وينفع الناس وينهض بالمجتمع، وإذا كان فنانو مصر حريصين حقا على خدمة وطنهم والمساهمة الفعالة في مسيرة نهضته فعليهم الارتقاء لمستوى المسئولية، واستشعار نبل وأهمية رسالة الفن الراقي ودوره المحوري في بناء منظومة القيم، وصناعة ثقافة عظيمة تسمو بالأخلاق وتحفظ عادات المجتمع وتقاليده، وليسمح الفنانون بهذه التساؤلات:

1.    هل من حق الفنانين والممثلين التعدي على أخلاق المجتمع باسم الإبداع وحرية التعبير؟

2.    لِمَ يقوم صناع الدراما بحشر المشاهد الجنسية الساخنة وبث لقطات العري الفاضحة في أغلب الأعمال الدرامية؟

3.    ما الداعي لِلَّعب على أوتار الشهوات وإثارة الغرائز الكامنة في النفس البشرية ونحن نعلم واقع مجتمعنا البائس وتأخر سن الزواج وارتفاع نسب العنوسة والطلاق؟! ثم ألا يعرف أهل الفن أن ما يرسخ في أذهان المشاهدين ـ لاسيما الشباب والمراهقين والأطفال ـ هو الصورة وليس الفكرة، فمن يشاهد الفيلم أو المسلسل لا تبقى في ذاكرته مع الوقت سوى المشاهد المؤثرة، وغالبا ما تكون مشاهد جنسية مثيرة؟!

4.    هل يقدم الفنانون حاليا فنا حقيقيا ساميا بالفعل؟ وأين هم من مشاكل مجتمعنا الحقيقية؟ وما إسهاماتهم الفعلية في بناء المجتمع ودعم مسيرة تقدمه والدفاع عن الخير والحق والعدل والجمال؟!!

5.    وإذا كان أهل الفن يُطالبون بحماية حرية التعبير وهذا حق أساسي للجميع، فمن يحمي المجتمع من الإسفاف والابتذال الذي يقدم باسم الفن والإبداع؟!!

               

 * كاتب إسلامي مصري